جفاها النوم رغم التعب الذي يسري في جسدها
الآن........
كانت ممدده على الفراش في الظلام الدامس....
تفتح جفنيها على وسعهما.... تضحك تارة وتخجل تارة.......
ماذا حدث لها هل جنت ؟.... وجن قلبها معها ؟.... منذ متى تهتم للغرباء !!... منذ متى تُسهرها كلمة.... وتشغلها نظرة....... منذ متى وهي تنجذب لجنس آدم ؟!...
كانت ومزالت مبتعدة..... مكتفية بنفسها واحلامها..
من اين اتى... ولماذا يتسلل اليها بكل هذه
السرعة....
ارخت جفنيها بتعب وبدأت تتثاءب.... فوجدت عقلها
يعيد عليها ما حدث....
كلمست يدهُ ، وكانها تستسعرها على كفها من
جديد فترتجف بحياء !......
كصوته الرجولي، وكانها الآن تسمع نبرته الخشنة
ذات البحة المهيبة تهمس في اذنيها فيذوب
جزءاً منها معه....
كرؤيته عن قرب ، وكانها ترى طلته الوقورة المشعة
بالوسامة والهيبة..........
وسيم بدرجة تفجر داخلها مشاعر متعددة لم
تختبرها قط.... لمجرد النظر اليه والتحدث
عن قرب ......
ماذا يحدث لها هل جنت....... مالذي تعرفه عن عاصم الصاوي لتفكر فيه بهذا الشكل الخاص......
انبعث الضوء من هاتفها جعلها تفتح عينيها وتميل لاخذه.......وعندما نظرت اليه وجدته رقم غير
مسجل.....
حانت منها نظرة للساعة التي تشير للثانية صباحاً....مطت شفتيها باستياء......وهي تفتح الخط معتقدة انه طلب يتم حجزه من الآن حتى يصل ظهراً.........
استوت جالسة وهي تضع الهاتف على اذنها......
قائلة وهي تتثاءب عنوة عنها.....
"الو سلام عليكم......"
انبعث صوتٍ خشن ذو هيبة قائلاً.......
(وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.....شكلي صاحيتك من النوم.......)
انتفضت في جلستها أكثر واضاءة المصباح
المجاور لها....... وقد ابتلعت ريقها هاتفة
بتوجس......
"استاذ عاصم....... خير حصلك حاجة......"
على الناحية الأخرى اوما براسه
بوجوم.....
(آآه انا استاذ عاصم....مفيش فايدة.......)
سالته شهد بقلق....... "انت كويس....."
ئن عاصم متألماً.......(لا بطني وجعاني أوي.......)
وقع قلبها في قدميها وهتفت
برعب.....
"إيه بطنك وجعاك..... طب ماتروح لدكتور......"
تنهد بأسى وهو يتلذذ بنطق حروف
إسمها.......(هيعملي اي الدكتور ياشهد......)
قالت بقلق...... "هيكشف عليك........"
لاحت التسلية على محياه فقال
بخبث....
(ولما يسالني كلت إيه.... أجيب سيرتك عادي...)
قالت شهد بحمائية....
"على فكرة انا وكله معاك من نفس الأكل....."
صدرت من عاصم ضحكة خافته.....جعلتها تضيق
مابين حاجبيها بشكٍ سائلة......
"بجد انت تعبان ولا بتهزر......."
تنحنح عاصم بخشونة قائلاً.....
(ههزر معاكي في ساعة زي دي....... بجد تعبان....)
سالته بارتياع...... "طب عندك إيه......."
سحب نفساً طويلاً ثم قال بانتشاء....
(انا معرفش بس ممكن اقولك اللي بحس بيه....)
ارجعت خصلة من شعرها للخلف وهي تقول
ببراءة......
"قول يمكن شوية برد في معدتك....هقولك تشرب
إيه عشان ترتاح......."
تحدث عاصم هائماً في جمالها المرسوم امام
عيناه........
(هقولك..... لما بشوف حد معين......بحس كده انه وحشني... وعايز اتكلم معاه في اي حاجة المهم نتكلم وشرط اساسي أسمعه..... ولم بيغيب
عني......لا بعرف اكل ولا أشرب....ولا حتى انام.....وقلبي... قلبي مش مظبوط.......بيوجعني
اوي ملقيش عندك علاج لوجع القلب......)
بعد الاستماع إليه عقبت عابسة.....
"هو انت مش قولت ان بطنك هي اللي وجعاك......"
اجاب عاصم ببراءة......
(ما كل موصل ببعضو.... مفرقتش كتير......)
مطت شفتيها ممتعضة لتقول....
"لا فرقت كتير.........انا معرفش اعالج القلوب...."
رد عاصم بتهكم.....
(ليه انتي تخصص بطنه بس.......)
رغم حنقها فلتت ضحكة رقيقة خائنة من بين
شفتيها الممعتضة......فعقب وهو يبتسم لأجل ضحكتها الناعمة......
"ماحنا بنعرف نضحك أهوه......"
تلاشت ضحكتها وهي تساله بصرامة....
"برضو مش فاهمه متصل ليه....."
اخرج تنهيدة ثقيلة....وهو يختلق مبرراً......
(حبيت اطمن عليكي.....وباركلك مرة تانيه...على الافتتاح........)
تمتمت بعدم اقتناع.... "شكراً.....على السؤال.... "
رد عاصم بتسلية.......
(دي أقل حاجة عندنا....مقولتليش برضو.....اعالج وجع قلبي بأيه......)
قالت شهد بجدية شديدة....
"أقولك.....اشرب بوء ميه قبل ماتنام......"
مط شفتيه هازئاً وسالها عبر الهاتف...
(والله ؟!..... وبيجيب مفعول على كده......)
اومات بتأكيد..... "طبعاً........"
ازداد سخريته........(مجرباه يعني.....)
كتمت الضحكة بصعوبة وهي تخبره
بجدية.... "امم........على ضمنتي........"
(ماشي ياشهد.....اشوفك بكرة.......الساعة عشرة.......)تذوق اسمها مجدداً بتلذذ تستشعره
بشدة فيخفق قلبها معه.......لتقول هاربة منه....
"تصبح على خير يا استاذ عاصم......."
مط شفتيه باستياء واجابها وهو يتكأ
على لقبها السخيف....
(وانتي من أهل الخير يـا اسـتـاذة شــهــد.......)
اغلقت الهاتف وضمته الى صدرها وهي تكبح
ضحكة صادرة من أعماق قلبها... شاعره بقلبها
يقفز في سعادة وسرور......
على الناحية الأخرى ارتشف القليل من الماء ثم وضع الكوب جانباً .... وبعدها وضع راسه على الوسادة مبتسماً بانتشاء مُتمتماً .....
"ماشي ام اشوف اخرتها معاكي... ياست الحُسن...."
.......................................................................
في صباح اليوم التالي......
دلف عاصم الى غرفة الطعام... فوجد الجميع هناك يأكلوا وجبة الفطور بصمت..... حتى رأته جدته (نصرة..) فتهلل وجهها فرحاً وهي تدعوه بأن
يتقدم.....
"صباح الخير صاحي متأخر النهاردة.....مش
عادتك..... "
ابتسم عاصم وهو يتقدم منها ومال على رأسها
يقبلها قائلاً.......
"صباح آلورد..... راحت عليا نومه.....عاملة أي ياست الكل......."
"الحمدلله ياحبيبي...قعد بقا كُل لقمه...." ثم نظرت نحو يزن الذي يأكل بنهم غير مبالي بأحد
وقالت ضاحكة....
"قبل مايزن يخلص على الفطار......."
قال يزن وهو يمضغ الطعام الذي تكون في
وجنتاه ككورتين صغيرتين........
"الله ياتيته.....انتوا هتحسدوني ولا إيه.......ما كل
من الچم....مانتي عارفه....وبعدين انا بقالي يومين
اكلتي ضعيفة......وحاسس اني هفتان........"
ضحك عاصم وهو يجلس جوار
جدته....
"الحمدلله انك حاسس مش متأكد......."
رمقت إلهام عاصم بضيق ثم ربتت على ظهر
ابنها وهي تقول بنبرة ذات معنى......
"بالف هنا ياحبيبي....هو انت بتاكل فين يعني...ما
كل من خير أبوك........"
تمتمت عاصم بصوتٍ عالٍ متغاضياً عن
الرد.....
"بسم الله الرحمن الرحيم........"ثم وضع أول لقمة
بفمه.....
فقالت نصرة وهي تمضغ الطعام على
مهل....
"قولي ياعاصم حكيم مجبش بضاعة جديدة...غير الحاجات اللي ورتهاني في تلفونك......."
اجابها عاصم بنفي......
"لا لسه......أول مايجيب حاجة جديدة... هيكون
أول واحد يبلغك......دانتي زبونته........"ثم أدار
عاصم وجهه لمسعد (عمه.)وساله بفتور.....
"واي اخبار المعرض ياعمي..... "
رفع مسعد عيناه على ابن أخيه قائلاً....
"كله تمام والشغل شغال كويس....مش ناوي تزرني في مرة وتاخد فكرة عن تجارة العربيات....."
امتقع وجه نصرة فعقبت باستهجان....
"خليه في تجارة الدهب....هي دي التجارة اللي تنفعه...."
تافف مسعد بضيق.....
"جرالك اي يامي.....هو كل ماتيجي سيرة شغلي
ميعجبكيش كلامي......."
قالت نصرة مقتضبة....
"انت عارف مش عاجبني ليه...."
تافف مجدداً...... "لا حول ولا قوة إلا بالله........"
ربتت الهام على كتفه بلؤم على مرأى اعينهم
وقالت......
"كُل ياخويا متفورش دمك احنا لسه على الصبح...."
نادتها نصرة بغضب.... "إلهام......."
نظرة لها الهام بملل...... "نعم ياماما......"
قالت نصرة بحدة.....
"متدخليش بيني وبين ابني.....سامعة......"
عضت الهام على باطن وجنتيها قائلة
بصعوبة....
"اللي تشوفيه......اتكتمت........"
بينما نظرت نصرة الى ابنها قائلة
بحسرة....
"كُل يامسعد عشان مفورش دمك زي مراتك مابتقول......."
لم يرد مسعد بل اكتفى بالصمت....لتتحدث نصرة
مع حفيدها الأكبر قائلة بتذكر وبنبرة حزينة
"صحيح ياعاصم.....سنوية جدك قربت....وعايزين نعمل وليمة كل سنة......."
ابتسم عاصم بحنو قائلاً.....
"تعيشي وتفتكري ياحاجة.....قوليلي عايزة إيه
وانا انفذة........أأمُريني.... "
قالت نصرة وهي توزع نظراتها على
الجميع....
"الامر لله واحدة يابني..... زي كل سنة هنجيب
طباخ وناس تخدم على الناس الغلابة اللي هتكون
موجوده هنا......اهوه نكسب دعوة حلوة.....وتبقى صدقة على روح جدك الله يرحمه......."
اوما عاصم براسه بانصياع.....
"تمام.....هشوف هعمل اي وكلامك......"
قالت نصرة بامتناع.....
"اسمع ياعاصم بلاش الطباخ اللي جه السنة
اللي فاتت....."
سالها عاصم باستفهام....
"ليه ياحاجة........هو اكله معجبكيش......."
قالت نصرة بعدم رضا.......
"هو ده اكل ياعاصم.....دا زينة يابني.....لا ليه طعم
ولا ريحة....شكل حلو وخلاص........شوف غيره حد يكون مضمون......."
قفزت في رأسه صورتها فلانت شفتيه بابتسام
مغزية تخص صاحبة العيون العسلية.......فاجابها....
"حاضر هجبلك حد مضمون......."
تدخلت إلهام كالعادة بنظرات مزدرية تقول
بتكبر......
"انا شايفه ان ملهاش لازمه التكاليف دي كلها
ياماما....يعني لو طلعنا حاجة لله أحسن....من
الزحمة والهيسة بتاعت كل سنة.......بصراحة
البيت بيبقا مليان ناس غريبة منعرفهاش أصلا والواحد خايف حاجة تتلطش كده ولكده...."
سالتها نصرة بصلابة.....
"ومن امتى في حاجة بتتسرق من بيت
صابر الصاوي.... من امتى يامرات ابني......"
تلعثمت إلهام في الرد بعد نظرات الجميع
المصوبة عليها.......
"انا بقول ممكن....مقولتش اني في حاجة اتسرقت........"
ضربت نصرة بقبضة يدها المرتجفة سطح المكتب قائلة بسطوة تضاهي عشر رجال معاً.......
"وليمة كل سنة هتتعمل في معادها.... رحمة ونور على روح المرحوم صابر الصاوي جوزي......ولي مش عاجبه....يلزم اوضته لحد ماليلة تعدي على خير..........."
تدخل عاصم قائلا برفق....
"اهدي ياحاجه......ضغطك هيوطى....."
وكذلك برر مسعد افعال زوجته بحرج بالغ
وهو يرمقها بعتاب......
"الهام متقصدش يامي........هي قصدها تريحك...."
وامات نصرة براسها مستهجنة.....
"بجد ؟!.... كتر خيرك يالهام.....بس انا بقا بحب
التعب....بذات لو هاخد صواب واجر عليه
هعمله........."
تدخل يزن في الحديث قائلاً بملاطفة...حتى
تهدأ الأجواء المتوترة قليلاً......
"حصل خير ياتيته......كلنا هنحضر للوليمة....وانا بنفسي هخدم على الناس......"
انعقد حاجبي عاصم بتعجب ليقول بلؤم
مرح.........
"انت اللي حكمت على نفسك ياحلو.....مترجعش تعيط وتقول اه يارجلي واه ياضهري......"
سحب يزن نفساً عميقاً حتى تضخم صدره وهو
يقول بزهوٍ....
"ضهري ورجلي إيه....أمال انا بروح الچم ليه مش عشان استعد للحاجات اللي زي دي.....ابن عمك وحش.....اتقل..... "
ابتسم عاصم غامزاً.....
"ماشي ياعم الوحش اما نشوف...."
نظرة لهم نصرة بحب....وقالت
بمحبة....
"ربنا يحميكم ياحبايبي ويخليكم ليا......."
هتف يزن ناغشاً إياها.....
"ويخليكي ليا يانصرة قلبي......"
هتف عاصم ساخراً......
"افطر يانحنوح.........خليك تلحق جامعتك......"
مالى يزن على الجدة هامساً بشقاوة....
"غيور أوي...."
ضحكت نصرة وهي تندمج معه أكثر....
"من يومه......"
برمت إلهام شفتيها بغضب وهي ترمق زوجها بحنق
ليهز كتفه بقلة حيلة........فنهضت من مكانها سريعاً
دون استئذان..........وقد لحق بها مسعد سريعاً.....
وعندما دلفت للغرفة صرخت بهجوم....
"انا مليش لازمة في البيت ده يامسعد....مليش لازمة........"
اغلق مسعد الباب وتقدم منها محاول ان
يهدأها.......
"أهدي يالهام....دي مهم كان أمي....مقدرش اعترض
على حاجة عيزاها......."
غلت دمائها كمرجل ناري وهي تصيح
هائجة......
"يعني انت موافق على الهبل ده......وليمة ولمه...
ما طلع حاجة لله وتخلصنا....لازم تعمل فرح
حوليها........"
زفر مسعد بقلة صبر.......
"يالهام....دي سنوية ابويا......وهي متعوده تعمل كده
كله سنة........"
اشارت الهام على نفسها بغيظٍ محتقن.....
"وكله سنة بعترض.....ومفيش حد بيسمعلي كلمة...
انا مش حسى اني في بيتي....انا حسى ان زي
زي الكرسي ده......."خبطت على المقعد
بهيجان.......
تحدث مسعد بصبر.....
"ياحبيبتي احترام الكبير واجب......"
نزلت دموع الهام وهي تقول بحرقة.....
"وانت شايفني قللت منها........انا بتكلم في الصح يامسعد........اللي هي عايزة تعمله ده بيخنقني....
بحس انه مش بيتي.....مينفعش اعترض على
حاجة مش عيزاها ياناس......."
تافف مسعد هذه المرة بقلة صبر.....
"مش هقولهالك تاني يالهام.... امي كبيرتنا
....ومينفعش نعترض على حاجة هي عيزاها......"
سالته بعينين تشتعل...... "يعني اي يامسعد......"
اتجه مسعد لباب الغرفة قائلاً بصرامة......
"يعني اللي هي عيزاه تعملو.....ملكيش دعوة ...
حطي لسانك جوا بوك وبلاش تعمليلي مشاكل معاها....انا مش ناقص مشاكل......مش هتكون
مشاكل برا وجوا...انا زهقت........"
فتح الباب امام عينيها الحاقدة.......واغلقه
فنادت عليه بتشنج......
"مسعد...........مسعد........"
لكنه لم يعود.....فتمتمت بعصبية......
"هرب زي كل مرة......جبان.......ابن أمه........"
مسكت الهاتف وهي تبكي ثم رفعته على اذنها
قائلة بانفاس متهدجة من شدة الغضب.......
"روفيدة شوفتي الهم اللي انا فيه........هتعمل
السنوية زي كل سنة............."
.......................................................................
جالسة امام التلفاز بملل... تتافف كل دقيقة متقلبة
في جلستها بعدم ارتياح.....تشعر بضيق بالانزعاج من هذا التجاهل والمعاملة الشبة منعدمة بينهما.... والنظرات التي تكاد تحرقها كلما رآها......
ماذا حدث ؟!..لماذا تغير هكذا..... لم يكن هكذا قبل أيام... كان لطيف حاني.... هادئ..... ويعاملها بانسانية.......
لماذا تحول الا لوحة ثلج باردة....ونظراته تشع
بغضاً وغضب........هل يكرهها فعلاً.....ام انها
تتوهم........
لماذا يبيت في الورشة أحياناً....وان تصادفت معه يكن لمدة ساعتين ثم يرحل.......وكأنه يصعد إليها
فقط حتى لا يشك والديه في شيء......
ترقرقت الدموع بعينيها.....وهي تشعر بالاختناق من هذا السجن.........
الباب مغلق بالمفتاح... لا تخرج..... لا ترى أحد...كل
ما تفعله الجلوس هنا كما يريد....وكما يريد
الجميع منها.......
خذلت ثقة الجميع فأصبحت بنسبة لهم وصمة عار
ممكن ان تصيبهما وتنكس رؤوسهم في الوحل...
لذا بكل شهامة تزوجها ابن عمها.....الذي يكبرها بخمسة عشر عاماً.....تزوجها ليكن واصي عليها
حتى يأخذ كل الصلاحيات لردعها وحبسها هنا
في سجناً......هو امام الجميع العش الزوجي
لهما.......
كل شيءٍ كاذب من حولها مزيف.....مجرد عروسة
بالحبال تتحرك يمينا ويساراً بايديهما.......
لكن من تلوم........هي من فعلت في نفسها كل هذآ
لقد وقفت أمام الجميع يوماً وقالت الحب أولاً...ولم
تعرف ان الحب عملة لا تباع ولا تُشترى........
نزلت دموعها وهي تتذكر هذا اليوم المشئوم والتي قررت به ان تلقي كل شيءٍ خلف ظهرها و تهرب
مع من تحب........كما أخبرها....وكما وافقت دون
ان تفكر مرتين في عواقب الهروب من أهلها
وسلطان عبد القادر !!......
في يوماً شتوي بارد ليلاً وفي منتصف الليل كانت السماء تمطر والجو سيء من شدة الطقس المنقلب.....
خرجت من غرفتها ببطئ شديد وحرص....وبدأت تدور حول نفسها بخوف وبقلبٍ يخفق بهلع
كالصوص في الظلام.......
كانت تشبههم وهي تدور حول نفسها برعب يميناً
ويساراً.......تنظر لباب الشقة البعيد بلهفة...
فهي ترى خلف هذا الباب المغلق....حريتها وحبها
الوحيد......ستنال كل هذا ان خرجت من هنا...
ستثبت للجميع واولهم سلطان أنها فعلت الصواب
وان عادل أحبها بصدق.....ولن يُحبها أحد كما فعل
عادل........
وصلت أخيراً الى باب الشقة ولحسن الحظ ان والدها
لم يوصده ككل يوم....ربما نسى....وربما القدر يتعاون معها.....
بلعت ريقها وهي تخطو للخارح مغلقة الباب خلفها
على مهل...حتى لا يسبب ضجيج......
ثم أخذت السلالم ركضاً وهي ترفع طرف عباءتها السوداء قليلاً وتحاول عدل وشاح رأسها الأسود
عندما وصلت لباب العمارة لفح الهواء البارد
وجهها ورذاذ المطر بللها....
لحسن حظها ان اليوم كان ممطر....فكان الشارع خالي من البشر والظلام والمطر يخفي الوجوه..
ركضت جوار الرصيف وهي تحمل حقيبة اغراضها بين يداها...
حتى تجاوزت الشارع التي تقطن به....فوصلت للطريق العام والقت نفسها في سيارة سوداء
صغيرة.....
بدأت تأخذ انفاسها وهي تهتف
برعب......
(انا مش عارفه طوعتك إزاي.......)
سمعته يهمس جوارها ببحة خاصة وبكلامه
المعسول الذي اوقعها في الهوى......
"يمكن عشان بتحبيني.....واننا لو بعدنا عن بعض ممكن حد فينا يموت من غير التاني......"
لانت شفتيها وابتسمت بعذاب وهي تدير رأسها
اليه ومزالت تسند راسها على ظهر المقعد بتعب
ومزالت انفاسها عالية من كثرة الركض
والخوف... ومزال وجهها مبلل من الشتاء....
ومزالت مرعوبة من عواقب ماحدث.... ومزال
كل شيءٍ معقد وغير متوزان أمامها... ورغم
ذلك وذاك....... قالت بدلال اليه......
(أتكلم عن نفسك.... انا اقدر اعيش من غيرك عادي........)
اعتدل الشاب قليلاً في جلسته....وكان شابٍ في منتصف العشرينات من عمرة.....كان عادياً
الملامح عابث النظرات.....يظهر بوضوح
ادمانة للممنوعات....مما يعطي انطباع سيء
عنه وهذا سبب رفض اهلها له....واعتراض
سلطان على الزيجة بعد ان سأل عنه وتأكد
انه غير جدير بها......قال بابتسامة لعوبة...
(كذابة يادوللي.... انا أول ماقولتلك نهرب عشان
نتجوز ونحطهم قدام الأمر الواقع... مكدبتيش
خبر ووفقتي علطول... من غير حتى ما تفكري......)
قالت داليدا بهيام.....(يمكن لاني بحبك......)
تعمد النظر اليها بتأثر وهو يخبرها.....
(وانا بموت فيكي.......محضرلك مفاجأه جامده لما نوصل.......)
راقبته وهو يحرك المحرك ثم انطلق بسيارة
فسالت بهدوء.......(على فين.....)
اجاباها.....(على شقتي......)
كشرت عن انيابها........(شقتك؟!....)
اجاب بثبات وهو يشغل مساحات الزجاج
حتى يرى الطريق.....
(شقة مفروشة.... اجرتها عشان نقعد فيها سوا....
أمال عايزاني اخدك ونقعد مع امي واخواتي...
دول كانوا سلموني لاهلك تسليم اهالي من قبل
حتى ما اكتب عليكي......)
قالت داليدا بحنق مكتوم....
( بس احنا متفقناش على كده ياعادل.... احنا اتفقنا اننا هنطلع على المأذون الأول نكتب
ونروح نعرف اهلي اننا اتجوزنا.....)
قال عادل بتعجب.....
(وانتي فكرك حتى لو كتبنا دلوقتي... القسيمة هتطلع في ساعتها......)
سالت ببلاها....(امال إيه.....)
رد عادل بجدية شديدة.....
(امال إيه !!..... بتاخد وقت طبعاً يادليدا...مش أقل من شهر....)
هتفت بدهشة.....(شهر !!.....)
اوما مؤكداً......(آآه شهر.......)
سالته بتعجب......(طب هنعمل إيه......)
نظر عادل لها قائلاً بتوضيح......
(هنكتب الكتاب طبعاً..... الماذون والشهود جايين ورايا..... وهنقعد كام يوم فيها لحد ما ناخد القسيمة ونوريها لاهلك زي ماتفقنا........ ساعتها
غصب عنهم هيرضوا بيا..... ومش هيقدورا يحرمونا من بعض..... اي رأيك.... موافقة...)
اومات برأسها بالموافقة كالمنوم
مغناطيسين......
(موافقة.... طالما هتنجوز رسمي.... على ايد
مأذون وشهود......)
قال عادل بتأكيد.....(طبعاً جبتي اوراقك انتي......)
اشارت على الحقيبة الموجوده على ساقيها...
(جبت كل حاجة هنا......)
اشار لها بعبث......
(وشنطه دي فيها اي غير الأوراق......)
قالت ببراءة......(هدومي......)
سالها بلؤم....(بجد...... حلوة الهدوم دي......)
رمقته بتحذير.......(عااااااادل.....)
رقص حاجباه بشقاوة.....
(عادل اي بقا..... دا الليله ليلتك يادوللي.....)
جزت على اسنانها تخفي ابتسامتها قائلة...
(اتلم......)
(بحبك..........ووصلنا على فكرة.....)قالها وهو يوقف السيارة......
فنظرت داليدا من خلال النافذة الى العمارة
المجاورة التي تبدو أنها من المباني القديمة
جداً في هذا الحي الشعبي......
(الشقة هنا......)
خرج عادل مجيباً.......(آآه الدور الأخير......)
خرجت خلفه قائلة بدلال....(هطلع كل ده......)
سالها عادل غامزاً......(تحبي اشيلك........)
(بس بقا......)لكزته في كتفه وهي تصعد معه ضاحكة...
صعدا معاً حتى الطابق الأخير....فاخرج
عادل المفتاح وفتح الباب مشيراً لها
بدخول.......
بلعت داليدا ريقها وهي تدلف للمكان بتوجس
شعرت بخطٍ من الصقيع يتخلل جسدها المنكمش من شدة البرد والمطر الذي غرق عباءتها.....
دارت عيناها بتأني في الشقة الشبه فارغة.....خالية من الاثاث مجرد غرفة وصالة وحمام ومطبخ...ترى
الغرفة بوضوح تحتوي على سرير فقط !!...
اما باقي الفرش فمنعدم.......
شعرت بعدم الارتياح بعد ان أغلق عادل
الباب خلفه.......لم يكن لديها خيار للتراجع...فقد اختارت بكامل اردتها....ولم يجبرها عادل على ذلك......
رن جرس الانذار في أذنيها عندما سمعت
عادل يقترح بنبرة غريبة....
(مش هتغيري هدومك.......)
استدارت داليدا اليه بوجهٍ شاحب تسأله....
(اغير هدومي !!......)
اهتزت حدقتاه سريعاً لكنه أجاب بنبرة هادئة
(هدومك مبلوله يادوللي...من الشتا...ادخلي الحمام غيريها عشان متبرديش......مش قولتي الشنطة دي فيها هدوم....خديها معاكي...ولبسي حاجة كويسة
عشان الماذون زمانه جاي هو والشهود....)
حمل الحقيبة و تقدم منها واعطاها اليها
قائلاً بحرارة....
"اوعي تتاخري الماذون على وصول......"
اخرجت داليدا تنهيدة ارتياح وهي توما براسها
بخجل.....فقال عادل بنظرة عاشق....
(بحبك......)
احتضنت الحقيبة قائلة بخجل...(وانا كمان.....)
مالى عادل عليها حتى يقبلها لكنها هربت
سريعاً الى الحمام الذي أشار عليه....
بعد حوالي نصف ساعة من تواجدها بداخل سمعت
الباب يطرق بقوة....فوقع قلبها وهي تخرج من الحمام بعباءة بيتي محتشمة ولكن شعرها مكشوف
ومنسدل على ظهرها فمن شدة الخوف نست
غطاء رأسها....
وقتها خرجت لترى الطارق الغاضب والذي اتى في هذا الوقت.....لتجد شخصٍ لم تتوقع وجوده الآن
(سلطان عبدالقادر) ابن عمها....يمسك عادل من ياقة ملابسه وهو يصرخ فيه بوحشية سائلاً عنها....
وقتها صرخت بعزم ما فيها وهي تقترب منهم
لتبعد عادل من تحت يداه الشبية بالمطرقة الحديدية.......
حينها نظر لها نظر المتها....وحزنت لأجله.....فقد
رأت في عيناه نظرة المطعون في شرفه....نظرة
المكسور......لدرجة انها رأت دمعت وهمية في عيناه وهو ينظر اليها بعدم تصديق.....وفجأه انتشرت الصدمة لغضب أسود على محياه...ونزل على صدغها سريعاً بصفعه اوقعتها أرضاً اسفل قدماه.........
أغلق الباب بقوة وصوت المفاتيح جعلاها تفيق
من شرودها بل و تنهض من مكانها وتذهب
إليها.....حتى تلحق به وتسأله قبل ان يغلق باب
غرفته على نفسه كالعادة ويتركها لوحشة اليل
تنهش عقلها وقلبها.......
"سلطان.........احضرلك العشا......."
لم يعرها إهتمام بل تابع السير لغرفته بمنتهى البرود
المستفز لاعصابها مما جعلها تلحق به قائلة بصيحة
غضب.......
"سلطان انا بكلمك......."
"مش عايز أطفح......"استدار اليها سريعاً صارخاً بتلك
الكلمات وعيناه الحمراء ترمقها بازدراء كريهاً......
المها قلبها بشدة مما جعلها تغمض عينيها خوفاً منه...
بينما هو نظر الى خوفها بقرف...ثم للسلسال المعلق في عنقها...والذي تخفيه أسفل ملابسها.....فلو كانت تهابه فعلاً ما كانت احتفظت بسلسالا يحمل صورة حبيبها....
وكانها تتحداه.....وتستهزء به........لا يملئ عيناها
إذاً.....
" شايفاني بقرون صح........ "
فتحت عينيها بخوف وهي تسمع هذه الكلمات.. التي لفظها وهو يقف امامها بمنتهى العصبية والغضب والازدراء الذي يأبى ان يمحى من عيناه.......
قالت بغصة مختنقة بالبكاء......
"انا مش فاهمه حاجه....... هو انت اتغيرت كدا ليه
انا عملت إيه......."
"عملتي ده...... "وقبل ان تترجم ماذا يقصد وجدته يسحب السلسال الذهبي من عنقها بمنتهى العنف
لدرجة انهُ جرحها بشكلاً غير ادامي..... حتى انقطع
قفل السلسال ورحمها من العذاب.........
تاوهت متألمه وهي تلامس الخط الرفيع الأحمر في عنقها.......... ناظرة اليه بخوف ممزوج بالغضب.... بالكره بكونها اصبحت تحت رحمة رجلاً مثله !....
اغمضت عينيها بزعر وارتجفت عندما تقدم منها ومسكها من ذراعها بقوة مشيراً الى السلسال بغضب........
"شايفاني بقرون ها.... مش مالي عينك....معلقه صورة حبيب القلب في رقبتك وانتي على ذمتي..... شايفاني****......... ها متنطقي شايفاني إيه.....
مسك حفنة من شعرها بقبضة من فولاذ وبدا
يهزها بمنتهى الهمجية قائلاً بضراوة.....
" ولا تكوني افتكرتي اني عشان بعملك كويس هكون نسيت عملتك السودة......لا وهتعرفي تستهيفيني زي
مانتي عايزة....... فوقي يابت...... دا انا اللف عشرة من عينتك بصباع واحد..........فاهمه...... بتشتغليني... عملالي فيها حبيبا ومعلقه صورته في رقبتك...
مفيش اي احترام للنطع اللى سلمك اسمه
وشرفه....."
حاولت داليدا التملص من بين يداه وهي
تبكي متالمة.......
"سبني ياسلطان حرام عليك شعري هيتخلع في إيدك........آآه ارحمني أبوس إيدك.... "
تركها سلطان دافعاً اياها للحائط ليقول
مشمئزاً...
"ابعدي عني مش عايز اشوف وشك... سامعه... انا قرفان منك ومن نفسي.........قرفان على الخطوة
المهببه اللي خدتها وسلمت نفسي واسمي لواحده
جايبها من شقة واحد هربت من اهلها عشانه....."
مسحت دموعها هاتفة بكبرياء محطم.....
"محدش قالك اتجوزني........ محدش قالك أعمل كده
ياريتكم كنتم موتوني وريحتوني من القرف ده...."
لم يعلق سلطان بل ظلت نظرة الاحتقار الساخرة
تشع من عيناه الغاضبة......لذا قالت داليدا
بكراهية........
"انت فاكر انك عملت فيا معروف..... انت
دبحتني..... دبحتني.........
لم يعقب فتابعت بغضب أكبر وهي تذرف الدموع
دون توقف........
" بص حوليك كويس.... انا في سجن وانت على بابه......... "
قال سلطان بقساوة......
"وهفضل على بابه...... لحد ماربنا ياخد واحد فينا
ساعتها واحد فينا هيرتاح من التاني......"
صمتت وازداد سيل الدموع من عينيها وهي تنظر
اليه بوجع ممزوج بندم........فحذرها بتوعد وبملامح
خطِرة..........
"متقربيش مني تاني يادليدا.... اياكي.... المرة الجايه
مش هسمي عليكي.... وانتي عرفاني لما بقلب...."
أغلق الباب خلفه بقوة.... فانتفض جسدها من
مكانه برعب......ثم لم تلبث الا ودلفت لغرفتها
مغلق الباب عليها....والقت جسدها على الفراش
دافنة وجهها في الوسادة تاركة العنان لشهقاتها
العالية وعينيها في ذرف الدموع والندم على
فعلتها الغبية معه......
بداخل الغرفة......تخلص سلطان من قميصه والقى جسده الضخم على الفراش بزفرة تعب......
ثم اغمض عيناه وهو يحاول تهدأت انفاسه العالية
غضباً.....محاولا نسيان صوت بكاؤها الذي يسمعه
بوضوح حتى ان كانت تكتمه في الوسادة !......
لماذا فعلت هذا به...افسدت حياتها بيدها...كانت
من الممكن ان تتزوج شخصاً آخر يناسبها سناً وعنفوان......مرِح...... معسول الكلام... جيد في التعبير.......يعشق الحياة....ويعرف كيف
يُحب.........وكيف يسعد من يحب.........
وقعت معه هو.......بسبب غباؤها....وتصرفاتها المتهور
ابتلتها الحياة به...فهو بنسبة لاية أمرأه ابتلاء
كبير !!.....
ليس جيد في التعبير.....لا يعرف كيف تكون لغة
الحب........ليس بحنون.......لم يكن مرحٍ يوماً.....لا
يجيد الكلام المعسول.......لا يعرف من اي باب
يدخل لاثنى ويوقعها في غرامة ؟!.....
الحياة تتشكل بنسبة له عملاً في النهار ،
نوماً في الليل........
ام الحب والارتباط بهذا الجنس الناعم.... فهو جرب
مرتين وفشل....لمجرد انه خشن في التعامل...لا يتهاون مع إمرأة تخصه........لذا كلا منهن لاذت
بالفرار منه........
ويشاء القدر بعد ان يغلق هذا الباب لصعوبة طباعه
الخشنة معهن.........تفتح داليدا الباب خُلسة وتدلف منه.........وتتحداه دون ان تدري لذا قادة الجنون يومها وطلب يداها في لحظة غضب وتهور
من والدها......
ولأن خلف كل خطأ قراراً مُتسرع.....كان أكبر خطأ الزواج منها......فكما يُقال قد أصلح الخطأ بخطأ
أكبر........
فهو لا يستحقها وهي لا تستحقه.....وهما غير مناسبين لبعضهما..... لكن بسبب فعلتها الفادحة
اصبحا هنا.......يمثلا الحب....وهم ليسوا
بمحبين ؟!!.....
شرد ذهنه قليلاً متذكراً اليوم الذي أخبره به عمه
(ناصف) ان داليدا هربت من البيت وهذا قد
اكتشفه عندما ذهب ليصلي الفجر........
وقتها جن جنونه وهو يذهب اليهما في وقتٍ قياسي يدعي الله ان لا تكون خذلت الجميع وفعلتها....
لكنه انصدم حينما وجدهما يبكون بخوف عليها
مترجين اياه كالاطفال بأن يرجعها قبل ان يمسسها هذا الشاب بأذى.......فمن يعلم ماذا فعل
بها الآن....
وقتها وعدهما انها في عُهدته وستعود كما خرجت
دون ان يمسها آذى........
وبالفعل بعد عدت مكالمات لأشخاص مقربين من المدعو (عادل) عرف المكان دون ان ياتي إسمها في
شيء.....
وعندما وصل اليه تهجم عليه سائلاً عنها بقلب يخفق
برعب عليها....وقتها لم يتوقع أبداً ان تخرج امامه بمنتهى البرود بعباءة بيتي وبشعر مكشوف
تدافع عن حبيبها وتتبجح أمامه....
لذا لم يسيطر على نفسه وهو يرفع كفه ويصفعها بمنتهى القسوة والقوة التي اوقعتها أرضاً أسفل
قدميه.......
.....................................................................
وقعت داليدا أرضاً بعد صفعة قوية جعلت اذنيها تصفر بقوة وصدغها يلتهب احمراراً.......
بلعت ريقها وهي تتراجع للخلف زحفٍ بساقيها
وهي ترى سلطان يضرب عادل بمنتهى الوحشية
فصرخ عادل يسبه بقسوة....
"انت جاي ليه..... مالك ومالنا...... كنت واصي عليها بتحبني وبحبها ياخي وهنتجوز.... انت مال أهلك......."
لكمه سلطان عدت مرات وركله اسفل
الحزام...هاتفاً بانفاس متهدجة من شدة
الغضب.........
(تجوزوا !!.......مش لما نقرأ الفاتحة على
روحكم الأول......انت عارف ان انا ممكن اوديك
في ستين داهيه....انت خاطف قاصر يالا.....لا وعايز تتجوزها من ورا اهلها كمان....عارف دي عقوبتها إيه.....)
ارتعد عادل ونظر لداليدا الجالسة أرضا تبكي وترتجف بخوف......
(داليدا جايه بمزاجها.... انا مخطفتهاش.... قوليلوا يادليدا....... قوليلوا......)
نظر لها سلطان بحدقتاه المشتعلة وحرك
شفتيه بعنف سائلا.....
(ايوا قوليلي يامحترمة.... انك هربتي من بيت أهلك لشقة واحد عازب...... كنت بتعملوا اي بظبط..... ومغيره هدومك وكشفه شعرك.....
كنتوا بتعملوا اااايه.... انطقي........)
قالت داليدا بشفاة ترتجف...وجسد
مزعور.....
(محصلش حاجة ياسلطان.... اقسم بالله
ماحصل حاجة........)
رد سلطان بقرف....
(دا عشان انا جيت بس.......مش كده....)
قالت بدفاع وهو تحاول النهوض.....
(عادل كان هيتجوزني.... احنا مستنيين المأذون....)
بصق الكلمة بقرف وهو يهتف بعدم تصديق....
(مأذون !!....مش مصدق؟!...انتي هبلة لدرجادي
مفكيش مخ..... بيضحك عليكي من حتة عيل
حشاش زي ده.......)
ثم سحبه سلطان من ياقة قميصه هاتفاً بشراسة.....(وفين المأذون يلا...فين.)
قال عادل باعياء من كثرة الضرب الذي
تلقاها من هذا الضخم.....الذي يفوقه
جسداً وقوة.......
(جاي.... جاي دلوقتي.......)
(كداب.....كداب ياروح أمك.....عشان اللي زيك
سككه كلها شمال اليمين يتعبو... مش كده....)
خبط سلطان جبهته بجبهة عادل الذي لم يتحمل
الضربه ووقع أرضا فاقد الوعي......تسيل الدماء
من رأسه........
صرخت داليدا بخوف وهي تركض لعنده لكن سلطان مسكها من شعرها وجرها لأحد الغرف
واغلق الباب عليهما......وبدأت تاخذ هي أيضاً
عقابها........من صفعات....لسب.......لضرب
بشكلاً غير ادامي..........
وقد افرغ كل غضبه عليها......وخرجت من الغرفة تجر قدميها بصعوبة وهي تذهب معه من الشقة
تاركة عادل ملقي أرضاً في دماؤه......
وعندما وصلت الى شقة والديها أستقبلها والدها
بصفعة قوية اوقعتها أرضا فاشفقت أمها عليها فاخذتها بين احضانها باكية معها ارضاً وهي
تعاتبها بحسرة....
(ليه عملتي كده فينا ياداليدا....ليه يابنتي.....ليه
عايزة تحطي راس ابوكي واهلك في الطين...
...ليه يابنتي.....)
ظلت تبكي في احضان امها وتخفي وجهها في صدرها....حتى سمعت والدها يخرج من المطبخ
حاملاً السكين بين يده ينوي قتلها.....
لولا سلطان الذي وقف امامه ومنعه....
(بتعمل اي ياعمي.....)
صرخ ناصف بحرقة وهو يحاول ابعد سلطان
من أمامه....
(سبني....سبني ياسلطان...هقتلها وشرب من دمها.....اللي زي دي لازم تموت قبل ما تجبلي
العار.......سبني......)
لم يتزحزح سلطان من أمامه بل اخبره
بخشونة......
(داليدا في حمايتي.....محدش هيقربلها طول
ماهي معايا.......)
صرخ ناصف بغضب.....
(يعني إيه.... عايزني اسبها تدور على حل شعرها.......)
رد سلطان بالهجة عنيدة......
(مش هيحصل.... بنتك صاغ سليم.... والغلطه اللي عملتها هتتحاسب عليها.....ومفيش حد هيربيها غيري....)
تساءل ناصف بوجوم.....(تقصد اي ياسلطان....)
سحب سلطان نفساً طويلاً....ثم أخبره
بصلابة......
(اقصد ان داليدا بقت ملزمه مني من النهاردة...
انا عايز اتجوز بنتك ياعمي على سنة الله
ورسولة...... قولت إيه....)
اتسعت عينا داليدا وصرخت في احضان أمها
برفض...
(لا مش هيحصل.... لا..... لا حرام عليكم.....)
اتسعت عينا ناصف بغضب...وتجاوز سلطان
وهو يميل عليها أرضاً ويجذبها من شعرها.....
(اخرسي يا فاجرة.... ليكي عين تتكلمي بعد
عملتك السودة......)
خلصها سلطان من بين يدي
والدها...وهتف بسرعة....
(عمي......عمي اهدى خلينا نتكلم.....)
وضع ناصف يده على صدره متألماً ثم لفظ
بصعوبة له.......
(انا موافق... موافق ياسلطان.... والفرح هيكون اخر الشهر ده......)
هز سلطان راسه بالموافقة
(وانا جاهز...... وشقتي جاهزة......)
قال ناصف بصعوبة.....(يبقا على بركة الله......)
ام داليدا فمن بين دموعها بدات تمتمت
بقهر......
(لا..... حرام عليكم...... لا......)ربتت والدتها على
ظهرها وهي تبكي معها.....فتابعت داليدا
بحرقة....
(مش عايزة اتجوزه لا....مش عايزة اتجوزه....)
أغمض سلطان عيناه بتعب ومزال صوت رفضها يدوي في أذانه كصاعقة الرعد.......
..........................................................
في اليوم الثاني مساءاً.....
قد عاد من العمل في الورشة باكراً.....وعد لنفسه بعض الشطائر وكوب من الشاي.......وبدأ يتناولهم امام التلفاز بينما هي تلتزم بالجلوس في غرفتها
ولا تخرج منها....
أثناء تناوله للطعام ومتابعة الأخبار....صدح جرس الباب.....فعقد حاجباه وهو ينظر لساعة الحائط
التي تشير للتاسعة مساءاً......
فاتجه الى غرفة الأطفال المقيمة فيها داليدا
واقتحم الباب دون استئذان قائلاً......
"اي مش سامعة جرس الباب......"
احتدت نظراتها وهي جالسة على الفراش بشعراً
مشعث وبشفاه مقلوبة.....ضامة ساقاها الى
صدرها بذراعيها...... جالسة جلست البؤساء !!.....
قالت داليدا باقتضاب.....
"هو مش المفروض تتسئذن قبل ماتدخل ..."
نظر لها بعدم رضا ثم اجاب بمنتهى البرود......
"انا مبستئذنش في بيتي..... قومي سرحي شعرك
الواقف ده...... وغسلي وشك.... على ماشوف مين على الباب.... وياريت نفرد وشنا شويه... لحد
مالضيف اللي على الباب يمشي......."
عندما اغلق الباب خلفه تاففت بغضب بل وجذبت الوسادة وصرخت داخلها ثم القتها على الباب المغلق........
بالخارج فتح سلطان الباب فوجد أخته الكبرى
(أميرة....)تقف امامه بإبتسامة حانية تحمل بين
يداها طبق من الحلوى الشرقية المفضلة لديه
فقالت أميرة وهي تحرك الطبق امامه بشقاوة...
"قولك مينفعش اكون عامله بسبوسة ومطلعش لسلطان حبيبي طبق......"
اخذ الطبق منها وهو يبتعد عن الباب مرحباً بحفاوة....
"تسلم الايدي يام جنة.....تعالي ادخلي انتي عايزة حد يعزم عليكي ولا إيه......."
دخلت أميرة وهي تبحث بعيناها عن داليدا
سائلة....
"حبيبي مش محتاجة عزومة دا بيت أخويا.......
فين ديدا صحيح......."
"في الأوضة زمانها جايه....تعالي نقعد جوا...."أشار
لها سلطان على غرفة الصالون....
جالسا الإثنين على الاريكة....وضع سلطان طبق الحلويات جوار صنية الشطائر.....فعقبت أميرة
مبتسمة.....
"يااااه فكرتني بالذي مضى..لسه بتاكل السندوتشات
دي ياسلطان......"
ضيق سلطان عيناه بلؤم......
"من فات قديمة تاااه.......بذمتك جوزك بيعملهالك
في البيت......."
ابتسمت بسخرية مجيبة....
"جوزي مبيعرفش يعمل كوباية شاي حتى..مش سندوتشات "
قدم سلطان لها شطيرة ليقول بود....
"يبقا حماتك بتحبك....خديها بقا من ايد أخوكي...
لسه سخنه والجبنة جواها سايحة......."
اخذتها منه أميرة وهي تضحك ثم قضمت لقمة
منها... لتجد الجبنة تذوب في فمها والعيش
مقرمش قليلاً........فعلت باعجاب.....
"لا حلوة تسلم إيدك......."
"تعالي كل يوم وهاكلك سندوتشات جبنة تركي
على الطاسة......."قالها سلطان وهو يمسك جهاز
التحكم ويخفض ضوضاء التلفاز.....
فقالت أميرة وهي تشير على طبق
الحلويات....
"موافقة...دوق بقا البسبوسة.....انا عملاها بسمنة البلدي زي مابتحبها........"
"ريحتها باينه وبعدين انا أول مرة أكل من ايدك بسبوسة......."مسك سلطان الطبق وبدا يتناول
قطعة بيده.....
فقالت أميرة بمحبة.....
"بالف هنا ياحبيبي...." ثم نظرت باتجاه الباب لتجد داليدا تدلف اليهما بكامل اناقتها كعروس.... بعباءة استقبال مطرزة.... وشعر منسدل على الظهر
بنعومة ، وبزينة وجه متقنة ورقيقة........
"واهي داليدا جت اهيه أخيراً....ماشاء الله... اي الحلاوة دي.... "
اشتم رائحة آلورد الجوري قبل حتى ان يسمع تصريح أخته.....لذا رفع عيناه عليها سريعاً...ثم
انزلهم ببغض.......مدعي انشغالة في طبق
الحلوى....
عانقتها أميرة بمحبة.....
"اي ياديدا......عامله اي ياقلبي....."
بادلتها داليدا العناق بشوق.....
"الحمدلله يأميرة....انتي اي أخبارك....."
"الحمدلله تعالي قعدي جمبي...ودوقي من البسبوسة
دي قبل ما سلطان يخلصها......."قالتها أميرة ضاحكة وهي تسحبها جوارها.....لتجلس داليدا بينهما على نفس الاريكة........
فقالت داليدا بحرج.....
"بالف هنا........خلي ياكلها.... كاني كلت......"
لكزتها أميرة في كتفها غامزة.....
"يسلام على الحب......."
فمد سلطان يده بقطعة من (البسبوسة..)
قائلاً وهو يجز على اسنانه مغتصب
البسمة.....
"لا وانا ميخلصنيش برضو..... دوقي ......"
إدارت وجهها اليه وقالت ببرود ممتنعة
"مش عايزة......."
جز على اسنانه مقرب قطعة الحلوى من
فمها أكثر..... "دوقي....."
رفضت داليدا بعناد......فنظرت اميرة بتعجب....
صك على اسنانه أكثر... رامقها بقوة نارية.....
وهو يتكأ على الاحرف بشدة.......
"دوقي يادودا......... دوقي ياروحي....."
ففتحت فمها مقتضبة...واخذتها منه بحنق
شديد......امام نظرات أميرة المراقبة لهما....
"حلوة أوي.....لازم تعلميني الوصفة يأميرة...."
اشارت أميرة على عيناها.... "من عنيا ياديدا......"
ثم نظرة داليدا الى صنية الشطائر فقالت...
"دا جيباه معاكي برضو...."
نظرة أميرة للصنية بتعجب أكبر....فتدخل سلطان
سريعاً.....
"لا يادليدا....... دا انا عملت السندوتشات دي عشان
ناكلها سوا.... بس انتي اتاخرتي في الحمام...."
ارجعت داليدا راسها للخلف قائلة
بارتجال...
"آآه.... دي أكيد سندوتشات المربى اللي بحبها..."
مط سلطان شفتاه بجزع......
"لا دي عيش شامي بالجبنة التركي...."
قضمت منه داليدا وهي تخفي حرجها......
"آآه افتكرت..... بس طعمه حلو اوي تسلم إيدك
ياحبيبي..."
ثم نظرت الى أميرة قائلة.....
"وانتي عامله اي يأميرة... وجنة... مطلعتش ليه
معاكي....."
قالت أميرة بجذل......
"قعده تحت مع ستها..... صحيح انا كنت طالعة عشان اقولك ان انا وجنة بكرة هننزل نشتري شوية
حاجات من المول اللي فاتح على أول شارع
الساحة.... تيجي معانا....... اهو نتمشى شوية
ونغير جوا.... بدل قعدت البيت......."
هتفت داليدا بلهفة...... "ياريت......."
ثم أدارت راسها لسلطان الذي ألقى عليها نظرة
حادة اخرستها.......فتدخلت أميرة بضيق بعد ان
رأت نظرته......
"بتبصلها كدا ليه ياسلطان... ماتسيبها تفك عن
نفسها هتفضل حبسها بين أربع حيطان......."
نظر سلطان الى داليدا بصدمة فاشاحت داليدا
عينيها عنه بخوف.....فسال سلطان أخته..........
"مين قالك اني حبسها....."
فهزت أميرة كتفيها قائلة بحنق......
"باينه اهيه لا بتطلع ولا بتنزل من ساعة ما اتجوزتها....... حتى امي لاحظت انك بتقفل الباب عليها قبل ماتنزل الورشة.... ليه بتقفل عليها....."
بلعت داليدا غصة مختنقة في حلقها
قائلة قبل ان تستئذن......
"انا هقوم اعملك حاجة تشربيها يأميرة....."
قالت أميرة بحرج..... "مش عايز اتعبك......"
"تعبك راحة....مفيش تعب ولا حاجة...."ابتعدت
داليدا عنهما بعد تلك الكلمات.....
فمالت أميرة على أخوها قائلة بعتاب....
"ساكت ليه ياسلطان.... اللي مترضهوش على اخواتك مترضهوش عليها...... دي مش غريبة دي بنت عمنا.. يعني من لحمنا ودمنا..... متربية قصاد عنينا.... وعرفينها كويس يبقا لازمتها اي بقا الحركات
دي....."
انتفض رأس سلطان هاتفاً بصدمة.....
"انتي بتقولي اي يأميرة....دماغك راحت فين... امك
فهمت غلط......انـ"
قاطعته أميرة بجدية شديدة......
"فاهمة الصح.... وبلاش تقفل الباب على مراتك... وسبها تنزل تقعد مع امي بنهار تونسها وتاخد
بحسها طالما انت مبترجعش من الورشة غير
بليل........"
تافف سلطان وهو يبعد عيناه عن أخته معقباً
بوجوم.......
"واضح ان الموضوع ملهوش علاقة بطبق البسبوسة
وانك طالعة تعاتبيني......"
ربتت أميرة على ركبة اخيها قائلة بحنان.....
"اسمع ياسلطان.... انا أختك وعرفاك كويس.. وواثقة
ان في حاجة كبيرة حصلت انت مش عايز تقولهالي....."
زفر سلطان بنفاذ صبر....
"برضو يأميرة دماغك راحت لبعيد....قولتلك
مفيش حاجة........"
اومات أميرة برأسها تقول بيقين....
"مفيش حاجة من ناحيتها آه... لكن من ناحيتك انت فيه..... تكونش مبتحبهاش.... وابوك اللي غصبك
عشان بنت عمنا وكده......"
نادها سلطان بجزع....... "يا اميرة......"
تجاهلت أميرة نداءه وقالت بحنو......
"ياخويا حتى لو الموضوع كده... صدقني بكرة تحبها
داليدا زي القمر وروحها حلوة وتتحب... دا كفاية انها متربية على إيدك... وطول عمرها تحت عنيك....."
صمت سلطان ولم يعقب...فربتت أميرة على ركبته
مجدداً قائلة برفق......
"روق كده ياسلطان وتقي الله فيها... وعمِلها بما يرضي الله.... ربنا يرضا عليك......"
اوما براسه واجماً...... "حاضر......."
قالت أميرة برجاء....
"ووافق انها تنزل معانا المول وتفك عن نفسها
شوية.......عشان خاطري.... "
تململ بضيق......."حاضر.... اي اوامر تانيه....."
ضحكت أميرة قائلة....
"لا ياقلب أختك.... لو في جديد هبلغك....."
قبل ان ينهض مد يده في صنية الشطائر
واعطاها واحداً قائلاً........
"شوية وجايلك......اتسلي في دا على ما اجي..."
ضيقت عينيها بخبث.....
"ماشي.... براحتك خالص......"
اتجه سلطان الى المطبخ فوجد داليدا تقف امام رخامة المطبخ وتولي ظهرها له منشغلة بما
تفعله....
فاقترب سلطان منها حتى شعرت بانفاسه الساخنة تلفح جانب عنقها فاهتزت يداها وهي تسكب المشروب الغازي في الكاسات..........
ملأ رئتيه من عبير عطرها المغوي.....بينما همس
جوار أذنيها بخشونة......
"انتي حاكيه ايه لاميرة........"
تركت مابيداها واغمضت عينيها بقلب يرتجف
بخجل متاثراً من هذا القرب الشبه حميمي
بينهما.....
فقد حاصرها وهو يسند كفيه الاثنين على حافة الرخامة جوارها من الناحيتين......
حينما طال صمتها ادارها إليه.....وظل الحصار كما
هو الفرق الآن بانها تنظر لعيناه وانفاسه الرجولية الدافئة تضرب صفحة وجهها بقوة.......
"ساكته ليه....انتي قولتلهم اني بقفل عليكي
الباب......راحه تشتكي مني......."
هتفت داليدا سريعاً.....
"والله ما حصل.....انا متكلمتش خالص....."
احتدت نظراته عليها شاعراً بجزء منه يتأثر بقربها بجمالها.... بعينيها الجميلة المشعة بالشقاوة والحياة...... "امال هي عرفت منين.؟......"
وبقلة حيلة قالت.....
"معرفش.........والله ما أعرف......."
سحب سلطان نفساً متهدج وهو ينظر الى شفتيها الشهية التي تتحرك ببطء شديد خدر حواسه
لبرهة فاصبح على حافة التهور......لذا رفع
كفيه بعيداً عنها ليقول بصلابة.......
"اسمعي.....من أول بكرة هتنزلي تقعدي مع امي بنهار
تبقي معاها.....عشان متشكش في حاجة.....ومنين ماتزهقي اطلعي على شقتك محدش هيمنعك...المهم
تعرف اني مش حبسك ولا قافل عليكي زي ما بيقوله........"
اومات براسها وهي تشعر بنفحات من السعادة
تنعش صدرها........ "حاضر......."
سألها وهو يبتلع ريقه....
"انتي عايزة تخرجي مع أميرة وجنة......"
أطرقت برأسها مُذعنة......
"لو مش عايز خلاص......."
نظر لها طويلاً...... ثم قال واجما....
"موافق طالما هتكوني مع اختي وبنتها..... المرادي بس...... متخديش على كده......"
اغتاظت من رده لكنها شكرته
بإبتسامة صفراء... "شكراً....."
أمرها بغلاظة قبل ان يرحل.....
"العفو.........خلصي وطلعي اقعدي معاها......"
عضت على شفتيها وهي تسبه في سرها بغيظٍ....
........................................................................
اثناء قيادة السيارة باتجاه شارع الصاوي..... أنتبه
لها تقف عند الرصيف تنتظر سيارة أجرة حتى
تقلها....... وكانت تحمل بين يداها أكياس تحمل
شعار (الشهد...) فخمن انه طلب ستوصله لأحد
زبائنها.......
لانت عيناه وذاب قلبه وهو يتأملها بكامل اناقتها المحببة للنفس تقف بأدب تنتظر......
جمالها جمال بري هادئ..... مفعم بالحياة بحلوها
ومرها.......جميل قوامها.....تمتلك جسد نحيف لكن يشع انوثة أرق من صوتها الموسيقي !!.....شعرها
الأسود القصير الناعم الذي يتدلى على كتفها
بنعومة يكاد يقسم انه أحب تلك القصة كما
أحب الخصلات التي تتناثر على جبهتها....