كانت تستلقي بظهرها على الفراش على الاضاءه
الخافته لم توصد الباب ككل ليلة تتركه مفتوح
موارب بانتظار ان تراه عند العودة بلمحة سريعة
ثم تنام بقلب ينزف حسرة من الفراق....
ليالي مضنية تعيشها في هذه الشقة التي كانت
يومًا مسقط للاحلام الوردية.....والحب....
رسمت هنا كل شيء جميل ونسيت قوانين الحياة
بمقدار الفرح ستجد الحزن....بمقدار الحب ستجد
الكراهية....
انها الحياة فمن رَحِمها تخرج الكلمة ونقيضها ثم
يعيش الإنسان في دوائر متتابعة من اختبارات
مكثفة لا تنتهي ، وعلى قدر الصبر سينال..
مرت ثلاثة أسابيع منذ ان اشترت المطعم.....بدأت
في العمل به وتغيير بعض الاشياء التي أضحت
تغيير جذري في المكان فبات أفضل وتكاثر عدد
الزبائن بفضل بعض الاصناف التي اضافتها
والتغير في النمط المعتاد....وبطبع الديكور
والاسم.....
ثلاثة أسابيع لا يتحدثا ابدًا ياتي الى الشقة ليلا
في وقت متأخر ثم يذهب في الصباح الباكر...
وهذه هي حياتهما كئيبة مملة....مؤلمة وثقيلة
على كلاهما ، فالبعد زاد عن الحد المسموح
وبات التنائي محور علاقتهما.....
انهُ عنيد وقاسٍ لا يلين معها ولا تعرف اهو
مزال في حبها متيم ام أصبح قلبه بكرهها
مُعبئ !!..
لم تتوقع ان تكون بهذا الضعف معه منذ ان
عادت من السفر وهي تتحول الى امرأة مثيرة
للشفقة...
ترجو الحب والسماح منه...
الى هذه الدرجة أخطأت وماذا عنه هو فمزال
على تواصل مع طليقته السابقة.. ومع هذا
لم تأخذ خطوة جادة حازمة في تلك المسألة
ولانهُ يضعها في منتصف الطريق ويشتت عقلها بتصرفاته باتت لا تعرف وضعها الحقيقي في حياته
وهذا ما ينشب نيران الغيرة في صدرها....
مسحت دمعة فارة من عينيها ويدها توضع على بطنها الخاوية فلو كانت طفلتها هنا الان لكانت
مُسكن للألم ، وملجأها من غربة المشاعر....
لكن كل شيء انتهى سريعًا ولم يبقى إلا الالم
الندم والحيرة.....
سحبت نفسًا متهدج الى رئتاها وهي تغمض عينيها
بعذاب لمدة ثانية فقط ثم سمعت باب الشقة يفتح ويدلف عاصم الى الداخل.....
من يصدق انها حفظت عدد خطواته عند الدخول...
وحفظت عبق عطره على ظهر قلب...
أننا في الفراق نصبح أكثر إدراك واحساس بمن نحب
ورغم غربة قلوبنا تظل المشاعر مشتبكة ببعضها كخيوط العناكب.....
اغمضت عينيها موليه ظهرها للباب بعد ان شعرت
به يقترب من غرفتها...ولم يكن الوضع غريب بنسبة
لها فعند عودته يمر على غرفتها بنظرة سريعة عند الباب ثم يبتعد مغلق الباب خلفه....
وكأنه يحارب لقطع المسافات بينهما وكبرياؤه
يأبى ذلك....
لذا اعتمدت ان تترك باب غرفتها موارب حتى لا تصعب عليه المهمة فهي تعلم كبرياؤه العظيم
في الحب وعند الخصام.....
خفق قلبها بين اضلعها بقوة وهي تشعر بصوت انفاسه خلفها عند الباب تشعر بنظراته تخترق
ظهرها تتوغل ملامسة جزءًا يصرخ بعذاب
منادي عليه برجاء...
مزالت تحت سطوة عقابه تذبح بسكين بارد...غير
قادرة على كبت حرمانها منه...والسيطرة على
هذا الشوق المضطرم....
الرحمة أرجوك...
حتى هي تابى الاقترب منه خطوة قد تعبت من الرفض ونظرة العتاب في عيناه باتت تخنقها
وتمتزج بالكوابيس لديها...
سمعت اغلاق الباب بهدوء فتنفسة الصعداء وهي
تترك لقلبها حرية البوح بالخفقات العالية..
وسالت دموعها على وسادتها وهي تتمنى بلوعة
ان تعرف مصير علاقتهما الحقيقي فلو كان الانفصال
هو نهاية المطاف بينهما فليكن شجاع إذا ويخبرها..
بعد فترة....
اضطرب جسدها اسفل الغطاء وهي تشعر بالباب يفتح مرة ثانية على غير العادة ثم إنارة الغرفة لدقيقة وانغلقت الأنوار مجددًا وبعدها اغلق
الباب....
خفق قلبها بقوة وتوقفت انفاسها لبرهة من الخوف
وهي تشعر به ينضم اليها على الفراش ثم سحبها اليه مقيد خصرها بكلتا ذراعيه واضع راسه على صدرها يضمها بكل قوته...هامسًا بصوتٍ
متحشرج..
"انا عارف انك صاحيه....زي كل ليلة...."
فغرت شهد فمها مخرجة انفاسها المكتومة بصعوبة مؤلمة وهي تفتح عسليتاها لتواجه بصيص نور خافت يتسرب من عقب الباب..ترى من خلاله ما
يدور الان....
وران الصمت وظلا على وضعهما فوق الفراش يتشبث بها بكلتا ذراعيه ينام على صدرها وهي
في المقابل مسالمة لم تبدي رفضٍ او حتى قبول
بعد....
"لحد امتى هنفضل كده ياشـهـد...."
سالها بخفوت ولحيته توخز بشرتها الناعمة ومع
ذلك كان شعور العناق خرافي.....اعجبها و روى
قدر بسيط من شوقها له.....
قالت بوهن مذاقه كالصدئ
في فمها.....
"حاسه انك بقيت بتكرهني..."
أردف بصوتٍ أجش تجلى به مرارة البعد
عنها....
"لسه متعرفيش اللي جوا قلبي ناحيتك..."
لم تجد ردًا قد انسابت دموعها بحزن على وجنتاها وهي تنظر الى السقف الشبه مظلم امام عينيها...
بينما هتف عاصم بنبرة محارب....
"مشكلتي معاكي اني مش قادر اسامح... على
قد حبي ليكي على قد زعلي منك...."
"وبعدين ؟!!...."سالته بروح باهته فهذا يعني
نقطة النهاية....
"مش عارف..."رد بحيرة وهو يمرغ وجهه في
صدرها الغض مستنشق عبق عبيرها الأخذ....
اغمضت عينيها بضعف وقلبها يحثها على الاستسلام
له واخذ قسط راحه بين ذراعيه وعقلها يدق كناقوس
الخطر ، بان الخلاف لن ينتهي بهذا الشكل...
فالمتعة تنتهي سريعًا ام الحب يبقى للدهر !!...
حاولت التملص من اسفل جسده الضخم الذي يشل
حركتها... منعها عاصم بصوتٍ عميق ارتجف جسدها
على أثره بضعف....
"بلاش تبعدي....خليني اليلادي في حضنك... اليلادي بس ياست الحُسن..."
ضعف الفؤاد وتوقفت عن الحراك مغمضة العينين بعذاب وهي تتنفس بصعوبة وسرى الدفء الى أوردتها ببطئ حين سمعت انفاسه المنتظمة
على صدرها.....
ازدردت ريقها بشوق وهي ترفع يدها نحوه مداعبة
خصلات شعره الكثة السوداء باصابعها....غاصت
بها باشتياق بينما يدها الاخرى تسير على ملامحه برقة....وقلبها مشتعل بالعواطف....
همست بصوتٍ شاجن....
"انت كمان متعرفش اللي جوا قلبي ناحيتك...."
اغمضت عينيها وهي تستسلم لسلطان النوم كما استسلم قلبها للحب وعذابة.....
..............................................................
في اليوم التالي صباحًا....
استقل مقعد القيادة وانطلق الى وجهة معينة
وعقله لم يستوعب بعد ما حدث أمس قد اتاها كطفلا صغير بائس متشبث بها بضعف مطالب
بعناق يهون عليه مرارة بعدها ؟!!...
جن عقله آنذاك....فقد المتبقي من صبره....
فأيقن....
أيقن انهُ استكفى من هذا الهجر ويريد استعادتها
في اقرب فرصة...فهو بدونها شخصٍ فاقد الشعور
بالحياة.....
انها ترياق الحياة بنسبة له...غربة قلبه عنها
أقسى انواع العذاب......
زفر نفسًا مثقل بالهموم وهو يخرج هاتفه من جيبه
بعد ان صدح باتصالا مفاجئ.....
عندما راى اسم المتصل عبس وجهه حانقًا وهو
يرفع الهاتف على اذنه....
"ايوا يارفيدة....."
انتظر سماعها على الخط الاخر بملل وعندما
طالت ثرثرتها قال مقاطعًا بجدية....
"تمام عارفه....نتقابل هناك...."
اغلق الخط وهو ينظر الى الحقيبة المجاورة في لمحة سريعة ثم تابع الطريق بعقلا عاصف بالافكار
دلف الى احد الكافيهات الراقية....وراها من بعيد
تنتظره على المقعد امام طاولة مستديرة امامها
فنجان قهوة ترتشف منه وهي تعبث في خصلة
من شعرها الكستاني....
كالعادة كانت ملابسها جريئة هيئتها ملفته..تدل على
الرفاهية المبالغ بها.....صورة باتت تثير نفورة نحوها
أكثر من اي وقتٍ مضى....
نظر الى الحقيبة بين يده ثم اليها وتقدم منها
وهو يشحذ العزم نحوها....
"اهلا يارفيدة...."
قالها عاصم ثم جلس في المقعد المقابل لها بينما ابتسمت هي عند رؤيته بسعادة منتصرة...
"هاي ياعـاصـم...واخيرا اتقبلنا....وحشتني.."
امتقع وجه عاصم قائلا وهو يقدم لها علبة
المجوهرات.....
"رفيدة مقابلتنا شغل مش اكتر...دا الطقم اللي طلبتي اعملهولك...اتفضلي...."
رفضت رفيدة فتح العلبة وهي تقول
بصوتٍ رقيق....
"كده علطول مش هتشرب حاجة الأول...."
رد باقتضاب...."شربت قبل ما اجي...."
رمقته بجرأة متملقة ثم اشارات للعامل
بيدها.....
"لو سمحت فنجان قهوة سادة...."
ثم عادت اليه تقول بنعومة.....
"تشرب قهوتك وبعدين نتكلم في الشغل اي
رأيك...."
اوما براسه دون تعبير ثم ادعى انشغاله في النظر
الى ديكور المكان....فرمقته رفيدة باعجاب وحسرة
وهي تقول بنبرة تجلى منها الحقد....
"قولي صحيح اي أخبار مراتك....انا عرفت انك
لسه معاها حتى بعد ما سفرت من وراك.....
معقول مش ناوي تطلقها بعد كل اللي
عملته ؟!!.."
رمقها عاصم بنظرة حادة قائلًا بثبات انفعاليّ
يستحق جائزة عليه.....
"مع ان ملكيش انك تدخلي في حياتي الشخصية
باي شكل من الاشكال بس انا هجاوبك....مش ناوي
اطلقها يارفيدة.....هتفضل مراتي لحد اخر يوم
في عمري....."
اشتعل صدرها بالضغينة فقالت بغل أسود....
"اشمعنا ؟!!..وليه...انت ناسي السبب اللي طلقتني
عشانه....هي عملت اسواء من كده...ولسه معاها متمسك بيها !!...وانا وقتها طلقتني بسهولة وكأنك
ما صدقت....اي الفرق اللي بينا....."
رد بجاوب باتر...."الفرق اني بحبها......"
تهدل وجهها في صدمة مؤلمة مشيرة على
نفسها تسأله.... "وانا....عمرك ما حبتني ؟!!...."
رد عاصم بصوتٍ خشن.....
"سؤال فات أوانه بينا.....علاقتنا انتهت من قبل
حتى ما شـهـد تدخل حياتي...."
قالت رفيدة بحدة.... "انت بتهرب من سؤالي...."
رد عاصم بصوتٍ متزن.....
"عشان الاجابة عن السؤال بأه او لأ معناها
خيانة ليها...."
ترقرق الدمع في عينيها وهي تقول بابتسامة
باهته المعاني.....
"يااه لدرجادي.....لو كنت حبتني نص الحب اللي
بتحبه ليها...مكناش سبنا بعض...."
رد عاصم عليها بنظرة باردة....
"لو كنتي اختارتيني انا....قبل ما تختاري نفسك
والفلوس وتمشي على خطط اختك يمكن كنا
كملنا.....يمكن مش أكيد...."
ثم أضاف بلا مبالاة.....
"بس كل اللي حصل خير لينا كلنا...مش كده..."
استأنف مشير على علبة المجوهرات
بعينيه...
"تحبي تشوفي الطقم...."
قالت بكبرياء ممتنعة.... "لا انا مش هاخده....."
"زي ما تحبي..."سحب عاصم العلبة بهدوء ووضعها
في الحقيبة.....
قالت رفيدة بتبرم.....
"انت عارف انه كان حجة عشان اشوفك...ونرجع
نتكلم...."
اوما براسه مضيف بنبرة كصقيع
جمدتها فجأة....
"عارف....وعارف كمان انه مش ترتيبك...."
جفلت رفيدة وارتدت بظهرها للخلف مبهوته
الملامح شاخصة العينين....فتابع عاصم بحزم
وهو يغلق سحابة الحقيبة.....
"وفري على نفسك يارفيدة.... نصيحه مني بلاش تمشي بدماغ حد ولا تسمحي لحد انه يرسملك حياتك...حتى لو كانت أختك....."
قالت رفيدة بتردد.."هي خايفة على مصلحتي..."
رفع عاصم حاجبه قائلا برجاحة عقل...
"انتي اللي لازم تخافي على مصلحتك وتفتحي عنيكي شوية.....ساعتها هتعرفي مصلحتك
الحقيقيه فين...."
بلعت رفيدة ريقها باضطراب وهي تشعر بان الحديث
لمس جزءًا حساس داخلها....فقال عاصم بنبرة متينة
مهيبة....
"اسمعي يارفيدة الحب مش سلعة بنشتريها...والجواز مش مؤامرة وخطط...فوقي الحياة أبسط من كده
بكتير....انتي محتاجة تدوري على نفسك اكتر من كده.."
نهض عاصم من مكانه مغلق زر السترة وهو
يقول بهدوء...."انا لازم امشي....."
قالت رفيدة بغصة مختنقة.....
"يعني مفيش امل.....نرجع تاني ؟!!...."
هتف عاصم بلكنة حازمة....
"فكري في كلامي كويس يارفيدة....يمكن تفوقي
من الوهم ده بسرعة وتفهمي اللي بيدور حوليكي.."
لم تفكر في منعه مرة أخرى فكرامتها اصبحت
في الوحل من خلف خطط أختها العظيمة
بالفشل !!....
لكن الحديث حرك شيء داخلها وكأنه كشف جزءًا كبير امام مرآة المنطق...ثمة حقائق غريبة تتوارى خلف الاقنعة ، وقناع الرغبات ازداد وحشية على وجه اختها التي تحركها بالخيط كالعرائس !!...
قالت رفيدة بعد لحظة صمت....
"تعرف مراتك محظوظة ان في فحياتها راجل
زيك...بيحبها....."
قالت اخر كلمة بمرارة...مرارة كالعلقم افقدتها
الشعور باي شيء سواها !!....
ابتسم عاصم لها بمجاملة قائلا بصدق...
"بكرة انتي كمان تبقي محظوظة بالاحسن مني...
أكيد هتقبلي اللي يقدرك ويحبك بجد...مين
عالم....."
اشار لها بالوداع الأخير ثم رحل دون الالتفات للخلف..."مع السلامة....."
ام هي فظلت مكانها تتابع خروجة بعينين حزينتين نادمتين على خروج رجلا مثله من حياتها للأبد.....
صدح هاتفها برنين من اختها فرفعت الهاتف قائلة
باقتضاب....."ايوا يالهام...."
سألت الهام بنبرة متلهفة.....
(عملتي إيه خدتي الطقم.... اتفقتوا على معاد جديد..)
قالت رفيدة على مضض...
(لا مخدتش الطقم ومتفقناش على حاجة..)
صاحت الهام بشراسة.....
(ليه ياغبية... بضيعيه من ايدك ليه مش قولنا هتحاولي تأثري عليه....باي طريقة....)
تشدقت رفيدة بذهول.....
"باي طريقة ازاي حتى لو ههين نفسي
وكرامتي معاه؟!!.."
قالت الهام بجفاء...(ومالوا المهم النتيجة....)
كانت الاجابة بمثابة طعنة غدر تلقتها منها
فقالت رفيدة بتهكم....
"انتي ازاي كده يالهام انا أختك...."
خففت الهام من حدتها قائلة بتملق....
(ما عشان اختي بفكر في مصلحتك يارافي....)
قالت رفيدة بغضب محتد....
"انتي مش بتفكري في مصلحتي...انتي بتفكري
في نفسك وبس...."
تشدقت الهام بصدمة......(انا يارفيدة ؟!!...)
اكدت رفيدة وهي تقول بانفاس عالية
منفعلة.....
"ايوا انتي لو كنتي بتحبيني بجد....كان اقلها خالص
تسبيني أسافر دبي وامضي على الشغل اللي جالي
من شركة (....)اللي بعتتلي مخصوص عشان اكون
وجه اعلاني ليهم.."
قالت الهام باستخفاف...
(مش هيدوكي قد اللي هتاخديه من ثروة
عاصم الصاوي...)
احتدت عليها رفيدة لأول مرة قائلة برفض
قاطع.....
"وانا مش هفضل ربطه نفسي وعمري بخططك عن الجواز والثروة المهولة بتاعت عيلة الصاوي....انا هشوف مصلحتي يالهام....."
سالتها الهام بريبة....(يعني إيه ؟!!...)
قالت رفيدة بنبرة صارمة.....
"يعني هسافر وهشوف مصلحتي....وكملي انتي بقا في خططك العظيمة...وبدل ما بتحاولي اوي كده ترجعيني لعاصم من تاني...الأولى ليكي تخطتي
ازاي ترجعي لجوزك من تاني...."
قالت الهام بنفسٍ حاقدة....
(عاوزاني ازل نفسي لواحد طردني من البيت وطلقني....)
ارتفع حاجب رفيدة بصدمة
ساخرة....
"ياسلام كرامتك عزيزة اوي...وكرامتي انا تداس بالجزمة عادي مش كده...."
قالت الهام بنبرة ناعمة جدًا تبخ سمها
كالحية...
(افهمي يارافي رجوعك لعاصم نقطة في صلحي
وقتها هعرف ادخل البيت من تاني وأأثر على
مسعد بوجودي.....ويمكن احنن قلب امه الحرباية
واخليها تقف في صفي....وبكدة يبقا احنا الاتنين رجعنا لمكانا من تاني....)
رفضت رفيدة وهي تقول بجفاء...
"عمره ما كان مكاني يالهام ولا هيكون.....انا هوافق
على العرض اللي جالي وهسافر يا إلهام....ولو حابه تسافري معايا مش همنعك....."
صرخت الهام بغضب.....
(انا مش هسافر ولا هسيب مكاني...لو مش عايزة تساعديني ومتنازلة عن حقك اوي كده..انتي حُرة
سلام.....)
اغلقت الهاتف في وجهها بقسوة...فالتوى ثغر
رفيدة بسخرية مريرة وهي تنظر الى شاشة
الهاتف بحزن.....
"إزاي كنت مخدوعه فيها الفترة دي كلها...."
تكبدت شعور الالم وهي تلمس شاشة الهاتف
باصابعها قائلة بعزم.....
"بس مش مهم كفاية اني قولتلها لا.....لأول مرة
في حياتي أرفض واقول لأ....."
رفعت الهاتف على اذنها مجددًا برقم سكرتير
الشركة التي ستعقد معهم عقد العمل والتي به ستقيم في بلد أخرى مستقلة وبعيدة تمامًا
عن الجميع....وهذا ما تحتاج إليه.....
....................................................................
"شيف شهد اي رأيك في الصنف ده....."
قالها طاهٍ يكبرها بسنوات عديدة له خبره واسعة
في مجال الطهي.....
ابتسمت شهد له وهي تقف بقلب المطبخ الشاسع تباشر العمل عليهم وتعمل معهم كذلك ككل يوم..
توقفت امام الطاه باحترام وببشاشة وجهٍ بدأت تتناول من الطبق الذي قدمه لها ثم بدى على
محياها علامات الرضا وهي تقترح بهدوء....
"هايل بجد... بس انا شايفه انه محتاج شوية
روز ماري...وتقلل الملح عن كده الطعم
هيبقا خرافه...."
ابتسم لها الطاهي موافق على الاقتراح ثم ابتعد
لاكمال عمله....
بدت تسير في المطبخ الكبير في ممر ممتد تتابع
العمل وتتوقف عند هذا تتذوق من ذاك تبدي رأيها
في هذا الصنف واعجابها بصنف آخر.....وبعض التعليمات البسيطة....
كانت كنسمة عطرة في صيفٍ حار بينهم...لم تكن
شخصٍ متسلط خنيق بل كانت ملكة متوجة تسير
باريحية وحب بينهم تتعامل بأصول ملكية مبنية
على الإحترام والتقدير و....التواضع.....
خرجت من المطبخ فرغم الأجهزة الحديثة المتواجده به والتي تساعد على امتصاص السخونة والروائح
إلا انها شعرت بالاختناق وان الجو حارًا به....
فقررت ان تتخذ طاولة منعزلة عن باقي الطاولات التي تعج بزبائن.....
طاولة تطل على البحر ، ونسائم اليود المنعشة تداعب وجهها وغرتها الناعمة وتملئ رئتاها بها..
تجلس على المقعد باناقة بثوب كلاسيكي انيق
ترفع شعرها للأعلى وغرتها تنساب على جبينها بجمالا...أسفل الطاولة تضع ساق على الأخرى
بغرور انثوي يليق بها...
عينيها الكحيلتين شاردتين في البحر البعيد واصابعها الرقيقة تسير على (الانسيال)الذهبي في رسغها.. قلبها مشتاق لمن اهداها هذا الاسوار يومًا...
تشتاق لتلك الأيام ليتها تعود لربما رسمتها أفضل
مما سبق واتقنت فنون الحب والسعادة معه.....
تنهدت بحيرة وهي غارقة في التفكير به بينما
عسليتاها تلمع بالحزن وبـكلمة....ياليتني....
كان يدس عاصم كفيه في جيبي بنطالة على بعد
مسافة قليلة منها... يرصد بعيناه العاشقة أقل
حركة تصدر منها متأمل حُسنها الأخذ ، مراقب
صورة فائقة الجمال عن إمرأة عملية بامتياز
واثقة بقدراتها ، طموحة ولديها أهداف لا
يُستهان بها....
وقد اضحت ثمارها الآن بهذا المطعم الفخم
الذي يعج بالزبائن...والطهاة الذين يعملوا
حسب تعليماتها.....وباشارة منها.....
صورة راقت له للحظة ، او ربما تروقه منذ ان راها
تقف على السلم الخشبي تطلي جدار المطعم بعينين
تبرقان بالاحلام....
اين هم الان بعد كل ما طرأ بحياتهما...تسلق كلاهما الأمواج العالية بعناد فأصبح الأمر على المحك
لا شيء مستقر ولا شيء دائم....
شعرت شهد انها عرضة للمراقبة فرفعت عسليتاها الكحيلة إليه مباشرةً.....ثم تبادلا النظرات بصمتٍ وهي رغم دهشتها بوجوده هنا في ساعة مبكرة كتلك ، إلا انها اهدته ابتسامة صافية وكأنها ترفع
عن كلاهما الحرج بعد ليلة أمس....
اقترب منها عاصم بالحلة الفخمة المرتبة وبهالة الوسامة والهيبة التي تزعزع ثباتها وتدغدغ
قلبها عند حضوره....
نهضت شهد تستقبله بأحترام ولم تزول الإبتسامة
عن محياها بينما قلبها يرتجف بين اضلعها
بخوف....
تخاف في كل مرة يتقابلا ان تسمع ما يقطع
اخر خيطٍ بينهما !!....
عندما وصل اليها وقف امامها بقامة طوله المربكة
لعينيها.. وبنظرة من عيناه القادرة على بث رجفة
قوية بسائر جسدها....قال بتعريف وهو يرفع كف
يده نحوها....
"خلينا نبدأ من جديد....عاصم الصاوي....."
بلعت ريقها متوجسة رافعه حاجبيها معًا بعدم تصديق تسأله بعينيها عما يدور في راسه الآن ؟!...
فاسترسل عاصم بصوتٍ أجش موضح.....
"تعالي نقفل الصفحة دي خالص... ونبدأ من تاني....
انا اكتشفت اني مقدرش استغنى عنك ولا انتي
كمان مش كده ؟!!...."
وامات براسها سريعًا ولمعة عيناها بالدموع وابتسامتها تزداد إتساع حتى ظهر صف
اسنانها الناصع.....
كانت ردة فعلها خارجة عن سجيتها المعروفة كانت
عيناها تنطقان بالشوق....بالعشق....وابتسامتها مصاحبة بالامتنان...بالفرح......
وخزة ضميرة وقلبه معًا فهو جعلها تنتظر كثيرًا
حتى فقدت الأمل في العودة....
وقبل ان تزول الصدمة من ردة فعلها الغير متوقعة
وجدها تقفز عليه فجاة بكامل جسدها متشبثه في
عنقه كطفلة تعانق ابيها بعد غياب ، ساقيها تتأرجح فوق الأرض لفارق الطول بينهما...
لم تهتم بالنظرات الفضولية المحاطه بهما انها لم ترى شيءٍ سواه وهي تطبع قبلة عميقة على خده هامسة
من بينها بعذوبة....
"بحبك ياعاصم....."
ارتفع حاجباه جافلا بينما يداه كانتا تدعمها من وقت
قفزها عليه محتوي خصرها بذراعيه حتى لا تسقط من احضانه....
عندما سمع اعترافها المشتعل بالشوق شدد في ضمها اليه مبادلها العناق بقوة وهو يدفن ووجهه في جيدها مستنشق عبيرها الأخذ باشتياق يفوق الوصف......
طبع قبلة على جيدها جعلتها تفيق بحياء من جمال اللحظة مدركة وضعهما الحالي في مقر العمل...
نزعت نفسها من بين ذراعيه بهدوء ولامست قدماها
الأرض دون ان يتركها بينما عسليتاها ظلت اسيرة عيناه....واخيرًا راته يبتسم لها وعيناه تشعان ببريق الحب نحوها....
"سامحتني؟!!...."
سالته بنظرة مترددة فداعب وجنتها باصبعه
هامسًا باعتذار.....
"المهم تكوني انتي مسمحاني يـا شـهـد....."
قالت بلهفة دون ادنى شك.....
"مسمحاك... وعمر قلبي ما شال منك..."
ابتسم عاصم مرتاح وهو يقول بمرح....
"حضنك نساني.. خلينا نبدا من جديد احب اعرفك بنفسي عاصم الصاوي....المعلم عاصم الصاوي...."
نظرت شهد لكف يده الممتد لها فتبادلت معه المصافحة قائلة ببسمة جميلة...
"شهد الدسوقي....الشيف شهد...."
بنظرة شغوفة قال باعجاب....
"تشرفنا.....عيونك حلوة على فكرة اوعي
تكون عدسات....."
ضحكت برقة ومزالت أيديهم متشبثه
ببعضها...
"لا عنيا......انت متجوز ؟!!...."
أضفى حس الدعابة سؤالها....فقال عاصم
بمناغشة....
"طبعا...... متجوز من ست الحُسن...."
ادعت التفكير قائلة....."حلو الإسم...."
اتكأ عاصم على يدها قائلا بغمزة
شقية....
"ميلقش غير عليكي....."
اطرقت براسها بخجلا متوردة الوجنتين وقلبها يقرع
بجنون متفاعل مع جمال اللحظة....
جلسا على نفس الطاولة في مقاعد مقابلة بدا
يتبادلا أطراف الحديث بشوق اعينهما ماسورة
ببعضها الحديث مفتوح لا ينتهي يشتهيا الكلمات
بينهما وكأنها وجبة دسمة تمر على معدة خاوية...
"وبنسبة لرفيدة...."
قالتها شهد بغيرة تدب في اعماقها بعد ان انساق الحديث نحوها في عتاب صريح منها على تواصله
معها عبر الهاتف.....
اجابها عاصم بصبرٍ هادئ....
"قولتلك اللي كان بينا شغل....وانتهى النهاردة..."
انعقد حاجباها بحيرة وتشكيك....
"انتهى إزاي ؟!!...يعني مش هتتواصل معاها تاني.."
أجاب عاصم بصوتٍ رخيم.....
"هتواصل معاها ليه....طالما شغلي معاها خلص...."
سالته شهد بتبرم....
"انت كنت بتتواصل معاها عشان تضايقني؟!..."
ارتفع حاجب عاصم متعجبًا وهو يدافع عن
نفسه بحزم...
"مش انا اللي اعمل كده يا شـهـد....مش معقول
هلعب بمشاعرها على حساب اني اضايقك او اخليكي تغيري...لو عايزها هاخد خطوة ناحيتها بالحلال.."
ضاقت عينا شهد بشراسة.... "نـعـم !!!..."
تنحنح بحرج قائلا بملاطفة....
"مجرد مثال بوضحلك فيه طبعتي دا لو عايز كده
زي ما خيالك صورلك...."
سالته بغيرة.... "يعني انت مش بتفكر فيها...."
رد بنظرة تشع سحرٍ خالص.....
"هو انتي ادتيني فرصة افكر في غيرك..."
اسبلت اهدابها بقلب خافق ولم تقو على التعليق
بينما قال عاصم بصوتٍ عذب.....
"بلاش تشكي فيا....المفروض تكوني واثقه اني
عمري ما اخونك ولا حتى في خيالي..."
رفعت شهد عيناها عليه قائلة بلمحة
من التردد....
"ممكن اسألك سؤال محيرني بقاله فترة...."
رد بصوتٍ حاني بث الدفء الى اوصالها....
"سلمتك من الحيرة....اسألي ..."
بللت شفتيها وهي تقول بنبرة خافته....
"يزن.....ليه خليته طرف في انه يعرفني ان المطعم
ده معروض للبيع.... مع انك كان ممكن تقولي بنفسك....دا كان إختبار ؟!!..."
اوما براسه بمنتهى الصراحة....
"بظبط....كنت عايز اعرف لسه فكرة الانتقام
مسيطرة عليكي ولا بداتي تتعالجي منها..."
قالت شهد بدفاع.....
"على فكرة يزن مكنش هدفي...."
اوما عاصم براسه متفهمًا.....
"عارف بس سكوتك كان اكبر انتقام لينا كلنا..."
ران الصوت بينهما فجأة وتبادلت معه النظرات
بحزن معاتب.....
سحب عاصم نفسًا طويلا كاد ان يقتلع ازرار
قميصة من شدة المشاعر العاصفة بصدره....
ثم أوضح بهدوء.....
"انا خليت يزن طرف عشان اكسبه من تاني في
صفي... وفي نفس الوقت أختبر ردة فعلك ناحيته هتبقا عمله إزاي خصوصًا بعد ما اعتذرلك عن
اللي حصل..."
سالته شهد بوجوم....
"وانت كنت مفكر ردي هيكون عامل إزاي معاه...."
رد عاصم بصوتٍ خشن....
"لو كنتي محملاه ذنب بعدنا واللي حصلك أكيد
مش هتقبلي اعتذاره ولا هتصفي من ناحيته
..مش كده ؟!!...."
قالت شهد بسرعة محتدة.....
"لانه ملوش ذنب في اللي حصل...مشكلتي عمرها
ما كانت معاه.....كانت مع أمه إلهام....وبنسبة للي
كان بيحسه ناحيتي....فاظن انه فهم مشاعره
كويس الفترة اللي فاتت....."
أمن عاصم على حديثها قائلا.....
"صح يزن اتغير وعقل....ولما عاشر الناس اللي بجد
عرف قيمة اللي حوليه...وقيمة العيلة...وانتي
واحده من العيلة دي ياشـهـد....."
ارجعت شهد ظهرها للخلف على المقعد وهي
تاخذ انفاسها بارتياح قائلة بلكنة هادئة طغى
عليها الإعجاب به....
"رغم المشاكل والخلافات اللي كانت بينا...بس
انا حقيقي احترمت اوي موقفك مع يزن...واثبت
اكتر انك تستحق تكون كبيرة العيلة دي من
بعد عمك مسعد...."
ابتسم عاصم لها وهو يميل على الطاولة قليلا
ساند ذراعيه عليها....
"كمان انتي اثبتي للعيلة كلها انك تستحقي
تكوني فرد منها...."
سالته بشك....."تفتكر ياعاصم...."
أكد عاصم بجذل....
"متعرفيش جدي يونس فخور بيكي قد إيه من
بعد المسابقة وافتتاح المطعم...."
سالته بابتسامة مندهشة....
"بجد ؟!!... انا افتكرت ان الموضوع هيضايق عيلتك..."
قال عاصم بصوتٍ هادئ متأني.....
"عيلتي بتحب الانسان الناجح وبتقدره أوي...وبذات
لو بيسعى وطموح زيك....."
سألت شهد بفضول.....
"طب وبنسبة ليك انت....بتحب مين....الست العاملة الناجحة في شغلها..... ولا ربة منزل ناجحة في بيتها.."
رد عاصم بعاطفة جياشة....
"بحبك انتي...وانا متأكد انك هتكوني ناجحة
في الإتنين...."
سالته بسعادة....
"يعني مش معترض على شغلي...."
رد بجدية يعاتبها باسلوب راقي يليق
بهما.....
"اعتراضي كان على سفرك ياشهد وانك تخبي
عني انك هتشتركي في مسابقة زي دي....وسفرك
مع راجل غريب دي كانت أكبر اهانه ليا.....ودا كان
سبب زعلي منك الفترة اللي فاتت...."
قالت شهد بحرج شديد.....
"صدقني طارق انسان كويس ومحترم...وكان بيساعدني بحكم الجيرة والصحوبية القديمة..
عرض عليا المسابقة....ومقبلتي بيه في الاول
كانت صدفة مكنش مترتب لها...."
كان هادئ في النظر اليها لم يرد وظلت ملامحه
ساكنة بتعبير غير مقروء....فقالت شهد بتوتر...
شاعرة بالذنب يلتف حول عنقها.....
"انا عارفه اني غلط ووجعتك بتصرفاتي..بس.. "
اوقفها عاصم بصلابة دون انفعال....
"مفيش بس... كل حاجة ليها حدود يابنت
الناس.....وانا مش عايز يكون ليكي علاقة
باي راجل غريب...وانا مفهمش في حتة
جيرة وصحوبية قديمة....
"الصحوبية القديمة إنتهت بعد ما كبرتوا وكل
واحد شاف حياته...."
بنظرة صقرية شديدة الجدية أضاف بأمر....
"زي مانا بحترمك وبحاول ارضيكي...انتي كمان
لازم ترضيني ومتعمليش الحاجة اللي تضايقني
وتبعدنا عن بعض....."
اومات براسها موافقة فهو زعزع ثباتها وبعثر
كيانها بنظرة واحده..ماذا ان تصرفت عكس
المنتظر منها.....
عاصم محق في غيرته عليها وان كانت في وضعه
لربما فعلت أكثر من هذا....لكن شعورها نحو طارق
به نوع من الامتنان بعد ان ساندها وساعدها في
خوض مسابقة كبيرة كتلك اضحت ثمارها الان
ومع الوقت...
كيف لها ان تغلق الابواب في وجهه ان أراد التحدث
معها او الاطمئنان عليها....ليست من طباعها التخلي
او النذالة... وعاصم يجبرها على الوقوف عند إطار
لا يناسبها ابدًا ؟!!..
وبما انها جلسة عتاب وتصفية لعلاقتهما من شوائب الماضي والحاضر.....جلسة تقام بين زوجين ناضجين يفهما انهُ العتاب الأخير ومن بعدها ستسلق علاقتهما
الدرب الصحيح.....لذا سالته بجدية.....
"انا عرفت من يزن ان كل اللي دفعته في المطعم
كان ربع تمنه الأصلي...وباقي المبلغ كان من جيبك.....ليه عملت كده.؟!!... "
رفع عاصم حاجباه متفاجئًا.....متوعدًا
بالقول....
"فتن عليا يعني...... طب لما أشوفه...."
قالت شهد منزعجة....
"متهربش ياعاصم من سؤالي...ليه عملت كده..."
اجابها عاصم بعينان مبتسمتان....
"حابب أكون شريك في المطعم...عندك مشكلة..."
قالت شهد بنظرة شقية تجاري
كذبته....
"على كده لازم نتقاسم الأرباح...."
ضحك عاصم قائلا بمحبة.....
"أكيد....بس انا متنازل عن الارباح العشر
سنين الجايين...."
لفظت اسمه بصيحة مستنكرة..... "عـاصـم....."
رد وهو يميل نحوها....."عيون عـاصـم..."
سارت رجفة قوية بسائر جسدها فتوهج وجهها بحمرة خاصة وهي تنظر اليه مبتسمة برقة....
بينما فرد عاصم ذراعه لها على سطح الطاولة
التي تفصل بينهما ثم فتح كف يده لها وعيناه
لا تحيد عنها يكاد يبتلعها بتلك النظرة الشغوفة
جعل الدفء يسري بين جوانحها واختلج النبض
بين اضلوعها وهي تضع يدها في كفه برقة ناظرة
الى عمق عيناه بعشق خالص.....
أطبق عاصم على كفها برفق قائلا بصوتٍ
أجش....
"فلوس إيه اللي بتكلمي فيها ياشـهـد...فلوسي
هي فلوسك نفسي تستوعبي الكلام ده ولو مرة واحده... وتفهمي اننا بقينا شخص واحد.. "
اومات براسها بتأكيد وهي تمط شفتيها
ناظرة للمكان...
"عارفه.....بس شكله كلفك كتير....."
أكد عاصم بمزاح غليظ....
"طبيعي مانا من ساعة ماعرفتك وانتي مغرماني..."
رفعت حاجبها مصدومة....فضحك عاصم بخشونة وهو يرفع كف يدها الى فمه مقبلها بحب...
.................................................................
كانت تجلس على المقعد الهزاز تراقب عقارب الساعة
ويدها على بطنها عينيها الفيروزية شاردة في البعيد
في محاولة لاستيعاب خبر حملها....
حياتها القادمة كأم لطفلا او طفلة كيف سيكون شكله هل سيحبها أكثر من الجميع... كيف ستقوم بالاعتناء به كي يحبها جدًا....ويتعلق بها... تخاف ألا يحبها !!..
هل هناك طفلا لا يحب أمه ، اخبرتها شهد ان الحب بينهما يولد بعدد دقائق عمره ويزداد يومًا بعد يوم داخلها ومعها حتى يلتقيا اللقاء الأول يعرفها من رائحتها يطمئن عند سماع صوتها ينام على صدرها فوق نبض قلبها يغفو...
قالت ايضًا ان الامومة تولد داخلنا بالفطرة عكس الرجال الابوة مكتسبة بعد ان يحمل اطفاله على
يداه اما الام تصبح امًا في كل مكان وزمان.....
كانت تسمع شهد بقلب يرفرف بسعادة ورهبة من المسؤولية القادمة والمشاعر التي ستختبرها مع طفلها وفي نفس الوقت كانت حزينة على أختها الكبرى التي عصفت بها الحياة فجاة حتى وصل حالها الى هنا.....
تتمنى لها العوض القريب بحياة زوجية كاملة مليئه بالحب والسعادة والأطفال فهي تستحق....شخصية ماسية قلبها صنع من الماس ، يومًا ما سيكونوا اطفالها محظوظين بأم مثلها...
سمعت صوت المفتاح يليها دخول سليم إليها اتى كما
أخبرها بعد نصف ساعة بضبط....
من وقت ان سمع الخبر وهو يلح بالاتصالات والرسائل حتى انهت الكشف عند الطبيبة
واخبرته عبر الهاتف انها ستعود للشقة وستكون بانتظاره.....
من وقتها وهي تنتظر بقلب يرتجف قدومه ليشاركها
فرحة الخبر وبعد الذهول عن استيعاب هذا الضيف
الصغير......
نهضت عن مقعدها تنادي عليه بلهفة....
"سـلـيـم....."
تقدم منها سليم ووقف أمامها بملامح واجمه واعصاب مشدودة بالغيظ من تصرفاتها الطفولية معه....هدر بحنق سافر.....
"انتي ازاي تقفلي السكة في وشي وانا بكلمك...وليه مش بتردي على اتصالاتي ورسايلي....كان مقلب صح...بتمثلي مشهد كوري من بتوعك...."
انعقد حاجبيها بشدة متعجبة ، ومعقبة بضيق....
"سؤال بس قبل اي حاجة... عشان كررت الكلام
ده كده مرتين مرة في التلفون ومرة دلوقتي....امتى مثلت مشهد كوري عليك...جبت منين الجملة دي ؟!!...."
قال بعصبية غريبة....
"مانا حاسس انه اثر عليكي...بقيتي بتألفي...."
وضعت يدها في خصرها
محتدة....
"مين قالك انه تأليف انا فعلا حامل...."
وكأنه لم يسمعها بعد فسالها
بنزق....
"اسمه إيه بقا المسلسل ؟!!....."
قالت بصيحة مستنكرة..... "بقولك حامل ياسليم....."
هز راسه ساخرًا بتهكم....
"دا اسم مسلسل تتفرجي عليه !!..."
ضحكت كيان ومسكت ذراعه بكلتا يداها قائلة
بهدوء وتأني....
"ممكن تهدى وتركز أكيد الفرحة لغبطتك...انا
ككيان شايفني ازاي.. "
رد وهو ينظر لعينيها الفيروزية..."عصفورة...."
قالت كيان بصبرٍ مبتسمة....
"تمام....انت الوحيد اللي مقتنع بكده....غير
عصفورة.... شايفني إزاي... "
قال سليم ببلاهة...
"مش فاهم....شايفك كيان عادي...."
اطرقت براسها ضاحكة بنفاذ صبر....
"يا ربي هيشلني....انا بعلن استسلامي...."
ابتعدت عنه خطوة ومالت تفتح سحابة حقيبتها
وامام عيناه المنتظرة مدت يدها اليه....
"طب شوف الصورة دي يمكن تصدق..."
مسكها سليم بين يده يطلع عليها ، صورة مشوشة
قليلا بالون الأبيض والاسود لكن في المنتصف
يوجد شيء واضح رأس جنين.....صغير....صغير جدًا.....
اختلج نبض قلبه وهو يلامس الصورة مبتسمًا مستوعب اخيرًا جمال اللحظة.....
قالت كيان وهي تقف جواره تنظر الى الصورة
مبتهجة.....
"دي صورة البيبي بالسونار.....عمره شهر وكام يوم...."
سالها وعيناه تدمع..... "انتي كشفتي...."
اومات براسها مبتسمة بسرور....
"اه بعد ما تاكدنا من نتيجة التحاليل طلعنا على عيادة الدكتورة وكشفت.... شهد ما سبتنيش لحظة ووصلتني لحد باب الشقة....."
وضع سليم الصورة جانبًا واستدار لها بكليته
سائلا بملامح مشدوهة وعينين تلمعان
بالدمع
"بجد حامل ياعصفورة..."
اكدت كيان وهي تقول بقنوط....
"والله حامل...حامل ياسـلـيـم انت كنت فاقد الامل فيا ولا إيه....."
مسك سليم ذراعيها مقربها منه.....
"بعد الشر عليكي....دا اليوم اللي كنت بحلم بيه..
انك تكوني ام ولادي.... "
قالت بشقاوة وهي تقبل صدغه
الخشن....
"امال اي بقا.... مفيش مبروك....اقولك انا تشوكاهي....تشوكاهي يوبو... "
سالها سليم....."يوبو ؟!!!..."
قالت بغمزة عابثة.....
"يعني حبيبي....تشوكاهي بقا...."
"تشوكاهي علينا كلنا...تعالي في حضني يامجنونه
نشفتي دمي..."
قالها سليم وهو يضمها الى صدره مقبل كتفها ودمعه
الفرح تهبط من عيناه مسحها قبل ان تراها......
أشرق صدره بسعادة لا مثيل لها فحبيبة قلبه تحمل الان بذرة منه....عصفورته الصغيرة ستكون أم قريبًا...
قالت كيان بتبرم وهي بين ذراعيه....
"أول مرة اشوف الاستيعاب عندك زيرو...فين
المتر اللي بيفهمها وهي طايرة....."
ابعدها عنه قائلا بعتاب خشن....
"المتر اتغابى بسبب قفلك للتلفون....جننتيني...."
مطت كيان شفتيها بأسف معتذرة....
"شهد قالتلي بلغيه لما يرجع من الشغل بس انا مقدرتش اصبر....عودتني تكون أول واحد أجري
عليه واقوله على كل حاجة بتحصل معايا.....آه
ياسليم بحبك...."
عاد يضمها الى صدره قائلا بتوله...
"وانا بموت فيكي.... معقول حبيبتي هتبقا حامل...مبروك ياعصفورتي....... "
قبل وجنتها بحرارة عدة مرات فقالت كيان
بتمني....
"الله يبارك فيك ياحبيبي...تعرف نفسي يطلع
ولد ويبقا نسخة منك...."
رفض سليم قائلا بفرحة غامرة....
"انا بقا نفسي في بنت....شبهك....او شبه جدتها....هالة..."
نظرت كيان خلف كتفه الى برواز والدته المعلق على الحائط... صورة لأمرأه جميلة راقية الحضور تشع عينيها بالحب والحياة ، من يصدق ان المرض انهى حياتها مبكرًا...وخطفها الموت من وسط عائلتها الصغيرة.....
مال ثغر كيان في ابتسامة حزينة وهي تنظر
الى سليم بتساؤل....
"فين باباك صحيح مجاش ليه لحد دلوقتي...."
رد سليم وهو ينظر الى ساعة يده...
"اتصلت بيه قال انه جاي في السكة كان قاعد
مع ناس صحابوا....."
قالت كيان بحرج شاجنة....
"مبقاش بيقعد في البيت خالص... واضح ان
وجودي مضايقه.... مش عارف ياخد راحته زي الأول....مش كده ؟!!..."
شرد سليم قليلا وهو يقول بتفكير...
"هو بيعمل كده عشان انتي اللي متضايقيش من وجوده وتاخدي راحتك..... بس كده كدا انا لقيت
حل يرضي الطرفين وبرضو مش هنبعد عنه...."
قالت كيان بحزن......
"انا عمري ما اضايق من وجوده دا عندي في
مكانة الأب...."
ربت سليم على كتفها بملاطفة
قائلا....
"عارف ياحبيبتي....وعشان كده فكرت ا....."
توقف سليم عن الحديث بعد ان سمع باب الشقة
يُفتح ويظهر منه والده المستشار......اشار سليم
عليه بابتسامة واسعة.....
"وادي سيادة المستشار وصل....."
وزع المستشار نظراته عليهما متعجبًا سائلا
بتريث....
"مالكم واقفين في صالة كدا ليه...."
اطرقت كيان براسها بحياء متوردة الوجنتين بينما أقترب سليم من والده قائلا بمزاح....
"والله وكبرت يادرش.....وهتبقا...."
نظر الى زوجته بتلاعب
ممازح....
"هتقوليلو انتي ولا أقوله أنا...."
ضحكت كيان وهي تتراجع خطوة
للخلف...
"لا انا هسيب المهمة دي عليك..."
تساءل المستشار بجزع.....
"في اي ياولاد....انتوا كويسين قلقتوني..."
وضع سليم يده على كتف أبيه قائلا بسعادة
تبرق في عيناه كالالعاب النارية...
"ربنا ما يجيب قلق.... انا عندي خبر حلو ليك..."
ساله المستشار بتوجس...."قول يامتر...."
توسعت ابتسامة سليم حتى ظهرت اسنانه
البيضاء....."كيان حامل...."
أخذ المستشار دقيقة لاستيعاب الخبر المفرح
ثم نظر لكيان سائلا......
"بسم الله ماشاءالله....حامل بجد...."
اومات كيان براسها بحرج شديد....
"أيوا ياعمو....مبروك هتبقا جدو قريب...."
تهللت اسارير وجهه بسعادة وهو يقترب
منها مهنئًا اياها بعناق أبوي حار....
"الف مبروك ياحبيبتي.....مبروك...."
لمعة عينا كيان بتأثر وهي ترتاح
على كتفه هامسة...."الله يبارك فيك...."
فصل العناق بينهما ثم نظر الى ابنه قائلا
بسعادة.....
"مبروك ياسليم....."
تعانق الاب وابنه...واجابه سليم
بامتنان.....
"الله يبارك فيك ياحبيبي....."
فصل مصطفى العناق ناظر لابنه
بمحبة....
"يتربى في عزكم يابني...."
ابتسم سليم....."وفي حضن جده كمان...."
اقتربت كيان منهم تمد يدها له
بالصورة....
"دي صورة البيبي ياعمو بالسونار...."
مسكها المستشار بمشاعر أبويه ونظر الى الصورة بدقة وعينيه تلمع بدموع الفرح ثم عقب بمزاح...
"الصورة مش واضحة أوي....بس انا ملاحظ
انه شبهي..."
ضحك سليم قائلا بفخر.....
"احنا نطول اصلا يبقا ابننا شبه سيادة المستشار...."
قالت كيان بتمني.....
"ياريت ياعمو....دا هيبقا اوسم من أبوه...."
زم سليم شفتيه فجاة مدمدم
بغيظ...."منافقة...."
لكزه والده بضجر....
"قصدك إيه ياولد ان انا وحش....."
تراجع سليم قائلا بمرح....
"وحش إزاي بس انا اقدر دا انت عنوان للوسامة.."
ضحك مصطفى مستحسن
الرد....
"ايوا كدة اظبط كلامك.."
"انا هروح احضر الغدا بقا...." قالتها كيان
وهي تتحرك خطوة للامام....
اوقفها المستشار مستنكرًا....
"عندك غدا إيه اللي تحضريه خليكي مكانك...
وانا وسليم هنطبخ النهادرة...."
رد سليم وهو يدس يده في
جيبه....
"انا من رأيي نطلب أكل من برا...."
رفض والده بحزم يأمر....
"البنت حامل هتاكلها أكل من برا إزاي....يلا ورايا
على المطبخ...."
حاولت كيان منعه بحرج....
"ياعمو بلاش تتعب نفسك... انا هطبخ...مفيهاش حاجه يعني.... لو تعبانه هقولكم... "
تحدث المستشار بصبرٍ....
"مفيش الكلام ده ياكيان ارتاحي انتي الفترة دي
الراحة مهمة ليكي بذات في أول شهور حملك..."
ثم أشار لابنه بصرامه....."يلا ياسليم....."
تذمر سليم بكسلا....
"بس انا جاي تعبان من الشغل...."
اتجه المستشار للمطبخ منادي عليه...
"يلا ياولد..."
عندما اختفى والده عن ابصارهما مالى سليم عليها
وخطف قبلة من ثغرها الشهي على أثرها شهقت
كيان محاولة الافلات منه بخجلا صارخ....
وعندما تركها رمقته بقوة معاتبه لتراه يتبع والده
الى المطبخ بخطوات متثاقلة متافف بقنوط.....
ضحكت كيان بعينين تشعان بالحب والسعادة
لكونها فرد في تلك الاسرة الصغيرة وهناك
فرد سيضاف الى القائمة قريبًا...
وضعت يدها على بطنها تتأوه بحبٍ....
دلفت إليهم في المطبخ بعد دقيقتين تراقب ما يحدث باهتمام وفضول...
رأت والده يخرج الخضروات من المبرد بينما سليم يفتح خزانة المطبخ العلوية...هتف والده بأمر....
"البس المريلة خلينا نشوف هنعمل إيه...."
اوما سليم براسه وهو يسحب المريول ويرتديه
فلمح كيان تقف عند باب المطبخ وقبل ان
يسألها....
سألها والده عابسًا.....
"اي اللي جابك ياكيان....احنا مش قولنا ترتاحي."
قالت كيان بأنين متوسلة....
"عشان خاطري بلاش تتعبوا نفسكم... انا هخلص الغدا في وقت قياسي صدقوني انا مش تعبانه.."
اقترب منها سليم واجلسها على مقعد امام
طاولة المطبخ....
"اسمعي كلام المستشار دي أوامر عُليا.... قعدي
هنا اتفرجي على الرجالة لما تطبخ...."
ابتسمت كيان وهي تشعر ان دللهم لها يصيبها
بالحرج الشديد....
اعطاها سليم ثمرتان من الخيار...قائلا
بحنو...
"خدي دي.... واحده ليكي وواحده للي
في بطنك.... "
ضحكت كيان وهي تقضم منهم على مضض متابعة بعينيها الفيروزية ما يفعلا...
امره والده وهو يقلب المكونات في
القدر....
"هات الدقيق ياسليم...."
قال سليم مقتضبًا... "احنا هنخبز ولا إيه ؟!!...."
رمقه والده بصرامة فأوما سليم براسه يعطيه
علبة القمح...."اتفضل...."
بدا يعملا بصمتٍ وتعاون حتى بدأت رائحة الطعام الشهي تفوح في ارجاء المطبخ.....
تحدث المستشار وهو يجلس بجوار كيان منتظر
ان ينضج الطعام على الموقد....
"عارفين يوم ما عرفت ان هالة حامل... مخلتهاش تلمس الارض برجليها غير للضرورة.... جبت حد يساعدها في تنضيف البيت.... والغدا كنت بعمله
انا وهي سوا....."
كان سليم يجلس على المقعد المقابل يقطع الخضروات لاعداد طبق من السلطة وكانت
كيان جالسة بجواره تساعده في التقطيع..
عقب سليم على حديث والده بمحبة مفتخر بوالديه وحبهما الاسطوري....
"عشان كده غاوي واقفه في المطبخ...."
قالت كيان بعينين مبتسمتان
بتأثر...
"قصة حبكم جميلة أوي ياعمو....."
اوما المستشار براسه قائلا بمودة....
"انتوا كمان ياكيان حبكم جميل وهيقوى أكتر
بالطفل الجاي في السكة....."
زمت كيان شفتيها بدلال...
"بس انا متاكدة انك هتحبه أكتر مني...."
اجابها المستشار سريعًا....
"مين قال كده....انا مش هحب حد غيره...."
ضحك سليم وهو ينظر اليها بشماتة فخبطة
ساقه من أسفل الطاولة بغيظ منزعجة.....
فقال المستشار بمحبة لهما.....
"كلكم حبايبي بس هو غلاوته تختلف...ودا
عشان منكم انتوا الإتنين.....مش بيقولوا
أعز من الولد ولد الولد...."
اومات كيان براسها وهي تنظر الى سليم مبتسمة
بمحبة فنظر لها سليم وغمز لها بشقاوة وهو يركز على تقطيع الخضروات....
.....................................................................
اتعبها دلال حتى سكنت بين يداه تئن بتعب فكان شغوف بها لدرجة تفوق الوصف....
ارتاحت على صدره ثملة بالحب بانفاس لاهثه بحرارة ، بدا عاصم يطبع قبلات متلاحقه على حنايا وجهها وشفتيها المنتفخة باحمرار قانئ اثار هجومه عليها...
يهدأها ويدللها بالقبلات والهمسات العاشقة وهي تلهث بين ذراعيه محاولة مواكبة مشاعره الجياشة...
لم تصدق انه هو نفس الشخص الذي كان يتناقش معها بصبرٍ وهدوء....من كان ينظر اليها بثبات جاد...وهالة الوقار وشكيمة تشع منه...حتى
حتى سرقها من مكان عملها الى شقتهما وعندما انغلق الباب عليهما لم يعطيها فرصة لترك الحقيبة
من يدها بل قضم شفتيها باسنانه مشتهي قطرةٍ من الشهد، مقبلها بقوة ناهم ، دمغ قبلاته على بشرتها مبعثر اشواقه على جسدها.....
حتى سحبها الى الفراش حاملها بين ذراعيه وهي معه مسالمة ساكنة تعبر عن اشواقها برقة لا توزاي جموحة في التعبير فكانت المقارنة صعبة فكأنها عصفورة محبوبة بين يدي عملاق.....
كان من بين كل قبلة ولمسة بينهما يخبرها
بالقرب من اذنيها بحرارة..
"بحبك ياشـهـد....."
"وحشتيني ياست الحُسن...."
عاد سخيًا في الحب...عاد وكأنه لم يمتنع عنه يومًا..
وهي تستقبل بقلب ظمأن ، ترتوي بين يداه متفتحة
كـوردة عادت تزدهر في موسم الربيع......
كانت بين ذراعيه مسالمة تحيا حلم وردي دافئ يفيض بالحب والشغف.....
"بحبك أوي....."
همست بها شهد وهي تغمض عينيها بتعب على صدره
داعب عاصم شعرها باصابعه مجيبًا بصوتٍ أجش..
"وانتي عارفه اني بعشقك..."
قالت بنبرة معاتبة قانطة....
"كنت فاكرة اني مبقتش بأثر فيك....."
داعب عاصم بشرة كتفها وهو يعترف....
"ازاي بتقولي كده....انا كنت بتعذب وانا بعيد عنك...
مش لاقي راحتي في بعادك ...."
راقها الرد بشدة فقالت بتنهيدة حارة....
"كانت فترة صعبة أوي.....كنت حاسه ان احنا
خلاص كده.....انتهينا....."
ضمها عاصم الى صدره هامسًا بتوله....
"صعب حبك ينتهي جوايا ياشـهـد...انتي عارفه..."
زمت شفتيها قائلة بنبرة مثخنة.....
"عارفه.... وفكرة كمان كلامك عن جوازك للمرة
التانية والتالته والرابعة..... فاكر انت قولت إيه...."
ضحك عاصم ضحكة خافته سائلا
بذهول.....
"مش فاكر.....هو انا كان غضبي عميني اوي كده...."
اكدت بنبرة حزينة....
"كنت صعب اوي حد تاني معرفوش....."
طبع قبلة على وجنتها مبررًا بأسى.....
"كنت موجوع ياشـهـد.....وبعدها غيرتي عليكي كملت عليا وعمتني عن كل حاجة...."
سالته بدلال....."بتغير اوي كده ؟!!...."
قال عابسًا......"دا سؤال ولا إجابة...."