هتفت بصوتٍ خافت اختنق في حلقها من هول
الصدمة......"شادي !!!.."
فارة الدماء في عروقها سريعًا واندفع الغضب دفعه
واحده فوضعت يدها المرتجفة على مقبض الباب حتى تدفعه وتنهي تلك المهزله فمن يظن نفسه
بعد ان أقدم على تلك الخطوة وزيف الحقائق...
لم تراه إلا مرتين وكلاهما عن طريق الصدف
واليوم ياتي لخطبتها دون علمها بل ويدعي
انهما على علاقة عاطفية وقد اتفقا على الزواج
مسبقًا من يظن نفسه هذا....
ستصفعه على وجهه الآن وتقف امام والدها ويحدث ما يحدث......
سحبت نفسًا حار ثائرًا بالغضب واتكأت على المقبض
بيدها وقبل ان تحرك مقبض الباب سحبتها قبضة أنثوية قوية وادخلتها غرفة النوم ...
فوقفت كيان في منتصف الغرفة تنظر الى اختها
بعينين حمراوان من شدة الانفعال.....
"بتشديني كده ليه يا شهد...سبيني أوقف القرف ده
و اطرد الحيوان ده من هنا....."
سحبت شهد نفسًا طويلًا بصبرٍ ثم قالت..
"انتي اتجننتي.....اهدي وفهميني بظبط....مين ده وتعرفيه منين.....فهميني ياكيان....انا اختك واكتر واحده هتفهمك وهتخاف عليكي......."
نزلت دموع كيان بعجز وهي تتمتم بشفاه
ترتجف خوفا وغضبًا.....
"هي الدنيا بتعاندني ليه ياشهد..ليه مستخسره فيا
الفرح... ليه كل ما بنحاول نفرح بتحصل حاجة تنكد
علينا ليه بس...."
زفرة شهد قائلة بوهن.....
"بلاش الكلام ده احنا احسن من غيرنا...والمشاكل اللي بنمر بيها هنقدر نعديها....اهدي بس وفهميني
واحكيلي بصراحة مخبيه عليا إيه....."
بللت شفتيها وهي تلقي جسدها على حافة الفراش جالسة ثم بدأت تخبرها بصوتٍ متهدج...
"من فترة المحامي اللي شغاله عنده سليم الجندي طلب ايدي للجواز......وكان خاطب واحده اسمها ايتن دي تبقا بنت خالة شادي اللي قعد برا مع ابوكي.... وانا أصلا مقبلتوش غير مرتين....."
ضاقت عينا شهد بعدم فهم....
"استني.. استني يعني إيه سليم الجندي طلب
إيدك ؟!......"
بدأت كيان تسرد لشهد القصة منذ البداية...بداية اعجابها بسليم اثناء إرتباطه من أخرى وتقرب سليم
منها حينها ثم تركها للعمل لديه عندما اقترب موعد زفافه ثم عودتها للعمل من جديد وطلب يدها للزواج وقتها.....عندما انتهت كيان قالت وهي ترفع
عيناها لاختها..."هو ده كل اللي حصل...."
خطت شهد بصمت وجلست جوارها تنظر اليها
بغرابة مؤنبة.... "كل ده مخبياه....."
تلعثمت كيان قانطة بتجهم.....
"كنت ناويه احكيلك والله النهاردة بس اللي حصل ده..... انا مش عارفه اعمل إيه....."
قالت شهد بحزم...
"متعمليش حاجة سليم هو اللي هيعمل...."
انعقد حاجبي كيان بتساؤل...." إزاي يعني؟!.."
قالت شهد مفكرة....
"انتي مش بتقولي ان شادي ده ابن خالة البنت اللي كانت خطيبته...."
اومات كيان براسها.... "أيوا...."
اضافت شهد بحاجب مرفوع....
"يبقا البت دي هي اللي زقاه عشان تبوظ الجوازه.."
اشاحت كيان بوجهها بتبرم....
"وواضح انها سألت على ابوكي كويس اوي
وعرفت انه مش هيفرق معاه غير الماديات..."
اكدت شهد..."هو كده...."
عادت عينا كيان لاختها....
"طب المفروض اني هعمل ايه دلوقتي مع ابوكي..."
استرسلت بتخوف....
"دا ممكن يكون بيقرأ الفاتحة دلوقتي...."
قالت شهد بطمأنينة....
"مش معقول دا جاي لوحده... مفيش حد معاه عشان يتفقوا ويقراو فاتحة...."
سألتها كيان.... "تفتكري...."
"افتكر جداً...." اكدت بيقين......ثم
حاولت ان تنبه اختها.....
"اسمعي لو ابوكي سألك عـ....."
لم تكمل جملتها فقد سمعا كلتاهما صوت ابيهم بالخارج يودع الضيف بحرارة واعدًا إياه بان
يفكر في الأمر بجد وقريبًا سيعطيه رأيه
الأخير...
انغلق الباب فخرجا الفتيات معًا من الغرفة الى صالة
البيت وقفا بانتظاره...
وبالفعل استدار عثمان لهن ورمقهما بنظرة لئيمه
خصوصًا كيان التي كانت تنظر اليه بتبلد مشاعر
كالعادة بل ويرافقها الآن شعور الخوف من القادم
منه.....
ابتسم عثمان ببشاعة نفسًا متشبعة
بالسوء...
"مكنتش اعرف انك بصه لفوق اوي كده...جدعه
كده بقا انتي بنت عثمان الدسوقي....جدعة يابنت
كريمة....."
التوت زاوية شفتي شهد باحتقار.....وشحب وجه كيان وزداد انغعالها.....
فاضاف عثمان بنظرة خسيسه....
"مع ان كلامه في الاول معجبنيش...بس لما فهمت
وعرفت هو مين وابن مين....اتأكدت انك بنت ابوكي وعرفتي تجيبي عيل زي ده لحد عندي...."
هتفت كيان بعدائية...
"وطالما هو عيل..... ليه عجبك اوي كده...."
برزت اسنانه فكان شيطانًا لعين وهو يقول
بفحيح.....
"فلوسه اللي عجباني واكيد عجبتك انتي كمان.. الفلوس والسلطه... هما دول اللي محتجانهم
في زمنا ده..... مش كده....."
عيل صبرها فصرخت.... "لا مش كده أنا مـ..."
قاطعتها شهد بإبتسامة متصنعة وبنبرة هادئة
صقيعية.....
"هي محتاجه تفكر شويه... وانت كمان محتاج تاخد وقتك.... بلاش ترد عليه علطول.... لازم نتقل شوية
في الرد... ويبان ان عندنا عزة نفس مش واقعين عليه ولا طمعانين فيه....ولا اي ياكيان...."نظرت لكيان بتحذير.......
فلم ترد كيان بل نظرت لاختها
بدهشة....
فقال عثمان بحاجب معقود
بشك....
"واضح ان كيان ليها رأي تاني...."
عادت كيان لعينا والدها فوجدت فيهما تحدٍ سافر بالقسوة ان أبدت رايا يعارض قراره....فحمحمت
وهي تطرق براسها أرضا قائلة بصعوبة .....
"أكيد الرأي رايك يابابا...وانا شايفه ان شهد عندها حق...يعني لازم نعزز نفسنا شوية.....عشان ميفكرش ان احنا ما صدقنا...."
ابتسم عثمان باستحسان وهو ينظر
لها...
"تمام.....دا الرد اللي مستنيه...الراي رأيك يابابا...
بنت ابوكي......"ابتعد عثمان عنهن الى شرفة
المنزل يجري اتصالا......
فقالت كيان بضيق
لاختها....
"ليه قولتيلو كده ياشهد؟!...."
قالت شهد بهمسًا وهي تنظر الى مكان والدها
بطرف عيناها.....
"مش هنقدر نقف قدامه ياكيان ولو رفضتي او
عاندتي معاه مش بعيد يجوزك ليه من بكرة...الحل انك تحكي لـسليم ولو هو بجد بيحبك وعايزك هيواقف المهزلة دي بنفسه....من غير ما ندخل في مشاكل جديدة مع ابوكي.... "
صمتت كيان تفكر في الأمر.....
بينما دلفت شهد الى غرفة الصالون لكي تحمل
اكواب العصير وتنظف المكان من خلفهم....
مالت على الطاولة حتى تاخذ صنية المشروبات من عليها فوجدت سلسلة مفاتيح والدها تقبع على سطح الطاولة...
فتركت الصنية واخذت سلسلة المفاتيح وقلبت بها
قليلاً بين يداها حتى وقعت عسليتاها على نسختان من مفتاح غرفة والدها التي تغلق دومًا في غيابه ومنذ زمن على هذا الحال وعند حضوره يبقى بها طوال الوقت...
نزعت نسخة واحدة من السلسلة سريعًا ووضعتها في
جيب تنورتها ثم وضعت سلسلة المفاتيح مكانها وتناولت الصنية بين يداها من جديد....
وعندما خرجت من باب غرفة الصالون دلف والدها والتقط سلسلة المفاتيح واتجه الى غرفته الخاصة فتحها بنسخة الثانية المتبقية معه ودلف الى الغرفة
دون ان يشك في اي شيءٍ !.....
تنفسة شهد الصعداء وهي تدلف الى المطبخ بيدين ترتجف خوفا......
......................................................................
وضعت طبق يحتوي على وجبة الغداء على طاولة مستديرة صغيرة....ثم جلست أمامها ومسكت المعلقة
وبدات تقلب في محتويات الطبق بشهيةٍ مفقودة
وشعور الفقد كالصدى الاذع في حلقها....رفعت بنيتاها وحركتهما بين الارجاء الفارغة في شقتها البسيطه المرتبه بعناية من قِبلها.....
من يوم ان عادت وهي ترتب وتمسح وتكنس..حتى
عادت الشقة ساكنة بالحياة.....
عادت الشقة لعهدها لكن صاحبتها لم تعد بل فقدت
دربها وتخبطة مشاعرها حين ذاك....
شعور من الوحده سيطر عليها من يوم ان عادت وحيدة في مسكنها وقد زادت وحشة الليل رعبًا
بعدما ذاقت طعم الامان والراحه في بيتهم...
لو كانا والديها معها ما كان للوجع مكان في
قلبها.....أضناها الحزن والفراق بعد رحيلهما
واليتم تمكن من قلبها حتى جعله يابسًا
متعطشًا لـعطف الغرباء؟!...
اشتاقت لشهد جدًا عطفها امومتها المفرطة نحو الجميع رقيها وكبرياء الملِكات التي تتمتع به دون
ان تدرك..... أشتاقت لتلك الملكة التي خرجت من رواية اسطورية لتحقق أسطورة على أرض الواقع وهي ان تكون الشهد رغم مرارة الأيام ؟!.....
حتى انها اشتاقت لتلك الساحرة الشريرة...كيان
التي اتخذت من إسمها نصيبًا وكانت كيانا مختلفًا
عنهما فهي المحامية الصغيرة...الشقيقة الغيورة
والتي تعشق شقيقيها بشدة... وتجتهد في عملها
بتفانٍ... تحب المسلسلات الكوريه... وتكره الرجال..
وتخشى العلاقات الجديدة وتشكك في كل ماهو مستجد في حياتها.....وهي كانت من ضمن المستجدات لذا لم تتقبلها يومًا ؟!......
داهم انفها رائحة القهوة الساخنة.. فحانت منها نظرة
على فنجان القهوة التي اعدته خصيصًا كي يذكرها برائحته الرجولية الممزوجة بالقهوة تلك التي فارقتها
عنوة عن قلبها وتستعيد الان جزءًا منها علها تشبع القليل من شوقها إليه برائحة القهوة التي يحبها وتبرع هي بصنعها رغم انها ليست مولعة بها
مثله...
أشتاقت اليه وشوقه هو يختلف عن شقيقتاه... مؤكد
يختلف فهو حبيب القلب وجلاده...أشتاقت لعسليتاه وبريق الاجرام الأخذ بهما.....أشتاق قلبها لمزاحة الثقيل والسخرية القاتمة الممزوج به....اشتاقت
لرؤية مروءته معها ومع شقيقتيه وحبه لهن....
أشتاقت لأن يطلب منها القهوة فتعناد معه ثم يرق
قلبها وتعدها له وبعدها تظل تتأمله بسعادة قلب ولهان....
اشتاقت لكل شيء ينتمي معه وبه اشتاقت
والشوق عذبها....وكبرياؤها قشة متعلقه
بها تتأرجح معها يمينًا ويسارًا وقد اوشكت
على السقوط !.....
تركت المعلقة جانبًا ثم لامست السلسال الفضي باصابعها حتى وصلت للقمر الأبيض الذي يرتاح
أسفل نحرها بقليل ظلت تمسح عليه بابهامها بحنان وقد امتلأت حدقتاها بغمامة من الدموع قد
سالت بعد ان لفظت اسمه.... "حمزة.."
.......................................................................
في موقف السيارات كان ينتظر دوره بين إعداد كثيرة لذا كان يفتح باب القيادة ويجلس على
المقعد بزاوية مختلفة يحتسي القهوة وهي ينفث
من سجارته.....وعيناه معلقة على المارة.....
تافف وهو يلقي كوب القهوة البلاستيكي
أرضا بغضب.....
"حتى القهوة بقت زي الزفت......"
اتجه اليه أحد الأصدقاء....وكان شاب يقاربه
عمرًا...
"مالك ياسطا هي الغزالة مش رايقه ولا إيه..."
سأله حمزة بجزع...... "فاضل كتير....."
اخبره صديقه.... "انت بعد الولا فيجو...."
سأله صديقة بلؤم....
"مش هتقولي مالك.... اوعى تكون بتحب جديد.."
التوى ثغر حمزة هازئًا....
"ولا قديم على المبدأ ثابت......"
ضحك صديقه بسماجة...
"بكرة تيجي اللي تشقلب المبدأ وصاحبه...."
اتى طيفها في عقله فـلهى نفسه
بسؤالا...
"اي اخبارك انت في الجواز ياعريس....."
اتسعت إبتسامة صديقه
بفخر...
"عريس اي بقا دا المدام حامل...."
غمز له حمزة بوقاحة....
"عملتها يانمس.... دا انت مكملتش شهرين...."
"اخوك أسد...."قالها بزهوٍ....
فربت حمزة على كتفه معقبًا....
" جدع يا أسد....حوشت بقا حاجة للمصاريف الجاية....."
هز صديقه راسه بقنوط...
"اقسم بالله ولا الهوا على يدك ياصاحبي لسه
مديون في الجمعيات اللي اتجوزت بيها..
ملحقتش اسدد... "
وضع حمزة السجارة بفمه واخبره بشهامة...
"متشلش هم بكرة تدبر وبعدين لو وقفت معاك
في اي حاجة كلمني انا سداد...."
ابتسم صديقه بامتنان قائلا....
"قد القول ياصاحبي ما انت ياما ساعدتني....صحيح
مبروك على خطوبة أختك.....سمعت انها اتخطبت لعاصم الصاوي..بس انا واخد على خاطري منك
كده متعزمنيش....انت مستعر مني ولا اي.... "
لوح حمزة بيده مستنكرًا.....
"ياعم لا مستعر ولا حاجة معملناش حاجه اصلا يدوب قرينا الفاتحه ولبسها الشبكة واحنا قعدين.."
ساله بفضول... "يعني مش ناوين تعملوا خطوبة...."
هز حمزة رأسه بنفي....
"اختي مش عايزة....قالت في الفرح نبقا نعمل..."
استفسر صديقه...
"وهتجوز امتى كده ان شاء الله...."
تنهد حمزة تنهيدة ثقيلة قائلا..
"لسه شويه.... ادعلنا بتساهيل... تجهزها مش بساهل......"
انعقد حاجبا صديقه متعجبًا..
"ياسطا جهاز اي بس... دا عاصم الصاوي دا يوزنها بدهب لمؤخذه....."
عبس وجه حمزة ثم زمجر قائلا..
"يعني ادهاله بشنطة هدومها...ماتوزن الكلام ياجدع
هو إحنا بنتاجر بيها....دا جواز..... والاصول محدش يعديها...."
أعتذر صديقه قائلا بتراجع....
"ياعم متزعلش اوي كده... مش قصدي حاجة..
على العموم ربنا يسعدها ويتمملهم على خير...."
لم يرد عليه حمزة بل رفع عيناه ينظر أمامه بضيق
أصبحت الحياة والعلاقات بالمجمل حسبة مال ليس
إلا.....
ليست الحياة هاشة وباشة بل هي عبارة عن حرب
باردة الجميع يسعى في تلك الحرب لتوفير لقمة
عيش والقائمين عليها أوفرُ بالحيل مخابز من
خلف سعينا فأصبحنا نحارب بكثرة وهما يلقوا
الفتات الجاف لنا ؟!...
........................................................................
كانت تدور عجلات الدراجة بسرعة على الأرض الصلبة وضوء الشمس منعكسًا على وجهها الأبيض وعيناها الفيروزية البراقة.... اما شعرها البندقي الناعم كان يرفرف خلفها بحرية وقد اعطت صورة كلاسيكية رائعة بها لمحة من الفوضى الذيذة تكمن في تلك الدراجة الهوائية التي تفضلها عن اي وسيلة
نقل أخرى......
مر عدة أيام على زيارة (شادي) لم تستطع أخبار سليم بالأمر تشعر بالغضب ان سلمته زمام
امورها ؟!...
الأمر خاص بها وحدها وعليها ان توقف هي تلك المهزلة فلن يجبرها أحد على الزواج مهما بلغت
سلطته عليها.....فهي سيدة قرارتها رغم انف
الجميع....
حتى انها بدأت تتهرب من مقابلة سليم ولم تذهب الى مكتبه من بعد اعترافه بحبها...عادت الى مكتب
خليل الصواح متجاهلة الأيام التي اتفق معها
ان تحضرها لإنهاء الأعمال المتراكمة....
اثناء قيادتها للدراجة وقفت امامها عن بعد
مسافة سيارة حمراء فارهة....فاوقفت الدراجة
عندذاك بحاجب معقود وشفاه مقلوبة بعد ان رأت
قائدها السمج.....
نزلت عن الدراجة وكانت ترتدي بنطال جينز وكنزة
سوداء تفصل قدها المميز.....مظهرا عاديا بسيط لكن كالعادة تشع جمالًا وعنفوان فاتنا....
"وكمان جتلك الجرأه توقفني في نص الطريق.. دا
اي البجاحه دي....."قالتها وهي تعقد ساعديها امام صدرها بتبرم...
فالتوى ثغر شادي بخبثٍ قائلا...
"اي ده... مش عيب تكلمي خطيبك بطريقة دي.."
توهجت عينا كيان متشدقة بضجر....
"خطيبي؟!.... انت صدقت نفسك... صدقت الكدبة اللي كدبتها قدام أبويا....."
تاملت كيان ملابسه الشبابية العصرية المنفرة والسلاسل الذهبية الباهظة المعلقة في عنقه
وبعض الوشوم الغريبة على ذراعيه....
فاضافت باستهجان....
"انا وانت بنحب بعض ومتفقين على الجواز.. طب إزاي دا انا مشفتكش غير مرتين بالعدد.. حبيتك
إمتى واتفقنا على الجواز إمتى...."
استفزها شادي ببرودة اعصابة....
"يابيبي أهدي اعصابك... وبعدين اي المشكله في اللي قولته ما احنا مصيرنا نحب بعض...اتس
أوكي... "
احتدت نظراتها فلوحت بيداها متشنجة....
"اسمع يانحنوح يابتاع بيبي انت.... انا مش
بتاعت جواز... خلاص وصلت...."
ابتسم ببلادة قائلا بغلاظة....
"نوو...يعني بتحبي تصاحبي ومالو انا معاكي في
اي حاجة يابيبي..."
تذوقت الكلمة على لسانها بقرف متجهمة...
"بيبي...انا راضيه ذمتك دا حجم يتقاله.. بـيـبـي.."
مطت الكلمة بشفاه مقلوبة....
أكد وهو ينظر اليها بوقاحة... "انا بدلعك يابيبي..."
قالت كيان من بين أسنانها....
"اسمي كيان...ومليش في الدلع.....وعشان اجيبلك
من الاخر...انا مش موافقه... "
وضع يداه في جيب بنطالة الساقط مدعي
الظرافة...
"اسمع الرد من باباكي الأول وبعدين اقرر..."
غلى الدم في عروقها فقالت منفعلة...
"لا والله هو البعيد معندوش دم... بقولك مش موافقة تقولي اسمع الرد من باباكي.. وانا اي كوز
دره وسطكم... ماقولت مش موافقة...."
قال بغرور ويداه مزالت في جيبه....
"إزاي يعني في حد عاقل يرفض شادي عزام...."
هزت راسها بعصبية غير مصدقة سماجته
واسلوبه الازج في الحديث....
"انا....انا مجنونه وبرفضك خلصنا...وبعدين شادي
عزام اي اللي طلع في دماغه فجأه يتجوزني...مع انه مشافنيش غير مرتين..... ولا يكونش ده راي
ايتن...."
اهتزت حدقتاه للحظه وظهر التوتر
على محياه...لكنه أنكر قائلا..
"واي دخل ايتن بالموضوع..... انا....."
رفعت إصبع التهديد مهسهسة بشرٍ.....
"انت تبعد عني احسلك يابن الناس... وتتصل بابويا وتقوله انك صرفت نظر عن الموضوع. الأحسن تيجي منك انت....سامع.. "
"أنسي يابيبي...انتي عجباني ومن أول يوم شوفتك
فيه وانا عايزك....." قالها شادي بوقاحة وهو يتمادى معها ويمسك قبضتها بين كفه......
اتسعت عينا كيان جراء هذا العبث فحاولت نزع
يدها مزمجره.....
"اما انت بنادم قليل الأدب بصحيح سيب دراعي...
سيب دراعي ياحيوان.... "
فجأه وجدت قبضة قوية تنال من فك شادي الذي تركها سريعًا وارتد للخلف واقعا على جانب سيارته....
"سليم..." اتسعت حدقتاها بدهشة هامسة باسمه
بصدمة فلم تتوقع وجوده هنا الان وفي منتصف الطريق ؟!....
رمقها سليم بنظرة قاتمة غاضبة....أمرا إياها بسطوة..."استنيني في العربية....."
اومات براسها بطاعه وهي تستقل سيارته منتظرة
وعيناها معلقة عليهم من خلف زجاج السيارة تتابع
حديثا حاد بينهم لكنها لم تفهم شيءٍ منه...
لكن يبدو ان سليم كان على حافة الغضب وشادي يستفزه بسماجة وغرور......حتى لكمه سليم مجددا
بعنفٍ وانقض عليه بهمجية...والاخر يضحك ببرود..
"ازاي مقالتلكش اني اتقدمتلها.... وهي وافقت عليا
لا وكمان مستني رد ابوها عشان نحدد معاد الخطوبة....."
جز سليم على اسنانه وهو ينقض
عليه بهمجية... "انت كداب.... كداب...."
قال الاخر بابتسامة باردة....
"لو مش مصدقني اسألها.... ولا بلاش تحب اديك رقم ابوها وتساله بنفسك...."
انتفخت أودج سليم واربد وجهه بالغضب..فتابع
شادي باستفزاز.....
"دا واضح انها بتلعب علينا احنا الاتنين... اخص ادي
اخرت اللي يسيب بنات الناس.. ويبص لشحاتين.."
مسكه سليم من ياقة قميصه بعنف...
"وطالما هي شحاته.... اتقدمتلها ليه...."
اجابه شادي بعبث وهو ينظر نحو
سيارته...
" تقدر تقول حابب اجرب صنف جديد...."
هزه سليم عدة مرات بعنفا مهسهسا بملامح
تنذر بالخطر......
"عارف لو فكرت تقرب منها...او حتى تكمل في مشوار الخطوبة ده أقسم بالله العظيم ياشادي
ما هرحمك...."
صرخ شادي بغرور....
"متقدرش تعمل معايا حاجة...انا شادي عزام..."
ابتسم سليم هازئا وهو يجيب بنبرة هادئة
مخمرة بالثقة.....
"عزام ذات نفسه لو دعبست وراه هطلع بلاوي توديه
ورا عين الشمس.....اعقل يا حلوو لو انت شادي عزام.....فانا سليم الجندي وسليم الجندي لم بيقلب
على حد مش بيسمي عليه......سامع... "
عجز شادي عن الرد وظل يحدق فيه بعدائيه
فأبلغ سليم رسالةٍ لمن شنت عليه الحرب دون
وجهة حق.....
"كيان خط أحمر...وبلغ اللي بعتاك ان سليم الجندي
لما بيخرج حد من حياته صعب يرجعه تاني..ولو عمل
اي بالذي......"
ثم تركه بغضب واتجه الى دراجتها الهوائية الملقيه أرضا..حملها ووضعها في حقيبة السيارة من
الخلف... ثم استقل مقعد القيادة وانطلق بها بعد لحظات دون ان يعرها اية إهتمام يذكر وكانها
طيفٍ !!...
أوقف السيارة بعد ان صفها في مكانا شبه مقطوع حتى يتمكن من التحدث معها وافراغ ما يعتمل في صدره...
فحديث شادي مزال يتردد في أذانه كالرعد في ليلة
عاصفة مظلمة تماثل مشاعره الان الثائرة نحوها...
تقدم شادي لطلب يدها منذ أيام؟! بينما هي تتجاهله كذلك في تلك الأيام بعد ان اعترف بحبه لها؟!...
مزال لا يفهم ماذا تريد... هل تعبث معه.... هل حقا هي على دراية بما تفعله به الان......
انه يحترق من شدة الغيرة عليها.. لم يغار على أمرأه بقدر غيرته الان عليها.... يريد وضعها في قفصا مذهب ولا يراها سواه ، شعور ساديا مغلف بالانانية يتخطي المنطق لكن عنوة عنه يقع فريسة للغضب.... وعلى سيرة المنطق هل كانت قصتهما منذ البداية تحمل هذا المنطق !!...
احبها وهو يرتدي خاتم اخرى.... كانت تعمل لديه لأشهر ولم يعترف بهذا الحب إلا عندما هاجرته ورحلت...متجردة من شعور الذنب.....
رأت ارتباطه بأخرى وعاشت جزءًا منه ولم تتوقع ان تكون الحبيبة الثانية له بعد ان هجر الأخرى لسوء اختياره لها والذي اكتشفه مؤخرًا بعد ان كن مشاعرٍ خاصة نحوها..
لم يكن المنطق بينهما يومًا...حتى كلاهما لم يتوقعا ان يكونا عاشقين لبعضهما ؟!....
فتح باب السيارة وخرج منها أمرا اياها دون
النظر إليها....."انزلي....."
رمشت بعيناها بتخوف وقد زحف الهلع لقلبها بتدريج واضطربت خفقات قلبها أكثر من اللازم حتى كادت ان تصل للعنان وهي تراقبه بعينين جاحظتين مترددتين...
كان يقف يوليها ظهره باعصاب مشدودة بالغضب المكبوت....خفق قلبها كأرنب مزعور وهي على دراية
بان شادي اخبره بطلب الزواج منها حتى يستفزه ويشكك في اخلاقها امامه وها هو قد نجح في ذلك بجدارة....
فرؤية وجهه طوال الطريق والصمت المهيب أشياء لا تبشر بالخير أبدًا... بل هي إشارة إنذار لكي تاخذ حذرها منه وتقر بكل شيءٍ دفعة واحده....
خرجت من السيارة وهي تسحب أكبر قدر من الهواء البارد لرئتيها لعله يبرد لهيب قلبها لتجد فجأه نفسها تسعل من شدة الهواء الملوث بالاترابة التي استنشقته......
حانت منه نظرة عليها بعينين متجهمتين.... فاشارة له
بابهامها وهي تحاول التخفيف من سعالها الشديد...
"لا تمام.... هخلص وهاجي....."
"وليكي نفس تهزري...." خطى سليم نحوها ومالى على مقعده واخرج زجاجة ماء واعطاها لها...."خدي..."
اخذتها منه بابتسامة
مرحة...
"ياخد عدوينك....... شكرا..."
استقبل ابتسامتها بتجهم أكبر...فتلاشت الابتسامة وهي ترفع زجاجة الماء وترتجف منها القليل امام عيناه القاتمة.....
فابتعد مجددًا وانزلت هي زجاجة الماء واغلقتها وعيناها معلقة عليه.....
ثم تقدمت بعدها منه وقالت دون مقدمات...
"انا مكنتش أعرف انه جاي يتقدملي....انا لقيته في بيتنا في نفس اليوم اللي خرجت فيها من مكتبك.."
التوى فكه بتشنج ملحوظ....فتابعت كيان
بتوجس....
"قابل بابا...و قاله اننا بنحب بعض ومتفقين على الجواز....."
أدار سليم راسه اليها كسهام حادة...فقالت
بتلعثم.....
"بيكدب طبعا...انا مشفتوش غير مرتين...."
ضيق حدقتاه..... "مرتين؟!..."
بللت شفتيها معترفة.....
"اول مرة في مكتبك وتاني مرة صدفه في النادي ***ساعات بروح هناك مع صحابي..."
سالها بغيرة...."واتكلمتوا في إيه وقتها..."
هزت كتفها ببراءة قائلة.....
"ولا حاجة خبط فيا فاعتذر وعرفني عن نفسه
وقتها..."
عاد ينظر امامه والغضب مرتسم على محياه
فسالها بوجوم.....
"وياترى كان ردك اي على أهلك لما طلب إيدك...."
قالت ببلا تفكير.... "قولتلهم ادوني وقت أفكر....."
اتسعت عيناه بالغضب والصدمة وهو يرمقها
بقوة.....فقالت بتخوف مصححة...
"ماهو انا لو كنت رفضت وعندت كان زماني حرم شادي عـ...."
"اخرسي ياكيان...."بتر جملتها بصرامة.....
فزمت شفتيها معاتبه إياه....
"بتكلم كده على اساس انك متعرفش عثمان الدسوقي وكاني محكتش حاجة عنه قبل كده.."
رفع سليم حاجبٍ مستنكرًا.....
"وانتي بقا كنتي مستنيا لم اشوفك مع زفت الطين ده عشان اعرف الحكاية كلها....لا وكمان مختفيه
من اخر مرة اتكلمنا....."
مطت شفتيها بعنفوان...
"كان لازم أبعد شوية عشان افكر صح...."
سالها بتهكم....
"وياترى كنتي بتفكري في مين فينا.."
قالت ببرود..... "انتوا الاتنين...."
جز سليم على اسنانه يكبح جنونه
عليها وهو يقول.....
"حد قالك قبل كده انك انسانه مستفزة...."
قالت بأسلوب كياد....
"للأسف انت أول واحد قليل الذوق يقولهالي....."
نظر لها سليم نظرة ارعبتها فابتلعت الباقي
من حديثها قائلة بتراجع......
"ماهو أصل مفيش حد بيسأل السؤال ده...."
هتف بسخط....
"لازم اسأله لانك لو كنتي ناويه ترفضيه كنتي عملتيها من الأول...."
زمجرت بقلة صبر.... "ماقولت ماينفعش...."
قال بتهكم.... "بس كان ينفع تقوليلي...."
عقدة ساعديها امامه صدرها بتبرم....
"كان لازم اتصرف انا مش عجزة اني اوقفه عند حده...."
اخرج سليم ضحكة صغيرة خالية من المرح....
"اه.. واضح فعلا انك وقفتي عند حد.. انا جيت وشوفت بنفسي...."
جزت كيان على اسنانها وهي تقول
بعصبية...
"انا كنت ناويه اديلو بالجزمة بس انت ادخلت.."
اشاح سليم وجهه عنها بغضب وخيم الصمت عليهما
وهما يقفا جوار بعضهما ينظرا للأمام بمشاعر متخبطة بين الغضب والغيرة.. واخيرًا الحيرة....
سحبت كيان نفسًا طويلا ثم قالت دون مقدمات
كثيرة مختصرة الطريق عليها وعليه...
"انا موافقة ياسليم....."
سالها بصفاقة... "على مين فينا....."
عيل صبرها فهتفت بغيظ....
"اي الغلاسة دي.. ليه مدخل نفسك في مقارنه معاه.."
اجابها ببرود.." على حسب ردك سألتك...."
زفرة عدة مرات بوجوم....
"مش هنخلص بقا..... هوضح اكتر انا موافقة على الجواز منك ياسليم.... كده وصلتلك...."
القى عليها نظرة قاتمة...فازدردت ريقها قائلة
بتراجع....
"ياسليم بلاش البصه دي...انا عارفه اني غلط لما خبيت عليك... بس انا كنت مفكره اني هقدر اتصرف..... "
زمجر من أسفل أسنانه بسطوةٍ.....
"بلاش تصرفي تاني من دماغك..من هنا ورايح لازم تشاركيني كل حاجة تخصك زي مانا هعمل
معاكي....اتفقنا...."
اومات براسها بطاعة...
"اتفقنا... مش زعلان صح...."
قال بخشونة دون تبسم....
"ممكن تصلحيني...بطريقة...."
رفعت حاجبها بشك.... "واصلحك إزاي بقا..."
ازداد وهج العبث في
عيناه....
"والله انتي وذوقك بقا...."
تلونت شفتيها بابتسامة صفراء ثم مدت يدها وقرصة وجنته بخفة قائلة باستفزاز...."متزعلش ياجميل...."
جز على اسنانه وهو يبعد يدها هاتفًا
بتوعد...
"الصبر حلو ياكيان....."
توردت وجنتيها لكنها ادعت
الغباء...
"فعلا الصبر مفتاح الفرج....."
فسالها سليم..... "هاجي اتقدملك امتى...."
"حدد انت المعاد اللي تحبو..." قالتها بفتور متناقضا مع خفقات قلبها العالية...
اشترط عليها قائلا بحزم.....
"بس عشان نبقا متفقين.... انا هتجوزك علطول مش هعمل فترة خطوبة...."
ابتسمت من زاوية واحده ساخرة....
"ليه بقا... خايفه في فترة الخطوبة تغير رأيك..."
ابتسم مثلها قائلا ببرود...
"لا وانتي الصدقه خايف انتي اللي تغيري رأيك
وتندمي..."
هزت راسها وهي تشيح بعيناها عنه...
"انا عمري ما ندم على قرار خدته.. حتى لو طلع
غلط...."
شعر بنصلٍ حاد اخترق صدره في لحظة غدر
لذا سالها بعتاب....
"وانتي شايفه ان اختيارك ليا هيكون غلط...."
لم تنظر اليه بل قالت بغيرة...
"مش بظبط بس انا مش مصدقه انك قدرت
تنساها..."
هز راسه بعدم تصديق ساخرا من
فكرها...
"لو مش ناسيها ليه هتقدملك؟!.... ولي هقولك اني
بحبك... بتسلى بيكي في الحلال مثلا !...."
قالت بحماقة..... "يمكن عايز تنساها بيه...."
ضحك سليم ضحكة صداها كان يؤلم قلبه
وقلبها في نفس الوقت ؟!..وعندما تلاشت
الضحكات القاتمة قال......
"دمك خفيف.....انتي مينفعش تكوني بديل لحد ياكيان...."
قالت متخصرة بغضب....
"ليه بقا...نقصه ايد ولا نقصه رجل....."
تافف بضيق مستاءًا من تفكيرها المحدود
لذا قال بنزق....
"نقصه عقل.....امرك عجيب....عايزه إيه اكتر من اني بحبك وعايزك في الحلال... اي اللي يثبت اني مش ندل ولا بتسلى بيكي.... "
توترت وهي تنكر الحقيقة التي تسيطر
عليها معه...
"انا مقولتش انك ندل وبتسلى بيا...."
قال سليم بضجر.... "كلامك بيقول كده..."
قالت بغصة مختنقة.... "انا بس عايزة اطمن...."
تجرأ ومسك كتفها وادارها إليه وعيناه تعرف
طريقهما لفيروزيتين مشتعلتين بالحياة...حياةٍ
بمثابة وطن يود الإستيلاء عليه !.....
همس لها بصوتٍ معذب....
"قوليلي اطمنك إزاي.....انا مش عايز ارجع لنقطة الصفر تاني....اطلبي اللي يرضيكي...."
اختلج قلبها بين اضلعها بقوة فقالت بضياع
امام سطوة عيناه النافذة....
"مش عارفه....مش عارفه ياسليم....."
اتكأ سليم على كتفيها بخفة قائلا بصوتٍ
أجش عميق....
"انا بحبك ياكيان....بحبك وعايز اكمل عمري معاكي
بلاش تصعبيها علينا...ادينا فرصة نقرب من بعض أكتر....من غير عناد واستفزاز....خليكي على طبيعتك معايا.."
رغم الضعف الذي انتابها بقربه وضياعها مع
أوتار كلماته المعطرة بالحب....إلا انها قالت
بتبرم....
"على فكرة دي طبيعتي...."
ابتسم قائلا بدهشة..... "دي تبقا كارثة...."
انكمشت ملامحها بحزن..."انا كارثة ياسليم...."
ابتسم بجاذبية ودللها قائلا....
"أجمل واحلى كارثة دخلت حياتي...."
زمت شفتيها مستهجنة....
"وانت شايف نفسك كده رومانسي؟!...."
أكد ولم تزول البسمة على محياه...
"تقريبا...."
اهتزت حدقتاها بخجل وهي تشعر بكفيه
مزالان متعلقان بكتفيها.....
"ابعد إيدك دي.....ممنوع المس يا أستاذ...لم نكتب الكتاب الأول....."
نزع يداه بهدوء قائلا بنظرة خبيثة...
"لما نكتب الكتاب مش همسك إيدك اصلا...."
نظرت لعيناه فرأت المعنى الحقيقي للوقاحة
فقالت بضيق وهي ترجع للخلف خطوتين....
"بطل قلة آدب....وروحني حالا.... "
اقترب منها سليم الخطوتين الفاصلة بينهما
واصبح امامها مباشرةً.......فارتبكت كيان
وخفق قلبها بتخوف فرفعت عيناها
عليه لتجده في اللحظة التاليه يميل
عليها....همست بوجل...."سليم...."
وجدت شفتاه الدافئة تطبع قبلة خاطفة على وجنتها الممتلئة الشهية تلك التي تذوقها مررا في مخيلته....
اغمضت عيناها بضعف وذابت اعصابها في جمال اللحظة......
بينما نداها سليم بعد ان ابعد
شفتاه عنها...."عصفورتي...."
فتحت عيناها ورمشت عدة مرات بوجنتين
متوردتين بجمالًا لم يغفل عن رؤيته....دفعته
بعيدًا عنها قائلة بارتباك.....
"على فكرة انت اتخطيت حدودك اوي......"
جرت الى السيارة تختبئ بها بوجها أحمر كطماطم الناضجة.....اما هو فوقف ياخذ أنفاسه الحارة واحده
تلو الآخر يهدئ من جنون اللحظة وروعتها....وكانه لأول مرة يقبل أمرأه ؟!!...
وكان الحظة هيئة قلبٍ جديد يستشعر الحميمية لأول مرة مع من يحب ؟!......
.....................................................................
يتمايل خصرها على أوتار الموسيقى الصاخبة، يعرف طريق الاستمتاع ، يتغنج في السير ، يتدلل في الميل..لا يقاومه سحرٍ بل يفتن الاوتار عند الخطى..
عندما انتهت الموسيقى الصاخبة القت جسدها على الفراش بتنهيدة متعبة وقد تجمعة حبات العرق على جبينها.... فنزعت الوشاح المربوط على خصرها ومسحت جبهتها ثم عادت تنظر للسقف وهي تهدى
وتيرة انفاسها العالية.....
حيلة تتبعها منذ سنوات هو ان تتجه الى الرقص عندما تشعر بالغضب والملل أو ان يداهم عقلها أفكار سوداوية فتلهي عقلها برقصة شعبية على اوتار صاخبة....
زمت شفتيها وهي ترفع الهاتف الى وجهها بحنق...
لماذا لم يتصل حتى الآن؟!... أيامًا وهي تنتظر
اتصالا حقيقي منه لكنه يتجاهلها عمدًا فتضطر
هي الى الاتصال به ولا تقل مدة المكالمة بينهما دقيقتين ثم يغلق متحجج بالعمل وانه وسط
صبيانه....
دخلت أمها الغرفة ونظرت الى نومها بعرض السرير
ووجهها الأحمر وانفاسها المتهدجة السريعة...فقالت وهي تمصمص شفتيها بتعجب.....
"ياترى طلع بعد الزار اللي عملتيه ده ولا لسه..."
ابتسمت داليدا وهي تنهض جالسه على حافة
الفراش مستنكرة جملة امها التي تقولها دومًا
عندما تبدأ بالرقص والجنان بغرفتها وحدها....
"نفس الجملة ونفس النظرة... اتغيري شوية ياسهير
مش عارفه ليه مستغربة اللي بعمله.... هو انتي مش لما بتبقي مضايقه مش بتفكي عن نفسك شوية وترقصي على اغنية حلوة....وتروشني كده... "
حركت سهير شفتيها يمينا ويسارًا بتحسر....
"انا اعرف اللي بيبقا مضايق ومخنوق بيصلي بيسمع
قرآن بيقرب من ربنا.... مش بيسمع طبل وزمر ويقعد يتنطط زي الملبوسين.."
اتسعت عينا داليدا مستهجنة....
"ملبوسين؟!... دا انا أحسن واحده بترقص في العيلة كلها.."
اكدت امها بتبرم.....
"ماهما ياحبيبتي مسمينك رقاصة العيلة.... مفيش فرح بنحضره غير لازم يطلعوكي على المسرح
تحيي الفرح...."
وضعت داليدا يدها على صدرها تدعي
الصدمة....
"دا اي ذبح الخواطر ده..... جرا ياسهير...."
همست امها بنظرة محذرة....
"وطي صوتك يابت... عمتك وبنتها برا...."
حركت داليدا بؤبؤ عينيها بدهشة...
"ياساتر يا رب..... واي اللي جابهم علينا دول...."
لوت امها شفتيها قائلة بضيق مكتوم....
"لما عرفت انك قاعده معانا الكام يوم دول جت
تطمن.... تشوفك اطلقتي ولا لسه...."
شهقة داليدا متوجسة..... "احيه هي قالت كده...."
قالت امها بوجوم.....
"من غير ماتقول دي وجيدة...وانتي عارفه وجيدة..
الحنية وزيارات دي مش لله..."
"انا مش طالعه...."قالتها داليدا بحنق....
بينما قالت امها بأمر.....
"مينفعش ابوكي قالي نديها....البسي حاجة حلوة
كده واربطي شعرك ده متسبهوش مفرود كده..هروح
اجبلهم حاجة يشربوها..... "ثم خرجت امها تغمغم
بعدم رضا....
"هعمل اي بس.....ربنا يعديها على خير..."
بينما رفعت داليدا هاتفها تنظر إليه بضيق
مكتوم......
"ماشي ياسلطان خليك تقلان وانا كمان مش
هرن عليك..... "
وقفت امام المرآة تتأمل قوامها الغض المشدود ومفاتنها الصغيرة البارزة بتغنج.....شعرها الأسود
الناعم الكثيف والذي يتأرجح على ظهرها بدلال
ملامحها الصغيرة المنمنمة شفتيها الحمراء
الناضجة كثمرة التفاح...... بشرتها البيضاء
الامعة وعيناها السوداء المشعة بالشقاوة
والدلال....
ابتسمت برضا لصورتها المنعكسة في المرآة ثم اعطتها قبلة في الهواء...فمرت امها من جوار
الباب قائلة...
"بلاش تبصي كتير في المراية يابت هتتلبسي.."
تاففت داليدا بضيق وهي تفتح خزانة ملابسها
قائلة بملل.... "انا هروح شقتي امتى؟!...."
..........................................................
ضحكت وجيدة قائلة بمحبة...
"الله يحظك ياناصف ياخويا....ضحكتني...."
ابتسم ناصف وهو يربت على كتفها...
"نورتي بيت اخوكي يا اختي.... بس انا زعلان
منك فين وفين على ما بشوفك.....هي سهير
مزعلاكي ولا إيه عشان كده مبترضيش تيجي تزوريني....."
رمشت العمة وجيدة بعيناها ببراءة قائلة
بنفي.....
"لا لا متقولش كده ياخويا.. بس انت عارفني.. مبحبش اتقل على حد.. ولا احشر نفسي في حياة
حد.... بحب اكون في حالي....برضو البيوت أسرار "
عقد ناصف حاجباه مستنكرًا....
"اسرار إيه بس ياوجيدة يا اختي هو انتي غريبة عننا.."
شعرت وجيدة بالراحة بعد جملته فنظرت لابنتها
هدى الجالسة جوارها وقالت بأمر....
"بت ياهدى... روحي ساعدي مرات خالك في المطبخ..."
نهضت هدى بطاعة قائلة..... "حاضر ياماما...."
بعد ان ابتعدت ابنتها مالت على اخيها
هامسة بلؤم....
"بما اني مش غريبة يا اخويا....ليه مخبي عليا ان بنتك جيالك غضبانه...."
انكمشت ملامح ناصف بصدمة.... "غضبانه؟!..."
همست وجيدة بدهاء.....
"احكيلي وفضفض يا أخويا... هتلاقي مين يشيل عنك غيري.... اكيد اكيد امها اللي مقويها على جوزها... مانا عرفاها ياما قهرتك وشيلتك
فوق طاقتك...."
لم يرد ناصف فتابعت وجيدة بحقد.....
"فاكر... فاكر لما غارت مني ومن شبكتي واشترطت
عليك تجبلها سلسلة( ماشاء الله) زي اللي كان
جيبهالي المرحوم جوزي الله يرحمه..كانت عينيها هتطلع عليها وقتها...ومرتحتش غير لما جابت
زيها... "
هز ناصف راسها باستياء....
"محصلش ياوجيدة يا أختي...كذا مرة أقولك ان السلسلة كانت عندها من قبلها بسنة كُنت جيبهالها هدية..."
مصمصت وجيدة بشفتيها متمتمه....
"بلاش دي فاكر طقم الصيني اللي كسرتهولي بالعند..ساعة ماكُنت ولده هُدى....."
زفر ناصف قائلا لاخته بعتاب....
"لا حول ولا قوة إلا بالله.... يا اختي دا هما طبقين صيني وقعه منها ساعة ما كانت بتغسلك المواعين
وبعدين طبقين إيه اللي فكراهم لها...وناسيه خدمتها
ليكي قبل ولادتك وبعدها....دي كانت بتبات جمب فرشتك يا وجيدة... "
رفعت يداها الاثنين مهلله بتجبر....
"واجب عليها ياحبيبي...دا انا اخت جوزها..يعني
حماتها...ولا عشان امك ماتت خلاص ملهاش حما.... "
ربت ناصف على كتفها بقلة صبر....
"اهدي يا وجيدة يا اختي...وصلي على النبي.."
ادعت انها تجفف دموعها وقالت بمكر
الثعالب...
"عليه افضل الصلاة والسلام...يااخويا انا مش بكرهه
ولا بشيلك منها لا سمح الله....انا بس بفضفض معاك
ما انت عارف من بعض المرحوم..مبقاش ليا حد انا وبنتي يتامى...."
قال ناصف بحنان....
"انا موجود يا اختي..ولي تعوزيه رقبتي ليكي.."
ابتسمت وجيدة قائلة بمحبة....
"تسلملي يا ابن امي وابويا....تعرف ياناصف...انا بعزك
عن عبد القادر قولي ليه....."
سالها بريبة.... "ليه يا اختي..."
قالت بأسى وكانها تعاني من ظلم العالم
لها....
"عبدالقادر بينصف مراته عليا...ميحبنيش اعاتبها يا ناصف يا اخويا....قال إيه خايف من السكر والضغط يعلو عليها...."ثم مسكت حقيبة يدها واشارة عليها
بحسرة......
"عيني عليا ماشيه بشنطة الأدوية....ومفيش حد بيخاف على زعلي.....كلمة تقهرني وكلمة تحسرني
ولا ليا حد اشتكيلو ولا حد يا اخُدلي حقي...."
ثم انحنت تغطي وجهها بيدها الاثنين...
فسالها ناصف بقلق عليها.....
"مين بس يا اختي اللي زعلك وقهرك أوي كده.."
نظرت له من بين اصابعها قليلا....ثم ابعدت يداها
عن وجهها قائلة وهي تئن بالوجع....
"انا لا قايله ولا عايدة عشان متقولوش عليا بقوم الدنيا على بعضها....هسكت احسن.....وربنا قادر يجبلي حقي منكم.... "
قرب ناصف راسه نحوها مشدوهًا... "منكم ؟!..."
اتسعت عيناها بخوف ثم غمغمت بتقهقر....
"اسم الله عليك يا اخويا هو انا ليا غيرك.....قصدي من اللي ظلمني يعني..."
دخلت سهير اليهما تحمل صنية المشروبات
ومعها هُدى تحمل اطباق الحلوى.....فقالت سهير
بحفاوة....
"نورتينا يا ام هُدى... عملتلك عصير جوافة... عرفاكي
بتحبيه.... ولقيت عندي صنية جلاش حلوو قولت لازم ادوقك منها.....يارب تعجبك... "
"تسلم ايدك يامرات اخويا...." قالتها وجيدة بابتسامة
صفراء وهي تاخذ قطعة من الجلاش...وبعد ان اخذت قضمة منها ارجعتها للطبق قائلة بتكبر....
"اي ده ياسهير... دا ناشفه يا اختي....كلته ازاي
ده يا ناصف....." نظرت لاخيها بلؤم...
بينما قالت سهير بإبتسامة فاترة تخفي
خلفها شتائم نابيةٍ......
"ياحبيبتي لازم يكون مقرمش شوية...."
قالت هُدى ببراءة.....
"بصراحة يامرات خالي جميل اوي تسلم ايدك..
ابقي اديني الطريقة بقا...."
نظرت وجيدة لابنتها شاعرة بطعنة غدر...
"شوف البت.... تاخدي طريقة اي ياهُدى ليه امك عويله ولا إيه...."
تدخلت سهير تلطف بينهن....
"مش قصدها ياحبيبتي...كلنا عارفين نفسك في الأكل..... دا انا متعلمه الطبيخ منك..."
لوت وجيدة شفتيها بتبرم.....
"متعلمتيش صح ياسهير... مش باين خالص اني علمتك حاجة من صُنع ايدي..."
تدخل ناصف يغلق الحوار......
"خلاص ياجماعة حصل خير... تسلم ايدك ياسهير... ما انتي عارفه وجيدة ملهاش في الحلو...."
دخلت عليهم داليدا بعباءة بيتي انيقة ولفة شعرها للخلف في لفة مهذبة....استقبلتها وجيدة بإبتسامة
ودوده.......
"أهلا يا داليدا..... عامله إيه ياحبيبة عمتك...."
عانقتها داليدا بسلام
فاتر....
"بخير ياعمتو....نورتينا...."
ابتعدت وجيدة عن ابنة اخيها وقالت مؤنبة
إياها وهي تربت على كتفها..
"كبرتي ياداليدا وبقيتي بضايفيني في بيت
اخويا...."
توسعت عينا داليدا بدهشة من هذا الهجوم المبالغ
فيه....فتدخلت سهير تقول بملاطفة....
"مش قصدها يا ام هُدى دا انتي صاحبة بيت..."
اكدت وجيدة وهي تجلس على الاريكة
بتملك..... "طبعا دا بيت أخويا...."
مالت داليدا على امها سائلة
بارتياع....
"هي مالها يا ماما...."
اجابتها سهير بزفرة مستاءة......
"عمتك وجيدة....مش جديدة عليكي يعني طول عمرها بتدور على المشاكل بملقاط....."
"مم....ربنا يعديها على خير...."قالتها داليدا ثم اقتربت من ابنة عمتها قائلة.....
"عامله اي ياهُدى...."
سلمت عليها هدى بابتسامة فاترة....
"الحمدلله ياداليدا انتي اي اخبارك وسلطان عامل إيه......"
قالت داليدا وهي تجلس على مقعد بالقرب
منهم....
"الحمدلله هو مسافر القاهرة عنده شُغل...وسبني اقضي الكام يوم دول مع أهلي....عشان من ساعة
جوازي مجتش زورتهم...."
رفعت وجيدة حاجباها مغمغة بسواد.....
"والله في الخير ياحبيبي... ابن أصول وطيب زي
امه....دا انا قولت انك غضبانه...."
هتفت سهير سريعا بحنق.....
"كفى الله الشر....دي كلمة تتقال في وش البت ياوجيدة...."
قالت وجيدة بضجر.....
"الله في اي ياسهير بطمن عليهم انا غلطانه...."
تمتمت سهير بتجهم وهي تنظر اليها بطرف
عيناها....
"اطمن ياحبيبتي مفيش مشاكل ولا حاجه...هما زي السمنه على العسل ربنا يخليهم لبعض...."
"ربنا يديم المحبه بينهم.....هو انا أكره...." قالتها وجيدة وهي تمط شفتيها بقرف...
فهزت داليدا راسها بسأم وهي تعبث في هاتفها فوجدت رسالة قصيرة من سلطان تحتوي على كلمتين فقط.....اثلج بهم نيران صدرها ولوعة قلبها..(وحشتيني يادودا)