🦋🦋الفصل الثالث والأربعون🦋🦋

7.2K 80 0
                                    


رَّصاصَ الحياة شديد الخطورة قد كثرة انواعه وتضاخمة مصائبة ، فإن لم ينجو المرء منه
يُقتل قبل طرف العين....
هناك رَّصاص يأتيك خلسة متشبع بالغدر ، واخر
يحدث عن طريق الخطأ وسوء حظ...
هناك رَّصاصَ يعد النجاة منه موعظة بالفرصة
ثانية...
ورَّصاصَ اخر قاصد الأذى عندما يصلك تنقلع
احلامك من الجذور منتهية ويقف مستقبلك وحاضرك بلا حراك...
من منا قادر على مواكبة المخاطر ، جميعنا نسير في الدنيا بشجاعة الجهل نركض كفرسٍ جامح بلا تفكير نجري نقفز نقطع الاميال دون حسبان حتى نهلك ونقع من التعب نادمين !!....
المؤلم في قانون الحياة انك احيانا مضطر ان
تخوض حروب شائكة....لتدافع عن مبادئك... عن سجيتك...عن حبك....عن حقك.....عن اشياء تستحقها وغيرك يبخس بها عليك....
قد دافع بكل قوته عن حق زوجته...أراد إنصافها واسترجاع حقها من والده......لكن والده ابى بعناد
واشهر السلاح في وجهه مهدد بقتله ان لم يتراجع...
راى في عينا والده وقتها حقيقة انه قادر على
فعلها فقط يحتاج الى دفعة بسيطة !!.. وكم
ضربة هذا الشعور القاسي في مقتله...
لم يكن مجرد والد قاسٍ ، اضحى سفاح يريد أراقة
الدماء باي ثمن كان...
منذ زمن وعلاقتهما في وطاة وقسوة لكنه لم يتوقع
رد فعل والده وكأنه قتله بالفعل دون ان يتكأ على
الزناد !!....
الان أدرك ان ربما نهايته قريبة....قريبة جدًا ومع ذلك لن يتراجع خطوة واحده سيتابع الاجراءات القانونية وليفعل والده ما راه مسطور في عيناه....
فتح باب الشقة بملامح جافية وعينا مظلمة اكتافه هابطة باحباط...وصدره متضخمًا بمشاعر مقيته
كارهه...عيناه حمراء كالدماء من شدة الانفعال والضغط و.....البكاء...
بكى حمزة اليوم في سيارته....بكى ساعات طويلة وهو يدور في شوراع المدينة بالسيارة باحث عن الراحة في خلوة مظلمة كئيبة.....
شعر انه عاد صغيرًا يتوارى عن الاعين ويبكي
يبكي حتى يفرغ اوجاعه ثم يعود ليلا محطمًا
يسقط على الفراش وينام كجثة هامدة.....
رؤيته هكذا كمن خاض أكبر المعارك بشراسة وعاد منها بخزي ناكس الرأس يحمل على عاتقه خسائر مثقلة باوجاع الهزيمة....
كانت قمر جالسة فريسة للخوف لساعات طويلة تنتظر قدومه على احر من الجمر.....
وعندما سمعت صوت المفتاح في المزلاج يليه
دخوله اليها وقفت مكانها تنظر اليه بعينين قلقتين وحين اقترب حمزة من مكانها دون ان يلاحظ وجودها حتى الان...
ما كان امامها سوى ان تقترب هي منه وتلقي نفسها في احضانه متشبثه بعنقه ثم فجاة انخرطت في بكاءًا مرير ناتج عن خوفها عليه اليوم وعدم رده
على اتصالاتها الكثيرة ساعات الماضية...
"من الصبح برن عليك ليه مردتش عليا....كنت
هموت من القلق عليك...."
ابعدها عنه برفق قائلا... "انا كويس اطمني....."
مسحت دموعها وهي تنظر الى عسليتاه ملامسه
خده بحنية وقلق....
"انت كنت عند المحامي ياحمزة مش كده...."
"مالك ياحبيبي...قالولك اي ضايقك...اتكلم ليه
ساكت...."
حاول حمزة ان يكون طبيعيًا في الرد...
"هتكلم أقوله إيه...هما حاولوا معايا...يعني عرضوا
عليا مبلغ بسيط كده بس انا مرضتش فاختلفنا وسبتهم ومشيت...."
قالت قمر بريية..... "وخالي....كان اي رده ؟!!..."
بلع حمزة ريقة كمن يبتلع شفرة حادة قادرة
على شطر حلقه لنصفين...
اجابها حمزة بقنوط....
"هيقول إيه....يعني طمعان انك تتنازلي من
غير ما تاخدي حقك...."
قالت قمر بجبن....
"انا من رايي ان إحنا نبعد عن الشر و..."
عيل صبر حمزة فصاح....
"قـمـر احنا مش هنطاطي لحد...دا حقك..."
قالت قمر بغصة مختنقة....
"انا مش عايزة حاجة من الدنيا دي غيرك...شكلك
مخبي حاجة عني....حـمـزة...."
"انت كنت بتعيط !!..."قالتها قمر بشفاة فاغرة
وهي تلامس وجهه بكلتا يداها بحنو....
"اي اللي عمله وصلك لكده...."
أشاح حمزة وجهه عنها مبعد يداها
عنه...قائلا بنفاذ صبر....
"قـمـر.....انا تعبان أوي وعايز انام....عشان
خاطري سبيني دلوقتي..."
نظرت له قمر قليلا ثم اومات براسها
برفق.....
"حاضر..... زي ما تحب... تعالى...."
مسكت يده كأم ترشد طفلها ثم سارت معه الى غرفتهما وهو معها مستسلم لها وعيناه معلقة بها
بنظرة غريبة بينما عقله عاصف بالافكار.....
جلس حمزة على حافة الفراش وهي جلست
على ركبتيها ارضًا و أمام وجهه مباشرة رفعت
وجهها المليح وبنيتاها اسيرة عيناه بينما يداها
تعملا بشكلا آلي على نزع السترة وفك ازرار قميصة....
لم يقدر على مقاومة جمالها رغم انتكاسة مشاعره
الان...مد يده يلامس خصلة من شعرها اللولبي
الأسود هامسًا بخفوت....
"وشك مخطوف كدا ليه....."
تأوهت بعذاب قائلة بعتاب...
"وكمان بتسأل....مصيرك في يوم قتلني من القلق
عليك...."
غمز حمزة لها محاولا المزاح....
"جمدي قلبك شوية....احنا لسه معملناش حاجة..."
قالت قمر بملامح ممتقعة...
"متحولش تضغط على نفسك عشان تطمني وتهزر
عشان مقلقش....باين ان في حاجة كبيرة حصلت.."
تافف حمزة بملل.... "قـمـر...."
هتفت بنبرة متوسلة.....
"حمزة لو بتحبني بجد بلاش تكمل في سكة الانتقام
دي...انت كده بضر نفسك...."
جفل حمزة مستهجنًا...
"مين قالك اني بنتقم....انا بجبلك حقك..."
قالت قمر بخفوت واهٍ....
"عارفه....وعارفة كمان انها فرصة عشان تنتقم منه...وتخليه يدفع تمن اللي عمله معاكم زمان..."
التوى فم حمزة هازئًا بضغينة....
"حتى لو اتسجن ياقمر.....تفتكري كده هو دفع
تمن موت أمي وبهدلتنا احنا التلاته السنين دي
كلها....هو اللي قتلها....وحرمنا منها...."
قالت قمر بجدية دون أدنى تردد....
"خليك صريح مع نفسك ياحمزة...دا كان اختيار
مامتك في الاول والاخر...هي أكيد حبته بطريقة
خلتها تندم مع الوقت انها رجعتله من تاني وادته
فرصة هو ميستحقهاش...."
عندما لم تجد منه ردًا خففت من حدتها
قائلة بتعاطف.....
"ربنا يرحمها.....في نهاية النصيب غلاب...ومفيش
مفر منه....كله مكتوب لينا....."
"صح كله مكتوب لينا...."علق حمزة على جملتها
وهو يومىء براسه مستلقي على الفراش بظهره وعيناه على سقف الغرفة....
سالته قمر بقلق...."خلاص هتنام...."
فرد حمزة ذراعه لها قائلا بنظرة ميتة
المعاني....
"تعالي في حضني عشان اعرف أنام...."
استلقت على الفراش من الجانب الاخرى منضمة اليه
فتح ذراعيه واخذها بين احضانه يضمها اليه بكل ما اوتي من قوة وكانه يريد وشمها على صدره...
تبادلت قمر معه العناق بحب متنفسة عطرة الرجولي الممزوج برائحة أنفاسه وهمست بصبابة الهوى.....
"بحبك أوي ياحمزة...."
طبع قبلة سطحية على شفتيها قائلا وهو يغلق
عينيه بارهاق ... "وانا بموت فيكي....."
ابتسمت قمر واغمضت عينيها معه لتسمع جملة
بعد دقائق نطق كلماتها بنبرة ناعسة دون وعي
منه....
"ومعنديش مانع أموت عشانك.."
خفق قلبها بقوة كناقوس الخطر وهي تنتفض بين ذراعيه بهلع جاحظة العينين لكنه لم يشعر بانفعالاتها
فقد غط في نومًا عميق بعدها.....
.............
في صباح اليوم التالي دلفت قمر الى الغرفة بعد
ليلة مضنية من التفكير والقلق لم تذق طعم النوم بعد تلك الجملة التي قالها دون ان يعي على نفسه..
وضعت صنية الفطور التي كانت تحملها جانبا على
الطاولة...
ثم اقتربت من الفراش بهيئة مرتبة عطرة بعد ان
اغتسلت وبدلت ملابسها الى منامة رقيقة ورفعت شعرها للأعلى على هيئة ذيل حصان متدلي خلف عنقها بتمرد جنوني....
جلست قمر على حافة الفراش ونظرت اليه بعينين
عاشقتين خائفتين عليه بشدة من القادم......
لمست خده بيدها الحانية الناعمة كلمسات
الورد همست بنبرة خلابة.....
"حـمـزة....حـبـيـبي اصحى......كفاية نوم...."
حرك حمزة حاجبيه قليلا بانزعاج فابتسمت قمر
وهي تميل عليه طابعة قبلة ناعمة على خده
هامسة بنبرة خلابة تدلله....
"حـبـيـبي....مـيـزو....اصحى بقا عشان تفطر
وتروح شغلك...."
فتح عسليتاه وابتسم بعد ان رأى وجهها الجميل
يطل عليه في الصباح كأجمل وأروع شيء يبدأ الإنسان به اليوم....وبنفس النظرة من بنيتاها التي تشعره دون ان تعي انه إمتلك العالم بأسره حين
ملك قلبها.....
قالت قمر بنظرة شقية....
"اي الكسل دا كله.....انا حسدتك ولا إيه...."
استوى جالسًا على الفراش
بتكاسل...
"صباح الخير يـاقـمـر...."
قالت بنفس البسمة المشرقة....
"صباح النور ياميزو.....ضارب بوز كدا ليه...."
رد واجمًا....."لسه صاحي...."
قلدت صوته بمزاح غليظ..... "ليسه صاحيي...."
لكزها حمزة بخفة مبتسًما.....
"خفة الدم دي هتيجي على دماغك...اتعدلي..."
تحسست قمر مكان الكمة قائلة
بتأوه.."ايدك تقيلة....."
اعتذر حمزة مقبل كتفها ثم مالى جواره يسحب
علبة السجائر....
سحبت قمر العلبة في لحظة خاطفة وقالت
باعتراض شديد....
"بتعمل إيه....انت لسه صاحي هتشرب سجاير... "
عبس حمزة قائلا بجزع....
"هاتي العلبة ياقـمـر....انا مش هعرف ابدا اليوم
غير بيها...."
خبئة العلبة منه وهي تنهض برشاقة حاملة صنية
الفطور اليه لتقول بفخر....
"نبدأ اليوم بالفطار المتين...شوف انا محضرالك ايه بيض وجبنة ومربى وللبن...."
نظر حمزة لكوب الحليب برفضٍ
قاطع....
"للبن ؟!!!....اللبن مش بيحبني....."
قالت قمر بمداعبة جميلة...
"معقول... هي في حاجة تقدر تشوفك ومتحبكش...
جرب كده يمكن يحبك...."
ضحك حمزة وهز راسه قائلا
بحزم....
"هاتي السجاير ياقـمـر..."
زمت شفتيها بدلال مؤنبة....
"لا ياميزو...هتفطر الأول....مش كفاية لحد دلوقتي مبطلتهاش زي ما وعدتني...."
قال حمزة بصلابة....
"قللت منها....أكيد واخده بالك...."
قالت باستحسان....
"عقبال ما تبطلها خالص عشاني...."
قال حمزة بصبرٍ....
"عشانك اعمل إي حاجة...هاتي بقا السجاير..."
رفضت بمشاكسة مشيرة على صنية
الفطور..."افطر الأول...."
اشار على كوب الحليب بغيظٍ....
"طب شيلي اللبن ده من قدامي عشان محمكيش
بيه دلوقتي..."
"وهتفطر ؟!..."ضحكت بدهشة وهي تحمل الكوب
من امامه بسرعة....
زم شفتيه مستهجنًا...
"أمري لله هفطر....انتي هتفطري ؟!!..."
قالت بتأكيد مدعيه المرح بقدر
كبير....
"طبعا انا ميته من الجوع....."
بدأت قمر تاكل لقيمات صغيرة وهي تراقبة يتناول وجبة الفطور بهدوء.....بينما هي فقدت الشهية قبل
حتى ان تمس الطعام....كما جفاها النوم والراحة
أمس....
"واضح اوي انك ميته من الجوع...."
قالها حمزة وهو يمد له لقمة مغمسة بالجبن ، اكلتها
قمر منه مبتسمة وهي تقول...
"واضح اني نقنقت شوية وانا بحضر الفطار....عشان
كده شبعت بسرعة...."
اعطاها لقمة اخرى قائلا بحزم....
"مفيش الكلام ده...كملي فطارك...."
بدا حمزة يهتم بها ويطعمها معه....حتى اضفى شعور الدفئ بينهما مجددًا فتبادلا اطراف الحديث قليلا...
فقال حمزة بعد تنهيدة.....
"نمت زي القتيل امبارح...محستش بنفسي...."
ابتسمت قمر بحزن مؤكدة بايماءة
بسيطة....
"فعلا نمت بسرعة....انا بقا نمت ساعة وقومت....
من القلق مجاليش نوم...."
سالها بحاجب معقود...."واي اللي قلقك...."
قالت بنبرة مهمومة....."مش عارفه..."
تلاقت أعينهما لفترة زمنية مشحونة بالكثير من المشاعر حتى وجزة عينا حمزة منسحبًا من
حرب النظرات تلك ناهضًا من مكانه قائلا
بهدوء....
"تسلم ايدك ياقمراية على الفطار..."
اومات براسها واجمة الملامح.....
"بالف هنا ياحمزة...."
ثم نهضت من مكانها حاملة الصنية الى المطبخ....
بينما دلف حمزة الى الحمام يستعد للعمل...
خرج حمزة بعد فترة ملتف بمئزر الاستحمام
وفي يده منشفة يجفف بها وجهه وشعره
المبلل...
"انت هتروح الشغل النهاردة...."
سالته قمر وهي تخرج من المطبخ وفي يدها فنجان القهوة التي اعدته له....والذي هو كل ما يحتاج إليه الان.....
اجابها حمزة وهو ياخذ رشفة ساخنة
منه....
"ايوا زي كل يوم بتسألي ليه..."
قالت قمر بارتباك....
"اصلك وعدتني انك هتاخد اجازة ونسافر....."
قال حمزة بهدوء متأني....
"الصبر يـاقـمـر لما القضية يتحكم فيها نبقا نسافر المكان اللي تشاوري عليه...مش معقول هنسيب كل اللي بنرتب ليه ونسافر كده...."
قالت قمر بتوسل.....
"طب ما تقعد معايا النهارده ونقضي اليوم سوا...."
رفض حمزة بحزم....
"مش هينفع برضو عندي شغل وسلطان بيجي
متاخر اليومين دول فمش هيبقا انا وهو...."
تاففت بحنق قائلة....
"اي المشكلة يعني لو قعدت معـ......."
اوقفها حمزة بشك سائلا.....
"قمر اي حكايتك انتي عايزة تحبسيني جمبك ليه في إيه مالك ؟!!...."
حاولت التأثير عليه بطريقة اخرى فمدت يدها
تلمس عنقه باصابعها هامسة بنبرة مغوية....
"ولا حاجة اصلك وحشني اوي وامبارح ملحقتش اقعد معاك...."
لانت ملامح وجهه قليلا فاحتوى خصرها بيده
الحرة وهو يقول....
"حقك عليا... النهاردة هطلع من المصنع عليكي علطول ونقضي طول اليوم سوا ونسهر كمان اي رأيك.. "
وضعت راسها على صدره متنهدة...
"مش محتاجة سؤال هستناك... ربنا يخليك ليا..."
طبع قبلة فوق راسها ثم دس انفه في شعرها
الغجري مستنشق عطرة الزكي ويده تشدد
الى ضمها إليه.... "ويخليكي ليا ياقمري..."
بعد قليل كانت تودعه على عتبة باب الشقة بعد ان تأنق بطاقم شبابي رائع لاق بجسده الصلب وقامة طولة المناسبة ، صفف شعره الناعم للخلف ووضع عطره الخاص....
كان وسيمًا وسامة تجذب الابصار إليه فرغم الهدوء البادي عليه إلى ان هناك شيء يدينه ربما عسليتاه التي اصبحتا شرستان كجذوتان من لهب في ليلة وضحاها..او قناع الجمود الذي ارتداه مخفى عنها حقائق هامة.....
"خد بالك من نفسك ياميزو...."
قالتها قمر التي وقفت جوار الباب ترنو اليه بعينيها
وقلبها يخفق في حضور مالكه....
ابتسم لها حمزة وهو يميل عليها خاطف القبل
من وجنتها وهو يأمرها بمداعبة....
"عايز لم ارجع نبقا نعوض الليله اللي عدت على
الفاضي دي....عايز أشوفك بالاحمر النهاردة....
وترقصيلي..."
قرصة قمر وجنته وهي تميل عليه بتغنج
ضاحكة....
"من عنيا ياسي حمزة...هحضر كل حاجة على
ما تيجي.....قولي نفسك تاكل صنف معين...."
مسك كف يدها قبل ان تبعدها عنه ثم طبع قبلة
داخلها قائلا بشغف....
"اي حاجة منك حلوة ياقمراية....طالما انتي اللي عملاها.."
مسحت على كتفه قائلة.....
"في حفظ الله ياحبيبي...."
ابتسم حمزة لها وهو يتخطى عتبة الباب
المفتوح....
"هبقا أرن عليكي لما اوصل....يلا اقفلي...."
قالها وهو يوليها ظهره متجه الى المصعد.....
فأغلقت قمر الباب كما أمر ثم اسندت ظهرها
عليه من الجهة الأخرى وقد تهدل وجهها بمشاعر الخوف
فرفعت عيناها الحزينة الامعة بالدموع للأعلى
تناجي ﷲ بلوعة.....
"يارب....يارب احفظه....وابعد عنه الأذى....."
............................................................
بعد نصف ساعة تقريبًا رن جرس الباب فاتجهت
قمر اليه وهي تجفف يداها بالمنشفة بعد ان
غسلت الأواني.....
ارتدت خطوة للخلف فاغرة الفم بدهشة متسعة الأعين بعد ان رأت عثمان الدسوقي يقف امامها مباشرة عند الباب بملامح مظلمة ونظرات قاسية مخيفة تضاهي نظرة سفاح لعين.....
بلعت ريقها وتملكها شعور الخوف وهي تقول
تحت تاثير الصدمة...
"خالي ؟!!...."
قال عثمان بنبرة غليظة....
"اي مش هتقوليلي اتفضل....دي حتى أول مرة ازوركم في شقتكم...."
تنحت قمر جانبًا قائلة بتردد...
"لا اتفضل ياخالي تنور....دا بيتك....يمكن استغربت
شوية عشان فعلا أول مرة تزورنا...."
تخطى عثمان عتبة الباب ودلف الى الشقة وبلمحة
سريعة من عيناه قيم المكان وهو يبتسم بسخرية فكل هذا ينعم به الوغد ابنه ويطمع في الأكثر ؟!!....
اشارة له قمر على غرفة الجلوس فدلف اليها وهو
يتفقدها بعيناه ثم جلس على أقرب أريكة....
قالت قمر بنبرة فاترة....
"حمزة مش هنا....لسه خارج للشغل من شوية.. "
اوما عثمان براسه قائلا بوجوم....
"عارف...وده اللي خلاني اجيلك...عشان نتكلم..."
تسارع نبض قلبها...فقالت مبتسمة
بصعوبة.....
"قبل اي حاجة تشرب إيه ياخالي...."
رفض عثمان وهو يشير لها على
المقعد المجاور له.... "مش عايز....قعدي...."
جلست بتوتر كما أمر شاعرة بالاختناق بالقرب منه
وعدم الأمان.....
سالها عثمان على نحوٍ مفاجئ...
"انتي بتحبي حمزة مش كده ؟!...."
رفعت عيناها اليه بتحفز
قائلة...
"أكيد....ليه هتجوزه لو مش بحبه...."
مالى فم عثمان في بسمة جانبية باردة ثم عاد
لتجهمة قائلا بنظرة ثاقبة....
"عرفتي باللي عمله معايا ؟!!.."
بلعت قمر غصة مسننة بحلقها وهي تسبل جفنيها
بحرج شابكة ايديها ببعضهما بقوة....غير قادرة
على مواجهة نظراته.....
فهتف عثمان بنبرة مستاءة مؤنبة....
"سجني هيرضيكي ياقمر....دا اللي امك وصتك بيه
قبل ما تموت.. تيجي لحد هنا عشان تسجنيني...بعد
ما دخلتك بيتي وعرفتك على عيالي...وجوزتك ابني
جزاتي يبقا السجن ؟!!...."
قالت قمر بقلة حيله.....
"انا مش عايزة غير حقي ياخالي...وانت مانعني
عنه...."
على تعبير الشراسة وجه عثمان الذي صاح
بصوتٍ مقيت....
"حقك خدتيه لما اتجوزتي ابني وعشتي في خيري
ولا تكونيش فكرة الشقة الكبيرة اللي انتي عايشة
فيها معاه والمصنع اللي فتحه والفلوس اللي بيصرف عليكي بيها كلها من حر ماله...دي فلوسي انا... وانتي عارفه انه مكنش لاقي...لا شهادة ولا شغل...انا
اللي خليتها حاجة ويوم ما اتنطط.... اتنطط
عليا...عشانك..."
قالت قمر بانفعال طفيف.....
"الفلوس اللي فتح بيها المصنع حقه من ورث
امه....والشقة اللي احنا فيها دي تقدر تقول جزء
من حقي لحد ما ارجعه كله منك....."
ارتفع حاجب عثمان بشرٍ....
"دا انتي مصممه بقا على سجني...."
قالت قمر بتراجع....
"ممكن نتفق ومتوصلش للسجن...."
هتف عثمان بضجر....
"بس انا مش هديكم مليم واحد....وهاخد منك
تنازل ودلوقتي حالا...."
اخرج الاوراق من جيب السترة الكبيرة ثم القاها
امامها على الطاولة بعصبية ، يأمر بنبرة مهيبة
تجلى بها الوعيد.......
"امضي على الورق ده...."
رفعت حاجبها ونظرت الى الورق ثم اليه
قائلة بتهكم.....
"واي اللي يجبرني انفذ كلامك..."
هتف عثمان بنبرة تنبأ بالخطر....
"حـمـزة.... لو عايزة تحافظي على جوزك اتقي شري....وامضي على التنازل...."
قفزت قمر من مكانها كمن لدغتها
حيه....
"انت بتقول إيه....انت ناوي تأذيه ؟!!.."
ابتسم عثمان بسخرية موضحًا....
"ناوي اقتله لو كمل في سكة المحاكم دي عشان يسجني....هقتله واحسركم انتوا التلاته عليه..."
قالت قمر وقلبها ينتفض بين اضلعها
بخوف....
"انت ازاي تفكر كده...دا ابنك !!!...."
وقف عثمان امامها وقد تملك منه الغيظ
فقال بغل.....
"ابني اللي عايز يسجني عشان مراته ميبقاش ابني
يبقى ابن حرام.....ويستاهل اللي يجراله..."
صاحت قمر بنظرة منفعلة.....
"مش مصدقة انت شيطان بجد..إزاي قادر تفكر
بطريقة دي...تقتل ابنك....كل ده عشان الفلوس...."
هتف عثمان بصوتٍ قاسٍ مزدري...
"ايوا كل ده عشان الفلوس...اللي انتي وهو ناوين
تسجنوني عشان تخدوها مني...ها ناويه تمضي
ولا هضحي بيه...."
تشتت عقلها قليلا وهي تنظر اليه بكراهية وبغض
ثم الى الأوراق على الطاولة خلف منكبيه.....
قصف صوتٍ حاد من خلفها اهتزت معه حيطان الغرفة من حولها أو هكذا ظنت قد أعجز تفكيرها
واجفلها....
"اياكي حتى تفكري تعمليها...."
انتفضت قمر مبهوتة على صوت حمزة فاستدارت
للباب خلفها ترفع عينيها بصدمة لتراه يقف عند
باب غرفة الجلوس المفتوح باعصاب مشدودة
وعينا شاخصة تبرق بشكلا مفجع كقاتل
متسلسل......
تفاجئ عثمان بوجود ابنه فظهرت أمارات
الضجر على وجهه فالخطة فشلت قبل ان
تجني ثمارها....
أقترب حمزة منهما بخطوات متباطأه هادئة هدوء
ما قبل العاصفة......
خفق قلب قمر بوجع وهي تراه يقترب من والده
بوجهٍ يعلوه أمارات الغضب السافر....
اغمضت قمر جفنيها وهي تشعر بالذنب فالعداوة بينهم وصلت الى درب مغلق مستعر بنيران الانتقام وكلا منهم يبحث عن الخلاص لنفسه وهلاك الاخر !!...
وقف عثمان امام ابنه بملامح جامدة ونظرة قاسية
بالفطرة لا تمحى.....
ساله حمزة بخشونة
كارهٍ....
"اي اللي جابك هنا......"
قال عثمان ببسمة خبيثة....
"جاي اتفق مع بنت اختي.... هو دا مش حقها
برضو ولا انت ناوي تلهفة منها...."
صاح حمزة والغضب يضرب كل عصب
بجسده....
"كلامك يبقا معايا انا....احنا متفقناش امبارح على حاجة عشان تيجي تاخد امضتها دلوقتي..."
نظر حمزة للأوراق قائلا بقرف....
"ولا انت استغليت اني مش هنا...فقولت تيجي
تلعب باعصابها وتضغط عليها.....عشان تاخد
اللي انت عايزة..... "
ساله عثمان ببلادة...
"وانت إيه بقا اللي رجعك ؟!!..."
وجم حمزة قائلا بازدراء....
"النصيب خلاني ارجع اجيب تلفوني ولاقيك جاي
لحد هنا تهدد مراتي بموتي لو متنزلتش...."
قال عثمان بخساسة....
"مراتك اعقل منك....وعارفه مصلحتك كويس...."
ثم نظر الى قمر الواقفة خلف حمزة على بعد خطوات بوجه باهت منفعلا بالقلق...
"قولتي اي ياقمر...."سالها عثمان بنظرة تبث
تهديدًا صريح في الأعماق....
خفق قلب قمر بذعر وهي ترمش بجفنيها مترددة
بينما هدر حمزة بصوتٍ جهوري قاتم....
"قولتلك كلامك يبقا معايا انا....خد الورق بتاعك واطلع برا...ونبقا نتقابل في المحكمة وساعتها القاضي يحكم بينا...."
أخذ حمزة الورق من على الطاولة واعطاه له
بعصبية....فقال والده بقتامة وهو يوزع
النظرات العنيفة عليهما.....
"يعني دا اخر كلام عندكم ؟!!...."
اوما حمزة متهكمًا بجسارة....
"ايوا واللي عندك اعمله....انا مبتهددش...."
اقتربت قمر من حمزة بهلع تمنعه من التمادي
وهي تمسك ذراعه... "حـمـزة....."
اخرسها حمزة بنظرة ثاقبة.... "ولا كـلـمـة...."
اطرقت براسها وهي متشبثه بذراعه بقوة...بينما
اشار هو الى ابيه بنظرة محتدة.....
"اتفضل من غير مطرود....."
جاشت مراجل عثمان وهو يلقي عليهما نظرة سوداوية متوعدة ثم خرج بخطوات سريعة متجهمة....
"ليه عملت كده ياحمزة...أفرض نفذ تهديده واذاك..."
قالتها قمر والدموع تتجمع في مقلتاها بخوف ...
قال حمزة بنبرة واثقة.....
"ميقدرش...انا عارفه كويس كلمتين وبيقولهم
عشان يضغط علينا وفي الاخر لما ميلقيش منها فايدة هينفذ اللي احنا عايزينه...."
قالت قمر بسأم....
"انت بتضحك عليا ولا على نفسك...."
تافف حمزة بجزع....
"ممكن تهدي وتسيبي الموضوع يمشي زي
ما اتفقنا....
ثم رفع اصبع التحذير قائلا بصرامة....
"وإياكي تفكري تصرفي تاني من دماغك لولا اني رجعت البيت في الوقت ده كان زمانك ماضيه
على الورق ومضيعة تعبي كله..."
قالت قمر بتلعثم....
"مكنتش همضي اكيد...غير لما ارجعلك...."
رفع حاجبه مشككًا في الأمر....
"ياسلام.....امال انا ليه حسيت العكس..."
مسك حمزة ذراعها وقربها منه قائلا
بحنو.....
"قمر مضيعش كل اللي احنا بنعمله اجمدي شوية ميبقاش قلبك خفيف كده.. المحامي مأكدلي اننا هنكسب القضية من أول جلسة...."
قالت قمر بخفوت واهٍ.....
"انا مبقتش عايزة حاجة...انا بقيت خايفة كل
ما معاد الجلسة يقرب...."
مسح على كتفها بحنان....
"اطمني ياحبيبتي انا جمبك...."
القت نفسها بين ذراعيه هامسة بلوعة.....
"يارب علطول جمبي....انا مش عايزة غير انك
تبقا جمبي وبس ياحمزة..."
اغمض عيناه بعذاب وصدره يموج بالكثير من المشاعر وأكثرهم صعوبة والمًا الخوف عليها
ان اصابه مكروه !!....
........................................................................
ابتسمت داليدا وهي تضم الصغيرة الى صدرها مستنشقة رائحتها الطيبة.... ثم وضعتها عند ثديها
لترضعها وتنام بعدها....
تثأبت داليدا بتعب فمنذ ان عادت من المشفى ولمدة أسبوع كامل لا تنام ساعتين كاملين... فالصغيرة تبدا
بالصراخ والتذمر ليلا ونهارًا دون توقف وبلا سبب
وجيه.....
فتكون مضطرة بالسير بها ذهابًا وعودة في انحاء الشقة تغني لها تحدثها حتى تتوقف عن البكاء دون نوم وكأنها تعاقبها على خصامها لأبيها....
ابتسمت داليدا فمنذ ان عادت من المشفى وسلطان يحاول ارضاءها بشتى الطرق لكنها ترفض التحدث
له بكبرياء مصرة على قرار الانفصال الذي ما هو
إلا حجة لعقابة بعد ان قهرها وهي تتخيل زواجه
من أخرى....
رفعت داليدا عيناها على باب غرفة نومها لتراه يدخل اليها حامل بين يداه صنية الغداء....دغدغ قلبها بالعاطفة فور رؤيته بجسده الضخم الطويل والوسامة الفجة التي يتمتع بها....
سالته داليدا بحرج وابنتها بين ذراعيها
تأكل...
"فين أميرة...هي روحت....."
"نزلت تتغدى مع امي تحت....يلا عشان تتغدي.."
قالها سلطان بهدوء وعيناه تبتلع أدق تفصيلة
بها وهي تجلس بتلك الوضعية التي تثير
عواطفه...
بلعت داليدا ريقها وهي تتحاشى النظر اليه
بحياء.....
"حط الصنية عندك....مليكة لسه مخلصتش اكلها.."
انصاع سلطان لأمرها وهو يضع صنية الغداء
جانبًا ثم انضم اليهم على الفراش جالس على
الحافة.....وهو يسالها وعيناه على طفلته
الصغيرة التي انهت طعامها للتو....
"بتسهرك كتير أوي...كل يوم بسمع صوتها..."
امتلأت احناءُ صدرها بالضيق وهي تضع
الصغيرة على كتفها متبرمة.....
"ومع ذلك مش بيهون عليك تقوم تشيلها عني.."
على الاستهجان وجهه وهو يخبرها
بلوم....
"عايزاني اساعدك ازاي وانتي قلبه بوزك كده..."
قالت بتذمر انثوي.....
"ملهاش دعوة بالبوز....دي بنتك زي ما هي بنتي.."
اشاح سلطان وجهه بنفاذ
صبر....
"المرة الجاية حاضر...مش هتاكلي... "
"ثواني...."قالتها داليدا وهي تضع الصغيرة في السرير بالعرض بالقرب من سلطان الذي لم يقاوم جمالها الخاطف وسند على مرفقة يداعبها بلمساتٍ
رقيقة مدللها بمحبة....
"مليكة....حبيبة بابا....اي الحلاوة دي...
داليدا الصغيرة...."
طبع قبلة على وجنتها وهو يقول
منتشيًا....
"عايزة تتكلي أكل انتي وامك...."
نظر سلطان الى داليدا بمداعبة وقحة فاسبلت
عينيها ارضًا متحاشية النظر اليه متكأه على اسنانها بقوة حتى تمنع بسمة خائنة معبرة عن مدى شوقها المجنون اليه !!.....
"شبهك أوي ياداليدا...."قالها سلطان بنبرة عذبة
وهو يوزع النظرات بينهما بمحبة....
فقالت بخفوت مبتسمة...."فيها منك برضو...."
تبادلا النظرات بعمق لبرهة وكأن الكون توقف بجمالا
عند تلك اللحظة....
اشاحت داليدا بوجهها بقلبٍ خافق بعذاب...ثم نهضت
من مكانها قائلة بتلعثم....
"انا هروح اغير الأول....وبعدين هبقى أكل...مش
مرتاحه كده...."
وقف سلطان فورًا معها... "طيب يلا...."
سالته بحرج شديد.... "انت رايح فين؟!!...."
اجابها ببساطه...."هساعدك ياداليدا...."
رفضت بارتباك....
"لا مش عايزة....خليك جمب مليكة...."
نظر الى ابنته الساكنة مكانها كما وضعتها أمها
تنظر للاعلى شاردة في مكلوت آخر......
عاد سلطان اليها قائلا
بحزم...
"بلاش تتحججي بمليكة....تعالي...."
وجدت نفسها فجاة ترتفع بين ذراعيه بخفة
شهقة داليدا ممتنعة....
"سلطان نزلني مش عايزة.....عشان متقرفش..."
"اقرف من اي ياهبلة...دا انتي بنتي مراتي
وحبيبتي...."قالها وهو يقطف قبلة من شفتيها
الفاغرة بالرفض الركيك.....
زمت شفتيها الشهيتين بدلال...
"برضو مش مسمحاك....وهفضل مخصماك...."
انزلها سلطان امام باب الحمام المفتوح وقبل
الدخول عاتبها قائلا....
"لحد امتى....هتفضلي مخصماني...حني بقا يادودا
وحشني حضنك يابت...."
عقدت ذراعيها امام صدرها وهي تهز جسدها
بغيظٍ والغيرة تدب في اعماقها....
"لو كنت بتحبني اوي كده ومتقدرش على زعلي...
كنت على الاقل عرفتني انه صاحبك اللي هيتجوز
مش انت....انت قاصد تحرق قلبي...."
هتف سلطان مستنكرًا....
"ياساتر هو انا رايح أموت...دا جواز.....وبعدين
انا لسه بفكر...."
قالت داليدا بحدة....
"زيه زي الموت.... هو إيه اللي لسه بتفكر ؟!!.."
سالته بعينين تقدحان شررًا....فقال سلطان
بمزاح خشن...
"ايوا اي رأيك اتجوز واحده تانيه تساعدك في
شغل البيت واهي تطبخ حاجة لينا احنا الاتنين
غير المكرونة...."
احمر وجهها بالغضب وهي تصرخ...
"انت عايزني اشرب من دمك...انت كده شايف
انك بتراضيني ؟!!...."
"راضيني انتي وتعالي في حضني شوية يادودا..."
سحبها سلطان بين ذراعيه وهي بدت تقاوم العناق
بكبرياء....
طبع قبلة على كتفها معاتبًا بنبرة مشتعلة
بالاشواق....
"أسبوع بحاله وانتي مش مهتمه بحد غير بنتك..."
قالت بتبرم... "وانت مهتم بشغلك ونسيني...."
فصل سلطان العناق وهو ينظر اليها قائلا
بنبرة حانية....
"دا انا انسى الدنيا كلها ولا انساكي....مانا كل شوية
بكلمك في شغل...ولما برجع بقعد معاكم...بس انتي
اللي قلبه وشك عليا وبتردي بالقطارة...."
امتقع وجهها بحنق قائلة....
"انت شايف ان الموضوع مش مستاهل اخد
فيه موقف ؟!..."
تشدق سلطان هازئًا بغلاظة...
"والله وكبرنا ياداليدا وبقينا بناخد مواقف كمان...."
أوغر صدرها بالغيظ فلكزة ذراعه بقوة قائلة
بحدة...
"ايوا كبرنا واتكلم معايا من غير اسلوبك المستفز
ده...."
مد سلطان يده ومسكها من الخلف من ياقة
المنامة التي ترتديها...ثم حركها بين يده بخفة
كمن قبض على لصّ الملابس....
"انتي اتهبلتي ياداليدا بتزقيني....انتي الولادة
قوة قلبك عليا اوي...."
قالت وهي تبعده عنها برعونة....
"أوي....ومصممة على الطلاق لحد ما تقول حقي
برقبتي وتحترمني بعد كده...."
صاح سلطان بعينين تنفثان نارًا....
"اه دا بعدك....مفيش طلاق ومش هقول حقي برقبتي.....وخدي التقيلة بقا.....احتمال اتجوز
واجبها تعيش معاكي هنا...."
ضحكة داليدا ضحكة رقيعة متمايلة بكتفها
كراقصة شديد الوقاحة و...الجمال.....
"ومالوا ياحبيبي هاتها...الديب فريزر موجود
والساطور مستني...ومتخفش مش هخليك
تبعد عنها ثانية واحده...هحطكم في نفس الكيس.."
"ياساتر....."قالها سلطان وهو يتراجع خطوة
للخلف مرتعد المفاصل ملامسًا عنقه بيده ، يتأكد
ان كانت راسه في مكانها الصحيح.....
المرأة والساطور !!.....
ابتسمت له داليدا بفخرًا فأشار سلطان على باب الحمام قائلا بضيق بالغ....
"اتزفتي ادخلي خليني اساعدك....."
رفضت داليدا بوجه مكفهر....
"قولتلك مش عايزة....سبني وروح قعد جمب
بنتك.. "
لم يسمع لها سلطان ففي اللحظة التالية كان يحملها
على كتفه بطريقة عشوائية مهينة....
صاحت داليدا متذمرة بغيظ....
"سبني...سبني...مش كل شوية تشيلني كده...
روح شيل مراتك التانية.....ياخاين ياغدار...."
ادخلها سلطان الحمام وهي محمولة على كتفه
تحرك ساقيها بعنفوان رافضة بتمرد....
لكنها لم تقاوم كثيرًا فمع أول قبلة حانية على
شفتيها جعلها تصمت ناكسة راسها بتهذيب
تاركه له حرية مساعدتها في الاغتسال
وتبديل ثيابها باخرى مريحة.....
كانت المهمة سهلة بنسبة له فلم تكن أول مرة يساعدها فمنذ ان وضعت الطفلة وهو من يعتني
بنظافتها الشخصية....
رغم انها استعادت صحتها كاملة إلى انه مزال مصمم
على تلك المساعدة بمنتهى التفاني والتي تضفي
على علاقتهما شعورٍ أخرى من الدفء والانتماء..
وكأنك تنتمي لهذا الشخص بكل جوارحك ولا يهم
ابدًا بأي شكلا سيراك وباي حالة ستكون عليها
يكفي ان يخبرك بنظرة عيناه انه معك في كل
وقتًا ، بجوارك مهما حدث.....
يكفي ان يخبرك انه أحبك كما أراد قلبه !!...
.................................................................
من خلال نافذة السيارة نظرت الى الطريق الممتد أمامها بعسليتين تلمعان بوهج الحب....
واخيرًا عادة الى موطنها بعد رحلة طويلة استنزفت الكثير داخلها وعاشت خلالها غربة مريرة مليئة بالصراعات ، لكنها انتهت وعادة وعاد الحب يشرق حياتها فاصلا بينها وبين الأوجاع.....
حانت منها نظرة على عاصم الذي كان جالسا بجوارها في مقعد القيادة... يقود سيارته الفارهة بهدوء مركز عيناه على الطريق أمامه....
ابتسمت شهد وسلب قلبها أكثر بتلك الجلسة القيادية
التي تشع شكيمة ووسامة رجولية يتمتع بها....
لم تقاوم كثيرًا فالبعد علمها ان المقاومة في القرب
ماهو إلا إمتناع أبدي عن الحب !....
وهي لم تعد تمتنع عن الحب اصبحت تراه كترياق
المعالج لروحها لذا مالت عليه ووضعت راسها على
كتفه بخفة ويدها الرقيقة عانقت كف يده فشبك عاصم بتلقائية اصابعه باصابعها الصغيرة....
وران الصمت بينهما مع عزف قلوبهم المدلها
بالحب...
والسيارة تسير بهما على الطريق الممتد الفارغ أمام أعينهما....
"مالك ياعاصم؟!....."
سألته شهد بعد لحظة صمت وهي تشعر بشيء غريب يرفض الإفصاح عنه منذ فترة....
ترى مالذي يزعجه....ويشغله عنها....وكأن هناك سور
جديد وضع أمامهما يعيق شعورهما بسعادة العودة
رد عاصم بنبرة هادئة مبهمة.....
"مفيش حاجة ياشـهـد.....هيكون مالي يعني...."
قالت بعد تنهيدة...."مش عارفه حساك بعيد عني...."
"بعيد إزاي وانا طول الوقت معاكي...."
قالها عاصم وهو يميل بانفه خلسة على شعرها يشم عطرها المنعش مزيج من عبير الزهور ونسيم البحر تركيبة عجيبة يصعب مقاومتها....
قالت شهد برقة وراسها على كتفه.....
"معايا بس متغير حتى نظرة عنيك ليا...وكأنك عايز
تقولي حاجة....قول انا سمعاك...."
أنكر عاصم بملامح جادة.....
"اي الكلام الكبير ده...لو عايز أقول حاجة هقولها
انتي عرفاني...."
رفعت راسها عن كتفه تداهم عيناه وهي تقول بعتاب..."عرفاك طبعا....وعشان كده سألتك...."
لم يرد عاصم عليها بل اكتفى بنظرة جعلت شكها يقين بان هناك ما يزعجة منها.....
وبعد فترة طويلة من الصمت....سألته شهد بنبرة
كئيبة.....
"أول مرة جدك يونس يعزمنا عنده... يعني مش غريبة شوية...."
رد عاصم عليها بهدوء ويداه على عجلة
القيادة.....
"مش غريبة ولا حاجة....هو عزمنا اكتر من مرة
في أول الجواز بس انا اللي كنت بتحجج بالشغل
والمرادي صمم اننا نيجي ونتجمع كلنا عشان يعرفك
على اولاده واحفاده....وهما كمان يتعرفوا عليكي.."
اومات شهد براسها مشيحة بعينيها للجهة الأخرى
فقال عاصم بنبرة حانية مطمئنة...
"بلاش تتوتري...انا جمبك مش هسيبك لحظة.."
مالت شفتيها في إبتسامة بسيطة وهي تقول
بثقة...
"مش متوترة ولا حاجة يعني انا قبلت معظمهم في فرحنا وقبلها في الفرح اللى روحته معاك واحنا
مخطوبين..... فاكر....."
اوما براسه مؤكدًا بالقول.....
"أكيد فاكر.... مفيش حاجه بينا قدرت انساها...."
جملة من بعيد تسمع كشعرٍ يلقى لكنها في الحقيقة ألمتها بشدة فكل شيء جميل حدث مقترن بذكرى سيئة بينهما.....
استرسل عاصم وهو ينظر الى وجهها الذي
امتقع فجأة....
"انا متأكد انك هتحبيهم أكتر بعد الزيارة دي
وهتارتاحي وسطهم...."
ردت بفتور....."ان شاء الله...."
"ليه بعدتي عني...."سالها عاصم وهو ينظر اليها
جالسة مكانها دون حراك كتمثال.....
قالت بحرج تجلى به الحزن....
"عشان تعرف تسوق كويس...."
"متشغليش بالك بالسواقة...قربي....."سحبها عاصم
من ذراعها برفق حتى وضعت راسها من جديد على
كتفه وكف يدها تلك المرة ارتاح على صدره أسفل خفقات قلبه المتسارعة بقربها.....
همست بأسمه بلوعة الحب...."عـاصـم....."
اجابها بصوتٍ أجش....."نـعـم...."
سألت مجددًا بألحاح...
"ليه متغير معايا.....انت لسه زعلان مني...."
اردف عاصم بجزع.....
"بلاش نتكلم في اللي فات ياشـهـد...انسي..."
قالت شهد بشجن....
"المهم انت اللي تنسى ياعـاصم....."
اغمض عاصم عيناه لثانيتين فيهما تضخمة حنايا صدره بمشاعر عديدة ومؤذية وتشنجات قسمات
وجهه بحدة.....
فهو لا يريد ايلامها ويرفض ان يعود معها لنقطة الصفر....
فإن نجح المرء في النسيان كيف يخمد شعور
الغيرة بداخله ؟!....
ثمة مشاعر يصعب مقاومتها فهي كالنار في الهشيم
تنتشر بصورة مريعة مسببه فوضى جسيمة غير قابلة للإصلاح....
رات امام عينيها بوابة كبيرة تفتح من الجهتين أكمل عاصم القيادة الى ان توقف أمام فيلا كبيرة فخمة تحاط بساحة خضراء شاسعة تزهو بالزهور والاشجار المثمرة......
ترجلت شهد من السيارة مع عاصم ووقفت قليلا تتأمل المكان الذي كان أكبر وأفخم من سرايا الملوك
بمراحل....وهذا يدل على رفاهية أصحاب المكان وسعة الرزق....
اشار لها عاصم ان تقترب منه ففعلت حينها مسك يدها وسارا معًا على ارضًا مصقولة تلمع من شدة فخامتها ونظافتها.....
ما ان اقتربا من باب الدخول حتى خفق قلب
شـهـد برهبة إلقاء الأول..
الرهبة التي تتلبس البعض عند الزيارة الأولى
في بيوت الغرباء....
مهما كانت الصفة التي اجبارتنا على الزيارة
يظل شعور الرهبة ملازم لنا حتى نعتاد عليهم
وتحدث الالفة أو العكس !!...
رأت شـهـد عند الباب الكبير سيدة أنيقة أقل عمرًا
من الجدة( نصرة) تقف عند الباب تستقبلهما بوجه بشوش مبتسمة بحفاوة....
ترتدي عباءة رائعة فخمة تلف الحجاب حول وجهها
الناضر المجعد قليلا بفعل سنوات العمر....ومع ذلك كانت سيدة جميلة حلوة إلقاء......
انها الجدة هدية....هكذا نداها عاصم وهو يقبل يدها احترامًا وتقدير لها فهي عنده مثل الجدة نصرة تماما....نعم انها سيدة هذا البيت الكبير انها زوجة الجد يونس الصاوي.....هدية......
"واخيرًا زورتنا ياعاصم.....نورت بيتك ياحبيبي.."
ربتت الجدة هدية على كتفه كانت سيدة قصيرة القامة مكتنزة الجسد.....
ابتسم عاصم لها بمحبة سألها....
"منور باهله ياحاجة...عاملة اي وصحتك عاملة
إيه....مها واخده بالها منك... ولا أثرت زي المرة
اللي فاتت..."
قالت الجدة هدية بقنوط.....
"انا الحمدلله بخير....مها مزهاقني كل شوية قياس ضغط وعلاج....من ساعة ما اتخرجت وملهاش شغله
غيري...."
"جرالك إيه ياست ماما...دا بدل ما تدعيلي...."
رفعت شهد عيناها للاعلى نحو السلم الممتد لترى شابة جميلة تهبط على الدرج بخفة ترتدي فستان
محتشم وتلف الحجاب حول وجهها الخمري
الخالي من الزينة....
نظر عاصم لشهد وقال
بمزاح....
"جبنا في سيرة القط...."
بينما قالت هدية بتمني.....
"انا بدعيلك كل صلاة بابن الحلال اللي يسعدك..."
زمت مها شفتيها وهي تقف أمامهم...
"بدأنا ياست ماما من ساعة ما فتحت العيادة وبدأت
أشتغل وانتي ملكيش سيرة غير الجواز....."
ثم إضافة مها وهي ترحب بعاصم دون
مصافحة باليد....
"عامل اي ياعاصم نورتنا.....تعرف لسه قافلة مع
علا دلوقتي حالا....."
ابتسم عاصم قائلا.... "كويس انا كلمتها الصبح....."
قالت الجدة هدية بحرج من شهد التي تلتزم
الصمت جوار زوجها....
"معلش ياشهد الكلام خدنا...عامله اي ياعروستنا.."
عانقتها الجدة هدية بحفاوة....بينما قالت مها من خلفها....
"عروسة اي ياماما دي بقالها اكتر من سنة متجوزه..."
قالت هدية بمودة وهي تفصل العناق....
"هتفضل عروسة لحد ما ربنا يكرمها....وتبقا ام
ساعتها هنقولها يام عبد الرحمن......"
اكتفت شهد بابتسامة محرجة فقالت هدية
باعجاب وهي تنظر الى عاصم....
"بسم الله ماشاء مراتك زي القمر ياعاصم...بتفكرني
بالمرحومة امك كانت جميلة ورقيقة كده....تدخل القلب من غير استأذن زيك بظبط ياشهد...."
قالت شهد بابتسامة مجاملة....
"ربنا يرحمها ويجعل مثواها الجنة..."
"تشرفت بمعرفتك حقيقي...عاصم حكالي عنك كتير.....حكالي عنكم كلكم...."
وعلى نحوٍ مفاجئ مدت مها يدها لها قائلة بعفوية
محببة....
"يبقا اكيد حكالك عني انا مها...الدكتورة مها...."
تبادلت معها شهد المصافحة....
"اهلا وسهلا.....يادكتورة "
قالت مها بملامح مبتهجة....
"اهلا بيكي ياشهد..شوفتك في مسابقة(***)
حقيقي كنتي تجنني...رفعتي راسنا كلنا....
مبروك....الف مبروك من نجاح لنجاح......"
قالت شهد بحياء...."تسلمي يامها شكرًا....."
"شـهـد...."
صاح صبي صغير باسمها وهو يهبط على درج السلم بسرعة ولهفة.....
لمعة عينا شهد بالفرح وهي تراه يقترب منها تذكرت
هذا الوجه الشقي الجميل سريعًا....الصغير الذي طلب
يداها واعطاها الوردة البيضاء واخرى حمراء....وأثار
غيرة عاصم بطلبة الملح وتغزل بعينيها....الصفراء
الامعة....
صفراء وتلمع !!.....
"ريـان !!!......"
نطقت شهد اسمه بابتسامة واسعة بينما زم عاصم فم بغيرة حمقاء من هذا الصغير الشقي.....
القى الصغير نفسه في احضانها معانق ساقيها...
فمالت شهد اليه بحنان ضمته الى صدرها مداعبة شعره البني الغزير بيدها.....
رفع ريان وجهه لها قائلا ببراءة....
"عاملة اي ياشهد انا مصدقتش لما خالتو مها
قالت انك جايه عندنا....."
نظرت شهد الى مها....."خالتو ؟!!...."
قالت مها موضحة بغمزة.....
"ريان ابن اختي نيفين.....باباه قريبنا برضو يقول للحاجة نصرة ياعمتي.....يعني نسايب في بعض.."
اومات شهد براسها متفهمة...ثم قرصت خده
الصغير بخفة قائلة بشقاوة....
"عامل اي ياريان كبرت شوية.....بقا عندك كام
سنة كده يابطل......"
قال ريان بفخرٍ... "انا في سنة اولى ياشـهـد....."
ضحكت شهد ضحكة سلبت قلب عاصم الذي يقف جوارها يتابع الحوار بصمت...
"لا لا دا احنا كبرنا بجد..وبقينا بنروح المدرسة
كمان.. "
ضحك ريان وقال ببراءة.....
"ايوا...على فكرة انا حكيت لصاحبتي روزان عنك.."
ضاقت عينا شهد بشقاوة..
"روزان ؟!!....وقولتلها إيه بقا...."
هفت ريان بعفوية لطيفة....
"قولتلها ان عنيكي صفرة وبتلمع...واني هتجوزك
لما أكبر...."
لكزته مها بتحذير....
"يابني مش قدام جوزها....فضحتنا...."
قال عاصم بابتسامة سفاح....
"سبيه سبيه يطلع اللي جواه....واي كمان ياريان...."
اشاع عاصم نظرة مرعبة جعلت الصغيرة يرتد للخلف
متاففًا بسأم.....ثم صاح بانفعال مضحك.....
"يووووه غيرت رأيي...."
سالته شهد بذهول...."ليه كده ؟!!...."
انتفخت شدقتاه بغيظٍ وهو يشير على عاصم الذي مزال يبرق لها بعينيه.....
"مش شايفه نظراته...."
ضحكت شهد وهي تنظر الى عاصم الذي اشاح بوجهه للناحية الاخرى مدعي عدم الفهم...
قالت مها بمزاح لئيم.....
"خلاص يارينو انت تصبر شوية لحد ما عاصم
يجيب بنوته وساعتها ندبسة فيك العمر كله...."
رفض عاصم بجدية قائلا....
"لو آخر واحد مش هجوزها ليه...انا ناقص ريان
وابوه..."
قالت مها ضاحكة....
"آه لو تسمعك نيفين.....مش هتخلص منها..."
قالت الجدة هدية للصغير....
"روح العب يارينو في الجنينة مع ولاد خلانك..."
ثم نظرة لهم واضافة بترحيب....
"وانتوا ياولاد ادخلوا هنفضل واقفين كده...."
سالها عاصم بهدوء...
"هو فين الحاج يونس صحيح...."
قالت الجدة هدية.....
"في مكتبه....روح قعد معاه الرجالة كلهم
قعدين هناك......"
نظر عاصم الى شهد متردد في تركها وحدها...
فقالت مها بشقاوة....
"متقلقش عليها مش هناكلها....."
تنهد عاصم وهو يميل على شهد قائلا...
"شوية ورجعلك.....لو في اي حاجة رني عليا..."
اومات شهد براسها مكتفية بابتسامة صغيرة ثم
رأته يبتعد عنها الى احد الغرف البعيدة....
مسكت مها يد شهد وقالت بحفاوة....
"تعالي ياشـهـد....خليهم هما يقعد سوا واحنا نرغي مع بعض....تعالي اعرفك على بقيت العيلة...النهاردة
تجمع عائلي وزحمة إيه....."
دلفت شهد بصحبة هدية وابنتها مها الى قاعة
نسائية عبارة عن غرفة صالون كبيرة وفخمة
يوجد بها اربعة نساء بأعمار مختلفة....
جميلات الشكل وانيقات الهيئة جمعيهن يرتدون ملابس محتشمة فضفاضة جميعهن محجبات
حتى اصغرهن والتي كان عمرها لا يتجاوز
السابعة عشر.....
دلفت شهد والقت السلام عليهن فردوا عليها بوجوه
بشوشة مرحبة......
بدأت مها تعرف عنهن على حسب الأعمار من
الاكبر الى الأصغر.....
"دي بقا صفية...مرات اخويا الكبير عدي...ودي وفاء
مرات اخويا الوسطاني حسني...ودي جميلة مرات اخويا الصغير انس...."
ثم اشارة على المراهقة الصغيرة....
"ودي بيسان اختي الصغيرة...ونيفين اختي الكبيرة اللي هي ام ريان....في المطبخ بتشرف على الاكل اللي بيتعمل.... هي غاوية مطبخ زيك بس هي اصلا خريجة طب صيدلي...."
صافحتهن شهد جميعًا مبتسمة....
"اهلا وسهلا....اتشرفت بمعرفتكم...."
رد الجميع بـ....."احنا أكتر....نورتينا...."
قالت هدية وهي تشير الى المطبخ...
"قعدي ياشـهـد ياحبيبتي....وسط اوخواتك...."
جلست شهد بينهن في جلسة نسائية ودودة لأول
مرة تحدث.....
ذهبت الجدة هدية وتركت الصبايا معًا يثرثروا
بحرية مع بعضهن.....
سألتها مها بفضول....
"شهد هي فعلا القوانين اللي كانت في المسابقة دي حقيقية....والوقت اللي كانوا بيحطوا ليكم ده...حقيقي ولا فيك....."
اومات شهد براسها...."طبعا يامها حقيقي...."
سألتها صفية أكبرهن عمرًا.....
"ياترى بقا وجهتي عنصرية في الفترة اللي قعدتيها
في المسابقة....بما انك المشتركة العربية الوحيدة وسطهم...."
تعجبة شهد من السؤال المفاجئ...فقالت مها بتوضيح....
"اصل صفية الجامعة بتاعتها كانت برا مصر....وعانت
في فترة الدراسة بسبب التنمر على الحجاب
والعنصرية ضد الاسلام والمسلمين....."
قالت بيسان الصغيرة بتبرم.....
"اكيد موجهتش حاجة لانها مش محجبة...."
"بس يابيسان...."لكزتها مها بضيق وابتسمت
لشهد قائلة بملاطفة...
"بيسان دبش حبتين....لسه صغيرة....."
اومات شهد براسها مبتسمة بنفسٍ صافية فتلك
المراهقة تذكرها باختها (كيان)...
بادلتها بيسان الابتسامة بحرج قائلة
باعجاب....
"على فكرة لون عنيكي حلو أوي....."
ابتسمت لها شهد ثم وجهة الحديث الى صفية
مجيبة برقي.....
"هو انا اكيد وجهة نوع من العنصرية بسيط
يعني مش لدرجة التطاول بالايد ولسان...يعني كانوا
معظم المشتركين بيتجنبوني دا غير نظراتهم....بس ملهاش علاقة بالحجاب لانهم عارفين اني عربية مسلمة....فده كان كفاية يشفوني عدوتهم..."
قالت وفاء بمحبة...
"المهم انك نجحتي....وفوزتي عليهم...."
قالت صفية كذلك... "حقيقي كلنا فخورين بيكي...."
شكرتهن شهد شاعرة بالحرج الشديد بينما قالت
مها بنبرة متحمسة.....
"احنا عرفنا انك فتحتي مطعم....عايزين نعرف العنوان....."

الحب  أولاحيث تعيش القصص. اكتشف الآن