كانت تقف في المطبخ بصحبة أميرة وحماتها حنان
التي قالت بفرح وهي تقلب في الإناء....
"الف مبروك يا أميرة...عقبال الشهادة الكبيرة...."
تنهدت أميرة بارتياح والسعادة تشع من عينيها فها هي ابنتها الكبرى تنهي الثانوية العامة ملتحقه بالجامعة... قالت بجذل...
"الحمدلله ياماما... كانت أيام صعبة اوي كنت خايفة
متجبش المجموع اللي بتحلم بيه... الحمدلله كده
تقدر تدخل الجامعة اللي هي عيزاها...الف حمد وشكر
ليك يارب..."
ابتسمت داليدا كذلك وهي تمسح دموعها من اثار تقشير البصل...
"الف مبروك ياميرو عقبال التخرج....تبقى الشهادة في ايدها الشمال والعريس في الايد اليمين...."
ثم استدارت داليدا تتابع ما تفعله فاليوم الجمعة
وقد تجمع أفراد العائلة لقضاء يومًا عائلي معًا....
مسحت داليدا دموعها بعد ان انتهت من تقطيع البصل وخرجت قليلًا لردهة البيت تشم بعض الهواء فرائحة الطعام تقلب معدتها فتشعر بالغثيان كلما استطال وقوفها بالقرب منه...
جلست على أقرب أريكة قابلتها وهي تشعر بالدوار فور جلوسها....ثم فلت تاوه صادم من بين شفتيها بعض ان اصطدمت راسها بشيء صلب كالحجر....
أقترب منها أسامة على عجل قائلًا باعتذار...
"انا آسف ياداليدا مخدتش بالي.... انتي كويسه..."
نظرت داليدا الى الكرة الواقعة ارضًا ثم لعينا
الصبي الوسيم....فقالت وهي تحك جبهتها
"احمرت صح؟..."
اكتفى الصبي بايماءة صادقة فمسكته من ياقة قميصة بغضب مكتوم.....
"اعمل اي فيك... مية مرة اقولك ياتلعب فوق السطح
يافي مدخل البيت... احنا لسه مروقين يا أسامة..."
رد أسامة وهو ينزع يدها عنه...
"تيته مش بترضى تخليني اطلع فوق السطح عشان
عشش البط والفراخ... ومدخل البيت ضيق... خلاص بقا المسامح كريم..."
برمت شفتيها غافرة.....
"عفوت عنك.. فين توامك يحيى... حمبوزو لوي بوزو..."
جلس جوارها قائلًا بهمسًا....
"نايم....داليدا كنت عايز احكيلك سر...."
رفعت راسها للأعلى بملل لعلها تتخلص من
شعور الدوار.....
"بتحب بنت جديدة...سجى ولا نوران...."
قال الصبي بابتسامة واسعة... "اسمها جميلة...."
زمت شفتيها بملل أكبر.... "هممم وبعدين....."
هتف أسامة بحرارة...
"حلوة اوي ياداليدا...دي بتنور في الضلمة..."
نظرت اليه بطرف عيناها مستفسرة...
"انت عندك كام سنة ياوس اوس."
رد الصبي بعد ان نفخ صدره
بفخر...
"هكمل الاربعتاشر كمان شهرين....."
تاففت داليدا متحسرة وهي تخبره...
"اربعتاشر ؟! وكل يومين بتحب واحده جديدة
وبرضو حلوة وبتنور في الضلمة....هي لمض بيتكم بايظة وعايز بديل ولا اي حكايتك...دا احنا مكناش عيال بقااا..."
ثم استرسلت بعد ان انكمشت ملامح
الصبي بعبس...
"تعرف انا كنت بكرش على مين وانا قدك يا
أسامة...على يوچين...ومزال فتى أحلامي
يوچين...."
"فتى أحلامك مين يامدام...."
قصف صوتٍ خشن من أحد الزوايا بهذا السؤال
البارد...
فنظرت داليدا اليه بارتياع بينما ضحك اسامة
بتشفي....
"البس عشان تتريقي عليا حلوو... "
عندما أقترب سلطان منها بقامة طوله الشامخة
وجسده الضخم العضلي ارتدت للخلف في جلستها
قائلة بدفاع....
"دا دا.....دا كرتون....بطل في فيلم كرتون والله...."
جلس سلطان جوارها بعد ان نهض أسامة...
فقال سريعًا بعد ان لاحظ الكدمة الحمراء في جبينها... "اي اللي في وشك ده...."
"أسامة خبطني بالكورة...."اشارة على اسامة كطفلة تشكو لوالدها....فنظر سلطان للصبي شزرًا....
بينما اتسعت عينا أسامة مبررًا بسرعة...
"اي ده....في إيه يامرات خالي اكيد مش قاصد غصب عني والله...."
انحنى سلطان يجلب الكرة والقاها في وجه
اسامة بخشونة....
"اخر مرة تلعب في الصالة خد كورتك وامشي...."
التقط أسامة الكرة بمهارة قبل ان تصطدم
في وجهه....ثم مالى على خاله قائلا بخبث...
"ماشي...أوعى تنسى تحاسبها على يوچين ده لحسان انا سامع كلام مش كويس عنه بيقولوا
والله اعلم مسجل خطر... فخد بالك بقا منها...."
بعد ان غادر أسامة امام أعينهما ألتفت لها سلطان
قائلا بغيرة...."مين دا بقا فتى أحلامك...."
لوحت داليدا براسها تخفي حماقتها....
"ماقولنا كرتون بطل على ورق....عادي يعني دا الكلام
ده وانا صغيرة انا دلوقتي عقلت وبقيت بحب ناس حقيقيه..."
ضاقت عينا سلطان اكثر...فقالت برهبة....
"برضو ممثلين وميعرفوش اني اتخلقت أصلا...."
ثم تلونت نظراتها بلمعة مغرية مضيفة ببطئ شديد وهي تاسره بشقاوة....
"انت برضو اللي في القلب ياسلطن..هحب مين قدك انت..."
ابتسم سلطان مشيح بعيناه
عنها...
"وبقينا بنثبت كمان...."
قالت بدلال.... "من بعض ما عندكم...."
عاد لعينيها فاصطدم بالكدمة مجددًا فلمسها بيده
قائلا باهتمام....
"احمرت اوي.... خبطك جامد ولا إيه...."
قالت بهدوء...
"عشان الكورة ناشفة شويه علمت...."
"استني اجبلك حتة تلج تحطيها...."ابتعد امام
عيناها ثم عاد بمكعب ثلج.....وضعه على الكدمة
باهتمام يسلب به قلبها وعيناها معه....نظر سلطان
لوجهها مستفسرًا بقلق أكبر......
"بقالك كام يوم مش عجباني....مالك يادودا...."
خفق قلبها مع السؤال فانحنت عيناها بارق
قائلة....
"مش عارفه والله ياسلطان تعبانه اوي...حاسه ان رصيد الصحة بقا زيرو... والنفسية بقت تحت الصفر..."
اقترح عليها....
"تحبي نخرج شوية نتمشى على البحر...."
هزت راسها بنفي قائلة بكآبة...
"لو في يوم تاني هقولك يلا بينا بس حقيقي
مليش نفس لاي حاجة....."
تافف سلطان قائلا بقلق...
"يبقا نروح نكشف ونطمن ونشوف اي اللي وجعك..."
رفضت داليدا قائلة بتذكر...
"بكرة مش هينفع هروح مع جنة اشتري فستان لفرح
كيان....خلاص مفضلش غير كام يوم عايزة أجهز عشان اروح أقف معاها...."
اوما سلطان براسه قائلا....
"حمزة كمان هيتجوز معاها في نفس اليوم.....وقفنا شغل في المصنع لحد مايرجع......"
سالته باهتمام زوجة..... "فاضل كتير في المصنع..."
رد عليها بفتور....
"فاضل المكن وهنبدا شغل بإذن الله...."
سالت داليدا...
"يعني خلاص خلصتوا الأوراق وجبتوا التصريحات...."
أكد سلطان بتنهيدة متعبة....
"اه الحمدلله كل حاجة بقت قانوني وهنبدا الشغل قريب بعد الفرح باذن الله....."
وضعت يدها على كتف سلطان قائلة
بمحبة....
"ربنا يوفقكم ياحبيبي... انتوا تستاهلوا كل خير .."
مسك يدها وقبلها قائلا بارتياح...
"ادعيلنا يادودا نحط رجلينا على أول الطريق وربنا
يكرمنا...انا مبسوط ان حمزة خد الخطوة دي...
وبدا يفكر في مستقبلة وحياته...."
قالت داليدا بابتسامة متزنة....
"واضح انه بيحب خطيبته دي أوي... عشان كده عايز
يبدا حياته صح.... ربنا يسعده...."
هتف سلطان مؤكدًا بشفقة....
"التلات اخوات يستاهلوا كل خير ياما تعبوا وقسو...ربنا يهدي ابوهم......"
رفعت داليدا عيناها للأمام لترى (امال)تدلف الى
ردهة البيت برفقة اسامة وابنتها دنيا في يدها
والتي تتخطى الست سنوات....
قالت بعدائية....
"اي اللي جاب الوليه دي هنا...."
انتبه سلطان لوجود امال فنهض فورًا قائلًا
بحزم...
"داليدا اهدي...الست مش جيالك دي جايه لامي واميرة تبركلهم على نجاح جنة.... مفهاش حاجة يعني...."
تعلقت بيده قائلة بغيرة....
"انت رايح فين..... وسيبني...."
نزع سلطان ذراعه بصعوبة عنها قائلا من
بين أسنانه....
"هضايف الست على ما أسامة ينادي امه..."
عندما اقترب سلطان منهن امام عيناها المشدوهة
اتجهت الصغيرة دنيا اليه قائلة بسعادة....
"بابا سلطان عامل إيه....."
جحظت عينا داليدا بصدمة
مرددة بذهول... "بابا سلطان إزاي ؟!..."
"اهلا يادنيا ياحبيبتي....."حملها سلطان وقبلها
بحنان فتعلقت الصغيرة في عنقه فرحب
سلطان بامها قائلا من باب الذوق...
"أهلا يام دنيا إتفضلي....."
رمقته أمال بعتاب قائلة....
"لولا معزتي للحاجة انا مكنتش دخلت البيت ده تاني.." ثم مسحت عيناها من دموع لم تذرفها...
"انا واخده على خاطري منك اوي ياسي سلطان... دا انت حتى مفكرتش تراضيني بعد اللي عملته مراتك فيا..."
انزل سلطان ابنتها ارضًا معتذًرا....
"حقك عليا.... داليدا كانت اعصابها تعبانه شوية...
تعالي ياداليدا...."
اشار لداليدا بان تتقدم فاقتربت منهما بتلك المشية
المائعة ونظرة الباردة حتى وقفت جوار زوجها الضخم الذي كبلها من كتفها خوفًا من ان تتهور
في اي لحظة...
"تصوري... ام دنيا لسه واخده على خاطرها منك..
مش مصدقة انك مكنتيش تقصديها.. وانك كنتي مضايقه شوية وطلعتي عصبيتك عليها غصب
عنك يعني.... "
لفهما الصمت قليلًا كانت داليدا ترمق المرأه من أول راسها حتى اخمص قدميها بتعالٍ فقالت بعدها بصفاقة.....
"بصراحة انا كنت قصدة...."
عصر سلطان لحم كتفها بين قبضة يده..
فتأوهت داليدا بتمرد....
"الله براحة.... مانا جيالها في الكلام اهوه..."
اغتصب سلطان الإبتسامة لامال التي لوت شفتيها بعدم رضا...
بينما قالت داليدا بإبتسامة انكمشت معها
ملامحها كمن يمضغ ليمون لاذع...
"بس مش انتي طبعًا ياخالتي ام دنيا...دي واحده حربوءة..بتحاول تخرب عليا اما انتي....انتي اكيد بتتمني ليا الخير باين على وشك السمح...."
اكدت أمال باسلوب مائع مستفز....
"اه طبعًا ياحبيبتي حصل خير.... المسامح كريم
وانا قلبي كبير....."
نظرت داليدا لجسد أمال الممتلئ ومفاتنها
المكتنزة بصورة مستفزة....فغمغمت بحقد
"مش قلبك بس.... دا كل حاجة كبيرة ماشاء الله...."
ثم نظرت داليدا الى صدرها متبرمة سرٍ..
"انا شكلي هحتاج فتامينات الفترة الجاية...."
خرجت أميرة من المطبخ مهللة
بحفاوة...
"اهلا اهلا باموله عامله إيه...."
سلمت عليها امال بحرارة....
"الف مبروك ياميرو لجنة عقبال الشهادة الكبيرة...."
قالت اميرة بمودة وهي تبتعد عنها...
"تسلمي ياحبيبتي...عقبال ما تفرحي بدنيا...تعالي
تعالي ادخلي نورتينا...."
دخلا معًا الى غرفة الجلوس بينما سحبت داليدا
سلطان من ذراعه هاتفه بغيرة....
"سلطان تعالى هنا عيزاك...."
سار معها الى ان دخلا احد الغرف الفارغة
ثم اغلقت الباب بعصبية فسالها سلطان....
"في اي ياداليدا جيبانا هنا ليه.....مالك..."
سالته على نحوٍ مفاجئ...
"انت اي رايك في الست الكيرفي....."
انعقد حاجباه باستفهام.... "اللي هي...."
قالت بجنون وبانفاسا عالية....
"اللي هي مليانه وكلها امكانيات في اي ركز...."
اجاب سلطان ببديهية... "اه حلوة دي أوي...."
اشتعلت عينا داليدا فجاة فقال مصححًا الخطأ
"ورفيعة جامدة برضو....كل نعم ربنا حلوة..
بس اي سر الاسئلة الهبلة دي.."
دفعته داليدا في صدره بغيرة مجنونة....
"كل نعم ربنا حلوة ؟!...اي الايمان والتقوى دي..انت بتلغوش على الحوار.....انت بتحب مين اكتر...."
رد وهو يكتم الضحكة..."السمبتيك طبعًا....."
تشدقت بحرقة....
"كداب... انت كنت بتبص عليها من تحت لتحت...."
تشدق بصدمة... "اي الظلم ده محصلش...."
دبت الأرض بقدمها مصممة..."حصل...."
ضحك سلطان ولف عنقها بذراع واحده مقربها
منه وهو يقول برومانسيه....
"انتي هبلة ابص لمين يابت وانتي جمبي....دا
انتي مغطيه عليها..."
زمجرت بتعنت.... "كداب...."
اتكا على عنقها بخشونة فسعلت وهي تحاول نزع ذراعه القوية بينما يقول سلطان بعذوبة...
"اسمعي يام مخ قد كده....انا بحبك واللي بيحب
بجد لو مين بالذي واقف قصادة.. عينه وقلبه مش هيشوفوا غير حبيبه....وانت حبيبي....."
حل وثاقها بسهولة..فبدأ قلبها يخفق بسرعة
جراء الكلمات والنظرات في عيناه....فسحبها
سلطان من خصرها قائلا بوقاحة...
"بما انك شدتيني من ايدي ودخلتيني الاوضة وقفلتي الباب علينا....يبقا أكيد بتفكري في
اللي بفكر فيه..."
"سلطان....حد يشوفنا....."
حاولت التملص منه بدلال لكنه لم يعطيها الفرصة
بل مالى على شفتيها كي يقبلها بقوة ويثبت لها
انها المرأه الوحيدة القادرة على اثارة مشاعره
واشعال جسده بنظرة واحدة.....
انكمشت ملامح داليدا فجأه واضعه يدها على فمها
تمنعه من الاقتراب فشعور الغثيان داهمها مجددًا
بعد ان تخلل عطره رئتيها....
خرجت سريعًا راكضة ويدها على فمها....
"داليدا....داليدا......"
لحق بها سلطان والقلق يفتك به فهذا الأمر تكرر
على مدار أسبوع كامل ومزالت ترفض الذهاب
للطبيب متحججة باي شيءٍ تافه...
وجدها تنحني برأسها بتعب على الحوض بعد
ان إنتهت اقترب منها فقالت داليدا بحرج...
"أخرج ياسلطان بالله عليك...."
"انتي هبلة هقرف منك يعني تعالي..."قالها وهو يدعمها لتستند عليه ثم بدا يغسل وجهها وفمها
وهو يأمرها بصرامة....
"احنا هنروح للدكتورة النهادرة...."
هتفت بخوف... "بس....."
هتف سلطان بجدية صارمة....
"والله لو اعترضتي زي كل مرة هتدخلي العيادة
متشاله على كتفي..."
اسبلت عينيها خانعة....فقال هو بحنو
"خليكي هنا على ما اخلي أميرة تجبلك عباية تلبسيها..."
....................................................
سائل لزج كالهلام سار على بطنها المكشوفة وهي تستريح بظهرها على سرير الكشف بينما سلطان
يقف خلف الطبيبة التي تجلس على مقعد امام
شاشة سوداء....
بدأت تحرك الجهاز على بطن داليدا برفق وهي
تسالها بعملية...
"اخر مرة جتلك الدورة الشهرية كانت امتى
ياداليدا....."
قالت داليدا بعد تفكير.... "تقريبًا...من شهرين...."
انعقد حاجب الطبيبة...
"شهرين بحالهم ؟!....اي اللي اخرك عن الكشف
كل ده...."
بللت داليدا شفتيها بحرج مجيبة...
"هي أوقات مش بتبقى مظبوطه ساعات بتتأخر..
عشان كده مشكتش في حاجة هو انا عندي اي يادكتورة...."
قالت الطبيبة بمرح طفيف....
"عندك نونه....زعلان ان مامته لحد دلوقتي مش واخده بالها انه بيكبر جواها ومحتاج رعاية
واهتمام اكتر من كده...."
جفلت ملامحهما معًا وهم ينظرا لبعضهما بغباء
منقطع النظير...فنظر سلطان للطبيبة بعدم
فهم... "يعني إيه الكلام ده يادكتورة..."
قالت الطبيبة بابتسامة مدروسة....
"يعني مبروك مراتك حامل في شهرين كمان...كان
المفروض تبدأ متابعة بدري عن كده...بس مفيش
مشكلة هبقا اكتبلها دلوقتي على علاج وحقن
تخفف الترجيع والدوخة شوية... "
اقترب سلطان من داليدا وانحنى على ركبته ارضًا يمسك يدها سائلا بعينين تشتعل فجاة كالعاب نارية في سماء قاتمة...."يعني داليدا حامل فعلا...."
اكدت الطبيبة وهي تحرك الجهاز على بطن
داليدا....مشيرة برفق...
"هكدب عليك ليه...دا الجنين أهوه النقطة
الصغيرة دي ..وده نبضه عشان تتاكدوا أكتر.. "
دوى صوت نبضات صغيرة جدًا ومتسارعة كمن يدب
على الأرض بقدمه بتذمر !..
انهمرت العبارات على وجه داليدا حتى غطت وجهها
وهي تطلق شهقة مصدومة ممزوجة بفرحة عارمة والحنين يضوي في عيناها الباكية لهذا الصغير التي لم تعرف بوجوده إلا الان....
نظرت داليدا الى سلطان و رأت في عيناه نظرة
جديدة عنيفة المشاعر دافئة المعاني ممتلئة
بالعشق لها وللصغير القادم.....
"مبروك ياداليدا.... ربنا يكملك على خير...."قالتها الطبيبة وهي تبتعد الى مكتبها....
ساعدها سلطان على النهوض وعندما وقفت امامه
وتقابلت اعينهما لم تمنع نفسها من البكاء في
احضانه....
راتهما الطبيبة هكذا فانسحبت لبضعة دقائق بصمت
مغلقة الباب خلفها....
ضمها سلطان لاحضانه بقوة هامسًا بصوتٍ متحشرج
في غمرة السعادة والحب.....
" مش مصدق ياداليدا..... انتي حامل... اللي سمعناه
ده نبض قلبه.... حامل في شهرين واحنا.... "
وبخها وهو يبعدها عن احضانه
قليلًا....
"وإزاي مش واخده بالك كل ده..."
مسحت عيناها وانفها بظهر يدها كطفلة
مذنبة....
"ايش عرفني ان دي أعراض الحمل..."
لانت ملامح سلطان مع نظرة عيناها
البريئة وهي تقول....
"نبضه حلو اوي ياسلطان...سمعته..."
هز راسه بتأكيد وعلى محياه ابتسامة رائعة...
تغضنت زوايتي عيناها بارتياع متابعة ....
"انا هبقا مامي..طب إزاي...انا مش هعرف ابقى
مامي ياسلطان..."
طمئنها سلطان بعطف وتفهم....
"بكرة تتعلمي وتبقي أحلى واحن مامي في
الدنيا كلها... مبروك يادودا...."
ضحكة وهي تدفن راسها في صدره بدلال...
"الله يبارك فيك....خدني في حضنك ياسلطان
انا بردانه أوي من ساعة ماسمعت الخبر..."
ازدادت الإبتسامة عمق على محياه فضمها لصدره
يبث بها الحب والطمأنينة...ولسانه يتمم الحمد
والشكر لله...
.....................................................................
ابعدت الغطاء عن جسدها ببطئ وهي تنظر الى
ذراع زوجها الذي يكبلها من خصرها وهو نائم.
وكأنها ستهرب منه....
ابتسمت شهد بقنوط وهي تنزع ذراعه ببطئ...عنها ناهضة عن الفراش....
ارتدت مئزرها الحريري الطويل على المنامة المماثلة
له....ثم خرجت من الغرفة تسير على اطراف اصابعها
كالصوص.....
سحبت مقبض الباب خلفها واغلقت إياه بحرصٍ شديد.....تنفسة الصعداء وهي تضع يدها على صدرها
كمن يفعل جريمة شنيعة......
هبطت على السلالم بنفس الحرص حتى لا تصنع
بلبلة في المكان فالجميع نائم والساعة تشير لمنتصف
الليل.....
اثناء ذلك وضعت يدها على بطنها هامسة الى
طفلها المشاغب الذي يدفعها لاختراق القوانين...
"عجبك كده يا أستاذ....أبوك لو صحي دلوقتي
وملقنيش جمبه هيقول علينا إيه بس...."
دلفت الى المطبخ وهي تتحدث اليه دون ملل
او كلل تشاركه الحديث والجريمة كذلك....
"وبعدين....اي الوحم ده...مش فاهمة فين الشوكلاته
والفاكهة اللي المفروض تتوحم عليهم...."
اخذت العلب وبدأت ترصها على الطاولة مغمغمة
بحسرة....
"بتتوحم على مخلل.....مخلل ؟!..."
اخذت طبق ووضعت فيه انواع المخلل التي
وجدتها واكثر نوعين كانت تشتهي تذوقهم الخيار
والجزر....
بدأت تاكل بنهم وكأنها لم تاكل منذ الدهر...كانت
تاكل بشكلا مريع متلذذه بطعم الخضروات المنقوعة بالملح مذاقها شهي ورائحتها ذكية تروقها بشدة...
لم تكن من محبي الاكلات المالحة ولا المخللات
بانواعها لكن منذ ان بدأ الوحم وهي تشتهي كل
ماهو ممزوج بالملح بشكلا مبالغ وخطر... احيانا
ايضًا تزيد في وجباتها العادية الملح حتى تتمكن
من الأكل.....
هذا الأمر أصبح خطر عليها ونصحتها الطبيبة بالابتعاد عن تلك الوجبات المالحة...وحذرها
عاصم خوفًا عليها وعلى الجنين..
وها هي تخترق القوانين بعد يومين من الامتناع
وتعود للمخلات اللذيذة مالحة المذاق التي تلمع
في مائها ذائبة وكانها تذوب في العسل....
رفعت خيارة مخللة على فمها وقضمتها باشتهاء
وهي تئن باستمتاع فمذاقها شهي لدرجة تجعلها
مهما أكلت لا تكتفي وتطالب بالمزيد....
ان علم عاصم سيغضب منها بشدة....
وضعت يدها على بطنها تتحسسها برفق قائلة
بدافع الامومة....
"كله يهون ياقلبي المهم ننبسط انا وانت...."
سمعت صوت خطوات بالخارج تتقدم من
المطبخ فاتسعت عيناها بخوف وهي تحمل طبق المخلل وتجلس أسفل الطاولة تختبئ وفي فمها تتعلق قطعة من جزر المخلل....
بدأت تقضمها ببطئ وعسليتاها متعلقة على باب
المطبخ بارتياب....
دلف عاصم وهو يبحث عنها بعينين ناعستين فانتبه
لعلب المخلل المفتوحة على سطح الطاولة...
تركت خلفها آثر... اين هي ياترى....
اغمضت شهد عينيها بخوف وهي تعض أصابع الندم
ما كان عليها الخروج من الغرفة ماذا ستفعل الان ستكون امامه كطفلة مشاغبة لا تسمع الكلمة !..
راها عاصم أسفل الطاولة تجلس مربعة الساقين تضع امامها طبق المخلل وتاكل منه وهي شاردة العينين تفكر في الخروج من تلك الورطة...
رفع عاصم راسه للاعلى مبتسما فمنذ ان بدا الوحم
وهو يعاني معها بصورة مضحكة....
أنقلبت بشدة هرموناتها في الأربعة أشهر الماضية أصبحت شديدة التذمر سريعة الخصام... وليس البكاء بل الخصام دون حتى ان يفهم مالذي
ازعجها تتركه وتنام وتضع الوسادة بينهما
كحاجز مانع عنه.....
ولكنه في كل مرة يخترق حاجزها وعقلها الصلب ويشبع خديها وشفتيها بالقبل حتى تلين في احضانه مسيطرًا هو على تقلباتها السخيفة التي تخلقها من اللاشي...
حتى انها أصبحت اكثر حرارة في علاقتهما الحميمية
اكثر تجاوبًا واشتياقًا له عن السابق....وكان للوحم تأثير قوي عليها فقد فجر انوثتها المتطلبه للكثير
من الحميمية والتدلل منه....
وهذا كان يرضيه بشدة كرجلا يعشقها بجنون...
اما عن وحم الطعام فهي تشتهي كل ماهو ممزوج
او منقوع بالملح تاكله دون ذرة تردد واحده...
وقد أخذت اكثر من إنذار منه ومن الطبيبة ان المبالغة في الاكل المالح بهذا الشكل خطر على صحتها هي والجنين.....
لكن يبدو انها لا تبالي وكسرت القوانين من جديد
دون مراعية لاي أحد....
هل الوحم يلغي عقلها ويفقدها صوابها لهذا
الحد؟!...
مالى أسفل الطاولة ببساطه وسحب طبق المخلل
من أمامها كمن يعاقب قطة مشاكسة كي تخرج من حجرها وتعتذر.....
"اخرجي من عندك....."
جملة واحده صارمة جعلتها تجفل في مكانها فانحنت
بخنوع تسير على ركبتها حتى خرجت امامه واقفة
كالمذنبون....
"احنا قولنا اي على المخلل ؟!!...."
قالت وعيناها مثبته ارضًا....
"كنت جعانه.... ولقيتوا قدامي..."
نهض عاصم ووقف امامها قائلًا بعتاب
حاني.....
"مفيش حد بياكل مخلل بطريقة دي.. والتلاجه
مش فاضية وانتي عارفة كده كويس...."
نظرت لعيناه بمسكنة قائلة بحزن...
"ياعاصم انا مش قادرة ابعد عنه... مينفعش يعدي
عليا يوم من غير ما اكل حاجة مالحة... بالله
عليك...."
زمجر عاصم بصرامة...
"بالله عليكي انتي اسمعي الكلام..الدكتورة قالت
كتره غلط...."
قالت شهد بدفاع....
"اديك قولت كتره غلط انا مكترتش انا كلت
وحدتين بس....."
نظر عاصم للعلب المفتوحة على سطح الطاولة ثم للطبق الممتلئ نصفه بعد ان انهت النصف الآخر
"كل ده وحدتين وكمان كدابة...."
"خلاص بقا هاكل اللي في الطبق ومش هاكل
تاني خالص...."انحنت تاخذ الطبق لكنه ابعده
عنها رافضًا بحزم.....
"لا كتير.... كفاية عليكي دي...."
اعطاها عاصم شريحة من الخيار المخلل...فاخذتها
شهد وقلبتها بين يدها بعدم رضا....
"دي مش هتعمل حاجة ...."
حرك عاصم حاجباه بذهول....
"يعني اي مش هتعمل حاجة ياشهد...انتي ليه
محسساني اني بديكي ممنوعات...."
قالت شهد باشتهاء....
"دي احلى من الممنوعات هات واحده كمان
خليك جدع بقا ياعصوم...."
نظر لها بارتياب....
"عصوم ؟!...."ثم زم شفتيه وهو يعطيها قطعة
اخرى بعطف.....
"اتنين اهم مرضية كده...."
أكدت شهد وهي تمضغ بلذة
كبيرة..
"اه طعمه حلو أوي هات زتونة بقا....."
رفض عاصم بحزم.... "ولا الهوا تعالي...."
وجدت نفسها ترتفع عن الأرض بين ذراعيه
القويتين...فقالت بخجلا وهي تنظر حولها
"عاصم بتعمل إيه حد يشوفنا...."
سار بها لخارج المطبخ صاعدًا درجات السلم...
واجابها بلا مبالاة....
"مايشوفونا هو انا خطفك... دا انتي مراتي..."
ابتسمت وهي تتعلق في عنقه بسعادة فمالى
هو عليها في لحظة خاطفة متشرب من رحيق
شفتيها الامعة اثار الأكل...
ابتعد عنها معلق وهو يداعب انفها بانفه
بحب....
"طعمها بقا مالح كده ليه.... فين الشهد ياشهد..."
قالت بابتسامة جميلة... "مش عجباك ولا إيه...."
قال بمراوغة جميلة أمام عيناها...
"وهي مسكرة طعم....وهي مالحة طعم تاني
مسكر برضو...."
مالى يقطف قبلة اخرى أشد حرارة من السابقة
وهو يدلف بها الى غرفتهما....
وضعها على الفراش وسحبها لاحضانه وشفتاه
مزالت ترتشف من عسلها المالح.....
ثم بعد لحظات اطلق سراح شفتيها لياخذا انفاسهما المسلوبة معًا همست شهد بضعف وهي تغرز اصابعها في شعره الغزير بمداعبه لطيفة.....
"عاصم....."
قربها منه اكثر وهو يزمجر بتملك....
"أول واخر مرة تقومي من جمبي ياست الحُسن..
خضتيني عليكي...."
قالت بحرج وهي تدفن جسدها الصغير بين ذراعيه
وصدره العريض.....
"غصب عني ابنك صحاني من احلاها نومه.. ونفسي
راحت على المخلل...."
سالها وهو يأسر عيناها بالحب....
"وافرضي ملقتيش مخلل كنتي هتعملي إيه..."
قالت بعفوية وهي تنظم انفاسها بعد
هجومه العاطفي....
"كنت هاخد اي حاجة تقابلني ازودها بالملح واكلها.."
فلته منه ضحكة صغيرة يائسه فانحنى حاجبي
شهد بحزن.....
"ياعاصم اعمل إيه... غصب عني الوحم جاي
كده.... مش ذنبي والله...."
اوما براسه وهو يتحسس وجنتها بابهامه بتفهم
حاني....
"عارف والله.. وانا غصب عني برضو اني احرمك من حاجة عيزاها بس خلينا نسمع كلام الدكتورة ونخف شوية حوادق هي قالت كلي بس في المعقول...."
قالت بشفاه مقلوبة..... "هحاول...."
سارت يداه على مفاتنها بوقاحة
قائلًا...
"بما اننا صحينا سوا... تعالي احكيلك حدوته..."
حركت اهدابها بخجلا..... "حدوته قليلة الادب؟!...."
اكد وهو يطبع قبلة على انفها
الأحمر...
"بظبط.... تحبي تسمعيها...."
هزت راسها بحرارة قائلة
بجرأه... "احب أوي قول....."
طالت نظراته العاشقة على عيناها العسلية اسفل الاضاءة الخافته فكانا يشعان بجملًا كشهب
ذهبية.....همس بصوتٍ عذب....
"بحبك اوي ياست الحُسن...."
اختلج قلبها بين اضلعها بعاطفة جياشة..
فقالت بابتسامة مشاغبة....
"دي حدوته رومانسية كده...."
هتف بخبث....
"ما قلة الادب جايه أصبري...."
تخضبة وجنتيها سريعًا فقال هو بضحكة
صغيرة جذابة...
"بموت فيكي وانتي بتحمري كده بتبقي شبه الطماطم الحمرة... عايزة تتكلي أكل..."
رمشت شهد باهدابها للحظة شاردة لبرهة عنه
ثم عادت اليه قائلة....
"تعرف نفسي اكل طماطم عليها ملح ورشة بهارات
بس هنحط ملح كتير عشان تتاكل وتبقا طـ...."
اسكتها عاصم بملامح واجمه....
"شهد ركزي معايا وسيبك من الملح اللي نقعه مخك
فيه من ساعة مالوحم اشتغل...."
انكمشت ملامحها بعدم رضا وقالت
بحدة..
"اي نقعه مخك في ملح دي... قصدك إيه...
لو سمحت انا مسمحلكش وسع كده...."
انتفضت فجأه من مكانها وسحبت وسادة
مربعة ووضعتها بينهما وهي تشن الحرب عليه
بنظرة باردة...فسالها عاصم وهو يكتم ضحكاته
بصعوبة...."بتعملي إيه؟..."
غمغمت بخصام.... "هنام عندك مانع..."
سالها بعبث.... "طب والحدوته...."
قالت بتهكم وهي توليه ظهرها....
"انا كبرت على الحواديت يامعلم عاصم..."
"بس انا بقا مكبرتش يامعلمة شهد...."ادارها اليه
عنوة عنها نازع الوسادة بينهما وملقيها ارضًا...
هتفت بدهشة...."عـاصـم...."
كان آخر شيءٍ تقوله فمن بعدها اغرقها في
طوفان عاطفي عنيف استسلمت داخله مع
أول همسة حب وقبلة حانية....
..............................................................
في صباح يومًا جديد هبطت شهد على السلالم
بحرص وعلى اذنها الهاتف قالت بابتسامة رقيقه..
"ياكيان ساعة بظبط وهتلاقيني عندك...مش هتأخر"
صمتت تستمع لها وبعد ان انتهت ردت شهد
عليها....
"اه هبات الكام يوم دول...اه هقوله اكيد وهأكد
عليه كمان....ماشي سلام ياحبيبتي...سلميلي
على قمر.."
اغلقت الهاتف وهي تزفر بتعب متجهة الى الخارج حيث ورشة عاصم القابعه بجوار السرايا الكبيرة
اثناء سيرها وجدت من يعرقل طريقها بالوقوف
أمامها فرفعت شهد عيناها إليه من باب الذوق
القت التحية....
"صباح الخير....ازيك يا يزن...."
ابتسم يزن وعيناه تتلون بتلك النظرة الغريبة
والمعة المريبة....قال يزن بصوتٍ عذب....
"صباح النور ياشهد...اي أخبارك....مبروك على الحمل..."
وضعت يدها على بطنها بتلقائية...
"الله يبارك فيك...."
ازداد توهج عيناه فقال.....
"لو احتاجتي اي حاجة...انا موجود...."
قالت شهد بمناغشة....
"بس دا مش تخصصك يادكتور...."
وضع يده في جيب بنطالة بزهو...
"اديكي قولتي دكتور اكيد هيبقا مني فايدة..."
قالت شهد بابتسامة متزنة...
"اكيد لو وقفت عند حاجة هبقا استشيرك..واهوه نختبرك بالمرة عشان نطمن بعد كده على المرضى معك.."
ثم استرسلت بفتور.....
"صحيح عرفت من عاصم انك نجحت مبروك
عقبال شهادة التخرج...."
ضاقت عيناه بشقاوة قائلا...
"مبروك كده حاف...مفيش هدية كدا ولا كده...."
عضت على باطن شفتيها بحرج ثم بعد ثانيتين
قالت حتى تحفظ ماء وجهها....
"لا ازاي انا ناوية اجبلك هدية طبعا بس مش النهارده...."
سالها مستمتع برفقتها جدًا.... "لي كده؟!.."
اجابت شهد بهدوء....
"يعني الكام يوم دول هبقا عند اهلي عشان فرح اخواتي وكده...بس وعد هجبلك هدية في اقرب وقت...."
همس يزن بصوتٍ خافض.....
"اديني مستني....انتي الوحيدة اللي هستنا هديتها
على نار.....مع إنك لوحدك أحلى هدية ممكن الواحد
ياخدها...."
رفعت شهد حاجبها بوجل وقد رجعت خطوتين للخلف بصدمة فـتعثرت وكادت ان تسقط على ظهرها.....
تعجل يزن في لمح البصر ومسك ذراعها بقوة قبل
ان تسقط ولفظ بخوف...."حاسبي...."
نظرت شهد الى يده القابضة على ذراعها ثم لزرقة
عيناه واللهفة البادية على وجهه فوقعت في هوة
مظلمة مخيفة وتشوشت الرؤية وتضاربة الافكار
داخلها... ثائرة رافضة تصديق هذا الاستنتاج الـ
المتدني......
"يـزن.....اي اللي بيحصل هنا...."صاحت بها إلهام من أعلى السلم بعد ان رأت هذا التقارب الغير بريء ابدًا بينهما للمرة الثانية....
سحبت شهد يدها بملامح واجمة وعينين جامد
على هذا الشاب غير مصدقة انه ممكن ان يكون
هزت راسها ترفض التصديق فهي لم تكن متهاونة معه ابدًا في التعامل ليفكر بها بتلك الطريقة التي
راتها في عيناه....
انه الأقرب الى عاصم وعلاقتهم رائعة كالاب
والابن ؟!...
رد يزن على امه
ببرود....
"كانت هتقع فـبسندها...."
انسحبت شهد سريعًا عنهما كمن قرصتها
حية..."عن اذنكم...."
بعد ان ابتعدت شهد بخطوات سريعة مسكت
الهام ذراع ابنها وسحبته معها الى غرفة المكتب
الخاصة بوالده......اغلقت الباب ونظرت اليه شزرًا..
"اللي بتعمل دا غلط..."
رد يزن بعناد متهكمًا....
"اي اللي بعمله ياماما....ماقولتلك كانت هتقع..."
هتفت الهام من بين اسنانها بغضب....
"بص لعينك في المراية وانت بتبصلها...انت
مفضوح يابن مسعد.....أوعى تكون...."
هتف يزن بعصبية.... "ايوا بحبها.....ارتاحتي...."
اتسعت عينا الهام ووقع قلبها بين اقدامها
برعب.....وهي تشعر بانه لطمها بقوة....
"انت اتجننت دي مرات عاصم...ابن عمك..."
أردف يزن بنزق......
"اديكي قولتي ابن عمي يعني مش متحرمه عليا
لما تطلق منه...."
شهقة الهام وهي تنظر الى ابنها بعجز وكأنه حالة
ميئوس منها...
"فووق يايزن...انت واعي لنفسك....البت دي عملت
فيك إيه....."
ابتسم يزن بهوس وهو يتذكر صورتها وهي
تبتسم له.....فقال بجنون....
"قولي معملتش إيه...بقولك بحبها....ومستعد أعمل
اي حاجة عشان تبقا معايا...."
ظلت الهام واقفه مكانها مصعوقة وهي تسمع
هذا الجنون على لسان ابنها الوحيد....فصاحت
بقسوة.....
"انت اكيد جرا لمخك حاجة....انت كده بتضيع
مستقبلك... بضيع كل اللي عملته عشانك... "
رمقها يزن بنظرة باردة وكاد ان يرحل لكن الهام
تعلقت بذراعه قائلة بغضب أسود...
"رايح فين وسيبني....فوق ياما والله اطربقها
فوق دماغك ودماغها...."
بنظرة ونبرة غير مبالية اجابها....
"ياريت تعملي كده هتقصري عليا المسافة..."
نشبت في ذراعه بقوة وهزت جسده بعنف...
"انت اتجننت لو عاصم عرف... دا يقتلك ويقتلها..."
نزع ابنها يداها عنه قائلا
ببلادة...
"لم يبقا يعرف بقا....سلام....."
خرج يزن امام عيناها الجاحظة بشكلًا مريع
فوقعت على أقرب معقد متمتمة بكراهية...
"البيت بيتهد فوق دماغي......كل حاجة بتضيع..."
رفعت الهاتف على اذنها صائحة بهيجان...
"عملت اي يازفت بقالك أربع شهور بترقبه مجبتش خبر عدل...."
رد الشاب على الناحية الآخر....
(الله ياهانم مش كنت بتأكد وبجبلك الاخبار السقع..)
مطت شفتيها بازدراء.. "واي هي الأخبار السقع...."
أخبرها الشاب بهدوء...
(الباشا بيتردد كل كام يوم كده على شقة في الـ***
لما استفسرت عليها عرفت انها باسم وحدة ست اسمها چهيان الكيلاني.....)
تلقت صفعة اخرى أشد قسوة من السابقة...
فقالت بصعوبة.... "انت متأكد...."
أكد الشاب بثقة أكبر.....
(الا متأكد دول ساعات بيطلعوا مع بعض منها قدام
عيني يقضوا اليوم سوا....)
"ابعتلي العنوان في رسالة....."قالتها الهام ثم اغلقت
الهاتف وهي تنظر الى الفراغ بنفسًا سوداء وصدر
مختنق هاتفه بتوعد......
"ماشي يامسعد.....يانا يابنت الكيلاني...."
.................................................................
دلفت شهد الى غرفة الورشة فوجدت عاصم يجلس
على مقعده في فمه مبسم الارجيله وفي يده قطعة
من حجر الزمرد البراق يقلبها بين يده بعينين ثاقبة
زارت الابتسامة وجهها الحزين فاقتربت منه
قائلة بغضب طفيف....
"احنا قولنا إيه على الشيشة يا معلم عاصم...."
رد مبتسمًا وهو يشير لها بان تقترب.
"دا مزاج يامعلمة شهد ومينفعش ابعد عنه...هي
عندي زي المخللات عندك كده..."
ضحكت بحرج وهي تقف جواره...
"طب الوحم ده حاجة مؤقته ومصيرها تنتهي
مش مزاج زي مانت لسه قايل...."
ترك مبسم الارجيله وركنها
جانبًا....
"اتعودت عليها هي والسجاير...."
هتفت شهد بقلق....
"غلط ياعاصم....صحتك ياحبيبي...."سحبها الى
احضانه واجلسها على ساقه قائلا وعيناه تتشرب
من حُسنها.....
"هحاول اخف منها عشان خاطر حبيبي دي بس.."
ثم مالى عليها طابع قبلة الصباح على وجنتها المتوردة..... "صباحك زي الشهد....نمتي
كويس امبارح...."
قالت بعينين جميلتين وهي تعبث في زر
قميصه .....
"اه كويس أوي...انت اللي قومت من جمبي
المرادي أهوه...."
اشار لها على الطاولة القابعة امامهم...
"طلبيه مستعجلة وكان لازم اشتغل عليها..."
اومات شهد برأسها بتفهم...فمسح هو على
وجنتها بابهامه وعيناه تاسرها بالحب.....
"مالك ياشهد شكلك زعلانه..."
"مفيش حاجه ياحبيبي....."ثم نهضت فجأه ودارت
حدقتاها في المكان قائلة بجذل....
"المكان شكله حلو أوي....وكان الواحد دخل منجم
دهب...."
كانت الورشة رغم صغرها إلا انها تحتوي على كل
ماهو ثمين وباهظ الثمن....تفوح منها رائحة غريبة
ومقبولة كذلك....منظمة بشكلًا رائع كل شيءٍ في صناديق خشبية مخصصه لها....
مسكت شهد احد سبائك الذهب الصغيرة الموجوده في صندوق خشبي متوسط الحجم....سالت بعفوية
"بتصنع من دول الخواتم والسلاسل...."
اردف عاصم بمزاح.....
"اه.....تحبي تاخدي واحده...."
ضحكت بدهشة وهي تنظر الى سبيكة الذهب اللمعة بشدة بين يدها....
"اي ده ؟!! وكانك بتديني شوكلاته..."
"تساوي كام دي...."
ضيق عيناه لبرهة وهو يخبرها بعملية....
" على حسب الوزن...دي سبيكة دهب عشرة جرام
دهب صافي...حاليًا سعرها.*...."
رفعت حاجبها بذهول بعد ان نطق السعر...فقالت وهي تدور بعيناها في المكان...
"يااه....دا انت مش لازم تسيب الورشة كده..."
رد عاصم بهدوء.....
"مقفولة اكتروني مش بتفتح غير ببصمة الايد..
وبكلمة السر...."
سألته بنظرة شقية... "واي هي بقا كلمة السر....."
سحبها مجددا لاحضانه واجلسها على ساقه
قائلا.....
"تاريخ أول يوم شوفتك فيه زي اللي محفور
على الدبلة..."
اشار على الحلقة الفضية في اصبعه...فقالت
شهد بدلال....
"اي الرومانسية دي كلها....بتحبني اوي كده.. "
"بموت فيكي...."قالها وهو يدفن وجهه في عنقها
طابع القبل على جيدها.....
قالت شهد بضعف وهي تداعب شعره
باصابعها..."عاصم...."
اكتفى بهمهمات خشنة...فقالت شهد بخفوت...
"انا كلها ساعة وهروح عند اهلي زي ماتفقنا هبات
الكام يوم دول معاهم...انت عارف بقا الفرح والتجهيزات...."
رفع راسه اليها قائلا بوجها عابس....
"مع اني مش بالع حتة مبياتك بعيد عني الكام
يوم دول بس هعمل إيه ظروف وحكمت..."
مررت يدها على لحيته السوداء
المشذبة...
"انا كمان مش حبه ابعد عنك..."
هز رأسه بنفي قائلا وعيناه تسافر فوق ملامحها
الجميلة المتوردة بسعادة الحب....
"كدابة ياست الحُسن انتي ما صدقتي تبعدي عني
وترجعي تقعدي مع اخواتك.... هو انا مش بشوفك
وانتي قاعده معاهم بتبقي عاملة إزاي... "
سالته بحيرة.... "ببقا عاملة إزاي؟!...."
رد بصوتٍ غلبه الحزن....
"بتبقي حد تاني ياشهد....ببقا نفسي تبقي معايا
كده.."
هتفت شهد مستنكرة هذا الاتهام...
"اي الكلام ده ياعاصم...وانا ببقا معاك ازاي يعني.."
اخبرها بصدق احساسه نحوها....
"بحسك بعيد ياشهد حتى وانتي في حضني..وكأن
في حاجه بتشدك بعيد عني...."
تسمرت مكانها تنظر اليه بتيه.....فابتسم عاصم
مغير الموضوع قائلا بمزاح.....
"مجرد احساس...واضح ان المعسل ده في حاجة.."
ساعدها على الوقوف قائلا بهدوء...
"يلا اطلعي اجهزي عشان اوصلك في سكتي
وبعدها اطلع على الصاغة أكمل اليوم هناك...."
......................................................................
وصل الى الصاغة منذ ساعة ونصف تقريبًا بعد ان اوصلها وسلم على اهلها مبارك لهما...
كان يجلس خلف مكتبه يقلب في ملفات
الحسابات...فدلف اليه صديقه حكيم الذي هلل
قائلا باسلوب فكاهي....
"اي ياحولم اي أخبارك...."
رد عاصم بترحيب...
"بخير ياحكيم....انت عامل إيه.. قعد...."
هتف حكيم بعتاب بعد ان جلس...
"اي ياعم هو الجواز هيفضل لحد إمتى واخدك
مننا..من ساعة ما اتجوزت من البيت للصاغة ومن الصاغة للبيت اي حكايتك هي المدام حالفه عليك
ولا إيه...."
ضحك عاصم يشاكسه بالقول....
"مش كده ياحكيم بس تقدر تقول لسه عريس
جديد....وفي شهر عسل... "
فغر حكيم شفتيه قائلا باستنكار....
"فين شهر العسل ده دا كلها كام شهر وتشيل حولم
الصغير....وبعدين مانا عملت شهر عسل اكتر من تلات
مرات مخدتش جمب منكم ليه...كنت بخرج وبروح
وباجي.....في اي ياعصوم دا احنا لينا حق عليك
برضو ياجدع....."
أغلق عاصم الملف قائلا باستسلام...
"خلاص ياحكيم انت هتاكلني...كده كدا المدام عند اهلها الكام يوم دول عشان فرح اخواتها....رتب انت السهرة وانا هاجي...."
قال حكيم بهدوء...
"سهرتنا على البحر... مش وحشك الصيد ولا إيه..."
ارجع عاصم ظهره للخلف قائلا بايجاز...
"لا إزاي وحشني الصيد وقرك عليا طبعًا كلم
مينا....نقضي اليوم هناك بعد ما نخلص شغل..."
ساله حكيم باهتمام....
"ماشي الكلام....بس انت مالك كده مش عاجبني.."
أطلق عاصم زفرة ثقيلة ثم أخبره بتجهم...
"مش عارف ياجدع الشقة لحد دلوقتي مجهزتش
وكل ما كلم المهندسة اللي مسكه التشطيب تقعد
تتحجج بألف حجة...."
قال حكيم بسرعة...
"غيرها... انت بقالك قد إيه مستني؟!...."
لوى عاصم فمه قائلا بجزع....
"من قبل الفرح بقالي ست شهور مستني...المفروض
كنت استلمها من تلات شهور فاتوا...."
عقب حكيم متعجبًا.."طب غيرها مستني إيه...."
تنهد عاصم قائلا بخشونة....
"مش عايز اقطع عيشها المهندسة دي انا عارفها كويسة ومسكتها شغل قبل كده ليا و لناس حبايبي وكانت بترفع راسي قدامهم والكل بيحلف بذمتها
وشطارتها في الشغل....بس مش عارف خابت لي
كده.... "
هتف حكيم باستهجان....
"غيرها خليك تخلص....شكلك مش مرتاح في بيت
العيلة...."
قال عاصم بصوت اجوف....
"بيني وبينك ياحكيم انا عايز اعيش انا ومراتي في مكان لوحدنا....انت عارف اللمه بتخلق مشاكل ووجع دماغ وانا كل اللي يفرق معايا في البيت ده الحاجة نصرة ويزن من بعدها...."
ساله حكيم.... "وناوي تعمل إيه...."
عزم عاصم الامر قائلا.....
"اخرها معايا الأسبوع ده....لو فضلت على كده
هديها بقيت حسابها وهجيب مهندس تاني يكمل
الشقة مكانها...."
....................................................................