🦋🦋الفصل السابع والثلاثون🦋🦋

6.9K 86 3
                                    

خرجت من البناية لترى سيارته تصف جانبًا يفتح نافذتها وهو يطلع عليها أبتسمت له ابتسامة صباحية فاترة وداخلها مزالت تتجرع مرارة ليلة أمس...
لم تنم جيدًا بعد ان انهت المكالمة معه ظلت مستيقظة طوال اليل تفكر مليًا في قرارها المتسرع....
انها تشكك بالفوز بمسابقة عالمية كتلك التي
اقدمت عليها أمس بروح منهارة من ضغط الجميع
عليها....
لا تضع ذرة أمل داخلها للفوز فهي تعلم جيدًا قواعد
المسابقة الصعبة والوقت الذي يكون بمقياس المسطرة والطهاه الذين ينضموا إليها منافسون
بعضهم بضراوة الحروب...
جميعها اشياء توترها في الاقدام على تلك الخطوة
ومن المستحيل ان تواكب مهارة الطهاة الغرب بل وتسبق ايضًا بعدة خطوات للفوز ؟!!...
مزالت لا تعرف لماذا تفضل الهروب بدلا من
مواجهة والدها والتصدي إليه بامكانها ان
ترفض وتظل هنا..
لكن الحقيقة الملموسة داخلها انه تهرب من الجميع
وأولهم (عاصم)فالبعد عنه يحطم قلبها اشلاء والقرب
منه يطعن قلبها بالخناجر فلا تعرف كيف يشفى المرء ففي الحالتين هو مصاب بلعنة الوجع !!....
لذا قررت الهروب بجبن بان تسافر قليلا وتبتعد
عن موطن يجمع بينهما قسرًا....
ستسافر وتراهن على الفرس الخسران فلن يكون
أصعب من الخسائر السابقة !...
وضعت نفسها تلقائيًا على بطنها الخاوية....وفي
سهوة اللحظة تتذكر ان رحمها فرغ من طفلتها
وانها تسكن الجنة الان......
انسابت دموعها على وجنتيها فمسحتها سريعًا وهي
تكبح الألم بصعوبة......ساحبة نفسًا عميق الى رئتاها
ثم اقتربت من السيارة واستقلت بجواره قائلة
باعتذار.....
"معلش ياطارق اتأخرت عليك شوية...."
نظر لها طارق عن قرب ملامحها الشاحبة وعينيها
الحمراوان كالدماء والهلات واضحة أسفل عينيها
من كثرة الارق والحزن سالها باهتمام....
"في اي ياشهد مالك...من ساعة مكالمة امبارح
وانا متأكد ان في حاجة عندكم...حصل إيه...."
هربت من عيناه وهي تنظر للنافذة....
"مفيش حاجة عادي كنت عايز تقبلني الصبح
ليه؟..."
رد باهتمام واضح....
"مش حاجة مهمة كنت عايز اطمن بس عليكي.."
عادت اليه مجيبة بفتور....
"انا كويسة الحمدلله....افتكرتك غيرت رأيك
لما انا وافقت...."
"هو انتي دبستيني فعلًا...."قالها وهو ينظر
اليها بجدية.....
فرفعت حاجبها مندهشة فضحك طارق قائلا
بمزاح....
"متصدقيش اوي كده بهزر....انا مش شايف حد
ينفع يكسب السيزون ده غيرك.."
لوت شفتيها في ابتسامة باهته
المعاني.. "ربع ثقتك دي بجد...."
عقب طارق عابسًا....
"انا مش فاهم... انتي مستقليه بنفسك كدا ليه...."
اخرجت تنهيدة كئيبة وهي تقول بشؤم....
"مش حتة مستقلية....بس انا بطلت احلام وبطلت
حتى أفكر في الجاي..."
عقب طارق بنظرة ثاقبة.....
"دا واضح انك كنتي بتحبيه أوي...."
جفلت بتساؤل.... "هو مين ده؟!!...."
قال طارق دون مواربة...
"اللي خلى الحياة في عينك كده عشان مبقاش
فيها...."
تبسمت بحزن مشيحة بوجهها للناحية
الأخرى....
"طول عمرك لماح ياسكندر.....ممكن توصلني للشغل...."
قال بمرح يهون عليها....
"انا عايز افطر اي رأيك نفطر سوا...."
رفضت شهد بالباقة....
"لا انا فطرت معاهم فوق....وصلني انت بس على الشغل وانا هبقا اوصيهم هناك يعملولك أحلى فطار.."
ابتسم طارق بملاطفة.....
"زي ما تحبي ياصديقة الطفولة...."
انطلق بالسيارة بعدها بصمت وظلت هي عينيها على
الطريق الممتد أمامها واصابعها تلامس الانسيال
الذهبي بذهن شارد وقلب ملتاع..
(سيدة الحُسن والجمال...)بالخط الفارسي كتبت...
هديته الغالية على قلبها والتي لم تفرط بها مع الاغراض الأخرى الباهظة.. ظلت في معصمها
محتفظة بها منذ ان ارتدتها....
أنظر الى أين اخذتنا الدنيا يا(عاصم)لم اعد
سيدة الحُسن في عيناك ولم تعد أقرب
من روحي.....
ابتعدت عني بقسوة وأخذت اخر ذرة أمل داخلي
دمرتني أو أنا من جعلت دماري على يدك حق
مباح لك !!....
كان يجب ان أختار شيءٍ واحد حتى لا أتألم
بهذا الشكل....
فخلف الحب وجع ، وخلف الانتقام ثمن...وانا
أسدد الدين مرتين !....
أوغر صدره كبركان ثائر واظلمت عيناه الصقريتين
وهو يتبعها بسيارته الضخمة..يتبع تلك السيارة الرمادية التي صعدت جوار سائقها ثم انطلق بها
بعد ان تبادلا اطراف الحديث لبعض الوقت....
كان ينتظرها أسفل البنية اهدته ابتسامة صباحية
صعدت جواره ببساطة وكأنه شخص موثوق
به....تعرفه جيدًا.....
من يكون هذا..... من يكون ؟!!...
ظل يحوم هذا السؤال بعقله كمطرقة حادة تضرب
رأسه بقسوة غير مصدق ما يراه بعيناه.....
وهو الذي كان يحترق شوقًا اليها وفضل كالمراهق
الابله رؤيتها من بعيد والاطمئنان عليها....
ضرب عاصم على عجلة السيارة بغضب وهو يلعن نفسه ويلعن قلبه الذي مزال متعلق بها وكأنها اخر
نساء العالم !!....
أغمض عيناه لثواني ثم سمع صوت بوق عالٍ
ياتي بسرعة عالية عليه فتح عيناه بصدمة
وتفادى الحادث المريع باعجوبة وهو يسب
السائق ويلعن الجميع وأولهم هذا المجهول
الذي تستقل معه السيارة سيسفك دماؤه
صف طارق السيارة جانبًا ثم ترجل منها وتبعته شهد
التي توقفت بعد ان اغلقت الباب خلفها...اقترب منها
طارق باهتمام وقلق سائلا....
"واقفة كده ليه ياشهد..مش هتدخلي...."
دعكت مقدمة راسها باناملها وهي تقول
بتعب...
"ايوا هدخل....بس مش عارفه مالي دماغي
هتنفجر من كتر الصداع....."
نظر لها مليًا معقبًا....
"شكلك مانمتيش كويس إمبارح...."
قالت بتلقائية..... "منمتش خالص...."
انعقد حاجباه وهو يقترح عليها....
"تحبي اجبلك حاجة للصداع.....او نروح نكشف
اي رأيك....."
"مش مستهلة انا كويسة....."قالتها وهي تبتعد عنه
خطوتين ولم تشعر بنفسها إلا وهي على وشك السقوط بعد ان التفت ساقيها حول بعضهما
فجأة.....
فمسكها طارق من ذراعها يدعمها قبل ان
تقع أرضًا قائلا...
"انتي مش كويسه خالص ياشهد...دا انتي كنتي هتقعي...."
كل هذا حدث امام عينا عاصم الذي يشاهد اقترابهما من خلال اطار السيارة السوداء الضخمة...فاندفع الغضب في اوردته كالحمم البركانية وهو يخرج
من السيارة فجأة صافق الباب خلفه بقوة....
صوت أغلق الباب القوي جعلا الإثنين ينظرا خلفهما
جافلين....
وعندما لمحت شهد وجوده واقترابه منها بملامح تنبّأ بالشر الوشيك خفق قلبها بخوف وضاعت اللهفة بين
طيات الهلع منه...تخافه بشدة !...
ومن لا يخاف رجلا كـعاصم بقوته الجسمانية وطولة
المهيب وملامح وجهه المخيفة المظلمة...من لا يخاف
نظرة عيناه الصقرية القاتلة......
اتسعت عينيها وهي تجد كل الغضب مصوب ناحية
طارق الذي لم يدرك بعد العاصفة الهوجاء القادمة
عليه......ابتلعت ريقها وهي تجده امامها وجهًا لوجه
وقبل ان تفتح فمها راته يلكم طارق فجأة هاتفًا بجملة دبت في اوصالها الرعب......
"مين اداك الحق تحط إيدك على مراتي....."
ارتد طارق للخلف مصدوم وهو يتعرف الان
على هوية هذا المارد متجهم الملامح......
اقترب منه طارق بغضب شاعر بالاهانة....
فهتفت بتشنج....
"وانت بقا متعرفش تكلم بالسانك....مين قالك
اني لما سندتها قبل ما تقع كان في نيتي حاجة
تسيء ليها أو ليك...."
وقفت شهد بينهم متجمدة الاطراف تتابع
ما يحدث بعينين متسعتين مذهولتين..
قال عاصم بشراسة....
"وانت مين اصلا واي دخلك بيها...."
اغتاظ طارق منه فاراد ان يضربه بالكلمات....
"جارتي وبينا زمالة قديمة...عندك مشكلة...وبعدين مراتك ازاي بقا....هو مش المفروض انكم خلاص
هتطلقوا...."
جحظت عينا شهد بخوف وهي ترى طارق
يعبث في عداد عمرها هي !!.....
تطلع به عاصم بنظرة اجرامية وهو
يعقب ببرود.....
"زمالة قديمة.....عشان كده حكيالك ان احنا
خلاص هنطلق...."
نظر عاصم لها فجأة فتراجعت هي خطوتين للخلف فقال عاصم لها بغضب مكتوم.....
"ماتردي يامدام....ساكته ليه..."
استجمعت شجاعتها بأعجوبة وهي تقترب
من طارق قائلة بترجي....
"طارق لو سمحت.....امشي دلوقتي...."
لم يبدو على طارق الموافقة على طلبها فقد وجه
نظرات حانقة الى عاصم الذي يقف خلف شهد مباشرةٍ يرمقه بعدائية...ومن حولهم على بعد
خطوات أشخاص تتابع الموقف بفضول......
ربتت شهد على صدرها
بتوسل....
"عشان خاطري ياطارق....."
جاشت مراجل عاصم بالغيرة والغضب فسحبها من ذراعها لتقع على صدره هادرًا في وجهها...
"عشان خاطرك ؟!!... انتي اتجننتي....."
نظرت شهد لعيناه لبرهة ثم بيدها الرقيقة لمست صدره أعلى السترة وهي تقول بصوت خافت
عذب وبنبرة خاصة ترجت.....
"عاصم اهدى.....الناس بتبص علينا....."
تبادلا النظرات بعتاب والناس من حولهما تطلع
عليهما بفضول...حتى قال طارق من خلفها
بحنق....
"عشان خاطرك انتي بس ياشهد...همشي...وهبقا
أكلمك تاني....."
اعتصر عاصم لحم ذراعيها بيده
بغضب... "يكلمك؟!!....يعني اي يكلمك... "
قالت بنفسٍ متهدج متألمة من هجومة الغير
ادمي عليها....
"عاصم...عاصم الناس بتبص علينا....خلينا نتكلم
جوا.... "
بين حرب النظرات والغضب المتأجج داخل صدره
تركها بنفور وهو يشير بأمر على سيارته الضخمة.....
"لا جوا ولا برا....اركبي العربية.....يلاااا.."
اومات براسها مذعنة وصدرها يضيق مختنقة بتعب
وكأنها بدخل صندوق ضيق محكم الغلق.....
استقل السيارة في مقعد القيادة جوارها ثم أمرها
بجفاء قبل ان ينطلق بسرعة جنونية.....
"اربطي الحزام ياهانم....."
جزت على اسنانها تبتلع غصة مريرة من هذا الأسلوب
الفظ الجاف كنظراته المتجهمة نحوها...انه يكرهها
يكرهها بشدة......
صف عاصم السيارة بمكان شبه صحراوي وقد اختاره
بعناية كي يفجر غضبه فوق رأسها....
صفق الباب خلفه بقوة بعد ان خرج....أمرها بالنزول
فترجلت شهد من السيارة تواجه العاصفة بجسارة فهي لم تنسى كل ماحدث بينهما منذ ان عرف بالحقيقة..
اهانات وتجريح...وتشكيك في اخلاقها...وصفعة مهينة... وصراخ لا ينتهي....يرفض ان يطلقها حتى تكن تحت رحمته للأبد.....ماذا يريد ان يفعل بها
أكثر من هذا.....
هجم عليها ممسك ذراعها بقوة.....
"باي حق تركبي مع راجل غريب عنك عربيته...انطقي
وبتقوليلو عشان خاطري!!.....وهو بيقولك هبقا أكلمك
وحكياله كمان اننا هنطلق...هو اي اللي بيحصل من
ورا ضهري بظبط.... انطقي..."
حاولت سحب ذراعها وهي تقول بحنق...
"مفيش حاجة بتحصل....بلاش تفكيرك المريض ده
دا كان جارنا زمان وكنا مع بعض في نفس المدرسة
ولسه شايفاه من امبارح بس....."
رفع عاصم حاجبه متشدق بسخرية...
"إمبارح؟!!...وعشان كده ادتيلوا رقم تلفونك
وحكتيلو عن تفاصيل حياتنا...واستناكي الصبح
تحت بيتك وركبتي معاه كمان العربية....وكل ده ولسه عرفاه إمبارح بتضحكي على مين بظبط....."
هزها بين يده بعنف صارخ في وجهها بوحشية
جعلتها تغمض عيناها بقوة وهي تقول من بين
اسنانها.....
"انا مش بضحك عليك دي الحقيقه....وبعدين انا أعرفه من زمان وهو عندي زي حمزة....شيل الأفكار
دي من دماغك....وسبني في حالي بقا...."
مسكها بكلتا يداه وقربها منه صارخ
بتملك....
"مفيش حاجة اسمها سبني في حالي...انا
حالك ودنيتك كلها......سامعه.."
اختلج قلبها بالخفقات وهي تفتح عسليتاها
المتشربة بالحزن وكسرة النفس اليه....ثم
عاتبت بتهكم....
"والكلام ده بقا من إمتى.....لما مديت إيدك عليا
ولا لما شككت في اخلاقي....ولا لما دفعت عن
طلقتك واختها قدامي وقولت قدام اخويا
ومراته انك ندمت انك اختارتني...."
هتف عاصم من بين اسنانه بضراوة.....
"انتي اللي بتعاتبي....مين فينا اللي المفروض
يعاتب التاني....مين....."
هربت بعيناها منه مستحية....فتركها وعيناه
تقدحان شررًا....متابع باقتضاب....
"على الأقل انا لما عملت كده لاني موجوع منك..
رد فعل عن كل القلبان اللي عملتيه في حياتي.."
الجملة ضربتها في صميم قلبها فأشارت على
نفسها بصدمة موجعة....
"انا عملت في حياتك قلبان ؟!!...."
أكد عاصم بصوتٍ قاسٍ حاد.....
"واكتر بوظتي حياتي...دخلتي تخربيها اكتر
ماهي خربانه...."ضاقت عيناه وهو يسالها....
"وافقتي على جوازنا ليه مش عشان تبقى راسك
براسها في البيت وحملتي مني لنفس السبب.. "
توسعت عينيها متصلبة الملامح فقد مات التعبير
وهي تطلع اليه مبهوتة.....
فصرخ عاصم بصوتٍ
جهوري....
"ردي انطقي ساكته ليه...."
قالت شهد ببرود كصقيع جمده مكانه لوهلة.....
"مش هبرر...مش هبرر ياعاصم....طالما انت شايف
كده يبقا خلاص انا عملت دا كله عشان اعمل
راسي براس مرات عمك....."
نظرت حولها بضياع وهي تتمتم
بصدمة.....
"بجد انت سامع نفسك....سامع بتقول إيه...."
صاح مستهجنًا....
"سامع ومتأكد ان دي الحقيقة....."
اقتربت منه ومسكت ياقة الحلة فجأة وسحبته لعندها بجنون صارخة بقوة كي يفهم....
"الحقيقة اني حبيتك.....حبيتك بجد... "
نظر عن كثب لوجهها والحسن المشع منه ثم الى عسليتاها الصافية والتي رغم الفجوات الكبرى
بينهما مزال يخر امامها مفتون بسحرهما
ولمعتهما القوية......
حتى انفاسها الناعمة المنكهة بعطرها الانثوي
تداهم انفه متسللة خلسة اليه مسيطرة على
مشاعره وخفقات قلبه نحوها.....
بعد فترة صمت كان يحارب امامها مشاعره
نحوها مسيطر على مضخة قلبه القوية بقربها....
هتف عاصم بصوتٍ أجوف مهاجم....
"وانا كرهتك... مبقتش قادر ابص في وشك...."
قد تلقت طعنه أخرى في قلبها منه أشد قسوة
والمًا عن الباقية....تجمعة الدموع في عيناها
فابعدت يدها عنه بتدريج ثم اولته ظهرها
بسرعة....
ظن انه نال منها وشفى غليلة لكنه شعر بان الألم
يزداد اتساع داخل قلبه....
عادت اليه شهد بعد ان مسحت دموعها
بعصبية....
"وطالما انت كارهني اوي كده....جاي ورايا ليه ...مالك ومال طارق أو غيره....."
زمجر عاصم بغضب.....
"شكلك ناسيه انك لسه على ذمتي...."
هدرت بانفعالا..... "قولتلك طلقني وارحمني....."
هتف بقسوة محتدة....
"ماهو عشان الطلاق رحمة ليكي....مش هخليكي تطوليه...."
نزلت دموعها امامه بعذاب..... "انا تعبت....."
رد عاصم بجمود جاف....
"ودا اللي انا عايزة تعبك.....تعبك هيرضيني
وهيريحني....."
هزت شهد راسها..محنية بكسرة
نفس.....
"تمام.....طالما مش عايز تطلق...يبقا انا هسبلك
الدنيا كلها وهمشي...."
قرع قلب عاصم كناقوس
خطر....
"تمشي تروحي فين ؟!...."
لوحت بيدها بتشنج....
"ما طرح ما أروح.....انت مالك...."
مسكها من يدها وقربها منه.....
"مفيش حاجة اسمها انت مالك...اعدلي لسانك
ياشهد...."
نظرت لوجهه باعياء شاعرة بان الارض تهتز أسفل قدميها..لذا طلبت منه بضعف....
"ممكن توصلني البيت انا تعبانة....عايزة أروح
أرتاح......"
نظر لها بقوة محاول التؤكد من هذا الطلب
المفاجئ والذي اتى بصوتٍ ضعيف مستسلم..
فعادت تترجاه بنظرة مجهدة....
"عشان خاطري دماغي هتنفجر من الصداع...."
"اركبي......"اشار على السيارة خلفهما فتقدمت
منها وهي ترفع كاحلها عن الأرض بصعوبة....
بعد فترة قصيرة توقف عاصم بسيارة امام المشفى...
فنظرت من نافذة السيارة بتساؤل....
"ليه واقفنا هنا....انا مش عايزة أدخل المستشفى.."
نزع حزام الامان عنه وهو يقول بأمر....
"مش هتروحي كده....ادخلي اكشفي عشان
أطمن...."
ترجل من السيارة امام عيناها فزمت شهد
فمها مستهزئه....."وكأن يهمك أمري...."
بعد لحظات كان يستند بظهره على الحائط خلفه
وعيناه معلقة عليها وهي تجلس على المقعد معلقة
في وريد يدها إبرة (محلول.) وضعتها لها الطبيبة
بعد فحص مكثف.....
نتج عنه انه تهمل في طعامها وترهق نفسها فكريًا
وجسديًا حتى فقد جسدها بعض العناصر المهمة
التي سيعوضها الدواء عن طريق الوريد.....
تبادلا النظرات لفترة زمنية بعمق وعتاب حتى وجزة عسليتاها منسحبة وهي تطرق براسها ارضًا ومزال حديثة يخترق اذنيها كرشاش متطاير قاتل.....
أسبل عاصم عيناه متنهدًا بخشونة ناظرًا الى كف يده
حيث الانسيال الذهبي الذي نزعته لها الطبيبة حتى
تتمكن من وخز الإبرة في يدها....
ظل يطلع عليه بنظرة متجهمة متذكر اليوم الذي
اهداها به كم كان مدله بحبها وهو يطلبها للزواج
للمرة الثانية بعد ان قللة منه في المرة الاولى ورفضته !..
حتى أول هدية بينهما تشتبك بحدث يود ان
ينساه معها.....
أين كان عقله وهو يتعلق بها يومًا بعد يوم غارق
في عشقها كالمغيب عن الواقع..اين كان عقله !...
"ممكن تديني الانسيال....."
اخترق صوتها الموسيقي المجهد ظلام أفكاره الموحشة نحوها.... فرفع عيناه المتجهمة عليها فبلعت شهد ريقها وهي تشير على حقيبتها...
"هات احطه في الشنطة....عشان منسهوش
معاك....."
كان يود ان يجادلها يجرحها.. يؤلمها بقسوة لكن
قلبه لم يطاوع غضبه...فكان الإعياء والحزن
يطل من وجهها الشاحب....والأبرة في وريد
يدها توخز قلبه لرؤيتها بهذا الشكل....
اقترب منها واعطاها الانسيال الذهبي فاخذته
وخبأته في حقيبتها باهتمام مبالغ....
حينها خفق قلبه بلهفة اليها وهو يطلع عليها
سائلا برفق...."حاسه بتحسن...."
اومات براسها دون ان تتلاقى بعيناه وكأنها تعلن
عليه حرب البعد والعقاب أكثر من السابق !..
...................................................................
خرج من الحمام وهو يجفف يداه بالمنشفة رافع
عيناه عليها حيث الفراش فوجدها جالسة عليه
ممدده الساقين تضع الحاسوب امامها وتتابع بعينين
مشدوهتان وفم فاغر بانبهار أحد الدراما الكورية...والتي تفضل مشاهدتها ليلا..
توقف قليلا يتأملها عن بعد خطوات بملامح عاشقة
منبسطة وعينين مبتسمتان بالحب....
مر أكثر من شهرين على زواجهما.. تغير في حياته
الكثير روتينة تبدل من شيءٍ ممل بلا قيمة...الى
حياة تزدهر يومًا بعد يوم معها....
اعطت للحياة معنى.. بتغريدة الوصال أصبح مدلة
بحبها....وبزقزقة الصباح المزعجة ادمن وجودها
شقاوتها رقتها....خصامها منه.... ورضاها عنه...
أصبحت تمثل له العالم بأكمله....
حتى البيت الذي عاش لسنوات دون امرأة بعد
وفاة والدته كان تحت رماد الماضي مدفون
أصبح اليوم منيرًا ومعطر بعطرها يدل عليها
وفي كل زاوية ذكرى تخصها...وكأنه هواها سرًا....
أقترب سليم منها ودثر نفسه جوارها جالسًا ينظر
الى ما تنظر إليه..... ليرى مشهد فراق حزين بين البطل والبطلة....نظر الى كيان ليراها تترقرق
الدموع بعيناها وهي تضع الفشار في فمها
وتمضغه ببطء متمتمه كالعادة تتحدث مع
الابطال عبر الشاشةوكأنهم يسمعونها
وسينفذوا نصائحها !!...
"حرام عليك ياكيم ليه تسيبها ليه ياخويا...طب
والله بتحبك.....ياختي اعترفي بقا بالحقيقة دمي
اتحرق عشانكوا...."
ادار سليم وجهه للناحية الاخرى يكبح ضحكته..
فسمعها تقول بقهر...
"سبتيه ياختي....يلا اهو هيروح للحربوئه اللي بتلف
عليه... وابكي انتي بقا على الاطلال....انا حطيتك
أصلا في البلاك لست بطلة تموت في ضيق التنفس....."
عاد سليم ينظر اليها فراها تنظر للشاشة بتدقيق
وعضت على شفتيها قائلة باعجاب...
"اللي عملك الفرومة صنايعي...."
انتبه سليم لجملتها فنظر للشاسة ليرى البطل
قد نزع القميص عنه ووقف أسفل صنبور المياة....
والهانم تحدج به وكأنها لم تجد رجلا جذاب
بعضلات يومًا ؟!!....
نظر سليم لذراعيه العضلية القوية وصدره المشتد العريض ثم عاد إليها بنظرة مشتعلة بالوعيد أغلق
الحاسوب فجأة على أطراف اصابعها فصرخت متأملة..
"آه ايدي ياسليم.....في إيه... "
قال سليم بخشونة....
"مفيش حاجة مش هنام ولا إيه...."
قالت بتبرم وهي تنوي فتح
الحاسوب مجددًا...
"انا عايزة أكمل الحلقة...."
نزع من يدها الحاسوب ثم وضعه بجواره ومعه
طبق الفشار ثم قال بتسلط وأمر....
"كمليها بعدين.....عندنا شغل الصبح بدري في المكتب... وبعدين الاب دا بتاع الشعل وعليه
حاجات مهمة...."
زمت كيان شفتيها بحنق مغتاظة....
"وانا مالي ومال الحاجات اللي عليه..وبعدين انا بقالي فترة بستعمله ليه جاي تعلق عليه دلوقتي..."
رمقها بنظرة قاتمة مؤنبة وهو
يقول....
"اهو كده...مش هنام بقا ولا إيه....."
دققت به متعجبة من أمره الذي انقلب
فجأة....
"انت بتبصلي كدا لي ياسليم ؟!!..ومضايق
اوي كده ليه..."
رجعت كيان بظهرها للخلف قليلا متوجسة منه
لتراه امام عيناها الفيروزية المرتابة ينزع عنه
فانلة الحمالات الرمادية مستعرض نفسه قليلا
وهو يحرك ذراعيه وينفخ صدره العريض امامها....
"انت بتعمل إيه ياسليم؟!!...."
سالته وهي ترمش بعيناها بتأثر انثوي فهذا الوسيم بسمارة المهلك وجسده الفتي يقضي على حيائها في أقل من ثانية فتظل تحدق به بهيام...
"بفكر أروح الچيم...."مالى سليم عليها بنظرة
جذابة اخترقت قلبها كسهام الحب....
بلعت ريقها وهي تقول بارتباك....
"انت اوريدي بتروح الچيم...."
قال بوسامة تغرقها في الهوى.....
"بفكر ازود يومين كمان....اي رأيك..."
اشاحت بوجهها مجيبة...
"مش محتاج على فكرة...."
ضيق عيناه مستفسرًا....
"يعني الفورمة مظبوطه...."
عادت اليه مندهشة الملامح معقبة بعد
ان أوضح سبب حنقه منها....
"اه قول كده بقا.....بتغير يعني من كيم..."
اثارت حفيظته فقال سليم بغيرة محتدة...
"كيم مين اللي أغير منه....اسمعي انا بدات ازهق
من الكوري ده...غيري نشاطك واتفرجي على اسباني
او هندي...."
ابتسمت كيان وهي تستقبل غيرته المجنونة بترحاب...
" انا بدأت فعلًا اتفرج على أفلام أبيض واسود مع
عمو مصطفى....بجد في شوية قصص تاخد منهم موعظة.. والاسلوب في الكلام راقي حقيقي شابو
لعمو مصطفى اختياره للافلام فوق الوصف..."
اثلجت قلبه بردها ولا يعرف لماذا غضب وكيف
هدأ لكن ما يدركه انه عقب بوقاحة......
"دا بنسبة لعمو مصطفى...طب وابن عمو مصطفى.."
اقتربت منه بدلال واحاطت عنقه بكلتا يداها
قائلة بنعومة...
"مالو ابن عمو مصطفى....دا غيور اوي...بيغير من ناس متعرفش اني موجوده على الكوكب أصلا...."
لم يعقب سليم فكان يغرق في بحرها العميق
الأزرق وشفتيها الوردية التي تتحرك باغواء...
تاهت عيناه على تفاصيلها المليحة جسدها
الغض الأبيض..مكتنز المفاتن والملتف في منامة
حريرية وردية....وجهها البهي الناضر وشعرها
البندقي المنساب خلف ظهرها بنعومة...
ارتبكت كيان من تلك النظرات الشهوانية فقالت
وهي تنزع يداها.....
"ممكن تلبس هدومك عشان متبردش...."
منعها من الابتعاد مثبت يداها حول عنقه
وقال بعبث مرح....
"طب ما تدفيني انتي اهو ينوبك فيا ثواب..."
توهج وجهها وتدللت.... "سلييييم...."
دفن وجهه في جيدها طابع القبل الحارة
عليه....
"مُزتي...... ماتيجي نكمل الحلقة قبل ما ننام...."
ابتسمت بحب مغمضة عينيها بضعف تاركه نفسها
اليه يجذبها فوق السحب الناعمة عليها تترك العنان
لمشاعرها وجسدها يبوح له خلسة بمدى اشتياقه
لتلك اللحظات وبانه مولع بملذات هذا القرب !...
..................................................................
في صباح اليوم الثاني تحسس بكف يده الفراغ
بجاوره ففتح عيناه بتكاسل وصوت المنبه كالناقوس
يخترق مسامعه في نغمة مزعجة عالية.....
اعتدل في نومته وهو يمسح على عيناه الناعسة ناظر للغرفة من حوله ليراها فارغة منها....لم يأخذ الأمر إلا ثوان وعلم اين تكون الآن....
تعد الفطور مع والده ككل يوم تكن في صحبة والده
في هذا الوقت تساعده في إعداد الفطور يتشاكسا
ويتحدثا في أمور عدة.....
تنهد سليم وهو ينهض عن الفراش مستعد لأخذ
حمام وارتداء ملابس العمل قبل الخروج اليهما...
في المطبخ كانت ترتدي طاقم كلاسيكي بني اللون
مطرز بشكلا أنيق محتشم على قدها بفخامة عريقة
وكانها ذاهبة لأستلام منصب كبير في الدولة وليس
في مكتب محماة بجوار زوجها....
يتشاركا المكتب معًا لا تتركه لحظة تعمل معه في نفس الغرفة...ورغم انه اعطاها مكتب خاص إلا
انها تفضل العمل معه طيلة ساعات اليوم....
ليس فقط تسلط منها في الحقيقة هي تستفاد
بتلك المشاركة تنمي نفسها عمليًا وتكتسب
خبرات قانونية أكتر.....
ان سليم الجندي كتلة من النشاط والذكاء في مجال القانون ورجلا مثله يجب ان يتم الأغتنام منه بقدر
كبير بمعرفته الواسعة....
وهي تفعل فهي ايضًا تحب مجالها وفكرة ان تتزوج
بسليم الجندي حظ سعيد لكنها بداخلها تتمنى ان تواكب نجاح زوجها وتثبت نفسها في مجالها أمامه وامام نفسها قبل اي شيء.....
كانت ترتدي مريول المطبخ فوق ملابسها وتفرغ
بعض المعلبات الى الاطباق بينما رائحة الفول
الشهي الذي يعده المستشار يفتح شهيتها أكثر
من المعتاد.....
"ياسيدي ياسيدي....أحسن واحد يعمل فول بالطماطم...."
قالتها كيان وهي تقترب منه واقفة امام الموقد
معه...هذا الرجل أصبح يمثل لها الكثير لديه من
الحنان والابوة ما يجعلها تتعلق به يومًا بعد
يوم وكأنه الأب الذي اهداه لها القدر بعد
حرمان وعناء سنوات......
قال المستشار بمناغشة..... "بكاشة من يومك..بقيت
حافظك خلاص....."
قالت كيان بتلقائية وعفوية جميلة كأبنة
تدلل والدها......
"طب والله العظيم ولا اجدعها شيف ياعمو...انا مكنتش بحب اصلا الفول بس من ساعة ما كلته
من إيدك مبقتش تكمل وجبة الفطار غير بيه...
قولي بقا هتديني الوصفة امتى..."
قال المستشار وهو يقلب في الإناء....
"مش محتاج وصفة مانا عملته قدامك كذا مرة..."
علت ملامحها الاحباط وزمت شفتيها
مجيبة.....
"ايوا بس انا لما عملته مطلعش نفس الطعم...
واضح اني معنديش نفس في الأكل...انا مستاءه
يامستشار... "
ضحك المستشار وهو يطيب خاطرها بالقول
الحسن.....
"بعد الشر عليكي من الاستياء ياحبيبة المستشار...
انتي نفسك في الأكل لا يعلى عليه كفاية طاجن اللحمة بالبسلة اللي عملتي إمبارح كان هايل.."
لمعة عيناها كالنجوم بتساؤل...
"بجد عجبك.... دا سليم قال انه ناقص ملح...
وناقص سوا....."
انكمشت ملامح المستشار بعدم
رضا.....
"قوليلو أعمل زيه انت بس....وساعتها تعالى
أتكلم...."
ضحكت كيان واضعه يدها على فمها بدهشة....
فدخل سليم اليهما بعد ان سمع جزء من الحوار
فقال بعتاب لوالده....
"مش مصدق انك بتقوي قلبها عليا...كده ياسيادة
المستشار....دا انا ابنك حتى...."
قال والده وهو ينظر اليه
بمحبة...
"نقول صباح الخير الأول....."
اقترب منهما سليم بزي الرسمي الانيق وقال وهو يوزع النظرات عليهما وخص كيان بنظرة مؤنبة وجدت صداها في صدرها فلا تعرف مما هو غاضب ؟!....
قال سليم بهدوء وهو يوزع عيناه على الاطباق
التي تم تحضيرها ككل صباح....
"صباح الخير عليكم....اي الفطار الملوكي ده..."
رد المستشار بفخر وهو يشير الى كيان....
"اي رأيك عمايل مراتك....ست بيت شاطرة
خلصت في اقل من ربع ساعة الفطار...."
ابتسمت كيان بحرج قائلة برقة...
"انت كمان ساعدتني ياعمو....دا كفاية طبق
الفول اللي بتحضره....هروح أحضر السفرة....."
ابتعدت كيان عنهما مغادرة المطبخ....
فقال سليم بعتاب طفيف...
"ينفع الكلام اللي قولته دا يادرش....."
حمحم والده بخشونة متحدثًا بجدية....
"ينفع ونص حاول تكون ذوق مع مراتك...وحتى لو الاكل في عيب صغير... أحاول أعرفها بطريقة شيك
متجرحش بالعكس تدي حافز ان المرة الجاية هتاخد
بالها وتعمل الحاجة أحسن من كده...."
برر سليم بدفاع.... "طب مانا عملت كده....."
ابتسم والده غير مصدق..
"مش باين يامتر أكيد قولتها خبط لزق انت ابني
وانا عارفك..."
ابتسم سليم وهو يميل للناحية الأخرى
متعجبًا.....
"انا مش فاهم انت ضدي لي يابابا...بذات في
اي حاجة تخص كيان...."
لكزه والده قائلا بعينين تفيضان بالحنان...
"بطل غيرة....البنت تستحق اكتر من كده....وبعدين
انا بقوم بدوري كأب ليها...وانت قوم بدورك كزوج.."
انعقد حاجباه معقبًا....
"دا اللي انا بعمله والله...هي كيان اشتكت مني...."
"محصلش يامتر دي مجرد نصيحة....."اولاه والده
ظهره وهو يغلق الموقد....ثم اضاف والده بتذكر..
"على فكرة انا مش هبقا موجود معاكم على
الغدا النهاردة...."
ساله سليم باستغراب... "لي كده هتروح فين....."
استدار اليه والده قائلا بهدوء وهو ينزع
المريول عنه.....
"هروح ازور أمك وبعدها هروح لأسماعيل صاحبي
عازمني على الغدا...هتغدى معاه وهكمل السهرة
عنده..."
صمت سليم قليلا ينظر الى والده قبل ان يقول
بهدوء مستفسر بتريث.....
"زي ما تحب يابابا...بس انت بقيت بتتحجج كتير
بالخروج....لو مش حاسس انك مرتاح انا ممكن
اخد شقة برا.....انت عارف اني بعت الشقة بتاعتي
وفلوسها موجوده في البنك ممكن اشتري شقة
قريبة منك...."
رفض والده قائلا بنبرة جادة حانية....
"مجاش اوان الكلام ده ياسليم....انا لو مش مرتاح
هقولك هتكسف يعني....الفكرة اني بقيت بزهق
من قعدت البيت فبحب أغير جوا في شارعنا
القديم مع معرفي وصحابي...."
دخلت كيان اليهم في تلك اللحظة قائلة وهي
تبدأ في حمل الاطباق الى السفرة....
"واقفين كدا ليه...مش ناوين تفطروا....."
ثم قالت لزوجها الذي يوليها
ظهره....
"يلا ياسليم هنتأخر على الشغل...."
التف ثلاثتهما حول مائدة الإفطار بدا يأكلا
بصمت وكيان تأكل بشهية مفتوحة من طبق
الفول بالطماطم.....
قال سليم بملاطفة.....
"على مهلك محدش بيجري وراكي ياعصفورة.."
قالت كيان بعفوية محببة....
"الفول طعمة خطير....انا مش عارفه انت ازاي
مش بتاكله !..."
رد سليم بهدوء.....
"مليش تقل عليها بيتعب معدتي...كلي انتي
بالف هنا... "
اومات كيان براسها بتفهم وهي تقول
لوالده.....
"تسلم ايدك ياعمو بجد....طعمه يجنن...."
"بالف هنا ياحبيبتي.."ابتسم المستشار لها
بحنان ثم عاد الى ابنه بالحديث سائلا
باهتمام...
"واي اخبار الشغل في المكتب الجديد
ياسليم...."
رد سليم بهدوء....
"الحمدلله يابابا كله تمام....رجعنا الموكلين تاني
ومكان المكتب الجديد عنوانه أتعرف...."
ابتسم والده مستحسنًا....
"كويس ربنا يوفقكم ياولاد...."
"الحمدلله...سفرة دايمه.... "
قالها سليم وهو يمسح فمه بالمناديل ونهض
عن المقعد مهندم الحلة الرسمية الانيقة وباليد الأخرى يمسك حقيبته السوداء.....
نهضت كيان خلفه قائلة وهي تنظر الى الاطباق
على السفرة.....
"انا كمان شبعت....هلم الدنيا دي وهاجي وراك
على ما تطلع العربية من الجراچ...."
بدأت تلملم الاطباق مبتعدة الى المطبخ تبعها بعيناه
قليلا ثم عاد ينظر الى والده قائلا وهو يميل عليه مقبل يده قبل المغادرة.....
"عايز حاجة يابابا مني...."
ربت والده على كتفه قائلا برفق....
"لا ياحبيبي عايز سلمتك....خد بالك من نفسك
ومن مراتك بلاش تتكا عليها في الشغل....انت
شايف المسئوليات اللي عليها هنا...."
اوما سليم براسه مقبل قمة راس والده....انه
مثال لرجل القانون العادل في مهنته وحياته
مثال لرجلا يتمنى ان يكون عليه يومًا !...
بعد فترة قصيرة استقلت كيان السيارة بجواره
وبين يداها كوب حراري اعطته له قائلة بحنو....
"القهوة بتاعتك....قولت طالما مستعجل
اعملهالك تشربها في السكة...."
"تسلم إيدك جت في وقتها...."اخذ الكوب منها وارتشف القليل ثم أدار محرك السيارة وانطلق بعدها...
وعم بينهما صمتٍ غريب...مما جعل كيان
تنظر اليه سائلة بغرابة...
"ساكت ليه ياسليم في حاجة مضايقاك..."
رد بايجاز حانق..... "انتي...."
توسعت عيناها جافلة...وسالته ببراءة....
"اخص عليك انا عملت إيه...."
زم فمه متذمر كالاطفال.....
"ابدا.....كل يوم تهربي مني الصبح اصحى القيكي مش جمبي...."
قالت بوجنتين متوردتان فاهمة مقصدة....
"طب اعمل اي ياحبيبي مش بحضر الفطار مع باباك....."
حانت منه نظرة اليها شغوفة بها ثم عاد للطريق
معاتبًا....
"مينفعش تأجلي الفطار ده شوية....على ما اخد الاصطباحة بتاعتي....."
تملكت خفقات قلبها العالية وهي تقول
بتبرم.....
"اي المصطلح ده انت عايش في غرزة..."
قالها بجدية...... "متغيريش الموضوع..."
رمقته ببراءة كالحمل الوديع..."عايز إيه ياسولي...."
وامام براءة عيناها انهزم الغضب من جديد فقال بحرارة...."عايز اخطفك من تاني ونبعد...."
ضحكت برقة قائلة بعدم تصديق....
"اللي يسمعك يقول ان احنا مش بنقعد مع بعض
دا احنا في البيت والشغل سوا...."
رد بايجاز خشن....."مش كفاية ياعصفورة...."
قالت كيان بتوله حار......
"الرومانسية دي خطر على قلب عصفورتك...
وبعدين معاك....."
مسك يدها ورفعها الى فمه مقبلها وهو يقول
بنبرة ثائرة بالمشاعر.....
"بحبك ياكيان... بموت فيكي...عايزك تكوني أول
حاجة أفتح عيني عليها وآخر حاجة اشوفها
قبل ما أنام...."
احنت وجهها بخجلا وقالت بنبرة خاضعة
للهوى.....
"اومرك يامتر....بعد كده مش هتحرك من جمبك
غير لما أقولك...كده راضي معاليك..."
"أوي..."قالها وهو يومأ براسه وبنظرة من عيناه
أرسل لها رجفة قوية في سائر جسدها...
رجفة تؤكد كم هي عاشقة لهذا الرجل بكل
جوارحها....
.....................................................................
دلفت الى المطبخ فوجدته يقف عند الموقد يقلب
في ركوة القهوة.....
زمت شفتيها بحنق وهي تتجه الى المبرد لتخرج
منه الطعام التي ستبدأ بطهية....
مرا أكثر من أسبوعين وهما لا يتحدثا مع بعضهما
مايثير غيظها انه هو من يمتنع عن الحديث معها
مخاصمًا...وكأنها هي من اخطأت بحقه وليس هو
من خانها مع أخرى بالتحدث عن العودة والزواج
مرة أخرى....
لمدة اسبوعين كاملين تحترق على صفيح ساخن من شدة الغيرة...تتمنى ان يكون صادق في حديثه فهي
لن تتحمل طعنة أخرى منه....
التفتت إليه لتجده يسكب في الفنجان القهوة
الذي اعدها لكنه في لحظة تأوه بصوتٍ مكتوم
وهو يترك الركوة بعد الانتهاء....
"اتلسعت؟!...."
سالته وهي تقترب منه بتلقائية واهتمام...أشاح
بعسليتاه عنها رافض النظر اليها وهو يقول
باقتضاب...
"محصلش حاجة...."
قالت قمر بنظرة مترددة.....
"تحب أعملك فنجان قهوة تاني...القهوة اللي انت
عاملها من غير وش...."
رد حمزة بملامح واجمة....
"مش عايز حاجة منك...انا بشربها من غير وش.."
أوغر صدرها بالغيظ فقالت
"مش عايز حاجة مني!!..وانت كمان اللي زعلان؟!."
تافف حمزة بحنق وهو يستدير لها....
"قمر....اصطبحي وقولي ياصبح.. "
مسكت ذراعه وهي تصيح بتشنج....
"لا مش هقول ياصبح....اي الجبروت اللي انت
فيه ده...دا بدل ما تحاول تبرأ نفسك قدامي زي
ما قولت....فين المكالمة اللي قولت هتسمعهالي
كاملة....ولا كان كلام وانت فعلا عايز ترجعلها
وتجوزها...."
رمقها حمزة بعينين محتقنتان بالغضب...فقالت
هي بصدر مشتعل.....
"أكيد عايز ترجعلها مانتوا كده متحبوش غير اللي بيكرفكم واللي يبيع ويشتري فيكم.... تموته
فيه....."
جز حمزة على اسنانه محاول تحمل انفعالها عليه
فهي تطاول بالسان وباليد وفي كل مرة يكبح
غضبه باعجوبة عنها....
تحدث بهدوء يحسد عليه....
"انتي عايزة تتعاركي يعني ولا إيه....مش قولت سبني في حالي ياحمزة ومتقربش مني..اديني
عملت كده عايزة إيه تاني...."
امتقع وجهها غضبًا فصرخت بصوتٍ
عالٍ..
"عايزة أطلق.....ممكن تطلقني...."
في لحظة كان يلتصق بها حاجز خصرها بيد
والاخرى تكمكم فمها مهسهسًا بصوتٍ مهيب....
"وطي صوت أمك ده....مش عايز حد يسمع بينا.."
جحظت عيناها بغضب وهي تحاول التملص منه
بعنفوان....وعندما راها هكذا سحبها بالاجبار
الى الغرفة....
أغلق الباب عليهما ثم حررها فلكمته قمر في كتفه
بغضب هائل صائحة....
"متجبش سيرة امي على لسانك واحترم نفسك...."
القاها حمزة على الفراش بقتامة...
"مش لما تحترمي نفسك انتي الأول وتستعملي
لسانك وايدك صح....بدل مانتي طايحه بيهم عليا.."
ادارت وجهها اليها فصنع شعرها الغجري فوضى
جميلة حول وجهها المحتقن لو لم يكنا على خلاف لقال قصائد في هذا الجمال المتمرد......قالت قمر
بكراهية....
"ياسلام وعايزني اسكت لما اسمع خيانتك بوداني
ولما سألتك اكدت ما نكرتش...انا بجد عايزة أطلق
مبقتش قادرة استحمل... "
اخرج نفسًا متململا وهو يقول بجمود....
"معلش اتكي على نفسك واستحملي شوية كمان..."
اطبقت على اسنانها بقهر.....
"انت بنادم مستفز.....وجودك بقا بيعصبني..."
اردف بوجوم وعيناه تغرق بها دون
عودة.....
"وانا متجنب سيادتك الفترة دي كلها عشان
معصبش جنابك....."
نهضت من مكانها بتشنج.... "انت بتهزر؟!!..."
لوح بيده بملامح متجهمة جافية....
"انتي خليتي فيها هزار...مد ايدك ولسانك الطويل
معدش ينفع يترد عليهم بهزار...."
ابتلعت ريقها واخفت توترها وهي تتخصر
قائلة بتمرد......
"مضايق أوي من رد فعلي..بس مضايقكش اللي عرفته عنك واللي وصلني...."
رد باستهجان.... "اللي وصلك ده نص الحقيقة...."
رمقته شزرا معقبة بقرف.....
"ونص الحقيقة هو انك عرضت عليها تبقوا
مع بعد من غير جواز ؟!!...."
مسح حمزة على وجهه محاول السيطرة على
رابطة الجأش....متحدثًا بصدق....
"نص الحقيقة اني كلمتها فعلا...بس مكنتش أعرف انه رقمها....ولما بدأت ترخص نفسها قدامي هزقتها
وقفلت معاها...."
سالته قمر بتشكيك.... "والكلام اللي قولتله ليها...."
قال حمزة بوجوم مستهتر....
"كلام في الهوا....كنت قاصد اوجعها و أزلها شوية.."
قالت بكبرياء متقرح من كثرة استهتاره
بها.... "وكرامتي ومشاعري ؟!!...."
نظر حمزة لبنيتاها ليجدهما تلمعا بدموع على
وشك الإفصاح عنها الآن.....فاقترب حمزة منها
ووضع يداه على كتفها قائلا بنبرة هادئة لكنها
قوية المعاني حارة العواطف....
"مفيش حد مسهم...انتي الوحيدة اللي في قلبي..
وانتي متاكدة انا بحبك قد إيه ومش عايز غيرك.."
انسابت دموعها وهي تبادله النظرة بعدم
تصديق....فاضاف حمزة ما بخاطره....
"المكالمة كانت تصفية حسابات قديمة مش أكتر...عشان أقفل الباب في وشها نهائي وتعرف
اني لا عايزها لا في حلال ولا في حرام....."
مد يده ومسح دموعها باصابعه هامسًا بصوتٍ
أجش..
"حتى لو مش واثقة فيا اوي كده... المفروض
تكوني واثقة من نفسك ..."
اخيرًا تحدثت بضياع مؤلم....
"انت اللي هزيت ثقتي في نفسي...مبقتش فهماك
ولا فاهمة انا عايزة إيه....."
احاط خصرها بيده مقربها منه ثم مالى على اذنها
هامسًا بصوت حار يذيب الجليد عن قلوبهما....
"بس انا بقا عارف انا عايز إيه...انتي بس اللي
مش مديني فرصة ياقمراية...."
كان يود تقبيل وجنتها لكنها امتنعت بكبرياء
محتقن بالألم...فزفر حمزة باحباط وهو يحررها
من بين يداه واجمًا بالقول.....
"خليكي براحتك ياقمر...بس انا مش مسامح في
اللي بتعمليه فيا..."
خطى خطوتين نحو الباب وقبل ان يغادر من
الغرفة قال بخشونة....
"انا رايح المصنع...وعلى فكرة انا بعتلك المكالمة كاملة على الوتساب....ابقي اسمعيها كويس لو
مش مصدقاني...."
غادر وتركها تقف في منتصف الغرفة الفارغة
من حولها مجمدة الاطراف تمتلئ حدقتاها
بدموع الحسرة بينما قلبها يختلج بالخفقات
منادي الحبيب بلوعة ان يتريث ويشفق عليه...
كلما حاولت الفرار من تلك العلاقة تجد نفسها مقيدة
في اللا نهاية معه.. وكلما اوهمت نفسها بانها في يدها النجاة منه ، تستهوى العذاب في احضانه !!...
اضناني العشق يامعذبي...وفي القاع انا أسقط.....
..................................................................
تافف بحنق وهو ينزل على إدراج السلم بعد ان
علم بان المصعد في الصيانة اليوم....
أجرى اتصال بصديقة وهو يهبط على الدرج برشاقة
مرتدي طاقم شبابي أنيق مصفف شعره الأسود للخلف..ويضع عطره المفضل....فواح الرائحة..
قد وصل رذاذ العطر الى انفها بعد ان فتحت
باب الشقة تسترق النظر على السلالم بانتظار
نزوله فهذا معاده منذ أكثر من اسبوعين وهي
تراقبة على هذا النحو من بعيد تسرق النظرات
إليه من خلال شرفة الشقة...
واليوم المصعد في الصيانة كما علمت من حارس
العقار صباحًا.....وهذا انسب وقت لرؤيته ومواجهة
مشاعره نحوها....
فهو مزال يحبها...تعلم انه مستحيل ان ينساها بتلك
السرعة انه ارتبط بأخرى حتى ينساها وأكيد فشل
في هذا.....وإلا كان اخذ موقف ضدها بعد المكالمة الصوتية التي ارسلتها لزوجته....
لماذا لم تتركه وتطلب الطلاق مزالت معه...عديمة
الكرامة....تاخذ ما ليس من حقها....هو من حقها
هي حبيبها وخطيبها وقريبًا سيكون زوجها
ويتجدد الوصال بينهما رغم انف الجميع...
فتحت باب الشقة واغلقته خلفها ثم وقفت عند
الباب في كامل اناقتها وجمالها تنتظره وعطره
الفواح يسبق حضوره امام عينيها....
عندما طل امام عيناها بطلة فروسية خلابة...تراه
في عيناها المتلهفة اليه..الفارس الشجاع الذي سيأخذها على ظهر جواده ويرحل بها عن هنا
ينسيها الماضي الاليم وما تعرضا له معًا...
"حمزة..."همست باسمه بنبرة متعذبة مستنجدة
به....
رفع عيناه منتبه لوجودها أمامه مما جعل وجهه
يحمر غضبًا وعيناه تبرق بقساوة نحوها فانهى
المكالمة مع صديقة قائلا...
"خلاص ياسلطان...لما أروح هشوف الدنيا وابلغك
بالجديد....تمام سلام ياصاحبي....."
وضع الهاتف في جيب بنطالة ثم تابع طريقة
للنزول على الدرج متجاهل وجودها لعلها تجد
ذرة كرامة لديها تمنعها من اعتراض طريقة
مجددًا....
"حمزة....استنى انا بكلمك...."
توقف في مكانه والغضب يجري في عروقه كالحمم
البركانية....يود الانفجار في وجهها فهو تحمل منها
الكثير قد افسادت في السابق حياته وفضلت عليه
رجلا آخر وهي ترتدي خاتم الخطبة...
وقد تدمر حينها لفترة ليست بقصيرة وعندما بدأ يتعافى مع المرأة الوحيدة التي مالى قلبه لها بكل جوارحه بدأت مخطط جديد بافساد حياته مجددًا بعد ان وجدت اختيارها السابق دون مستوى
توقعاتها واحلامها....
المرة الأولى سمح لها بدمارة لكن الثانية لن يسمح
بهذا فـقمر تعني له الكثير وضياعها منه تلك المرة
سيكون بضياع روحه وهو يريد الحياة واقتناص
السعادة منها....فهو تعب بشدة ويريد ان يرتاح
بين احضان القمر في ليالٍ تضوي بوجودها
معه تاركه العنان لمشاعرها كي تعبر عن مدى
عشقها له..
التفت حمزة لها ناظرًا لها بعينين تبرقان بالتقزز..
ازدردت نجلاء ريقها وهي تحفز نفسها انه لن
يقاوم كثيرًا سحرها كما كان في السابق...
"ينفع نتكلم سوا....في مكان قريب من هنا..."
قال حمزة بتهكم...
"ونتكلم مع بعض بمناسبة إيه...."
قالت نجلاء بوهن.....
"بمناسبة رجوعنا ليه بتكابر ياحمزة....انا عارفة
إنك لسه بتحبني...."
التوى فمه بسخرية سوداء....
"وإيه اللي مخليكي متاكدة اوي كده...عندك اثبات
اني لسه كدة...."
نزلت دموعها محاولة التأثير عليه....
"مش معقول تكون نستني....انت قولت انك
مستحيل تنساني..."
زفر حمزة مغتاظ من تلك المخلوقة اللزجة...
"قولت....زمان قولت كده...دا قبل ما تشوهي صورتك
في عنيا واكتشف اني كنت مخدوع فيكي..."
نزلت دموعها وهي تقول بصوتٍ متهدج...
"انا اللي اتخدعت ياحمزة انت ليه مش قادر تقدر
اني كنت مضغوطة من الكل....انا مغلطش...."
نظر حمزة حوله متافف شاعرًا بسوء بالوقوف
معها هكذا.....فقال بصرامة...
"وانا مش واقف معاكي عشان أعاتبك...فات وقت
العتاب يابنت الناس...فات وقت كل حاجة صدقيني
انا مبقتش زي الاول...."
سالته بضعف ازاء نظرات عيناه...."يعني ايه...."
هتف بنظرة محتدة وبملامح جافية....
"يعني ابعدي عني...وشوفي حال سبيلك...انا لولا
انك واحدة ست انا كان هيبقا ليا تصرف تاني
معاكي....
انتي عمالة تحومي حوليا وتخربي حياتي
وانا ساكت وصابر عليكي وبقول دلوقتي تعقل
وتخلي عندها كرامة وتبعد عني وعن مراتي.."
جفلت نجلاء من طوفان الغضب الذي
عصف فجاة من حولهما...وقد شل لسانها
بمكانه وتعالت خفقات قلبها بوجع....
فتابع حمزة بنبرة نارية حازمة....
"بس توصل بيكي انك توقعي بينا وتبعتي
مكالمة كفيلة بانها تخرب حياتي وبعدها تقابليني
على السلم عادي وكأن مفيش حاجة حصلت لا وعايزه تتكلمي في رجوعنا تاني...دا اي البجاحة
دي انتي مفكرة عشان سكتلك ابقى عويل ومش عارف اوقفك عند حدك....."
رفع اصبع التحذير مهدد بصوت عنيف...
"انتي عارفة كويس اني لو حطيتك في دماغي
همشيكي من اسكندرية كلها مش من العمارة
بس فاتقي شري...وتلاشيني وكأني ما دخلتش
حياتك أصلا..... ولا انتي شايفه إيه...."
مسحت نجلاء دموعها وهي تهتف
بضغينة...
"معنى كلامك انك بتحبها...."
اشاح حمزة وجهه بعيدًا عنها مغمغمًا بكلمات
نابية....ثم عاد اليها يقول بنفاذ صبر....
"بموت فيها يانجلاء بعشقها...ومش هسمحلك
تفرقي بينا....خلي عندك شوية من الأحمر بقا
وابعدي عني..انتي زنانه ليه هو الحب بالعافية.."
توسعت عينيها بحرقة قائلة بغل....
"دلوقتي بقيت زنانه...دا انت كنت بتتمنى تـ...."
قاطعها قائلا بملل قبل ان يغادر....
"كُنت...والله كُنت دلوقتي مبقتيش تستعنيني..ولا
تفرقي معايا....صباحك زي وشك سلام...."
شعرت نجلاء بمرارة الهزيمة وهي تراه يبتعد عنها
ببساطه متسرب من بين قبضة يدها مما جعلها
تهدر بتهور....
"وربنا ما هسيبك ليها....هشوهلك وش
أمها عشان متعرفش تبص في وشها تانـ..."
توقف حمزة مكانه على الدرج شاعر بطعنة
غدر تخترق ظهره فور نطقها بما أمَرَّ من
الموت عنده...
عاد اليها في لمح البصر قبض على عنقها دافع
ظهرها الى باب شقتها المغلق....وبعسليتان مشتعلتان
بالخطر هسهس امام وجهها المرتعب....
"ورحمة امي كلمة كمان وهبلعك لسانك....انتي هبلة
يابت اقسم بالله لو فكرتي تلمسي شعره واحده منها
لتكون نهايتك على ايدي....."
رغم الخوف قالت بتملك...
"اللي يرشني بالماية ارش بالدم...انت بتاعي انا
ملكي حبيب انا....."

الحب  أولاحيث تعيش القصص. اكتشف الآن