قطع حمزة المسافات بينهما ووقف امامها يواجهها بعيناه الضارية سائلاً إياها بهدوء ماقبل
العاصفة..... "كنتي فين......"
قالت بغصة مختنقة.......
"في المكتب......كان عندنا شغل كتير و... "
"وكمان كدابة........"
صوت الصفعة التي تلقتها على وجنتها اخترقت الصمت من حولهما فتسمرت الفتيات بصدمة متسعين الأعين......حتى هرولت شهد نحو اختها شاهقة بخوف عليها......تخبئها في احضانها خوفاً من
بطش اخيها مجدداً......كذلك اقتربت قمر تقف
جوار كيان تدعمها وهي ترمق حمزة بازدراء...
فمن قال انه لا يضرب النساء...يصفع اخته
بمنتهى القسوة معرضها للمهانة أمامهم...........
صاح حمزة غاضباً وهو يقلب عيناه
بصرامة بين شقيقتيه......
"أختك اللي اتفاقتي معاها تغطي عليكي... لم
اتأخرتي قالت انك روحتي عيد ميلاد واحده صاحبتك.........الكلام ده صح....ولا بتداري
عليكي في حاجة تانيه........"
نظرت كيان لشهد مستفسرة بعينيها فأومات شهد برأسها في الخفاء.... فعادت كيان لعينا اخيها
العاصفة واكدت ويدها مزالت تخفي وجنتها
الملتهبة والتي رسم عليها اصابعه ببراعة......
"أيوا......."
سالها بضراوة غير متهاون.....
"وليه مقولتليش........مش مالي عينك......."
تلجلجت وهي تقول.......
"مكنتش هترضى عشان صاحبتي عملى الحفلة
في فندق......."
رفع حاجباه بعضبٍ هائل.....
"فقررتي تروحي من ورايا مش كده......"
لم ترد وكذلك فعلت شهد....اما قمر فظلت تتابع
بصمت فكان غضبه مهيباً قد لجمها.....
صاح حمزة مقهوراً من افعالهن المستجدة عليه....
فلم يكونوا متمردين هكذا عليه....لماذا الجام
فلت من بين يداه وأصبحت كل فرسة منهن جامحة متمردة تتحداه دون حديث.....تفعل دون الرجوع
اليه........وكأنهما احرار ولم يكونوا يوماً الأقرب
لبعضهم.......
"مفيش حد فيكم مقدرني.....اختي الكبيرة العاقلة مشت اللي في دماغها وراحت اشتغلت في بيت عاصم الصاوي....والتانيه رجعالي من حفلة في
فندق....والكبيرة بداري عليها وبتكدب عليا...في اي تاني مخبينوا عني.......انا ***بنسبلكم.....صح....."
ابعدت شهد اختها عنها برفق واقتربت من اخيها
محاولة تهدأته.......
"حمزة.........أهدى....عشان خاطري......احنا غلطنا... بس صدقني للضروره أحكام.......واحنا مش بنعمل حاجة غلط..... اختك راحت عيد ميلاد صاحبتها ورجعت الساعة تمانية........مفهاش حاجة..... "
ابتسم هازئاً....
"مفهاش حاجة صح....."ثم نظر الى كيان بقسوة
واقترب منها بملامح متصلبة ثم قبض على
ذراعها هاتفاً بفحيح مهيباً........بينما عيناه
تقدح شراراً نحوها........
" بعد كده الخروج ليكي انتي بذات هيكون بحساب.....وبنسبة لشغلك.....انا اللي هوصلك وهجيبك منه......معنتيش هتخرجي تاني غير معايا....وهترجعي برضو معايا..... سااامعه....."
لكزها في كتفها بقوة...
حاولت كيان التملص من بين قبضته القوية
وهي تئن متألمة........
"ساامعه حاضر.........ساامعه......."
القى عليها نظرة مزدية ثم دفعها بعيداً
عنه.....
"غوري في داهية على اوضتك........مش عايز
اشوف وشك....... "
بالفعل اتجهت الى غرفتها الخاصة واغلقت الباب عليها متجاهلة مبيت قمر بها....فهي تريدها اليوم
حتى لا ينكشف أمرها امام اختها وتعرف ماذا
حدث في الحفلة......وماذا شربت.........
ضربت كيان على وجنتيها وهي تسب نفسها
بأقذع الشتائم......فبسبب غباءها......جعلت
الجميع ينظر لها بازدراء..... ويضعها في
خانة الشك.......قد خيبة امال الجميع
وهي اولهم.........
.....................................................................
توقفت عن الذهاب للمكتب لمدة أسبوع......مكتفية
بالانعزال في غرفتها.....وعدم التحدث مع حمزة
الذي مزال منزعج منها يتجاهل وجودها....
كانت تصر شهد كل صباح عليها ان تذهب الى المكتب وتباشر عملها.....فهي في السابق سعت
لها بشدة مستغلية معرفتها ببعض الزبائن الأثرياء
حتى تجلب لها منهن وسيطاً يُمكنها من دخول
مكتب (سليم الجندي....) والعمل معه.....
لكن رغم الحاح شهد كانت كيان تتحجج بتعب.......أتصل بها سليم خلال الاسبوع اكثر من مرة....وكل مرة ترد بحجة جديدة هروباً من مواجهته بعد هذايانها المخزي في الحفل....
لا تتذكر بضبط ماقالته لكنها تعرف انها قالت أشياء
تكره التحدث بها بينها حتى وبين نفسها ؟!...
في صباح يوماً جديد قررت الذهاب الى المكتب وحضرت أمس ورقة الاستقالة واخفتها في
حقيبتها.....لم تخبر أحد بهذا القرار......حتى لا تكثر
الشكوك والاسئلة حولها......فمن الغبي الذي يستقيل من مكتب مشهور ، ويفر من محامي ناجح
كسليم الجندي.........
لها أسبابها الخاصة......وهي تريد ان تلحق نفسها قبل
ان تنغرس أكثر به........ويستحوذ هو عليها..... كحالة
مع كل أمرأه تقع عينيها عليه.........
أوصلها حمزة بسيارته امام العمارة القابع بها المكتب......ولم يتحدث كلمة واحدة طوال
الطريق....وحتى عندما ترجلت من السيارة
متجهة الى المصعد واستقلت به... انطلق هو
بسيارته بعنف معبرٍ....
بداخل المصعد تجمعة غمامة من الدموع في
مقلتاها محجبة عنها الرؤية فانحنت براسها
منهزمة تجش من البكاء وحلقها يموج بحزنٍ
مرير ، كوردة مائلة......أهمل الجميع وجودها
في موسم الربيع ؟!......
....................................................................
أطرقت على باب مكتبة فسمح لها بالدخول وهو جالس خلف مكتبة ينتظرها بعينين ثاقبتين متلهفتين لرؤيتها.......فلأول مرة منذ ان توظفة هنا ان تبتعد
عنه بهذا القدر.....فكم أشتاق.......وكم مولع برؤيتها
الآن.....
عندما ابصرها واصبحت تحت سطوة عيناه عقد
حاجباه وهو يراها كم كانت باهتة النظرات....حزينة
الملامح.......بعينين حمراوين........وجسد هزيل من
الحزن..........
لم يتحرك من مكانه بل انتظر....أنتظرها بصبر السبعة
أيام الماضية دونها.....
اقتربت كيان منه بخطوات مستقيمة.....حتى وقفت
امام المكتب وانحنت تضع امامه تلك الورقة البيضاء المطوية.......
وقد خانتها عيناها عند تلك الانحاءه ونظرت اليه عن قرب.....فرأت عيناه كانت تنتظرها وألف قصائد من العتاب تسايرها........فبلعت ريقها بتوتر وهي تستقيم
واقفة.........
نظر سليم للورقة سائلاً اياها دون ان تحيد عيناه عنها.......
"اي دا ياكيان........"
قالت بشجاعة...... "استقالتي يا استاذ........."
نظر لها بقوة ورمش بعيناه متسائلاً....
فتمسكت بتلك الجسارة داخلها وهي تواجهه
خزيها بقوة........
"مينفعش افضل بعد اللي حصل.... أرجوك ياستاذ
اقبل استقالتي......."
اتقصد العناق ؟!.... هذا العناق الذي لا ينتمي للحميمية بصلة بل كان احتواء.... ظن انها بحاجة
أليه ففعلة في لحظة تهور منه..... لكن بعد ان أرتاح على كتفها علم انه هو الظمأءٍ لهذا الدفء الانثوي
....والاحتواء الفطري التي تتمتع به......
يقسم داخله انه لم يستشعر يوماً في احضان ايتن
بهذه المشاعر النادرة، بل كان كل ملامسة بينهما تنقلب لرغبة اجساد جامحة.......
مسك سليم الورقة ودون ان يفتحها قطعها امام
عينيها الحزينتين التي اتسعت بعد ثواني بذهولاً
هاتفه.......
"اي اللي بتعملوا دا يا استاذ........."
قال وعيناه تكتسحان ككلماته...
"كيان....انا نسيت اللي حصل في الحفلة...ولازم
انتي كمان تنسيه........."
اسبلت اهدابها مذعنة بينما قالت بحرج
شديد...
"اكدب عليك لو قولتلك اني هقدر انسى...وهكون كدابة اكتر لو قولت اني فاكرة كل حاجة حصلت....."
ثم اخرجت تنهيدة ثقيلة على صدرها
وقالت بحرج......
"بس مينفعش اكمل ياستاذ كده أحسن......"
لانت نظراته قليلاً قائلاً من اعماقة....
"انا محتاجك ياكيان......."
رفعت وجهها اكثر مشدوهة.....فانتبه هو
لتلك الجملة العفوية و التي تحمل معنى
واحد فقط......فصحح مغمغماً......
"محتاجك في المكتب.......والاستقالة مرفوضة..."
هزت كيان راسها وهي تقول
بوجوم....
"يا استاذ اسمعني........"
قاطعها سليم بخشونة هاتفاً.....
"أنسي اللي حصل ياكيان.....وخليكي......اتفقنا....."
رفضت عرضة السخي بصرامة.....
"انا مصممة على الاستقالة....انا اسفة مش هقدر اكمل هنا........"
زم سليم شفتيه متعجباً بينما قال
بعنجهية.....
"مفيش حد عاقل يرفض يشتغل معايا......"
قالت بجزع.....
"قدرني مجنونة.......واقبل استقالتي......."
سالها سليم بفظاظة.....
"طالما اعصابك تعبانه اوي كده.....اي اللي جابك..."
إجابة بنظرة باردة.....
"عشان اقدم استقالتي اللي انت قطعتها....."
"هو ده بس اللي جابك......"سالها ببحة خاصة اوصلت الرجفة لجسدها فتلجلجت سائلة
"تقصد إيه......."
هز راسه نافراً...... "ولا حاجة......."ثم مسك احد الملفات وادعى الانشغال بها وهو يقول بحزم....
"اعتبريني موافق على الاستقالة مبدايا.....لحد
ماجيب محامية شاطرة او سكرتيرة تشيل الشغل
مكانك........"
سالته بتردد... "والموضوع ده هيطول يا استاذ....."
مط سليم شفتيه بعدم إهتمام.....
"على حسب...ممكن شهر.... اتنين....لحد مالاقي...."
قالت كيان سريعاً....
"مش هينفع يااستاذ....انا اخري الشهر ده وهمشي...."
رفع عيناه عليها بقوة.....
"شكلك شوفتي مكان جديد......"
اومات برأسها مجيبة ببساطه....
"أيوا بصراحة....هشتغل مع نائل زميلي....في مكتب المحامي خليل السواح.........."
نهض عن مقعده وتخطى المسافة بينهما... قائلاً بملامح تنذر بالشر.....
"آآه نائل........قولتيلي......هو انتوا بتكلموا......"
ترجعت كيان تلقائياً للخلف وهي ترمش بعينيها
عدة مرات متوجسة من هجومة المفاجئ........
"ودا يخصك في ايه يا استاذ......."
وقف مكانه بعد ردها وأشار على الباب بنفاذ
صبر.... "على مكتبك ياكيان........"
قالت بأسلوب استفزه اكثر من السابق....
"تمام بس انا اخري معاك الشهر ده......وهمشي..
فحاول تلحق تجيب حد يشيل الشغل مكاني...."
اشار لها مجدداً بتحذير فهو أصبح على حافة التهور... "على مكتبك ياكيان....على مكتبك....."
لوحت بيدها بتمرد.... "انت بتزعق كدا ليه......"
قطع المسافة بينهما فواجهها بعينين عاصفتين
بينما صدره تضخم من شدة الغضب والغيرة......
هتف من بين اسنانه المطبق عليها بقوة....
" متستفزنيش كيان......"
نظرت اليه بخوف بينما صدرها كان يرتفع
وينخفض من شدة الانفعال....
"بستفزك بأيه مش فاهمة........"
مالى عليها براسه صارخاً باسمها بسطوة
مفجعة... "كــيــااااااان........"
فاغمضت عينيها مرتعبة منه....هامسة بضعف....
"آسفه.....آسفة خلاص........"
لم يحتاج الأمر منه أكثر من دقيقتين حتى
انسحب ثم اولاها ظهره قائلاً بصوتٍ متحشرج
من شدة الانفعال..... "اخرجي....اخرجي ياكيان......."
اومات براسها بخوف وهي تركض على الباب المفتوح لتجد نفسها ترتطم بشاب ذات عطر
قوي ....رفعت فيروزيتاها عليه...لتجده
يبتسم لها قائلاً بعبث.....
"خدي بالك ياقطة........"
استدارت تنظر الى سليم العاصف فوجدته يشير
لها بعيناه ان تخرج....ففعلت متجاهلة الرد على
هذا الزج......
استقبله سليم بملامح
واجمة.....
"خير ياشادي اي اللي جابك......"
دخل شادي المكتب وتخطاه ثم جلس على
الاريكة بصلف قائلاً بسماجة........
"اي الاستقبال ده... دا انا أول مرة حتى اجي
مكتبك........"
رد سليم بملل وهو يمسح على وجهه
بكفه....
"جاي لي ياشادي..... أخلص عشان عندي شغل
في المحكمة كمان نص ساعة........"
ابتسم شادي بعبث قائلاً بلهجة لعوبة.....
"اوكي... روح المحكمة وخلص شغلك وانا هستناك
هنا.... مش السكرتيرة هتفضل برضو هنا....."
جز سليم على اسنانه والغضب يتفاقم داخله
كمن يحترق على صفيح ساخن......
"شادي.... كيان محامية تحت التدريب وبتروح معايا
المشاوير اللي زي دي....... انت بقا عايزة إيه....."
رد شادي بابتسامة سميكة......
"انا جايلك في قضية كبيرة تخص والد واحد صاحبي.... وانا بصرحة شكرت فيك وقولت انك الوحيد اللي هطلعه من القضية دي....."
جلس سليم على المقعد المجاور للاريكة متسائلا ببرود..... "نوعها اي القضية دي......"
رد شادي ببساطه....... "مخدرات......"
أفصح سليم برفضٍ تام......
"انا مبشتغلش في قضايا مشبوهة.....انا محامي وليه اسمي....دور على غيري ياشادي......"
"مفيش مشكلة....القضايا كتير.....وانا لازم انفعك...
مش يمكن اكون السبب في اني اشهر المحاميه
القمر اللي قاعده برا دي........"كان غليظ بطريقة استفزت سليم اكثر من الازم مما جعله يهدر بنفاذ صبر عليه...
"شادي.....كيان خط أحمر......."
ضحك شادي بلؤم وهو يقول
ساخراً....
"غريبه......ايتن خط أحمر..... وكيان خط أحمر....
هو انت كل الستات اللي حوليك خط أحمر ولا
إيه....أرحم ياسليم....احنا كمان لينا نفس ندوق..."
اندفع الغضب داخله دفعة واحده فسحبه
من ياقة قميصة وجذبة إليه قائلاً بصوتٍ
أشبه بزئير الأسد.......
"انت عارف لولا انك في مكتبي.....انا كنت عملت فيك إيه........."
اهتزت حدقتي شادي بخوف ولم يقدر على السؤال فتابع سليم بعينين غاضبتين...مستهينتين......
"حظك حلو اني خايف على شكلي وسمعتي قدام
الناس....اخرج برا.......برا.........."
دفعه بقوة بعيداً عنه....فعدل شادي قميصة متوعدا
له.......بينما هدر سليم ينادي عليها بقوة.....
"كيااااان........"
اتت كيان مهرولة بقلبٍ مزعور...ووقفت امامه
شاحبة الوجه بوجل.......
فاشار لها بان تجلب له أحد كتب القانون من
المكتبه الواقفة جوارها..ففعلت بحاجب معقود
وفم فاغر....كل هذا الصراخ لأجل كتاب !!....
بينما على الناحية الأخرى أشار هو لشادي بصرامة
بأن يخرج......بعد ان ضمن تواجدها امام عيناه.....
.....................................................................
كانت تسير في شارع الصاوي في طريقها للمطعم
بعد ان جلبت بعض المنتجات الغذائية التي ستحتاجها أليوم......
واثناء طريقها انتبهت لمشادة كلامية بين سيدة عجوزة بائعة خضار على الرصيف وبين المدعو (مرعي...)
تاففت في سرها مستغفرة الله ثم أسبلت
هدابها متجاهلة الأمر..........
لكن بكاء السيدة أوجاع قلبها واشعل الدماء في عروقها...خصوصاً وسيدة تبكي وتقسم بانها ليس
معها إلا ثمن الخبز لصغارها.....
والمدعو (مرعي..)يهددها بمنتهى الجحود بان يلقى فرشتها خارج الشارع ويمنعها من الدخول لهنا
وكاننا عودنا لزمن النبوت وفتوة الحي...والافتراء
على الغلابة أصبح من شيم القوة والسلطة لديهم........
جزت على اسنانها وهي تعود ادراجها إليه....ثم
وقفت امامه تسأله بهدوء.....
"في اي بتزعق للست كدا ليه....مابراحة دي قد أمك......"
لوح مرعي لشهد بيده وهو يرمقها شزراً.....
"ماتخليكي في حالك ياست شهد......وبلاش تدخلي نفسك في مشاكل انتي في غنى عنها......"
بكت السيدة العجوز والتي ترتدي عباءة سوداء ووشاح رأس مماثل لها....كانت نحيفة الجسد قصيرة القامة....... التجعيد تملئ وجه شاب من كثرة الهموم والفقر........
صرخ مرعي فيها قائلاً باسلوب بذيئ...
"ما تبطلي كهن يامرا....ودفعي اللي عليكي ماهي مش تكيه ابوكم.......المكان اللي واقفه فيها يخصني
وانا خليتك تقفي فيه تسترزقي وانا كمان استرزق
هتبوقي وتتكهني....قسما بالله اجبلك الخضار دا
كله على الأرض.......وهتدفعي برضو.... "
قالت السيدة باكية وهي تمد له يدها
بمبلغ زهيد....
"والله يابني ما جمعت اللي دول......."
نظر للأوراق المهترية بيدها ثم صاح
بجحود...
"يعمل اي دول..... دا ميجبوش علبة سجاير...."
قالت السيدة بحسرة وهي تنظر لفرشتها....
"وانت شايفني فرشة ووقفه بأيه يابني....دا
خس وجرجير وكزبرة.....ابوس إيدك يتاخد دول
يا تفوت النهاردة وانا والله هجبلك فلوسك
بكرة......."
"بقا كده؟!.... يبقا انتي بقا اللي جبتيه لنفسك......."
مالى مرعي على الخضار ينوي طرحه أرضا.....لكن شهد وقفت امامه تمنع الخراب ببسالة وبنظرة
حاسمة.......
"استنى.......انا هديك الفلوس........."
توقف مرعي وهو ينظر اليها بحاجب
مرفوع...
"قد القول..... ولا اي كلام........"
زفرة شهد بقرف وهي تسأله بحنق
شديد....
"اخلص عايز كام......."
اخبرها بالمبالغ الذي يريده فاخرجت من محفظتها عدة أوراق مالية واعطاتها له قائلة بازدراء.....
"اتفضل وياريت تبعد عن الست وتسبها تسترزق.. خلي في عينك حصوة ملح ياخي........."
ابتسم من زاوية واحدة قائلاً بجشاعة....
"عنيه ليكي ياست شهد انتي تأمري....بس شكل الآشية بقت معدن....والبلية لعبت معاكي....."
ارتدت شهد القناع الحازم وهي تقول
بصرامة.......
"ميخصكش.........ورينا عرض كتافك......"
"ماشي مصيرنا نتقابل تاني...هنروح من بعض فين........"قالها وهو يبتعد عن ابصارها بمنتهى
الثقة والغرور.......يمشي مشيت المفتخر
بذنوبة.......
مسحت السيدة دموعها ونظرت لشهد بامتنان..
"كتر خيرك يابنتي.......ان شآء الله لما أبيع
الخضار دا هردهملك........."
"سيبك من دا كله...وقوليلي اي الخضار الأخضر
الحلو ده.....شكله صابح....."قالتها شهد وهي
تنحني على الخضرة لتاخذ ما تريده.....
قالت السيدة وهي تجلس امام
فرشتها البسيطه.....
"أيوا والله بجيبوا كل يوم صابح......."
أخذت شهد ما تحتاجة ثم استقامت واقفه
تقول..... "طب انا هاخد دول...حسابهم كام......."
ضربت السيدة على صدرها شاهقة.....
"ياخبر.....بعد اللي عملتيه.....مش عايزة حاجة دول
عشانك ولو انهم أقل بكتير من اللي دفعتيه......"
قالت شهد بامتناع وهي تخرج من محفظتها
عدة ورقات مالية.......
"لا طبعاً الشغل شغل....خدي دول......."
اخذتهم منه السيدة باستحياء.....
"بس دول اكتر من تمن الخضار......."
اهدتها شهد إبتسامة رقيقة.....
"بتمنهم.......صباحك ورد........."
ابتعدت فدعت لها السيدة بمحبة.......
"صباحك فل وياسمين.....ربنا يجبر بخاطرك ربنا يسعدك....وينصرك على مين يعديكي........"
عندما وصلت المطعم دخلت المطبخ سريعاً ووضعت
الاكياس على الرخامة بعصبية.....
فنظرت لها خلود بتعجب.....
"مالك جايه قلبه بوزك كدا ليه........في حاجه حصلت......"
رفعت شهد شعرها للأعلى بعنف....
"الزفت اللي اسمه مرعي...مش ناوي يجبها لبر..."
سالتها خلود بتعجب.......
"ماله ومالك....ماهو بياخد اللي هو عاوزه....
عايزة اي تاني..."
تحركت شفتي شهد بشراسة.....
"ماهو عشان بياخد اللي هو عاوزة سايق فيها..."
مطت خلود شفتيها بعدم فهم.... "عملك إيه؟....."
هزت شهد راسها وهي تسرد الموقف
ممتعضة الشفاة...
"مش انا ياخلود...قعد يرزاي في ست غلبانه فرشة بشوية جرجير في الشارع...راسه والف سيف يرمي حاجتها في الشارع.......قال ايه مدفعتش تمن وقفتها.... "برقة شهد بعينيها بشراسة
مضيفة.......
"وهو مال اهل..... مالك الشارع واحنا منعرفش....."
سالته خلود بحذر..... "اوعي تكوني ادخلتي......"
اومات شهد برأسها ببسالة......
"طبعاً ادخلت.....الست صعبت عليا...مقدرتش امشي
وسيبها مذلولة لكلب زي ده....خصوصاً اني اقدر اساعدها........."
عقبت خلود بسخرية......
"وطبعاً خدتي البطولة ورحتي دفعتي الفلوس
من جيبك......."
تعجبت شهد من هذا التعقيب المعاتب في
نفس الوقت........
"امال عايزاني اعمل اي ياخلود...ست غلبانه هيرمي
فرشتها في الشارع....هو احنا قلبنا بقا حجر كدا ليه......"
قالت خلود بالامبالاة.....
"الحياة بقت صعبة وكله بقا بياكل في كله...."
انحنت شهد بكفها على الرخامة تقول
مفكرة بجدية.......
"مش مبرر.......انا عايزه احكي لعاصم على اللي بيحصل اهو يتصرف هو وكبار الشارع...ويلموا
الواد ده.......حرام اللي بيحصل ده والله..طب
احنا معانا ندفع غيرنا مش معاه يعمل إيه......."
اجابتها خلود باستهانه.....
"ميعملش حاجة يشوفله مكان تاني يفرش فيه...."
هزت شهد راسها مستهجنة......
"اهو نظام نفسي نفسي ده....هو اللي مخلي واحد
زي ده يتنطط علينا....لو كلنا حطينا ايدينا في ايدينا
بعض هيحرم يبلطج علينا......"
حذرتها خلود قائلة بالهجة خطِرة.......
"شهد احنا مش عايزين مشاكل خافي على اكل عيشك....واياكي تقولي حاجة لعاصم....الدنيا هتولع
في الشارع من تاني...وانتي أول واحده هتتاخدي في رجلين لانك فتنتي عليه......اتقي شر مرعي دا
ابن حرام وملوش عزيز ولا غالي........."
اصرت شهد بعناد.....
"انا برضو مش هرتاح غير لما اجيب مناخيره
الأرض انا مش عجبني اللي بيحصل ده....دا ظلم......"
زفرة خلود مستغفرة ثم اخبرتها بقلة
صبر........
"مين بيرضى الظلم ياشهد...محدش راضي عن عمايله المهببه.... بس اللي زي دول لو وقفتي قصادهم قولي على روحك يارحمن يارحيم...."
قالت شهد بشجاعة....
"ومين قالك اني خايفه منه......."
قالت خلود بوجوم......
"بلاش تخافي على نفسك...خافي على اكل عيشك...
عليا وعلى جوزي والبنات الصغيرة اللي شغاله معاكي
خافي على أخوكي........"
عند تلك النقطة تاففت شهد منزعجة وهي تغلق جفنيها لثانيتين ثم نظرة اليها قائلة بجزع....
"اقفلي على السيرة دي ياخلود.......وخلينا نركز
في شغلنا......."
تنفسة خلود الصعداء وهي تخبرها بنبرة
عادية......
"عين العقل......... اسمعي بقا ... في خمس اوردرات اتصله ورا بعض....... عايزين اي بقا ياستي.......
....................................................................
كانت تتنقل بين طاولة وأخرى توصل الطلبات
لزبائن المطعم...........
كانت تتحرك بحيوية ترتدي تنورة طويلةٍ سوداء
وكنزة صيفية انيقة وفوقها المريول..........ترفع
شعرها للأعلى بفوضوية محببة للأعين بينما
تتناثر الغرة بنعومة وتغطي جبهتها بدلالٍ.....
كان يذيع الراديو حينها أغنية رائعة تتماشى بشدة
مع نشاط حركاتها المبهجة.........
(سألته هل داء الولع كان الجواب صدّه
ساق الدلال ساق الدلع مفاتيح هواه صدّوا
ومشيت أوشوش في الودع ولا جاني ليه ردّه
اللي فتح باب الوجع واجب عليه ردّه...)
( يالا ويا لالا ويا لالا يالا ويالا لِلّي
يالا ويا لالا ويا لالا يالا ويالا لِلّي...)
وضعت شهد الاطباق وهي تلقي ابتسامة مشرقة لزبائنها....فدخل من باب المطعم عاصم..والذي كان
عابس الوجه يستحلف لها بان يقتص منها كل
ما تفعله به.........وخصوصاً الحيرة في فهمها....
رفعت عسليتاها عليه وعندما ابصرته خفق قلبها
بشدة وهي تخصه بإبتسامة دافئة مشرقة ملكاً له واحدُ.....سرعان ما تبدل حالة ولان قلبه اليها ولوهلة نسى مالشيء الذي كان يغضبهُ منها منذ لحظات.......
هل تلك الجميلة صاحبة العيون العسلية المتلألأة
تستحق عناء العتاب....يالك من جلف؟!......
دوى صوت المذياع من جديد والعيون متعانقة
بألق عاطفياً............بينما القلوب تحترق
صَبَابَة.....
(بعيونه بضرب مية مثل أول ما بيطلّوا
دَوقّته من طعم الغَزَل دوقّني من ذلّه
وبحبه أنا مهما حصل طب مين بقي يقول له
ماهو لو حبيبك كان عسل متخلّصوش كلّه....)
ظلت واقفه جانباً بانتظاره حتى قطع المسافات هو بخطى ثابته نحوها....وعندما وقف امامه نظر لها
بضيق......
"اي اللي عملتي امبارح دا ياشهد......."
تاملت ملامحه العابسة ولحيته الحالكة....
وعيناه المظلم بالدفء ؟!....فبلعت ريقها وهي
تبحث عن صوتها امام هيبة حضوره.........
"طب صباح الخير الأول....مالك مضايق كدا ليه...."
رد قاطعاً........ "منك....."
رمشت جافلة للحظات....... "انا ؟!.... لي كده......."
اغمض عيناه زافراً ثم عاد اليها كاظم
الغيظ.........
"اي حكاية فلوس الايجار اللي ادتيه للحاجة....هو مش الشغل دا بينا....بدخلي الحاجة نصرة فيه
ليه...."
قالت شهد مختصرة.....
"ببساطه لانك مش راضي تاخد فلوس الإيجار......"
رفع حاجب ضارياً...... "تقومي تدهولها........"
بملامح ثابته اوضحة وجهة نظرها.....
"الشغل شغل ياعاصم....وطالما انا متحرجتش وخدت حقي بعد ماليوم خلص....انت كمان متتحرجش تاخد مني إيجار المطعم........"
زمجر عاصم..... "حد قالك اني محتاج......."
بهت وجهها في لحظة وسالته......
"قصدك اننا اللي محتاجة...عشان كده خدت حقي.."
قال بثبات انفعاليّ....."انت لسه قايله حقك......."
ردت بصلابة......"وفلوس الايجار حقك انت كمان......."
تافف عاصم بحنق شديد.....
"انا تعبت معاكي مبقتش فهمك ياشــهــد......"
خفق قلبها بشدة مع سماع اسمها بايقاع يطرب
مشاعرها........
ومع ذلك عقدة ساعديها امام صدرها وبدت في
أوج الهدوء وهي تخبره.....
"انا اللي مش فاهمه اي اللي مضايقك......مفهاش حاجة خالص لو اتعملنا في الشغل كده.....ملهاش
علاقة باي حاجة في دماغك......."
سالها متزمراً....... "واي هو اللي في دماغي......."
بعفوية إجابة........ "انا......"
نظر لها بقوة وقد اشتعلت وجنتيها بعد ردها السخيف......لكنه لم يمهل عقلها فرصةٍ للتبرير فأكد بنظرة مهيمنة........"كويس انك عارفة......."
رمشت عدت مرات وهي تهرب من عيناه القوية ولكن ازدادت سلطة نظراته عليها فسالته بنبرة مهتزة.....
"بتبصلي كدا ليه......."
رد بلهجة خطِرة..... "عايز اتكلم معاكي........"
نظرة للمطعم الذي يعج بالزبائن والتي بدأت تركز معاهما بعد تعابير وجوههما ونظراتهما المعبرة كذلك.....
"ينفع اخر النهار بعد الشغل......"
هز عاصم راسه غير مرحب بالفكرة......
"اخوكي هيكون هنا...ولي عايز اكلمك فيه مش عايز
حد يسمعه غيرنا....على الاقل دلوقتي......"
سيطر الفضول عليها لذا قالت مقترحة...
"تحب نتكلم دلوقتي......."
رفض قائلاً بخشونة.......
"هعدي عليكي كمان ساعة.....في نفس المكان اللي
بنتقابل فيه......."
قالت سريعا...... "هسبقك على هناك.........."
اوما لها بالموافقة وهو يتعمق في كهرمان
عينيها........ثم اخبره بعيون مداعبة.......
"صحيح.........صباحك زي الشهد......ياشـهـد......."
ابتعد مغادراً المكان تارك قلبها يشتعل في حضورة
ويحترق في بعاده.......فأين الخلاص منك ياسيدي..
.......................................................................
جلست على أحد الصخور الحجرية الموجوده على سطح البحر من ناحية اليابسة........
مدت يدها في الماء وحركتها على مهل وهي شاردة في جمال الكون....وابداع الخالق........والماء يداعب
يديها ويعانقها على مهل...........
بينما الجلوس امام زُرقة المياء يصفي ذهنها ويريح
بالها قليلاً وكانها في مكانها المناسب..........اغمضت عينيها تاركه احساسها يعلو فوق السحب.....وصورة الوسيم ذات الحضور المهيب والاهتمام الحاني..... ونظراته الدافئة نحوها.... تحرك مشاعرها الى المجهول.......
تستشعر انها تغرق معه....ومع ذلك سعيدة....بل لولا
انها نست كيف تعبر عن سعادتها لكانت فعلت....
انها نست كيف تكون السعادة.....لكنها تشعر بها معه...
وحتى ان فشلت في التعبير عن مايجول بخاطرها
هي تشعر انها تلامس نجمة من السماء معه.....
لكن الماضي....والدها ....إلهام.....الانتكاسات الكبرى التي حصلت من خلفهما.......كيف ستتخطاها....
هي وشقيقيها.........
وحالياً..... شقيقة الهام رُفيدة طليقة عاصم......كيف
ستتخطى هذا الأمر.....وقد رأت في عينيها بصورة
صريحة انها لا تنوي خيراً........
وماذا عن خطط المستقبل.....احلامها...ما تطمع اليه وتود الوصل له...الاستقلال.... البعد عن كنف الرجال من جبروة وجحود وقسوة تظلل قلوبهم...........
اين ذهبت.....المشاعر تأرجح قرارتها يميناً ويساراً
وأصبحت ضائعة....... مشتته.........تاركه نفسها
للاحداث تحركها دون ان تبدي قراراً قاطعاً
بها.....
"اتأخرت عليكي....."
اتى صوت عاصم ليطفئ نيران افكارها....ويشعل نيران مشاعرها.......فنظرة اليه بصمت وعادت تتلبسها
تلك المرأه الكارهة للحياة ، الفظة مع بني آدم....
"خير كنت عايزني في إيه......."
انعقد حاجبي عاصم سريعاً معقبا
بارتياب...
"سؤال بس...... هو انتي ملبوسة......."
"إيه......"اتسعت عينا شهد نحوه
بصدمة....فاكد هو بوجوم.....
"انتي مش طبيعيه ياشهد.......مش طبيعية....."
احتدت نظراتها عليه..... "قصدك اني مجنونة....."
رد بفظاظة عليها....
"ياريت كانوا جلستين كهربا فوقوكي....."
"انا ماشية......" تزمرت بمنتهى الانفعال وكادت ان تنهض من مكانها.....لولا يد عاصم التي قبضة على
معصمها تمنع تحركها بينما هو يخبرها بعنف
ونظرات متوهجة.........
"قعدي هنا..........اسمعي ياللي لحد دلوقتي مش
فاهم فيكي غير أسمك......كلك كلكيع ومش مفهومه
ومع ذلك عجباني.....إزاي بقا معرفش...تقريباً الواحد قُرب الاربعين مخه بيسيح .........زي مابيقوله كده شاب وخاب.....وانا شِبت وخِبت....وعايز اتجوزك.....
يامجنونة....."
تسمرت مكانها كتمثال مجسم لا تبدي اية ردة فعل...
فقط حدقتيها تهتز باتساع جفنيها أكثر... تنظر اليه بعينين غير مستوعبتين... غاضبتين...مرتبكتين
وعندما طالت نظراتها الممزوجة بمشاعر عديدة
سألها ببطئ......بينما عيناه تجري على تعابير
وجهها الصريح.......
"بتصيلي كدا ليه........ موافقة......."
هزت راسها بسرعة... "لا......."
لم يبدو عليه الانزعاج من ردها المتسرع وكانه
فهم حالة العِته التي تزورها بين الحين
والآخر.......
"كنت متأكد انك هتقوليها...... قلبك حجر.... لا
ليه ؟!......"
حاولت ان تتجازو حالة الذهول التي تلبستها
تلك......وقد عادت الى رشدها بتدريج...
فاطرقت براسها قائلة........
"عاصم........ انا مش مستعده للجواز......."
رد هو ببساطه.... "ولا أنا........."
رفعت عينيها عليه بصدمة ممزوجة بسوء
الظن...... "يعني إيه........"
فهم مغزى نظراتها وسؤالها المرتاب فقال
بجدية.......
"اي النظرة دي.... اكيد عايزك في الحلال... بس انا قصدي نعمل فترة خطوبة... ونتعرف فيها اكتر على بعض....... ونقرب المسافات بينا...... "
سالته جافلة....... "خطوبة؟!......."
اوما براسه متسائلاً.... "أيوا.......... ساكته ليه........"
نظرة اليه مستفسرة.... "طب والمطعم؟........"
سالها بحيرة...... "ماله المطعم ؟!!......."
قالت شهد بجدية شديدة.....
"انا مش هسيب شغلي في المطعم ياعاصم... العقد
لمدة سنة......."
ضيق عيناه في خطٍ مستقيم..... "يعني إيه......"
قالت بمنتهى العملية......
"يعني دي خطوبة.... فترة تعارف.... احتمال كبير نفشل.... فبلاش توقف اكل عيشي.... انا مصدقت
عملت زبون في المكان......."
انزعج جداً من تعلقها بهذا الأمر فقال
بوجوم.......
"وشكلي قدام الناس ياشهد.... يرضيكي......"
هزت راسها بغير استيعاب وكانه صفعها على
حين غرة....
"قصدك إيه...... انت مستعر مني ومن شغلي....."
اكفهر وجه عاصم وقال مستنكراً......
"اي العبط ده... لو مستعر منك هبقا عايز اتجوزك ليه........اعقليها ياشهد... انا ليا اسمي في سوق والشارع كله... عارف مين هو عاصم الصاوي... "
عقدت ساعديها امام صدرها...متصلبة الرأي....
"شغلي ميعبكش ياعاصم.... ودا شرط أساسي
قبل ما أرد عليك......."
ابتسم ساخراً وهو ينظر لها بانفعال
مكبوت....
"ويترى لو ربنا وفقنا...... واتجوزنا..... هتفضلي
برضو شغاله في المطعم......."
نظرة اليه بطرف عينيها قائلة......
"لم يجي وقتها.......واطمنلك........."
انزعج جداً من ردها فعلق واجماً......
"مش فاهم....... انتي مش حسى بحاجة ناحيتي..."
خفق قلبها بشدة.....فحلت وثاق ذراعيها حول
صدرها.....فوضعت كفيها على ساقيها وبدأت
تفركهم في بعضهما بتوتر بينما وجهها مشعٍ
خجل من نوع آخر..........
"شــهــد........."فنادها عاصم وهو يمسك كفها لأول مرة بطريقة خاصة......فعندما تمكن منه بدأ يحرك أصابعه على ظهر يدها الناعم مداعباً اياها بحركة دائرية حانية....
ارتجف جسدها من تلك المسة الحانية والرجفة
وصلت عبر لمسة يده فابتسم هو.....وهو يحارب
معها حتى يلتقي بكنفة الامن......عينيها........
حاولت سحب يدها وهي تهمس بضعف استوطن
فؤادها......بلمسة...... وهمسة منه.....
"عـاصـم......."
فنظرت اليه وقد خضعت لتوهج عيناه النابضة بمشاعر عنيفة جميعها تصب على قلبها فتزداد
الأمور صعوبة معها........همس عاصم بصوتٍ
أجش بينما يدهُ تلمس ظهر كفها بشكلاً
عاطفي....
"انا دايب ياشهد.....دايب فيكي.... من أول مرة وقعت عيني عليكي وانتي خطفاني.......معقول مش حسى
بحاجة ناحيتي......."
اين طوق النجاة الان....تقسم انها تحتبر معه أشياء
لم تفكر فيها يوماً طوال سنوات عمرها.......
كيف تسمح لهُ بمسك يدها هكذا.... بل كيف تترك نفسها تسمع اعتراف يُرهق قلبها نبضاً.......يُشغل
عقلها ليلاً......ويُسهر عينيها حتى الصباح.........
سحبت يدها بقوة وهي تهرب منها ناهضة
من مكانها..... "عـاصم........انا اتاخرت... "
وقفا على الصخور معاً يمنعها عن الرحيل
قائلاً بلهفة.....
"استني ياشهد قولي انك موافقة.........."
ترددت بصدق امام لهفة
عيناه.....
"مش عارفه.... اديني فرصة......."
اخبرها عاصم بتفهم.....
"فكري في فترة الخطوبة ومديها زي مانتي عايزة..
لحد ماتطمني....."
تلاقت اعينهما مجدداً فاضاف بحسم....
"هستنا ردك بليل........."
رمشت بعينيها عدت مرات وقالت
بنفي مرتبكة........
"عاصم الموضيع اللي زي.... مش بتتاخد بالسرعة دي......."
قال بتململ وهو يرجع خصلات شعره
للخلف....
"عايزة قد ايه عشان تفكري......."
مطت شفتيها مفكرة...... "شهر مثلاً........"
رفع حاجباه مصدوماً.....ليرد عليها هازئاً........
"شهر؟!!..... وليه الاستعجال ده.... ماتردي عليا السنة
الجايه......"
اومات براسها ببرود...... "زي ماتحب......."
"متستفزنيش ياشـهـد......."جز على اسنانه بقلة
صبر معها.....لذا قالت هي بتبرم.......
"كمان اسبوعين كده كويس........"
هز راسه بتزمت وقال بصلابة.......
"لا.......خير الأمور الوسط...... يومين بظبط وهكلمك....... وهعرف ردك النهائية وفي اليومين
دول هبعد عنك خالص... عشان متقوليش اني
بأثر عليكي....... فكري براحتك... وردي عليا برضو براحتك.... بس مش اسبوعين كفاية يومين..... اتفقنا........"
اومات برأسها.... "اتفقنا.........يلا نرجع شغلنا.... "
"خلينا قعدين شوية..... ربع ساعة كمان......."أشار لها بان تجلس....فسالته بحيرة
"وليه بقا؟......"
"يمكن لانك هتغيبي عن عيني يومين بحالهم..."
رغم جمال المعنى المتخفي خلف جملته إلا انه
كان عابساً.....متجهم النظرات.......
مما جعلها تطاوعه وتجلس قائلة
بمناغشة...
"تعرف انك شاطر أوي في الكلام......."
جلس جوارها ورد بوقاحة دون النظر
لعينيها.... "وفي الأفعال كمان........"
احمرت وجنتيها سريعاً وتغاضيت عن التعليق...
فنظر هو لها بطرف عيناه.....ثم لانت ملامحه
وتغزل بها قائلاً.......
"بتبقي حلوة اوي لما بتكسفي فجأه....ولما
بتضحكي على غافلة.......خليكي كده أحلى
بكتير....... من...."
نظرت اليه مستفسرة...... "من إيه....."
عاد لجمال عينيها يأسرها قائلاً......
"انتي عارفه.... لما بتسرحي وتقلبي من غير سبب
بترمي كلمتين دبش...... وبتهربي........"
سالته بلهجة مريرة......
"ومين قالك اني بقلب من غير سبب......."
رد رداً قاطعاً.....
"بكرة اعرف السبب واعلجه......."
ابتسمت ساخرة.... "ملوش علاج.........."
اشار على نفسه بغرورٍ......
"عند العبد لله......... كل حاجة موجودة......."
نظرت امامها للبحر.... بملامح باهته
كروحها.......
"حلوه الثقة دي........ بس انت هتتعب بسرعة وهتمشي في اقرب وقت......"
رد بثقة أكبر وعيناه لا تفارق جانب
وجهها....
"أكيد يوم ما همشي هتكوني معايا....على كتافي.."
مطت شفتيها يائسة...... "دا انت مصمم بقا......"
رد بصبرٍ أكبر....
"بالي طويل....... ومصمم أوي........"
قالت بنبرة واهية... "هتتعب........"
رد بثقة غير منتهية..... "مصيري أتعود......."
اومات برأسها مضيفة بأسى..... "هتزهق........"
تغزل في عسليتاها البراقة
قائلاً....
"قدام العيون الحلوة دي.... مظنش....."
ببسمة لم تصل لعينيها قالت
بحزن..... "مع الايام هتمل مني........."
"مع الأيام هتعلق بيكي أكتر........"أكد بنظرة صادقة
تعبر لها عن الكثير.....فاطرقت برأسها حينها هاربة
فناداها عاصم كما تحب وكما هو يفضل متكأ على الأحرف الثلاثة وكانما يتذوقهما لأول مرة على لسانه..........
"شـهـد......."
نظرت اليه بقلبٍ نابض بالوجع.....فسالها هو حائراً
من أمرها......... "انتي خايفه من إيه......."
(خايفة أحبك.........)
لم تقدر على ان تتفوه بها....أكبر مخاوفها ان تقع
في الحب..........وهو يجذبها كالمغناطيس لأكبر مخاوفها......دون اي رأفة بحالها.........
عندما طال صمتها......حاول عاصم بث الطمأنينة بقلبها المرتاع....... فقال على مهل.....
"سبيها بظروفها.... انا معاكي للآخر........"