الفصلُ الرابع | القرار

174 7 11
                                    

تَضيقُ بِنا الأرض أو لا تضيق
سنقطعُ هٰذا الطَّريــــق الطويل.

_ محمود درويش _

•••

استحوذت الصَّدمة على آرلو الَّذي استغرب مِن وجود بريانكا مَع كارل فِي ذٰلك الحادث اللعين الَّذي سلبهُ أخيه. ظلَّ لساعات جالسًا فِـي الشرفة، يفكِّر فِي كُلِّ احتمال مُمكن.

مِن غير الممكن أن يكون الحادث مُدبرًا من قِبل أحد أعداء كارل، فالكثيرون يريدون إسقاطه وَإسقاط سمعة الشَّـركة الَّتي يغار مِن نجاحها وَبريقها المنافسون، لٰكن لا، لا شيء يدل على هٰذا. ماذا إذًا؟ لا جواب مُقنع.

فكَّر فِي أن يسأل بريانكا عمَّـا حصل وَقد راقته الفِكرة فضلًا عَن الجلوس وَجعل رأسه وليمة للأسئلة. سيذهب في وقتٍ قريب وَيستفسر منها، لا أحد غيرها يمكنه الإجابة عَن هٰذه الأسئلة.

* * *

«الساعة الرابعة عصرًا »

انتهى وقت الاحتراق وبدأ وقت ولادة العنقاء.

بِخطوات بطيئة توجَّـه آرلو حيثُ تقبع والدته حاملًا صينية الغذاء. ولج وَأغلق الباب بِقدمه، وَضع الصينية على المنضدة بِجانب السرير قَبل أن يجلس على حافته ينظر لها. كان قد اُمتُقِع وَجهها وَازداد شحوبًا، شفتاها جافتان، وَعيناها زائغتان يحُيطهما سَواد مِن قلَّة النَّـوم وَشرب الماء.

- أُمّي. هيَّـا بِـنا، أرجوكِ لنغسل وَجهك.

نبرة صَوته الرَّاجية لَم تُحرك داخلها شيئًا، بقيت على حالها، أعاد إخراج صوته مرَّةً أخرى:

- لا تقومي بِـهٰذا. افعلي أيَّ شيء لٰكن لا تدعي الحزن يغتالكِ عَلى مهل.

يريدُ التَّـعامل مَعها لٰكنها لا تدع له أيّ مجال لِتحقيق ذٰلك، تبقى سَاكتة تحدِّق فِي فضاء الغرفة. هُنا وَعندما لَـم تستجب لهُ دمعت عَيناه وَزخَّت زخات تساقطت عَلى السَّرير الَّذي شبع دُموعًا وَمأساة.

- أُمّـي.

خرجت بِصوتٍ مَجروح قبل أن يشهق وَينخرط فِي النشيج. يطرق بِرأسه، يغلق عَينيه، يُخرج كُلّ ما كان يواريه عَـنها مِن دُموع، وَحُـزن، وَألم.

بَعد عِدَّة دقائق، وَعندما خفَّ تدفق سيل دموعه، رفع رأسه لينظر إليها وَيلاحظ أنَّها كانت تبكي أيضًا، تبكي بِصمت دُون إصدار صوت. لقد ترك بُكاؤها فِي نفسه شيئًا. نزل عَن السَّـرير، وَجلس أرضًـا، مُتكئًا بِذراعيه على السَّـرير قبل أن يأخذ كفّ والدته وَيضعها بين كفَّيه ليهمس لها بِصوت باكٍ مَبحوح:

- أُمّي. أرجوكِ، هيَّـا، أُمّي، أنا بِحاجتك لتكوني بِـجانبي. لا تتركيني، أنـا أعتذر، لقد كنتُ دائمًا أُصر عَلى خوض كُلِّ شيءٍ بِمفردي، وَأتضايق كثيرًا عِندما تتدخلون في أموري وَأقول 'اتركوني أعيش حياتي' وأشدد على كلمة حياتي. كنتُ أحبُّ أن أخوض كُلّ مشاكل وَعقبات الحياة وَحدي دُون تدخُّـل مِنكم، بِالسقوط وَالنهوض دُون مُساعدة أحد وَدون أن يمد أحدهم يَـد المساعدة. لطالما أحببتُ الحرية وَبغضت القيود وَالأحكام.... أنتِ تعرفين هٰذا، لٰكن وَمع ذلٰك، تخافين عليَّ حتَّى مِن نسمات الهواء وَأشواك الورود. أعتذر، لقد كنتُ طِـفلًا مُتذمرًا لا يريد أحدًا بِجانبه عِندما يشعر بِالضيق وَالحزن. كلا يا أمّـي أنا لستُ كذٰلك، أنا أريدكِ بِـجانبي الآن.... أنا بِـحاجة أمّي لِتحتضنني وَتخبرني أن لا أقلق وَأن الغد سَيكون كما أريد و...

ثيميسحيث تعيش القصص. اكتشف الآن