الفصلُ الخامِس وَالعشرون| انقِشاعُ الضَّباب

81 6 9
                                    

كن لي غريبًا،
فالأحبّة يرحلون.

_ محمود درويش _

•••

كـمـا أنَّ لِـكُـلِّ شـيء عُـمـر مُـعـيّـن لـلـحـقـيـقـة أيـضًـا عُـمـر مُـعـيّـن، إنَّ لـهـا عُـمـرًا قَـصـيـرًا، هِـي حـتـمًـا سـتـظـهـر وَبِـطـريـقـة غَـيـر مُـتـوقَّـعـة وَفِـي وَقـتٍ غَـيـر مُـتـوقَّـع، سَـتـتـرك الـأفـواه فَـاغِـرة، وَالـألـبـاب مَـشـدوهـة، وَالـقـلـوب مَـكـسـورة.

لـن يَـقـدر أحـدهـم عَـلـى طـمـسـها لِـفـتـرة طـويـلـة...

سـتـلـاحـقـهُ فِـي كُـلِّ مـكـان وَزمـان حـتَّـى يَـعـتـرف بِـهـا.

أظـنُّ أنَّ لـحـظـة الـحـقـيـقـة قـد حَـانـت.

لــكــن...

تَـذكـروا أنَّ لِـكُـلِّ قِـصَّـة جـانِـبـيـن أو أكـثـر، وَأنَّـهُ لـا وُجـود لـلـعـدل فِـي هٰـذه الـحـيـاة، فَـالـمكـان الـوحـيـد الَّـذي سـنـجـد فِـيـه الـعـدل هُــو الــآخِــــــرة.

•••

أول يَوم فِي شهر مارس، السَّاعة البُنيّة دائرية الشَّكل الموضوعة عَلى مكتبي تُشير إلى العاشِرة ليلًا. مَا الَّذي يُبقيني فِي المكتب إلى هٰذا الوقت؟ المحاماة.

عَملي شِفاءٌ لِروحي عَلى الرّغم مِن أنَّـهُ يُرهقني فِي أغلب الأوقات، رؤيةُ مَشاكل الآخرين تجعل مِني شاكرًا لِكُلّ نِعمة لديَّ، فَأغلب الأشخاص يظنّون أنَّ حياة غَيرهم مِثالية وَرائعة دُون أن يروا الجانِب الآخر، الجانب الَّذي هُو جزء لا يتجزأ مِن حَياتنا جميعًا، جَانِبُ المشاكِل وَالمُعاناة.

إنَّـها تُمطِر فِـي الخارِج.
لطالما أحببتُ الشّتاء وَالأجواء الماطِرة، إنَّـها وَبِشكل جَميل تمدّني بِالطاقة وَالسّكينة، وَكأنَّ هٰذا المطر يغسل أدران الحياة العالِقة فِي روحي وَكأنَّهُ يقوم بِتطهيري أنا قَبل الأرض.

رنين هَاتفي أوقفني عَن كِتابة الملاحظات حَول قَضيتي الحالِيّة، أدرت الشّاشة لأرى هُويَّة المُتَّصل وَلم يكن سِوى الرَّجل المُتمرد، التقطت الهاتف وَأجبتُ المكالمة قَبل أن أقف عَلى قَدميَّ وَأتَّجه صَوب النَّافذة.

- مَا هِي المُصيبة الجديدة الَّتي أقحمت رأسكَ العنيد فِيها؟

بَدأتُ المحادثة بِصوتٍ مُرهق حَاولت أن يكون طبيعيًا، أخي وَأعرفهُ مِغناطيس مَشاكل وَمصائِب وَسفره الدائم يَجعل مِن الأمر مُـقـلِـقًـا فِي كلِّ مَرّة لا يتَّصل فِيها ليُطمئننا.

- أخي لن تُصدق.

استمعتُ إلى صوتهِ الَّذي جاء بِنبرة مُفعمة بِالاندهاش، لٰكنه الاندهاش المُحبب وَالجميل الَّذي نشعر بِه عِند حدوث شيء جيد. كنتُ أنظر إلى البنايات المتواجِدة أمام مَرمى بصري، الضبابُ يجعل مِن الرؤية شِبه مُنعدمة وَمع ذٰلك، تروقني هٰذه الأجواء البارِدة الَّتي كانت نَبرة صوتي تُشبهها.

ثيميسحيث تعيش القصص. اكتشف الآن