الفصلُ السابِع عَشر | عَقَبةٌ كَؤودٌ

129 8 16
                                    

الحُبُّ في نظري هو التعويض العادل عن كلِّ بشاعات هٰذا العالم، وحماقاته، وجرائمه.

_ نزار قباني _

•••

هُناك أسطورةٌ صِينيَّة قديمة تحكي عَن قِصَّة حُبٍّ جميلة رغم حزنِها، حيثُ عاشَ زوجان فِي فترة صِراعات وَحروب، كانت علاقتهما مَتينة ومُتماسِكة، وَقد تسببت الظروف فِي مَملكتهما بِفصلهما، فَقررا الهروب معًا إلى جبل يُسمى جينغشان، وَعِند وُصولهما قررا تَحويل أنفسهما إلى طُيور حَمام الحُبِّ، لِيعيشا سويًا. ويُقال أنَّـهُ يمكن رُؤية أشكالهما كطيور تُحلِّق فَوق الجبل فِـي الأيَّـام الهادئة.

أسطورةٌ يُحبُّها آرلو كثيرًا، فَعمِل جَاهدًا عَلى التقاط صُور رائعة للمكان، وَحرص عَلى التقاط صُورة لِحمامتين بِجانب بعضهما، وَقد فَعل. لَم يقُمَ بِنشر تِلك الصُّورة عَلى مُدونته، حيثُ قرر تقديمها لِحبيبته فِي المُستقبل، كإشارةٍ على حُبِّه لها وَعدم تردده للحظة بِالهروب مَعها حِينما يضيق عَليهما العالم بِأسره.

اليوم ضَاقت الدنيا عَليه، شعر بِالانهزام وَالاستسلام أمام النَّوازل الَّتي تنزل واحدةً تلو الأخرى فَوق جسدهِ الضعيف، كم سيبقى يتعذب؟ يفكِّر فيما يحدث لهُ وما الحِكمة مِن الأمر، لٰكن لا جواب مُقنع، لا يوجد أيّ جواب بإمكانه إقناعه بنِعم ما يَحصل.

هِي الوحِيدة الَّتي يريدُ الالتجاء إليها، أن تُخبئه فِي حضنها، أن يبقى بِجانبها وَينام عَلى صَدرها، كما هُـو الآن كذٰلك.

يَتمددان عَلى أريكة سَوداء كحال سَماء الليلة، يضعُ رأسهُ عَلى صدرها وَيحتضنها بِتعب، بينما تقوم هِي بِتمرير كفّها عَلى شَعره الأسود، تتغلغل أنامِلها بين خصلاتهِ بِحنان قد هدَّأ مِن نفسه، يدها الأخرى كانت تُلامس ظهره.

كان كالطفل بين يَديها، طفلٌ خائفٌ وَهِي أمانه، استكانت رُوحه وَانتظمت وَتيرة تنفُّسه، وجدَ الراحة وَالنعيم هُنا بين رائحتها المُسكِّنة.

كان يَشعر بِصداع عَنيف يطرقُ رأسه، ذٰلك الصُّداع البغيض الَّذي يأتي بعد البكاء، وكأنَّ الهم ينقصنا لِيأتي هُو ويكملُ حَـفلة الوجع.

صمتٌ يعمُّ المكان، كُلُّ مَـا يصرخ هُو روحهما، يُحاولان تهدئة بعضهما، هِي تُهدئه بِعلمه، وَهو يُهدئها دُون عِلمه، فهُو لا يعلم مَا عانتهُ منذ آخر لقاء لهما، وَهي لا تعلم سَبب انهياره هٰكذا وَلا سبب مجيئه في هٰذه السَّاعة المُتأخِّرة بِحالته هٰذه.

مَلامِحه الذابلة، وَعيناه المُلتهبتان، وَجسدهُ المُنهك، وَبكاؤه، كانوا كفيلين بِجعلها تُدرك أن شيئًا خطيرًا قد حصل. لَم تسألهُ وَفضَّلت انتظاره للتحدَّث أولًا، وَمع مُرور الوقت، فقدت الأمل مِن تحدُّثه، فشعرت بِالنعاس كـحالهُ هُو أيضًا.

ثيميسحيث تعيش القصص. اكتشف الآن