الفصلُ الثامن | احتِراق

126 6 9
                                    

المُحاماَة فَنّ الحُجَّة وَالجَدَل وَالبُرْهان وَالإِقْناع .. فَقَدَ كَآن رُوّاد الفَلْسَفَة مُحامِيْنَ بِما يُمَلِّكُونَ مِن حُجَج وَلُغَة عالِيَة وَنَظْرَة ثاقِبَة .. وَكَثِير مِن الشَعْراء كانُوا مُحامِيْنَ بِما يَمْتَلِكُونَ مِن أَدَوات اللُغَة وَالبَلاغَة وَالفَطِنَة ..

_ السنهوري _

•••

كُـلُّ مَا تفكِّر بِـه هُـو عملها الَّذي كرست نفسها فِي سبيله، لا تُحبُّ الدخول فِي علاقات، مُتعمدة فِعل ذٰلك؛ لأنَّ العلاقة النَّـاجِحة بِرأيها هِي الَّتي يبذل فِـيها الأشخاص جُـهدًا سواء كان عاطفيًا أو نفسيًا.

وَهِـي لا تُريد أن تتأثَّـر حياتها المِهنيَّـة جراء علاقة خارج العمل أيًّـا كانت تِلك العلاقـو، لا ترغب بِتكوين صَداقات لأنَّها لا تجد وقتًا كافيًا للتحدُّث معهم وَمشاركتهم أفراحهم وَأتراحهم، وَلا ترغب كذٰلك بِالدخول فِـي علاقة غراميَّـة، رغم أنَّـها جربت مِن قبل، لٰكنها لا تَستطيع الموازنة بين كفتي الميزان، فالمحاماة أثقل وَأهم بِالنسبة لها.

لم تُعر سُـؤاله اهتمامًا أكبر مِـن حجمه، تحديقه بِها بِتلك الطَّـريقة أربك عضوها المسؤول عَـن ضخ الدَّم، بَللت شَفتيها قبل أن تسألهُ بِاستغراب جَلي:

- مَا الَّـذي تقصده؟ هَـل الأمـر مُتعلِّق بِـالعمل؟

رجع لنفسه مَع أسئلتها، تنحنح وَوضَّـح:

- كــلا. أقصد هَل بإمكانكِ مشاركتي فِي شرب الشاي أو القهوة؟ فِـي الواقع، كما تعلمين أنـا لا أعرف أحدًا هُـنا ولا أريدُ التَّـعرف عليهم الآن، كوني لَـم أستعد نَفسيًـا بعد، وَلا أريدُ أن أصاب بِـالملل فهُـو قاتل بِالنسبة لي. أنتِ الوحيدة الَّتي أعرفها، كما أنَّـهُ يُـمكننا تكوين صَداقة، هَـل ترين بُـدًا مِن ذٰلك؟

استطاعت تخمين أنَّـهُ لا يطيق الوحِدة وَالجلوس دُون فِعل شيء مِن موقفين اليوم، فَـكلامه وَلغة جسده يُـفضي بِحقيقة مَـا يشعر، لذا بِـابتسامة خفيفة أخبرته:

- كـلا، لا أرى بُـدًا مِن ذٰلك.

مَـا حصل الآن هُو علاقة طرديَّـة،
فاتِّساع قلبه وَروحه مِن قبولها صَاحبـه اتِّساع ابتسامته الطفوليَّـة، زفَر الهواء بِراحة وَتحدَّث:

- رائـع. الآن يُمكنكِ شَـرحُ قضيتنا الأولى.

أومأت بِعمليَّـة وَقامت بِـإعطائه مَـلفًا مَـا وَسألت:

- يُمكنك قراءة مَلف قضيَّـة مَـا، أليس كذٰلك؟

نَظر لها بِبلاهة مَقصودة بينما يُمرر سبابته عَلى جبهته وَيهمس:

- لا أظـنُّ ذٰلك.

- حقًّـا! كيف يُمكنكَ نِـسيان شيء بِـهٰذه البساطة؟

ثيميسحيث تعيش القصص. اكتشف الآن