الفصلُ الثاني عَشر | القـضِيَّة الأولَى

105 7 6
                                    

إنّ المحبَّين لا يَسقِي سَقامهُما إلاّ التلاقِي،
فداوِي القلب واقتربي

_ بشار بن برد _

•••

كان يجلسُ عَلى السَّرير، يُرسل إليها نَظرات حَانِقة، أربكتها حتَّى كادت تشعر بِارتجاف قَدميها مِن تِلك النَّظرات الَّتي لَم ترها مِن قَبل. ذِراعاه كلٌّ عَلى جَانب مِن السَّرير، وَمَلامِحهُ لا تمتُ للهدوء بِصلة.

كان قَد عاد مِن العمل مُنهَـكًا، يرغبُ بِالنوم إن كان بإمكانه التَّـوقف عَن التَّفكير فِي حالة قلبه وَما يعيشهُ مِن اضطراب وِجداني. وَجد والدتهُ تنتظر الواقِفة أمامه، أخبرتهُ بِوجودها فِي الأعلى لِيقول لها أنَّـهُ سَيذهب لِيراها وَقد يطول الحديث بينهما، وَلا داعي القلق فِي حَـال تأخَّـرت بريانكا بِالنزول.

إنَّـها لحظة المُواجهة الَّتي كان ينتظرها، هِي مَن كان سيلتقي بِها. طوال الوقت وَهُـو يُفكِّر وَيُفكِّر، لِم قد تُخفي أمرًا مُهمًا عنه؟ ليس ذٰلك فَحسب، بل إنَّـهُ يتعلَّق بِكارل.

- يا إلٰهي، لقد أفزعتني!

صَوتها الأجش، وَمَلامحها الَّتي التهمها البُكاء، لم يُحرِّكا فِيه ساكنًا، وَجد ذاته لا يعرفُ الرَّحمة وَلا الشَّـفقة، عاد صوتها مُجددًا بينما تقترب قليلًا مِنه:

- هَـل أنتَ بِخير؟ تبدو مُتعبًا، عَلى ما يبدو أنَّ الأعمال كثيرة.

نَظراته لَم تتغير. تحدَّث سَاخرًا:

- عَلى الأقل أنا فِي حَالة أفضل منكِ.

اعتصر قَلبها جراء تعليقه اللاذع، أربكها تحديقهُ بِها بِتلك الطَّريقة، لَم تره ينظر إليها هٰكذا مِن قبل، كانت نظراته لينة دائمًا، حتَّى عِند الغضب كان يستكين بِسُرعة، وَيقوم بإلقاء النِّـكات يمنةً وَيسرةً. شَخصيته ليست عدوانية بتاتًا إلَّا فِي حال مَساس الأمر بِمن يُحب، بِعائلته، هُنا لا يَجِد بُدًا مِن إعلان الحرب، وَلا تضعُ تِلك الحرب أوزارها لِحين رؤيته للمتعدِّين يتوسلون قَطرات الرَّحمة. مَن يعبث مَـع عائلتهِ عَـليه دفع ثمن تَطاوله وَإن كان الثمن هُـو الموت!

- هٰذا جَيد، فأنا فِي مَواقف لا أُحسد عَليها، وَلا أتمنَّاها لِعدوي.

هَمست بِمرارة. شَبَّكت ذِراعيها معًا إلى صَدرها، تنظرُ بِتوجُّس له. رَفع حاجِبه وَقال بِنبرة غامِضة:

- أتفق، وهٰذا واحِدٌ مِن تلك المواقف. انتظرت هٰذه اللحظة كثيرًا.

عَلامات الجهل بدت عَلى قَسماتِها، استغربت وَارتبكت فِي آنٍ واحد. تمتمت بِخفوت:

- ما الَّذي تعنيه؟ لَم أفهم.

رأته يبتسِم ابتسامة جانِبية قبل أن يَحتد صَوته بعض الشَّيء، وَهُـو يقول:

ثيميسحيث تعيش القصص. اكتشف الآن