سيبقى فِي داخلي شيءٌ مِن هذا الضياع للأبد،
شيءٌ مَا لن يعود أبدًا،
سيبقى فِي داخلي شيءٌ مبتور._ لورانس تارديو _
•••
وَفي هَدأة اللَّيل، ألوذُ بِالفرار مِن واقِعي الَّذي يُجسِّد كلمة كابُـوس بِكُلِّ مَـا تحملهُ الكلمة مِن خَوف وَجزع، إلى أحلام اليقظة خَاصتي.
أتهرَّبُ مِن التفكِّير طوال النَّـهار، أغرِقُ نفسي فِي مُحيط العمل وَأقنعُ ذاتي أنّي لا أعرفُ السِّباحة وَالغوص، فَغرقي أهونُ عليَّ مِن نجاتي، أن أموتَ جاهِـلًا لِأمور كنتُ فِي غفلة عَنها أرحمُ مِن تفتيت كُلّ مَا بنيتهُ داخل رأسي مِن أفكار وَمُعتقدات.
هَـل أنا جبانٌ؟
حتمًا أنا كذٰلكَ،
لٰكن كيف وَأنـا الرَّجلُ الَّذي لا يخشى المُواجهة؟
كيف وَأنـا مَن يعشقُ التغيير؟الأمرُ أكبر مِن قُدرة عَقلي الفسيفسائي عَلى الاستيعاب، وَأكثر تعقيدًا مِن فكِّ شيفرة بِلغة أراها لِأوَّل مرَّة فِي حَياتي. حالةٌ مِن العجزِ تَعتريني وَأنا فِي أوج قُدرتي، لقد سقطتُ مِن قلعتي الغيميَّـة مُتناسيًا أنَّ الغيومَ ليست لِلاستقرار وَالمكوث فِيها، هِي فقط مَوجودة لِتنظر أنتَ إليها مِن بعيد وَتنسج صُورًا تلائم أشكالها.
سقطتُ عَلى غفلة وَبقيتُ مُعلَّـقًا فـي الخط الفاصِل بين الأرضِ وَالسَّـماء، شعورٌ بِالغربة يتخللني، لا أنـا أُناسِب الأرض فَأهبط عَليها، وَلا السَّـماء تُناسبني فَتستقبلني بِعناق، إذًا... مَـن أنـا؟
مَـن أنـا؟
أنـا الرَّجل المُتمرد الَّذي كان يتمرَّدُ عَلى كُلِّ شَيء لا يُعجبه وَلا يثيرُ استحسانه، لقد اِنقلبت الآية الآن وَتمرَّد كُلّ شَيء يُعجبني وَأحبُّـهُ عليَّ، هل سُقيتُ مِن نفس الكأس الَّذي سَقيتُ مِنه؟ لماذا؟ أنا لَم أفعل مَا فعلتُ بِسُوء نِيَّـة عَلى الإطلاق؟ أقسمُ أنَّ نِيَّتي لَم تتعدَ حُدود سَعادتي الَّتي لا حُدود لها!_ آرلـو باسكوڤ _
•••
مَـا هٰذه الأصوات المُزعِجة؟!
نحنُ فِي المطار عَزيزي، هٰذه الأصواتُ المُزعِجة طَبيعية هُنا.
لِـماذا نحنُ هُنا؟لأنَّ بَطل الرّوايـة قَرر السَّفر كـعادتهِ...
يَجلِسُ آرلو عَلى أحد مقاعِد الانتظار مُمسِكًـا بِأوراقِـه، حَقيبة أمتِعته حَمراء اللون أمامـهُ بَينما حَقيبة الظَّهر الَّتي تَحتوي عَلى مُعدَّات التَّصوير عَلى المقعد الفارِغ عَلى يَمينه، هٰذه كُلّ الأشياء الَّتي يَحتاجها خلال سَفراتِـه بِجانِب الرُّوح المُتمرِدة الَّتي يَمتلكها، هُـو دائمًـا عَلى استعداد تَـام لِاستكشاف البُلدان وَالأماكِن الجديدة، التَّـعلم هُـو دَافِعه الأساسِي، يَعشق استكشاف كُلّ مَا هُو جَديد، يُخامرهُ شُعور بِالسعادة فِي كُلِّ مرَّة يَتعلَّم شيئًا لَـم يكن يَعلمه مُسبقًـا، السَّـفر قَادِرٌ عَلى انتشالِـه مِن قِيعان البُؤس وَالمأساة، كُلّما أنهكتهُ الحياة قَاذِفةً إيَّـاه إلـى تِلك القيعان يَأتي السَّفر وَينتشلهُ جَاعِلًا مِنه يُحلِّق فِي سَماء البهجة.
أنت تقرأ
ثيميس
Romanceلطالما كانت جُملتهُ الشَّهيرة " رجلٌ بِالجنون يعيش، وَعليه يموت " لا يعلمُ أنَّ نوازل الدَّهر قَادرة عَلى تغيير الإنسان القوي إلى آخر ضَعيف، وَالسَّخي إلى بَخيل، وَالمليء بِالحياة إلى مقبرة مُوحِشة ينفر الآخرون مِنها. كُلُّ شيء حَدث بِسرعة وَقسوة...