تميّزت عاصمة مملكة هونشو، آيدو، بترتيب وإصطفاف أطرافها الأربع؛ انتشرت في الشرق والغرب المباني المُتشابهة بطريقة عمرانها، من قببٍ مثلثة مُسطحة للأسفل، وأبوابها المنزلقة، تَتخلّلها الأشجار الباسقة، والزهور اليانعةِ السامقة. وفي الجزءِ الشمالي امتدّ سوق مُتشعب بشكلٍ طولي، في بدايتهِ أخشاب طويلة مقوّسة كالباب، فيلجُ الناس للداخل إما مشياً بأقدامهم، او بعربات مُخصّصة تتواجد أمام المدخل مُستعدةً للنقل بمُقابل رمزي، وتمضي على طولِ السوق أجمع. تنوّعت المحلات من بائعي الثياب، وحدادي السيوف، وصانعي الخزف، والخياطين، والحرفيّين بأنواعهم، وبيوت الترفيه، ولا يخلو الأمر من باعة الفواكة الطازجة الذين يَجلبون بضاعتهم من تجّار المزارع في الجهةِ الجنوبية، فَفي الجزء الجنوبي امتلأت الأرض بالإخضرار، وعُرِفت أنها بُقعة زراعية خصبة، وتكاثرت المزارع، وبزغت خلفها جبالٌ عملاقة تتكاثفُ وتدور حول بعضها كقوقعة حلزون.
وعند نقطة المُفترق ما بين المزارع، تواجدت عدّة مباني للإسترخاء، وتربّع شاب فوق ناصية أحدها والمُطلةِ على المزارع القريبة، بقبعة قش يَعتمرها لا تُبيّن شيئاً من ملامحه، وبعض من خصلات شعره الفاحمة تمردت بجانب وجهه. كان يراقب سرب المارّين، العمال يحرثون الأرض، ويجرّون عرباتهم المُحمّلة بكدح، وأصحاب المزارع يتكئون أسفل الظل ويراقبون سير العمل، او يَكتفون بدحرجة أبصارهم من مبانيهم الصغيرة المُخصّصة. السماء صافية، والشمس تُرسل خيوط نورها بشدة، لم تكُن حارقة، إنما الجو ربيعيٌّ لطيف، ورغم ذلك، جذب الشاب القبعة أمامه اكثر، ثم تكتّف وزفر الهواء بثقل. تساءل عمّا يجب فعله تالياً؛ لقد أنهى مهمته منذ ثلاثة أيام، حيث حصل شجارٌ ما بين مزرعتين، فصاحب المزرعة الأولى اشتكى من عبثٍ في محاصيله التي تقع بِقربٍ من حدود المزرعة الثانية، وكان أرعناً كفاية ليرمي التُهمة في العلن، حتى طالت صاحب المزرعةِ الأخرى، ولم يَسكت عن الأتّهام، فكيف يشكّك بأخلاقه ونزاهته؟ وهذا جعله يسطو عليه بمحرثة مُدبّبة استعارها من أقرب عمّاله، وفي الحقيقة كان كلاهما أرعنان، فتعاركا بعنف، حتى توقفا بذهولٍ –من قُبيل الصدفة– حين أدركا أن جميع العمّال اشتبكوا بقتالٍ حامي، وهاج الأمر. وهنا تمّ الإبلاغ عن الحادثة من أحد الشهود، فوصَلت القائد الأمني تشيتشيرو، الذي كاد أن يُرسل مجموعةً للتدخّل، إلا أن الشاب اعترضه.
أنت تقرأ
ممالك باسقة
Fantasyحكاية تقع في غابر الأزمان، بعد أن كانت الأرض واحدة ومتشابكة، حدثت كارثة عظيمة، جعلتها تتقسّم إلى أربع أراضي متفرقة ومنزويّة، فقد البشر ذاكرتهم، وصار السبب طيّ النسيان. بعد قرون عدّة، وفي عصر نهضة الممالك الأربع: دادان، كونكورديا، هونشو، شاكتي. انتشر...