إصطفت المنازل بأختلافها، الحجرية و الخشبية، على مسار مرتّب واحد في المدينة، وعند الحدود، اختبأ أفراد السريَّة في منزل مهجور ومتهالك، لم يزاوره أحد منذ فترة طويلة، تفرعت خيوط الضياء من الصدوع لتبيّن حبّات الغبار المتطايرة.
أنقسم الفرسان للمراقبة على حدود المدينة جميعها وكان نصيب الجهة الشمالية لفرقة راين، فاعتكف هو ورفيقيه في المبنى الغابر، بِملل يجتاحه مطلع كل مهمة، ولا زال لا يستطيع تفسير سبب رضوخه للمهام المكلفة إليه، وما الهدف من هذا.
هو يعلم أنَّ واجبه الأسمى حماية ايف، وحتى إن فنى الملك، فواجبه باقٍ لا يموت، وربما كان مسوِّغاً لجميع مهامه، وعن تواجده هنا في المقامِ الأول.
وقبل بداية كل مهمة، كان يُطلع ويخبر ايف عنها، وتكتفي الأخيرة بالإيماء برأسها، وتتلّفظ بكلمة أو كلمتين في طياتها التوفيق له. ازدادت الفجوة بينهما، ورغم انَّه لا شيء واضح، لم تكُن الكلمات لتفعل شيئاً أمام ذلك الأدراك، فاستمر يراقبها ويحرسها بالخفاء.
ومع بروز الشمس عالياً في السماء، تسللّ النور إلى عينيه عبر الشقوق، وبان الأسوداد أسفل جفنيه، أغمضهما، وداعبت أهدابه الطويلة بشرته التي تشرّبت بأسمرار طفيف تُخالط لون القمح.
" لو أمسك به و أنهي هذا التطلّع الطويل.. "
تحدث بصوتٍ أجش؛ مَر وقت منذ أن نطق بشيء. أدار توليو عدستيه الزرقاوين نحوه، وكان يتكئ بجسده على إحدى ساقيه التي رفعها، يرنو إلى ثقب في الحائط يُراقب منه.
" ليتك فصلت رأسه و أرحتنا، كنت سأحتسي شراباً لذيذاً في هذا الوقت، و أتناول العديد مِن الأطعمة في حانة آل فيتال "
تنهد مستاءاً، حالما عادت له ذكريات الأطباق الشهيّة. و إلتزم ايميليان الصمت يقلب بصره في الفراغ، وبعد دقائق ساكنة، طرق عقله استفسار.
" راين، هلّ لي بسؤال؟ "
اكتفى بِهز رأسه.
" من أين أتيت بهذا السيف؟ "
" آه صحيح لطالما تساءلت أنا ايضاً! يا له من سيفٍ قاصل! على الرغم من قِتالي مع الكثير من السيّافين لكني لم أرى سيفاً بهذا الجمال قبلاً.. هل كان هديةً من الملك؟ لا ريب من ذلك.. فليُكرم الإله روحه "
اتفق توليو، بينما رمق راين سيفه الذي يعلّقه في أيسر خاصرته، كان الغمد أسوداً ذهبياً، و المقبض يُطِل منه رأسان مزدوجان لنمران، سَحَب السيف فدوى صليل رنّان، وعندها بانت النقوش المنمقة على النصل الأسحَم، نُحِت عليها حروف عائلة ديكلاين، تزداد حدته كلما إرتفع إلى المضرب.
" هذا البتّار صنعه والدي لي.. "
" قائد الفرسان الملكيين؟ "
رد ايميليان بدهشة
أنت تقرأ
ممالك باسقة
Fantasiحكاية تقع في غابر الأزمان، بعد أن كانت الأرض واحدة ومتشابكة، حدثت كارثة عظيمة، جعلتها تتقسّم إلى أربع أراضي متفرقة ومنزويّة، فقد البشر ذاكرتهم، وصار السبب طيّ النسيان. بعد قرون عدّة، وفي عصر نهضة الممالك الأربع: دادان، كونكورديا، هونشو، شاكتي. انتشر...
