(9) زيارة

277 19 24
                                    






مضت الأيام بعمل أوار المجتهد وحماسها غير المبرر في تجفيف الثياب وحمل الدلاء ذهاباً و إياباً بين البئر و ساحة المحل، ممّا ادهش الجميع، وفي الحقيقة لم يجدوا مانعاً، بل و استمتعوا في مشاهدتها. وعند ظهيرة أحد الأيام، استلقت اندا على الأرض، وباتّت تنقش كلمات بسبابتها على التراب، وهي تشفط ما فيّ أنفها بحسرة.

" هذهِ وصيتي.. لابد انّي أمر بمرحلة الهذيان ما قبل الموت، كيف صارت أوار نشيطة وتقوم بجميع الأعمال دون أن اطلب منها؟ "

أثنائها، دخلت أوار من بوابة الساحة، تحمل بين يديها دلواً مملوءاً بالماء، وضعته تحت شجرة الصفصاف، ثم طقطقت ظهرها، ولاحظت اندا المستلقية كالأضحية.

" هل ماتت اخيراً؟ "

" لا.. مع الأسف "
ردّت شيزو

" شريرات! ميا.. قولي شيئاً! "
رفعت رأسها تصرخ، ثم أعادته للأرض

" تبدين على وشك الموت حقاً.. لا اظن أن زهور الفاوانيا ستنفع معك "

عقبت ميانور، فأطلقت اندا شهقة مُتألمة دليل صعود روحها إلى السماء. تجاهلتهم أوار، ونزعت المئزر الذي وضعته حول ثيابها خِلال العمل.

" سأذهب لأطمئِن على ايف "

خرجت على الفور، فبحلق الثلاثةِ فيها بدهشة مجدداً. حتى أنهم أطلوا من الباب يراقبونها خلال الطريق، فوجدوها تتقافز بالدرب كالمخبولة، بينما يرمقها المارة بإستغراب. مضت هكذا إلى أن اختفت عن مجال رؤيتهم.
" عطبٌ ما أصابها بالتأكيد "

وصلت أوار إلى الكوخ الذي تقطن بهِ ايف، تردّدت قبل أن تدخل، ولاحظت أن الباب موارب، وصوت نانا يتصاعد من بعيد، عبرت بسرعة.

" أهلاً أهلاً.. هل اشتقتِ لي؟ من الجيد أن السيدة نانا هنا، فلا مثيل لأطباقها خصوصاً عند المرض! "

قهقهت وجلست بمحاذاتها، كانت ايف مستلقية على فراشها بينما تغطّي عينيها بضماد، تبتسمُ بهدوء. ولا تعلم أوار لما تلوم نفسها على هذا كلّما رأتها.

" أين هو راين؟ "
استطردت

" انتهت إجازته، وباشر العمل منذ البارحة "

" آه بالطبع، يجب أن يستعدوا لقدوم أمير دادان.. المنقذ "

ابتسمت بإصفرار، فرمقتها السيدة نانا بطرف عينها وهي تحمل أطباق الطعام التي كانت تساعد ايف في تناولها منذ دقائق، غسلتها بالماء من الدلاء الخشبية مختلفة الأحجام التي تصطف بجانب بعضها البعض، و إلتزمت الصمت وهي تصغي لأحاديثهما، وبعد أن جففت الأطباق بخرقة، دَنَت من أوار، ووضعت باطن كفِها على جبينها.

" م-ماذا؟ "

" لا تعانين من حُمى "

" حمى..؟ كلا.. أنا بخير.. اظن.. "

ممالك باسقةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن