(14) خيوط القدر المتشابكة

212 18 42
                                    




أخذ جميع الناس في السوق يتهامسون وهم يبحلقون في الحاكم الصغير المبتسم، يمد صرّة الحلوى بإنتظار إجابة أوار المدهوشة التي أوسعت عينيها الكهرمانيتان، تبحلق في هيئته عن قرب، وخلفه يتناثر حشده بينما يحوطونه كنصف دائرة، وكوشو منتصبٌ وراءه. رمشت بتتابع، ورفعت اصابعها تلتقط الحلوى، فبَرز خاتمها الذي لم يتوقف عن الوميض لثانية، وعادت تخبئ صرّتها وخاتمها بكمِّ ثوبها الطويل.

" هل أنت قارئ؟ "

سألته ببساطة، وبدا انه لم يسمعها؛ حيث بقيّ يبصر موضع كفها حتى بعدما غمرته داخل ثوبها، توترت، لكنه قطع ذلك عندما أعاد انظاره إليها.

" ربما.. تستطيعين قول هذا "

فكرت قليلاً
" أرى ذلك.. لكنه مجرد كتاب قديم وغير مهم.. يتحدث عن الرقص وما شابه.. حسناً.. فأنا غجرية "

قهقهت، ثم شعرت بحماقتها، فعضت شفتيها تُخرس نفسها، لكن، اتسعت ابتسامة الواقف أمامها، وهتف.

" رقص؟ مثير للأهتمام.. هل يمكنني إلقاء نظرة؟ "

ابتلعت ريقها فهي لم تتوقع ذلك، ودحرجت عينيها في الأرجاء تبحث عن من قد يستطيع إنقاذها من سكان المدينة، لكنهم انشغلوا بالتهامس و البحلقة بفضول، فتراجعت بضع خطوات للوراء، وشدت على مئزرها الذي يحاوط خصرها.

" اعتذر.. أنا مشغولة كثيراً ويجب أن اذهب "

لم يعقّب، فركضت إلى الدرب الذي يقود لمحل الغسيل بسرعة، وشعرت بالراحة لأنه لم يتعرف عليها. وصلت، كان الليل قد فرد جناحيه المظلمان، فإرتفعت شعل النار التي تراءت من المبنى. دفعت الباب الخشبي فأصدر صريراً متصدعاً عالياً، و أغلقته لتدخل نحو الساحة، كانت ميانور تجفف بعض الثياب على الخيوط الرفيعة.

" عذراً.. لقد أغلقنا "

قالت ثم استدارت، ورأت أوار التي تلهث من فرط ركضها، لتهبط أمام المدخل وتجلس بتعب.

" أوار..؟ ما الأمر؟ هل أنتِ بخير؟ "

نبست ميانور بقلق، تركت الثياب التي بين يديها و اقتربت منها، فهزت المعنيَّة رأسها نافية. عندها أطلت اندا برأسها من باب المبنى وصرخت.

" أوار! ما الذي كنتِ تفعلينه طوال الوقت؟ لقد غربت الشمس! "

استقامت ومشت إلى الداخل متجاهلةً اندا الجالسة عند المدخل، ولكنها استغربت حضور نانا و ايف حيث جلست معهم و الضماد يغطي عينيها، بدت مرتابةً ايضاً عند إصغائها لحديثهم. جاءت شيزو من المطبخ وحملت بين يديها شاياً وبعض الحلوى، جلست، وعادت ميانور من الساحة لتجلس هي ايضاً، فبقيت أوار الواقفة، محتارة، و الفتيات يراقبونها بتعجب، نفضت افكارها وحشرت نفسها بينهم تجلسُ على الفور، و اندفعت تتحدث بلا مقدمات، بعدما أخرجت صرّة الحلوى من داخل كم ثوبها ووضعتها أمامهم.

ممالك باسقةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن