نبض قلبها وهي تتأمل المارد الذي وقف أمامها مباشرة، بينما صفير الرياح داعب خصلات شعرها المبعثرة وزلزل أوصالها في ذلك التحديق الحالِك، الذي لم يقطعه غير ابتسامته القاتمة كعيناه." سيدتي؟ "
ازدردت ريقها ولم يكُن هنالك ما تزدرده لشدة جفافه، تحديقاته الغامضة جعلت الرهبة الشديدة تسري فيها، ولم تعلم من أين انبثق من العدم، وعن حقيقة كيانه.
لطالما كان السحر محرماً في مملكتها منذ ولادتها، حرّمه والدها بعدما استلم مقاليد الحكم من أبيه، فلقد رآه مدعاةً للفوضى و الخراب، و نفعه أقل من ذلك؛ فطرد السحرة و عاقب من تمرد، و أفنى المقتنيات السحرية بقامة شامخة.
ورغم ذلك، لم يكُن أمراً يصعب تنبؤه حينما فكرت بهوية التاجرة، و إحتمالية كونها ساحرة.. لكن لماذا تعطيها خاتماً مسكوناً؟ ما هي دوافعها؟ استناداً للوقت التي عرفتها به فهي لن تؤذيها.. هذا ما تعتقده على الأقل.
تدفقت التساؤلات في رأسها ولم تلحظ المارد الذي دنى منها مقترباً، و تساقطت خصلات شعره الطويلة أمامه قبل أن يستفسر:
" هل توقيتي خاطِئ؟ "آثرت الصمت، و استقامت من ملجأ الصخور المفلوقة، مبحلقةً فيه من أعلاه حتى أخمصه، كان يرتدي بنطالاً منفوخ في نهايته، وسترة قصيرة تكشف ما بالداخل. بدلت نظرها إلى الخاتم الذي في اصبعها حين أشع في الدلجة، كان يلمع بقوة جذبت ناظريها.
و أنتشرت أول خيوط الضياء في السماء، و هبّ نسيم الصباح البارد، الذي جعلها ترتجف قليلاً، فأحاطت ذراعيها حول جسدها، ثم رفعت بصرها، لتجد المارد قد اختفى، وكأنمَا لم يكُن هنالك احد منذ ثواني.على الضفةِ الأخرى، بعد الفوضى العارمة التي سبّبها الحرس الملكي، لم يجدوا الأميرة عند الوصيفة، فعادوا أدراجهم يبلغون رئيسهم، الذي كان يحتسي القهوة في حديقة القصر ويعبث برسالة في يده. الشمس قد سطعت في السماء، فتضاءلت أنوار القناديل.
" إن لم تكُن أختي الشقية عند وصيفتها فأين عساها تكون؟ "
قال ذمار، و أمامه ثلاث أفراد من حرسه الخاصّ، مرتدين بدلات خضراء داكنة. تردّد أطولهم قامة في التحدث، لكن الأثنان دفعاه رغماً نحو الأمام.
" سموك.. ألن يغضب جلالة الحاكم حينما يعلم بأمرنا..؟ "
رفع بصره إليه، ثم ارتفعت أطراف شفاهِه
" اتساءل.. متى كان حاكمنا في مزاج جيد؟ "ابتسم الثلاثة ابتسامة صفراء، تبادلوا النظرات، ثم انصرفوا حالاً، و اكمل الأمير ارتشاف قهوته وهو يفكر.
كان يوماً طبيعياً بالنسبةِ إلى مملكة دادان و القصر الملكي، رغم غياب الأميرة أوار و استفسار الحاكمة، إلا أن الحاكم لم يقل شيئاً، فضّل الصمت بعد أن ألقى نظرات تهدّد مَن يتجرأ في السؤال. وخلال المساء عند تمشيطه المكان قرب بوابة القصر وهو يعقد يديه خلف ظهره، اقترب منه الأمير السادس ذمار، وتوقف بجانِبه قليلاً قبل أن يتحدث.

أنت تقرأ
ممالك باسقة
Fantastikفي زمنٍ أغبر، كانت الأرض واحدة، حتى وقعت كارثة عظيمة، قسّمتها إلى أراضٍ متفرّقة، وفقد البشر ذاكرتهم، وصار السبب طيّ النسيان. بعد قرون عدّة، نهضت أربع ممالك: دادان، كونكورديا، هونشو، شاكتي، لكُلٍّ منها حضارة مميّزة. ومن خلف السِتار، ظهرت سلسلة كتب م...