(16) منافسة في المعسكر

218 18 45
                                    




بدأ ضباب عينيها ينخفضُ تدريجياً حتى قرّرت بذاتها انها تستطيع العودة إلى العمل، وهذهِ الفكرة لم ترق فتيات الغسيل بالطبع حيث كُن قلقاتٍ عليها، ولكن ايف شعرت بالسوء طوال فترة تعبها، والآن لابُد من التعويض وتقديم العون، و إن لم يعد بصرها كاملاً. الأحاديث التي تجول عقلها تخبرها أنَّ هذا قدرها، تمشي في دربٍ مجهول، تنسلخ عن ما يشبهها ولا يشبهها، يرتعد قلبها بالتساؤلات، ولكنها لا تعرف مسالكاً تهتدي بها إلى طريق الأجوبة، وهذه المشاعر تُغدق قلبها بالحزن والوجل، حتى صار لسانها ثقيلاً لا يقوى الكلام، تكتفي بوضع إمارات هادئة مُسلّمةً كدمية تتلاعب بها خيوط مصيرٍ غامض. في يوم أشرقت فيه الشمس خلف جبال كونكورديا الشاهقة، توجهت ايف بلا علم أي مخلوق لتستأصل أوراق الشجرة في منتصف الساحة. تُبقي على إخضرار الورق وتنزع الإصفرار، ومن ثم ترويها من ماءٍ مجلوب من البئر القريب. وبقيت تتأمل الأجزاء الخضراء التي صمدت، وما هي عاقبةُ الذبول. خلالها، لاحظت طائراً أزرقاً يقف في أعلى سقف المبنى على إحدى العواميد، يراقبها بعيونه الفضيّة، ريشه ناعم برّاق حتى انها استطاعت تمييزه من تلك المسافة، ولم يكن يتحرك، بل بقي ثابتاً في مكانه يحدق.

" ظننت أن لا أحد يشاهدني.. أنت لن تشي بي للسيدة نانا صحيح؟ "

رفرف جناحيه، احسَّت انه يفهم ما تقول، فابتسمت بخفوت، ومن ثم استقامت إلى الداخل تحمل دلو الماء، حيث تبقى منه وفكّرت أن الفتيات سيحتجنه في غسيل الثياب، وما إن وضعت إحدى قدميها بالداخل، حتى صرخن في وجهها بمبالغة، وخيّل إليّها انها لمحت قطرات دموع تحلّق في الجو.

" ايف! ما الذي تفعلينه بحقك؟ يجب أن ترتاحي وترتكي العمل لنا! "

هتفت ميانور، ترمقها بعيون متلألئة مُحمرة. أجابت

" أنا بخير.. "

" نعلم انك بخير يا حمقاء ولكننا لا نحتاج لعملِ ذراع ضعيفة مثلك "

برّرت اندا لتتفق معها شيزو
" بعيداً عن اسلوبها، إلا انني اتفق خلف دافعها النبيل "

جاءت السيدة نانا، تحمل اوراقاً مفصلةً بأسماء الزبائن وطلباتهم بين يديها الجافتين -بسبب العمل المتواصل- وشعرها مبعثرٌ بتسريحة ترفعها بإستدارة إلى الأعلى، وغمق خصلاتها ممزوجٌ ببياضها.
" آه حقاً يا صغيرتي المسكينة.. لما تجهدين نفسك؟ "

" أنتم تبالغون، حتى انكم لا تسمحون لي بإعداد الشاي على الأقل.. ولا استطيع قبول هذا.. "

دارت عينيها الزرقاوين بينهم، تستطيع رؤيتهم، ولكن هنالك ضبابٌ لا ينفك عن المجيء والذهاب كالنبض. تنهدت السيدة نانا.

ممالك باسقةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن