حكاية تقع في غابر الأزمان، بعد أن كانت الأرض واحدة ومتشابكة، حدثت كارثة عظيمة، جعلتها تتقسّم إلى أربع أراضي متفرقة ومنزويّة، فقد البشر ذاكرتهم، وصار السبب طيّ النسيان.
بعد قرون عدّة، وفي عصر نهضة الممالك الأربع: دادان، كونكورديا، هونشو، شاكتي. انتشر...
اوووه! هذه الصورة لا تتبع إرشادات المحتوى الخاصة بنا. لمتابعة النشر، يرجى إزالتها أو تحميل صورة أخرى.
ضربت الرياح الربيعية قفا الغيوم بأسواطها غير المرئية، فتكاثفت وتجاذبت بجانِب بعضها البعض، وصار منها ما يحجب ضوء الشمس حيناً، وحيناً تحكم الشمس المكان وحدها، وتناثرت عدّة جماعات أخرى في السماءِ الواسعة، بتدرّج الألوان، الرماديّ والأبيض. وكأن هذه الأجواء المُضطربة تمثلهم، وهم يشهدونها فوقهم وأسفلهم مُرتكزين على الجبال الناطحة.
" والآن، هل تودّون أن نبدأ مُهمّتنا؟ "
تفوّه الحاكم، وخصلات شعره البيضاء المرفوعة تصطفق بفِعل النسائم. ذهلوا جميعاً من المنظر أعلى الجبل، فلا ينقصهم سماع أمر المهمّة، او مشاهدة الحاكم يتجوّل بحماسٍ وسيف الخلافة يتمنطق على خاصرته، فشدّ توما عزائمه، وسأل برعونةٍ تُناسبه.
" وما هي المهمّة في الأصل.. جلالتك؟ "
حدّق اودن نحو مُستشاره بإبتسامةٍ واسعة يحثّه على الإجابة، فقال بنبرةٍ رزينة.
" من المهم أولاً أن نعرف عن الموقع الذي نتواجد به "
جالَ في خلد سايواي هذا الأمر، حيث افتقد المعلومات الكافية عنها، فما سبق له أنّ صعد هذه الجبال قبلاً، وإنما اكتفى برؤيتها من بعيد. وافق على مضمونِ كلامه فوراً، ولم يكُن رجلاً يرمي نفسه بين أحضان المخاطر دون حسبان.
" أوافقك أيّها المستشار، أعطنا ممّا عندك "
تباعاً، فسّر كوشو، بنبرةٍ آلية.
" تُعرف هذه الجبال بجبال الجنوب بين الناس، واسمها مُستمدّ من الاتجاه الذي تتواجد فيهِ في المملكة، وهناك اسمٌ آخر لها، إلا أنه غير معروف، وهو جبال الوحش الأعزل "
عَلا صوت مُتعالي، وكان توما الذي نطق بملامحه المُتغضّنة.
" جبال الوحش الأعزل؟ هذا ليسَ وقت المجانة يا رفيق الحاكم! "
مرّت الرياح وتردّد هديرها بين علو الجبال، فأصبحت كزئير وحشٍ قد كتم غضبه سنيناً مديدة. ازدرد هو ريقه بسرعة بينما تلاقطت عيونه يُمنةً ويسرة، فحدّق كوشو فيهِ بهدوء.
" مجانة؟ ألا تصدّق بما جاء بهِ الحاكم؟ "
لم يقتنع هو بعمقهِ في حقيقة اللقب، وبالأحرى حقيقة الحكاية؛ حيث أرغمه اودن على تصديقها، وبحث عن مصدرها كثيراً، ولم يجِد لها أثراً في أيِّ مكان غير في سلسلة القرص الذهبي، ومهما حاول قراءة كتابٍ منها، فلا يشعر بمنطقيتها أو قوّة براهينها، بل يرى أن كاتبها شخص ذو أفقٍ واسع، وخيالٍ خصب. وصَدع فؤاده فكرة أنّ مُنقذه مُتعلقٌ بها ويراها بنظرة الحقّ التي لا تحتمل الجدال فقط لأنها رافقته في أيام طفولته العجفاء، ولم يتجرأ على طرح ظنونه علناً، بل نهى ذاته عن فعل كهذا؛ سيجرحه ليسَ إلا، فهو يعلم شعور التعلّق في شيءٍ قد يبدو عديمَ قيمة، ولكن لديه من التأثير ما هو ثمينٌ وأنيس ووفيّ، حيث يبقى صامداً طوال تعاقب السنين وتبدّل الأحوال، مُحتفظاً بشعوره الأول. وقد نالت منه الريبة عن سبب تعاطفه ووعيه لمثل هذه المشاعر الغريبة، ورضا بما جاء به اودن من حكايا، وابتلع الصدق بعدما بصق أمر الكذب من عقله. وعلى بُعد خطواتٍ قليلة، رمقتهم يوشي وظهرها مُلتصقٌ في صخور الجبل خلفها، بنظراتٍ تبدو كعيون أرنبٍ حائر، ثم استفسرت بقلق.