(22) أميرتان

347 21 63
                                    

حين فرّقت جفنيها، واجهتها المصابيح البعيدة الوضّاءة، والرياح الليلية الباردة التي هبَّت على جسدها الأهيَف، فجذبت اللحاف تُقرّبه، حتى احسَّت بالعشب الرطب تحتها يتلمّس بشرتها، استغربت، ورفعت جذعها العلويّ تُمرّر عينيها يُمنةً ويُسرة، تبدو الشمس قد غ...

اوووه! هذه الصورة لا تتبع إرشادات المحتوى الخاصة بنا. لمتابعة النشر، يرجى إزالتها أو تحميل صورة أخرى.

حين فرّقت جفنيها، واجهتها المصابيح البعيدة الوضّاءة، والرياح الليلية الباردة التي هبَّت على جسدها الأهيَف، فجذبت اللحاف تُقرّبه، حتى احسَّت بالعشب الرطب تحتها يتلمّس بشرتها، استغربت، ورفعت جذعها العلويّ تُمرّر عينيها يُمنةً ويُسرة، تبدو الشمس قد غربت منذ مدة قصيرة، فتركت آثارها المُحمرّة خلفها، ولا شيء ينبعث سوى السكون، وبعيداً، إتضحت أصوات الصخب.

" ما الذي افعله هنا؟ "
نطقت، تتلمّس رأسها بحيرة
" آه.. اليوم المهرجان "

عادت تستوعب واقعها شيئاً فشيئاً، وعلى حين غرّة، تعاقبت الذكريات وتشابكت كعناقيد متّصلة في بعضها داخل رأسها، فشعرت بإندفاع صداع مؤلم وطنينٍ قوي، كشلالٍ ينهمرُ على بحر واسع، ازدان بريق تلك الذكرى: بين ألسنة النيران، رأت نفسها تصرخ ناحية أخيها حين اندفع مُتوغلاً اللهيب بَغيّة إنقاذ أبيه، فجذبها راين من وسطها ثم رماها خلف ظهره؛ ليرفع سيفه بمحاذاة ثلاثة أشخاص ترتسمُ الخباثة على مُحيّاهم، وفي هذهِ الذكرى، يتضّح انهما من وفد والدتها، خونة؟ لا، لم يكونا كذلك، لأن لحظتها خرجت والدتها من القصر مع بقيّة وفدها دون أن تلتفت للخلف، وبإشارةٍ من كفّها، مضوا جميعاً خلفها بعد أن كانوا يراقبون راين وهو يُردي المُقاتلين صرعى. ولسببٍ ما، كانت ترى كُلّ هذه الأحداث من زاويةٍ أخرى، ثم ركضت تلحق بها، ولا شيء، لا تتذكر ما حصل بعد ذلك، مهما حاولت.

" آه.. هذا مؤلم.. مؤلم.. "

جرَّت خصلاتها وهي تقبض على رأسها من الجانبين، لا تعلم ما الأشد إيلاماً، صداعها، ذكرياتها، ام حقيقة ما هبط عليها توّاً.. هل هو واقعٌ ام خيال، ولِما الآن من بين جميع الأوقات؟ ما الذي كانت تفعله هنا أصلاً؟ جُل ما تتذكره انها ركضت بعيداً في الصباح بعد أن تلقّت رسالة مجهولة. صحيح، رسالة!
تخبطت تتلمّس العشب حولها، وعندما لم تجد شيئاً، غمغمت:
" ربما أضعتها.. "

استقامت، وقبضت على اللحاف بينما تعقد حاجبيها، توجسّت، هل هذا يَعني انها سقطت تعباً هنا؟ ومن أين جاء اللحاف؟ ام أن راين من فعل هذا؟ لا، ليسَ هو، لم يكُن ليتركها على الأرض فقط، شعورها الداخلي يخبرها أن هذا كله متّصل بشكلٍ ما، الرسالة، سقوطها، و الذكرى.
وربما كله ليسَ إلا تشويشاً بفعل إرهاقها، وتشكّ؛ فهذهِ الذكرى واضحة، والكوابيس التي كانت تأتيها عن ذلك اليوم المشؤوم تمضي كدوّامةٍ معروفة من زاويتها، وليست من زاوية أخرى بعيدة، ولسببٍ ما، كانت واقعية لحدٍ كبير، إن استطاعت والدتها الهرب حقاً، فلما تلك الومضات تصوّرها بهيئة مختلفة؟ بطريقةٍ لا تريد التفكير بها. أياً كان، ورغم غرابة الأمر، هي قد حزمت أمرها، سواءاً كان له معنى ام لا. فتركت الغطاء، ومضت ناحية المحل، تتبعثر وتلطمها الهواجس طوال الطريق، عندما اقتربت، وجدت الفتيات مُلتمّات سوياً، بدون أوار.

ممالك باسقةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن