الفصل الخامس
"جميعهم يرحلون"
مُلقى على الأرض في غرفة مظلمة بوجه ملئ بالكدمات ويتنفس بصعوبة نظرا لضرب الواقف أمامه له وينظر له بشرٍ ...
شادي بصوت متقطع:"أنا آسف."
لم يسمع ياسين أية كلمة مما قال؛ فكل مايراه الآن هو والدته فريدة التي أغتُصِبت من قِبَلِ ذلك الحقير جمال .. ذلك اليوم بالتحديد لم ولن ينساه أبدًا .. فريدة التي صرخت بكل ما أوتيت من قوة ولم يستطع والده إنقاذها لأنه كان بين الحياة والموت ... قام بركل شادي بقوة وإستمر في ضربه له وصرخات فريدة مستمرة في مسمعه ...
..........................
في صباح اليوم التالي:
تقف تنظر لوالدة روان التي تُطعم إبنتها بحنان فيه دفئ الدنيا بأكمله، أما أباها قد دخل وإرتسم إبتسامة لطيفة على الرغم من القهر الذي يشعر به .. إبتسمت مريم بحزن على الدفئ العائلي الذي كانت تتمنى أن يدوم للأبد ولكنه القدر .. إستفاقت عندما تحدث والد روان بقهر ..
؟؟ بغضب:"أه لو قابله بس، كنت قتلته بإيدي الإتنين دول، حسبي الله ونعم الوكيل."
هبطت دموعه من مقلتيه وهو ينظر لروان التي بدأت تبكي مرة أخرى هي ووالدتها أيضًا ... حاولت مريم أن تتماسك وتمنع دموعها من الهطول وخرجت من الغرفة زافرةً بعمق، إستندت على حائط بجانب الغرفة تنظر أمامها بشرود .. تشعر بالحزن الشديد على ما يحدث حولها ... كَثٌر الظُلم وإختفى العدل، لا تدري ماذا حدث يهذه الحياة؟، ماذا حدث بهذا الزمن؟ .. هي أيضًا أحد ضحايا الفساد .. لا تدري متى سينتهي كل ذلك؟؟ .. إنتبهت لهؤلاء الشرطيان اللذان إقتربا نحوها، عقدت حاجبيها بغضب لأنها تذكرتهم .. الشرطيان اللذان حاولا إلقاء القبض عليها منذ عدة أيام والذي أنقذها من تلك الواقعة كان "ياسين المغربي" .. وقفت مريم أمام باب غرفة روان مانعة إياهما بالدخول ..
مريم:"جايين ليه؟؟ مش كفاية إللي قولتوه آخر مرة؟"
تحدث أحد الشرطيين بهدوء:"بعد إذنك يا دكتورة إحنا جايين للآنسة روان، عندنا أخبار حلوة ليها."
نظرت لهم مريم قليلا ثم سمحت لهم بالمرور ودخلت الغرفة خلفهم .... بعد مرور القليل من الوقت ... نظرت مريم وروان ووالديها للشرطيين بعدم إستيعاب..
مريم:"إعترف؟؟ّ!!"
هز أحدهما رأسه بموافقة وتحدث بجدية ..
؟؟:"لقيناه مرمي عند باب القسم وملامحه لا تبشر بالخير يعني كان مضروب بشكل مبالغ فيه وعنده كسور في جسمه .. بس كان كل إللي بيقوله إنه إغتصبها وقعد يترجانا إننا نحبسه ... الشاب حالته صعبه و........"
تحدث والد روان بغضب شديد:"إن شاء الله يموت هو إيه إللي حالته صعبة دي؟؟؟!! إزاي ده يصعب عليكم؟؟، وبعدين تحبسوه إيه؟؟؟ ده يتعدم في ميدان عام إبن ال**** ده."
رد الشرطي بهدوء:"أنا متفهم موقفك .. بس أنا محتاج أكمل كلامي .. الشاب بعد ما أعترف فقد الوعي بسبب إللي حصله، معرفناش ناخد أي أقوال تانية منه، بس بعدها بساعتين قبضنا على الدكتور إللي زور التقرير بعد ما عرفنا مكانه وإعترف إنه زوره وإتحبس، ... كده الحمدلله بنتكم هتاخد حقها .. وبنتمنى إنها تقوم بالسلامة عشان تشوف حقها بيتاخد."
كانت مريم تنظر لهم بسخرية فهي لم تتعجب من ما يحدث .. فبالطبع وراء كل ذلك أحد له سلطة ونفوذ قام بكشف الحقيقة وبالتالي سوف يصدقونه ... ومن غيره بالطبع "ياسين المغربي" ...
تحدث والد روان بضيق:"الواد ده فين؟؟"
؟؟:"مرمي في القسم ولحد ما يفوق تكون النيابة حكمتله بالحكم إللي يستحقه وإنتوا طبعا عارفين إيه هو؟ الموضوع ده بقا قضية رأي عام."
والد روان:"لازم أحضر تنفيذ الإعدام بتاعه، لازم أشفي غليلي منه."
؟؟:"هننفذ الإجراءات دي وهنطالب بحضور الضحية وأهلها، نستأذن إحنا."
خرج الشرطيان من الغرفة، ونظرت مريم لروان ووالديها الذين شعروا بالأريحية قليلاً من ذلك الخبر..
مريم بهدوء وإبتسامة:"أقولك مبروك طيب ولا إيه؟"
إبتسمت روان إبتسامة بسيطة وإحتضنتها مريم ثم إستأذنت بالخروج لإستكمال عملها ولكنها في الحقيقة تريد أن تهرب بتفكيرها قليلًا، أخذت تمشي بين ممرات المشفى بشرود، حقًا إنتشر الظُلم والفساد .. لا توجد سوى كلمة واحدة هي الفيصل بين كل مايحدث وهو النفوذ أو السُلطة ... لولا تدخُل ياسين، كان سيُهدر حق روان وكانت ستظل حالتها سيئة هكذا حتى من الممكن أن تتطور حالتها وتحاول الإنتحار .. ولكن! .. أنقذها ياسين بشكلٍ آخر .. أعليها أن تكون ممتنة له؟؟ أو أن تكون مستاءة منه لأنه من ذوي السُلطة والنفوذ وكلمته سيف على الجميع؟؟ .. إستفاقت من شرودها على صوت التلفاز العالي بالإستقبال ..
؟؟:"في تلك الفترة الأخيرة قد زادت حالات القتل التي لا نعرف سببها حتى الآن، حيث أنه قد تم إكتشاف عدة جثث لبعض رجال الأعمال وبجانب كل شخص دليل يثبت إدانته بقضايا كانت مرفوعة عليه مسبقًا وقد نجا منها، ومن الواضح أنه في كل مرة القاتل هو نفس الشخص عن المرة التي تسبقها، حيث أنه قد نصَبَ نفسه قاضيًا و يظن أن دافعه الوحيد هو إظهار الحقيقة، ولكننا لم نستطع حتى الآن الوصول لهذا القاتل ليأخذ عقابه لقتله كل هؤلاء الضحايا .............."
نظرت مريم بلامبالاة إلى الأخبار ثم هزت رأسها بيأس على مايحدث في هذه الحياة، عادت بتفكيرها لياسين مرة أخرى؛ فمن الواضح تلك المرة أنها يجب عليها أن تشكره بشدة لمساعدتة لروان ... نعم ستنتظر قدومه للمشفى وستشكره ... مرت الأيام ومريم في إنتظار قدوم ياسين للمشفى ولكنه لم يأتِ، إختفى مثلما يختفي الجميع .. تم تنفيذ حكم الإعدام وقد حضرت روان ووالديها التنفيذ وذلك أراح قلبهم كثيرًا لأنه يستحق ... حزنت مريم لذهاب روان والذي كان وداعهما لبعضهما مؤثرًا، ولكن مريم كانت تقوم بتهدئ نفسها دائمًا أنهم في النهاية جميعًا يرحلون، حتى ذلك الطفل الذي قامت بإجراء عمليته لم تستطع التحدث معه كثيرًا لأن رجال ياسين أخذوه من المشفى بعد أن تم شفاءه ... كل هذا وياسين لم يظهر بعد ولا تعرف كيف ستقابله .. في أحد الأيام .. كانت مستلقية بسريرها بغرفتها ممسكة هاتفها تبحث عن غرفة للإيجار بمكان قريب من المشفى حتى لا تبتعد كثيرًا .. تبحث وتبحث لكنها لم تجد شيئًا، تنهدت تنهيدة بسيطة ثم جاء في خاطرها هشام الذي إختفى نهائيا من حياتها ... وضعت يدها على مكان قلبها تُكابر وتعاند الشعور الذي تشعر به وهو الإشتياق واللهفة، ثم وبضعف قامت بإلغاء الحظر له وفتحت صفحته الشخصية على ذلك التطبيق الذي تستخدمه، وجدت أن آخر ظهور له كان قبل دقائق، وآخر منشوراته كانت صورًا له منذ يوم وهو يضحك على الشاطئ بسعادة، وصورة أخرى له وهو يقود يختًا وسط البحار، ويقوم بنشر النكات التي عليها تفاعل كبير على صفحته ... أخذت دموعها تهطل بغزارة دون أن تشعر ... يعيش سعيدًا، أما هي وحيدة وحزينة ليس لها أحد، لا أحد يبقى معها، ندمت كثيرا على إلغاءها الحظر وتتمنى أنها لم تلغيه وتريد أن تُرجعه مرة أخرى وللأسف يجب أن تنتظر أربعة وعشرون ساعة لتفعيل الحظر له مرة أخرى، خرجت من صفحته وأخذت تتصفح هاتفها بشرود على ذلك الموقع ولا تعلم كم مر من الوقت على ذلك، تمر المنشورات أمامها حتى قابلها خبر على أحد الصفحات الإخبارية جعلها تعقد حاجبيها بتعجب ..
"إلقاء القبض على سيدة تتهرب من الضرائب منذ سنوات عديدة تُدعى "ميرفت محمود عباس" ..