الفصل الثامن
"الحب ماهو إلا جنون"
من بعد تلك الليلة نفذت ما قاله لها ياسين وأصبحت تخرج من القصر لأي مكان تريد ولكن كان هناك تشديدًا قليلًا، وهو أن بعض الحرس كانوا يرافقونها أينما تذهب وهي كانت منزعجة من ذلك الأمر ولكنها إعتادت عليه بعد ذلك، منذ تلك الليلة ايضًا لم تراه، حتى في وقت الفطور تعجبت أنه لم يَعُد يتناول الطعام معها هي وعماد، وعندما تسأل الحرس يقولون أنه في العمل، لا تدري لماذا تريد أن تراه؟؟ ولا تدري لماذا تبحث عينيها عنه؟؟ لماذا تشعر أنها تعرفه من قبل؟؟ .. لما يدق قلبها حينما تراه؟؟ ... لما لا تستطيع النظر إلى أي شئ آخر سوى عينيه؟؟ .. منذ تلك الليلة فقط يشغل تفكيرها كأنه إستحوذ عليها، تراقب غرفته تنتظر أن يعود لها ولكنه لا يعود إلا بعد نومها ويذهب قبل إستيقاظها وهذا ماعلمته من الخدم، ولكنها تُذكر نفسها دائمًا أن تلك المشاعر التي تشعر بها ماهي إلا وقت وسينتهي؛ فيجب أن تعتاد على ذلك وتعتاد على تلك الحياة؛ فليس كل من قدم لنا يد العون نفكر به ونجعله يشغل بالنا ونُعجب به أيضًا ... أفيقي مريم .. ظلت تُذكر نفسها دائمًا بذلك .. وفي يومٍ ما..
كانت تجلس أمام عماد بإحدى حدائق القصر شاردة بالأيام الماضية .. فقد مر أسابيع قليلة على عملها هنا، ولكن على الرغم من سعادتها في أيامها الأولى بالعمل؛ إلا أنها لم تعد تشعر بالسعادة، فقط ماتشعر به هو الملل على الرغم من خروجها المستمر من القصر وهو التجوال في الطرق والجلوس بالقرب من نهر النيل قليلًا تستنشق بعض الهواء النقي ... حاولت في الأيام الماضية نسيان ما فعله هشام بها .. وقد تخطت تلك الأزمة بشكل نسبي حتى أنها لم تعد تراقبة على وسائل التواصل الإجتماعي ... إستفاقت من شرودها على صوت عماد..
عماد بتعجب من حالها:"أنا بكلمك يا مريم."
نظرت له مريم بإستفسار ..
عماد بإستفسار:"في إيه؟؟ مالك؟؟ ساكته وسرحانة، بقالك فترة مش عاجباني."
تنهدت مريم بصعوبة ثم أردفت بهدوء..
مريم:"مافيش."
عماد بتعجب:"مافيش إزاي؟؟ إنتي مش شايفة نفسك؟؟ الموضوع ليه علاقة بهشام طيب؟"
هزت مريم رأسها بنفيٍ ثم تحدثت ناظرة أمامها بشرود ..
مريم:"أنا بس أهلي وحشوني."
عماد ممسكًا بيدها وبإبتسامة لطيفة:"ماتزعليش عليهم يا مريم .. راحوا للي أحسن مني ومنك."
هزت رأسها موافقة وظلت صامتة لعدة ثوانٍ ثم إستأنفت حديثها ..
مريم بإبتسامة:"تعرف يا عماد إني كنت مخطوفة وأنا صغيرة؟"
عقد عماد حاجبيه بتعجب ودهشه ليس من حديثها ولكن من إبتسامتها تلك ...
عماد بتعجب:"وإنتي مبسوطة كده ليه؟؟؟ حد يبقى مبسوط إنه كان مخطوف؟؟"
قهقهت مريم بخفة ثم أكملت ..
مريم:"بصراحة اه."
عماد:"طب هتجاهل فرحتك دي وإحكيلي إتخطفتي إزاي؟"
هزت كتفيها بلامبالاة وأردفت ..
مريم:"كنت ماسكة في إيد بابا، وكنا في مكان زحمة جدا فغصب عني من الزحمة سبت إيده وتوهت، إللي فاكراه إن واحدة قالتلي تعالي آخدك لماما وروحت معاها."
عماد بتعجب:"ببساطة كده؟؟ إنتي كان عندك كام سنة وقتها؟"
مريم:"عشر سنين."
عماد بهمهمة:"تمام، كملي."
مريم بتنهيدة:"أخدتنى على مكان مش فاكرة كان إيه، كل إللي كنت فاكراه إن كان معايا أطفال زيي وأصغر مني، وفضلنا هناك يومين تقريبا."
عماد بإهتمام:"ورجعتي إزاي لأهلك؟؟"
مريم بإبتسامة:"معرفش، بس كل إللي فاكراه .. إن كان في صوت ضرب نار كتير وكل إللي كنت حاسه بيه وقتها إن كان في حد شايلني، ولما فوقت كنت بره المكان ده وكنت نايمة عند شجرة والشرطة لقتني هناك، وبس."
إرتجف قلب عماد من الخوف ليس من الخوف منها بل عليها؛ فلقد تذكرها .. تلك الفتاة الملقاة بجانب الشجرة، الفتاة التي كان يحملها ياسين في أول جريمة قتل له ... قتله لجمال ورجاله ... لم ينسى هذا اليوم إطلاقًا .. نظر لها بتشتت كأنه يعيد تذكُّرَ كل ما حدث بحياته وما رآه من ياسين؛ فجميع ذكرياته معه تثبت له أن ياسين يعلم جيدًا من تكون مريم؛ فهو لم يأتي بها هنا لتعتني به، ولكنها أتت هنا لأن ياسين يريد ذلك.. إستفاق من شروده على صوت مريم ..
مريم بقلق:"مالك يا عماد؟؟ إنت كويس؟؟ وشك إصفر كده ليه؟؟"
هز عماد رأسه بالنفي وبتيه ..
عماد:"أنا كويس."
كانت يديه ترتجفان ولاحظت مريم ذلك ...
مريم بقلق:"لا إنت مش كويس خالص، في إيه مالك؟؟ إنت كده بتقلقني عليك."
نظر عماد بهدوء داخل عينيها محاولًا التحكم في إرتعاشه .. تبدو بريئة كثيرًا، لا تعلم شيئًا .. تبدو طفلة كما كانت .. لا يريد لها الأذية ... تحدث عماد بإرتعاش ..
عماد:"إهربي."
عكفت حاجبيها بتعجب من قوله ..
عماد برجاء:"عشان خاطري إهربي من هنا."
مريم بهدوء مسايرة له:"حاضر ههرب .. بس إنت محتاج تاخد الأدوية بتاعتك عشان ترتاح وبعدها ههرب، إتفقنا؟"
هز عماد رأسه في الحال مصدقًا لها؛ أما هي كانت مشفقة على حالته تلك، أمسكت بمقبض كرسيه المتحرك وتوجهت نحو القصر؛ فيبدو أن حالته تسوء أكثر وهذا يبدو من حديثه الغير معقول ...
في وقت الظهيرة:
تقف بغرفتها تنظر لذلك الحائط الزجاجي بشرود، تشعر بالضيق والإختناق هنا .. ولا تدري لماذا؟؟ ... تنهدت بإحباط عندما تذكرت حالة عماد السيئة عندما كان يرجوها أن تهرب وهي تعطيه أدويته وهو ملقى بسريره وهي فقط تبتسم له وتخبره بأنها ستهرب ... تعلم جيدا أنه سينسى ماقاله عندما يستيقظ بسبب " الزهايمر" الذي يعاني منه دائمًا، ولكن هناك شئٌ آخر؛ فهي أحيانا تشعر بأنه طفل وأحيانا مراهق وأحيانا رجل عاقل، تشعر أن كل مايحدث لهذا الرجل هو ليس بسبب عوامل السن؛ يبدو أنه يحتاج لطبيبٍ نفسي ولا يحتاج لها ... تشعر بالضيق الشديد من ياسين الذي يترك قريبه هكذا ولا حتى يقوم بالسؤال عنه أو الإهتمام به؟ .. هل قلبه قاسي إلى تلك الدرجة؟؟ حتى لو كان هناك خلافٌ بينهما؛ فلا يحب أن يكون قاسيًا معه إلى تلك الدرجة .. لقد طفح الكيل، لم تعد تتحمل مايحدث حولها ولم تعد تتحمل مايحدث لعماد أيضًا ... خرجت من غرفتها عازمة على رؤية ياسين المغربي الآن .. وقفت أمام غرفته بغضب وقام بطرقها عدة مرات ولكن لا يوجد إجابه فتحت الغرفة الكبيرة ولم تنتبه لجمالها وحجمها، ولكن كل ماكانت تبحث عنه هو ياسين فقط ... أغلقت الباب بحدة ثم هبطت للأسفل وأوقفت أحد الحرس ...
مريم:"ياسين بيه فين؟"