الفصل الحادي والعشرون
"لكل جريمةٍ شاهد"
كانت أشرقت تحاول الوصول لمريم عدة مرات ولكنها أغلقت هاتفها منذ البداية .. لا تستطيع حتى الوصول إليها ...
أشرقت بتأفف:"لا .. أنا لازم أروحلها."
خرجت من مكتبها في نية منها للذهاب إلى القصر ... أما مريم كانت تبكي بهيستيريا في أحضان ياسين الذي يربت على ظهرها بهدوء ومازال ينظر لذلك الإسم المنقوش على ذلك القبر .. إذا قلنا أن هناك بعض الذكريات نحاول أن ننساها لكي نستطيع أن نعيش؛ فتلك تكون حقيقة ... لم تعلم كم مر من الوقت وهي تبكي هكذا حتى إبتعدت عنه ولكنها ظلت قريبة منه، نظرت في عمق عينيه وبدأت تتحدث بصوت متحشرج ..
مريم:"خدني من هنا، أنا محتاجة أرتاح، مش قادرة أمشي."
إستقام ياسين وحملها بين يديه، إستندت برأسها على صدره واغمضت عينيها لعلها تهدأ من ذلك الصراع الداخلي الذي تعيش به ... نظر ياسين للقبر مرة أخيرة ثم خرج من المقابر وهي نائمة بين يديه ..
...........................
في المساء:
كان عماد يجلس بكرسية المتحرك ينظر لتلك الفتاة التي تريد التحدث مع مريم بشدة ... فقد كان يقف بكرسيه في باحة القصر ... كانت إحدى الخادمات تتحدث إليها ..
؟؟:"الهانم نايمة عشان تعبانة شوية، وياسين بيه أمر ماحدش يزعجها."
أشرقت:"الموضوع حياة أو موت أرجوكي، أنا محتاجة أشوفها."
كادت أن تتحدث الخادمة ولكن أوقفها صوته ..
ياسين:"إتفضلي يا دكتورة."
أشرقت بإصرار:"أنا محتاجة أتكلم مع مريم."
ياسين برُقِيّ:"إتفضلي إتكلمي معايا أنا."
نظرت له قليلًا بتوتر ثم نظرت للخادمات الموجودات بالمكان ..
أشرقت:"طب ممكن أتكلم مع حضرتك على إنفراد."
هز رأسه وتحرك وهي تبعته حتى دخل لغرفة منعزلة ودخلت خلفه ... إلتفت لها ينظر إليها بإستفسار ...
أشرقت:"دكتور طارق جالي النهاردة المكتب وقال ......"
سردت عليه كل ما أخبرها به طارق اليوم .. وبعد أن إنتهت همهم ياسين وتعجبت أشرقت من صمته هذا ..
أشرقت:"حضرتك مش هتقول حاجة؟، مش هتعمل أي حاجة؟!"
ياسين بإبتسامة هادئة:"هتصرف طبعا يا دكتورة، تقدري تتفضلي."
شعرت بالإحراج من تعامله ذاك وقررت الإنسحاب أما ياسين ظل واقفًا لثوانٍ ثم خرج من الغرفة وخرج بعدها من القصر .. كانت نائمة بفراشها تنظر أمامها بحزن وشرود، هبطت دمعة من مقلتيها وهي تتذكر أختها الكُبرَى، تتذكر كم كانتا دائمًا معًا ولا يتفرقان أبدًا .. كانت كالأم بالنسبة إليها لأنها من قامت بتربيتها والعناية بها أثناء إنشغال والديهما بالعمل وعندما توفى والدهما بحادث تحملت سارة مسئوليتها مع والدتهما .. كان بينهما وعد وهو أن لا يتفرقا أبدًا سيظلان سويًا حتى النهاية .. لُم يُخفيا أيّ شئ عن بعضهما البعض ولكن حصل ما لم يَكُن بالحسبان أدى إلى فراقهما .
منذ إثنا عشر عامًا:
كانت مريم في السادسة عشر من عمرها تقوم بمراجعة دروسها في غرفتها في جو هادئ ولكن بعد دقائق من الهدوء سمعت صوت شجار خارج الغرفة، إستقامت سريعا من مقعدها وخرجت من الغرفة ونظرت لوالدتها التي تتشاجر مع سارة التي ترجوها في شئ ...
سارة ببكاء:"يا ماما، أرجوكي إسمعيني أنا بحب كريم وهو كمان بيحبني جدا ومستعد يعمل المستحيل عشاني، أرجوكي وافقي."
ردت والدتها نادية بغضب وضيق:"قولتلك مليون مرة الولد ده مش شبهنا، سمعته زي الزفت، سألت عليه يا بنتي صدقيني مش شبهنا نهائي، وإستحالة أرميكي لواحد زي ده."
كادت أن تهُمّ بالرد عليها ولكنها قاطعتها وهي تربت على كتفها ..
نادية بهدوء ورجاء:"يا حبيبة قلبي ماتزعليش، ربنا هيقدملك كل إللي فيه الخير وهيبعتلك واحد أحسن منه بمراحل، إنتي بس ركزي في حياتك بكرة آخر يوم إمتحان ليكي في الجامعة ركزي الله يباركلك عايزين نعوض السنة إللي راحت عليكي بسبب الشغل عشان أختك، ماتخليش واحد زي ده ياكل عقلك بكلمتين، .. *إبتسمت بحنان وقامت بضمها وإستأنفت* .. وبعدين مش عايزة حد ياخدك مني دلوقتي عايزاكي جنبي شويه عايزة أشبع منك يا روح ماما ........"
مريم بحنق وغيظ مقاطعة لها:"طب وأنا؟"
قهقهت والدتها وإبتعدت عن سارة التي إبتسمت أثناء بكائها ..
نادية:"تعالي يا أروبة."
إحتضنت مريم والدتها وقامت بإخراج لسانها لسارة تقوم بإغاظتها ...
مريم:"ماما بتحبني أكتر منك."
نادية بإبتسامة وهي تبتعد عنها:"كلكم عندي واحد، حتى إسألي سارة."
تبدلت ملامح مريم للضيق أما سارة قهقهت ضحكًا فمعنى حديث والدتها أن سارة هي الأحب إليها وهذا المعنى تجهله والدتها ...
مريم بغيظ:"طيب يا ماما."
نادية:"طيب يا حبايبي أنا هروح المطبخ أحضر العشاء وإنتوا روحوا كملوا مذاكرة."
دلفت للمطبخ بينما الإثنتان ظلتا واقفتان تنهدت سارة بحزن ثم إتجهت لغرفتها وجلست بفراشها، تبعتها مريم للغرفة وأغلقت الباب خلفها وجلست بجانبها على الفراش ..
مريم بإستفسار:"هتعملي إيه؟"
سارة بتنهيدة:"هعمل إللي ماما قالته، هنهي علاقتي بكريم ربنا يوفقه مش عايزة أزعل ماما مني كفاية إنها تعبانة في شغلها عشانا."
مريم بإستفسار:"تفتكري بابا الله يرحمه لو كان عايش كان هيوافق عليه؟"
سارة بإبتسامة حزينة:"لا مكنش هيوافق عليه، ماما بتفكر بنفس تفكير بابا الله يرحمه، وهو ده الصح أصلا."
مريم ممسكة بيدها:"طب ممكن ماتزعليش؟"