الخاتمة
"براء"
كانت تصرخ بهيستيريا وهي ترى جثة زوجها تحترق أمامها ومايمنعها من الدخول هو الحرس الذين يبكون أيضًا عليه ... أثناء صراخها وإنهيارها شعرت بمياة تخرج من أسفلها إرتعش جسدها وهي تنظر للمياه، رفعت رأسها لتنظر إلى جثة زوجها المُحترقة بالداخل..
مريم بهمس:"ياسين."
رددت إسمه وبعدها خارت قواها، أما عماد كانت الدموع تهبط من مقلتيه دون توقف وهو ينظر للقصر الذي إلتمته النيران بالكامل، يشعر بعدم تصديق لما حدث وما رآه .. لقد مات ياسين! ... مات طفله العزيز مرة أخرى ... ولكن ذلك مختلف .. لقد مات طفله الذي ظل معه حوالي ثلاثون عامًا .. رحل عنه ولن يعود! ... كان عماد في صدمة من موت ياسين، كان في مرحلة عدم التصديق ... ينظر للنيران ولا يتحدث .. كل مايراه أمامه هو إحتراق جثة إبنه العزيز.. ولم ينتبه لسقوط مريم أرضًا ... وصلت سيارات الإطفاء وخلفها الإسعاف .. تم إطفاء النيران بالكامل ولكن بعد أن إحترق كل شئ مع الأسف .. وحمل المُسعفون مريم وأخذوا عماد ليطمئنوا على صحته بالمشفى وأيضًا باقي الأشخاص الناجون من الحريق .... وصلت مريم للمشفى وهي غائبة عن الوعي وقام الأطباء بفحصها وجدوا أنها في المخاض لأن المياه التي تحيط الجنين قد نزلت بالكامل، جهزوا غرفة العمليات وبدأت عملية ولادتها ... كان عماد موصولًا بالأجهزة في غرفته بالمشفى يبكي وهو يتذكر كيف إحترق ياسين أمامه .. لا يستطيع أن يصدق ذلك المشهد أبدًا يشعر أنه في كابوس .. يشعر أن قلبه يحترق لوفاة طفله ...
عماد ببكاء:"يا رب صبرني وصبرها إحنا مكنش لينا غيره من بعدك."
تذكر حديثه اليوم مع ياسين قبل وفاته بعدة ساعات ...
بعد أن أغلق المكالمة الهاتفيه مع مريم بعدما رفضت العودة تفاجأ بياسين يدخل لغرفته ...
عماد بتعجب لدخوله الغرفة:"نعم؟ في حاجة؟"
ياسين بإبتسامة هادئة:"ممكن نتكلم شوية؟"
نظر له عماد بإستفسار وإعتبر ياسين صمته هو الموافقة .. جلس ياسين على فراش عماد الذي إقترب منه بالمقابل بكرسيه المتحرك ... كان ياسين ينظر أرضا بملامح هادئة .. إنتبه عندما إقترب عماد منه ..
عماد:"كنت عايز تقول إيه؟"
إبتسم ياسين بهدوء وتعجب عماد من إبتسامته .. أمسك ياسين بيده وضغط عليها برفق ...
ياسين:"أنا مابعرفش أعبر عن مشاعري، بس كل إللي أقدر أقوله ليك، شكرا إنك دخلتني بيتك، وشكرا كمان إنك علمتني وصبرت عليا، شكرا ليك يا عماد، أنا عارف إني ماكنتش الإبن إللي تتمناه، بس أنا ممنون ليك على إللي إنت عملته عشاني، مش عايزك تزعل مني في يوم من الأيام على أي حاجة فاتت، أنا أكيد مكنش قصدي أأذيك."
كان عماد يستمع لحديثه متعجبًا .. منذ متى ياسين يتحدث هكذا؟؟ .. هل هناك خطب ما؟؟
عماد:"إنت كويس؟"
ياسين بإبتسامة:"أنا بخير."
عماد بإستفسار وعدم إستيعاب:"طب إنت بتقول الكلام ده ليه؟؟ أنا متعودتش منك على كده، إنت مش ياسين إللي أنا أعرفه."
ياسين بإبتسامة:"كل إللي عايزك تعرفه إني بخير يا عماد، شكرا ليك مرة تانية."
صمت قليلًا يبحث عن الكلمات ولكنه تفاجأ من تحدث عماد...
عماد:"أنا إللي آسف."
نظر له ياسين بإستفسار .. شعر عماد أن دموعه ستهبط من مقلتيه ...
عماد بإستئناف:"أنا آسف عشان أنا سيبتك تضيع، آسف عشان حاجات كتير انا ماكنتش قدها وهو إني أكون الأب المناسب ليك، أنا بس كنت خايف يا ياسين .. كنت خايف على مراتي وعلى نفسي وبيتي .. *هبطت الدموع من مقلتيه* ... ونسيت إن إنت من أهل بيتي .. نسيت إنك إنت الإبن إللي دخلت ييه على مراتي، الإبن إللي كان ماسك في إيدي جامد كإني مصدر حماية ليه .. أنا آسف إني خذلتك .. آسف إني ماوقفتش جنبك ... أنا كنت فاكرك بتتدلع عليا لما لقيت سلوكك مش مظبوط .. قولت طيش شباب، بس مكنش في دماغي خالص إنك محتاج مساعدتي يا ياسين ... أنا كنت متوقع إنك خلاص عديت الصدمة دي ونسيتها .. بس مع الآسف إكتشفت ده بعد فوات الأوان بعد ما إنت قتلت جمال .. أنا ماحطتش نفسي مكانك .. أنا كنت أناني ... أتمنى إنك تسامحني يابني ... أتمنى إنك تسامحني ونبدأ صفحة جديدة سوا."
إبتسم ياسين وهز رأسه موافقًا لحديثه إقترب عماد قليلًا منه وقام بضمه ...
عماد:"سامحني يابني."
إبتعد ياسين عنه وإبتسم بحزن ..
ياسين:"أتمنى إنك إنت إللي تسامحني."
عماد:"أنا مسامحك يابني، مسامحك ومهما تعمل عمري ما أزعل منك أبدًا."
ياسين:"ممكن أطلب منك طلب؟"
عماد بلهفة:"أطلب أي حاجة يا ياسين لو بإيدي أجبلك النجوم إللي في السماء كنت جبتهالك يابني."
ياسين بإبتسامة هادئة:"محتاجك تبقى مع مريم دايما."
حرك عماد رأسه بإستفسار ...
ياسين بإستئناف لحديثه:"مريم حُبها ليا قوي شويه، فمحتاجك تفضل معاها وتقويها وتساعدها وتسندها، على الأقل تعوض إللي إنت معرفتش تعمله معايا وأنا صغير، ساعدها هي مكاني، هي محتاجاك أكتر مني."
عماد بعدم فهم:"مش فاهم تقصد إيه؟ وبعدين مريم مالهاش غيرك بعد ربنا."
حاول ياسين أن يُخفي حزنه الذي يكبر بداخله شيئًا فشيئًا حتى إلتمعت عيناه ...
ياسين:"وصيتي ليك مريم وإبني."
عماد بعدم فهم:"إنت بتقول الكلام ده ليه؟؟ إنت رايح فين؟"
ياسين بإبتسامة:"مش رايح في مكان، أنا بس كنت حابب إني أتكلم معاك شويه، وأظن إني خلصت كلامي، تصبح على خير."