رواية عودة سُفراء العبث الفصل الثامِن عشر بقلم روزان مُصطفى.
•18•__
" كأن تسير في طريق مُرصع جانبيه بمصابيح بيضاء تدُلك على الإتجاهات الصحيحة، ودون مُقدمات تنطفيء تِلك المصابيح، لتجِد نفسك تواجِه الظلام الدامِس، غير قادِرًا على تذكُر أي مِن الطُرقات هو الصحيح للسير بِه، ذلِك ما يحدُث تمامًا عِند فِقدانك لوالديك، تظُل كِلتا يديك مفرودتين على جانبيك وكأنهُم لازالوا هُنا يُعلِموك كيف تخطو خطواتك الأولى " _بقلمي
أبوك في ذِمة الله..
كانِت دي الجُملة اللي صدى صوتها عُمره ما هيروح مِن عقل عيسى، أبويا أنا؟ الحج الغُريبي بركة حارة المنيل كُلها! الجلابية اللي ريحتها عِطارة ومبقعة بتوابِل كُنت بتحامى فيها وأنا صغير وبتخبى وراها وأنا كبير من نفسي الوحشة؟
مقدرش عيسى يحرك الفون من على ودانُه وهو باصِص قُدامُه بصدمة من اللي سِمعُه، لغاية ما فاق على صوت يوسف بيعيط بهمس عشان ميزعلش عيسى أكتر.
عيسى من كُتر توتُرُه وعدم إستيعابُه: بتقول أبويا تعبان؟ مالُه؟
صوت والدِتُه ظهرلُه في الفون وهي صوتها مبحوح من العياط بتقول: كان نفسُه يشوفك ويتطمِن عليك لحم ودم قُدامه، أبوك راح يا عيسى.
قفل يوسِف الخط وعيسى لسه حاطط الفون على ودانُه بيستوعِب.
تيت تيت تيت
دا الصوت اللي مياسة سمعاه، قربِت من عيسى وهي بتاخُد الفون من إيدُه وبتطبطب على ظهرُه بقلق وبتقول: مالك يا حبيبي؟ عمي الغُريبي مالُه تعبان من إيه؟
عيسى لسه إيدُه واخدة وضعية مسكة الفون وقال بتوهان: تعبان بيقولوا، تِعِب من الوقفة في المحل، بس يوسِف إتلغبط وقال مات.
خبطت مياسة على صدرها في حركة لا إرادية وهي بتعُض على شِفتها عشان متصوتش من الصدمة، وعيسى عينيه كانت بتلمع بدموع مش راضي ينزِلها، وهو بيفتكِر أبوه.
" لو العالم كُله وقِف ضِدك أبوك في ضهرك يا عيسى، أنا مش هسيبك "
" جاي قُدام دُكانة أكل عيشي بتتمطوح وسكران، متدخُلهاش عشان متنجسهاش.. ( وقع عيسى وأبوه سندُه على رجليه وهو بيقول: ) حد يلحقنا يا عالم، إبني بيروح مني "
" فوووق بقى يابني أمل ماتت، أنا منزلها التُربة مع أهل المنطِقة من سنين، مش هسيبك غير لما تفوق "
" وأنا ليا مين غيرك إنت وأخوك أتسنِد عليه بعد العُمر دا "
إفتكر عيسى أخر مرة راح مع أبوه المسجِد وجملتُه وهو بيقول " طريقك ضلمة يا عيسى، شايف الجلابية اللي مش نظيفة اللي إنت طول عُمرك تقولي خلي أمي تغسلهالك، دي أطهر من بدلتك الغالية، دا شقى الحلال مش راحة الحرام، كُلنا رايحين عشان كِدا خايف أموت وأسيبك تايه "
نزل خطين من الدموع أخيرًا على وِش عيسى وتحولت ملامحُه من عيسى القاتِل المُختل لطفل بريء وهو بيقول: خلاص والله أسِف، هصلي وهبهدل هدومي في العِطارة.
مياسة وهي ساندة بإيديها الإتنين على كتفُه بتعيط قالت برقة حزينة: عيسى.
مسك الفون وإيديه بتترعش وهو بيحاول يتصِل على يوسف عشان يعتذر لأبوه بس فون يوسف غير مُتاح.
عيسى وهو بوقه بيتلوي زي العيال قال: خلاص وعد أخر مرة، إديني فُرصة أخيرة ياباا.
مياسة بزعل عليه: عشان خاطري يا عيسى إهدى.
كان بيتلفت حواليه مش عارف يوصل لأبوه إزاي راح بص للسقف وهو بيعيط وبيقول بهستيريا: ياباااا، يا حج غُريبيييي
حضنتُه مياسة راح جسمُه إتنفض جامد وهو بيعيط في حُضنها وبيقول: أنا عاوز أبوياااا
بعدها عنُه بعُنف وهو بينزِل على السِلم وهي بتجري وراه بتحاول توقفُه وهو بيقول برفض إنُه يصدق: لا لا، هروحله مصر هعتذرله هو بيعمل كِدا عشان يرجعني ويخليني تحت طوعُه، وأنا قررت أكون تحت طوعُه.
جريت مياسة وراه لغاية تحت ولقى باب البيت نفتوح كان عاوز يطلع لكِن عزيز لحقُه ومسكُه من دراعُه وهو بيسحبُه لجوة
عيسى وهو بيحاول يتملص قال بيعون بقت داكنة من الحُزن: سيبني يا عزيز، متخليهاش تيجي فيك.
عزيز بحزم وهو ماسكُه بص لمياسة وقالها بتساؤل جدي: إيه اللي حصل قلب حالُه كِدا؟
مياسة والدموع مغرقة وشها بصت بحُزن لعزيز وهي بتقول بصوت بيترعش: باباه مات.
إرتخت إيد عيسى اللي كان منشفها وهو بيحاول يتملص من عزيز، وإرتخت إيد عزيز عنُه من الصدمة
بص عزيز لعيسى وجه ينطق راح عيسى مكشر وقال بنبرتُه المرضية: مفيش حد بحبه مات، كلهُم عايشين.. أمل والحج الغُريبي، وأبوها وأمها، ومستنييني.. دلوقتي طلعني برا.
سيليا غطت بوقها بإيديها وهي بتبُصلهُم بصدمة راح عزيز ساحِب عيسى لحُضنُه وهو بيملس على ظهره ومغمض عينيه لإنُه إفتكر أبوه هو كمان.
عيسى زق عزيز من صدرُه وهو بيقول بهستيريا: ياعم إبعد عني أنا خارِج خارِج.
عزيز بحزم وغضب صارِم: يابني إفهم بقى!! هتخرج هتلف في الشوارِع مش هتوصل لحاجة لإن مفيش مكان تقدر تسافِر منُه لمصر، إقعُد أنا هتصرف.
سيليا بشفقة على حالة عيسى: أنا هكلم بابي، متقلقش يا عيسى هيسفرك متقلقش.
سحبت سيليا الفون وبدأت تتصل على بدر، وعزيز مُتحكِم في حركِة عيسى خوفًا عليه من نفسُه ومن الحُزن العميق اللي مُمكِن يضُره.
أنت تقرأ
' عودة سُـــفــراء العــبــﺚ '
Actionقد عاهدت ذاتي، وعاهدت الجميع في المرة الأخيرة، أنني تركتُ العبث خلفي، ورحلت.. ها أنا ذا أنكُس بـِ عهدي رغمًا عني، لقد حاولت أن تظل الهالة المُسالِمة حولي، لكِن أجنِحة الشيطان تملكتني، وأخفت تِلك الهالة، سفير العبث يُحدِثكم الأن وهو مُستظِل ب...