الفصل الثالث: المواجهة

26 3 0
                                    

في طريق عودتي للمنزل، خطر في بالي بأنّه قد يكون نجم الفتى الّذي قتل الأساتذة في الثانوية. أعلم بأنّني أقترب من حافّة الجنون، لكن عليّ أن أجد إجابة ما. وكأوّل خطوة، قرّرتُ زيارة منزل السيّدة نورة والدة نجم، والّتي لا تزال تعيش على ذكراه وترفض أن يقول عنه الآخرون بأنّه قاتل.

زيارة منزلها ليس بالأمر السّهل، فالإشاعات تقول بأنّ منزلها مسكون بأرواح من قتلهم ابنها، لكن من يهتمّ! فقد قابلتُ شبحا!

استضافتني السيّدة بلطف في منزل جميل مليئ بأنواع الأزهار الّتي تضفي بهجة على المكان. ليس هذا ما توقّعتُه بعد كلّ الأكاذيب الّي أطلقها النّاس عليها!

تبادلنا أطراف الكلام إلى أن جعلتُها تتحدّث عن ابنها. كان واضحا لي بأنّ الألم يعصرها وهي تلفظ اسمه، لكن كنتُ مضطرّة للمتابعة لأصل إلى ما أريد.

-"هل يمكن أن أرى صورة لنجم، كما ترين لستُ صحفيّة أرغب في سرقة صورته، لكنّ لي فضولا لأراه"

حاولتُ أن أكون مهذّبة قدر الإمكان، وقد نجح ذلك وقالت بأنّها ستحضر لي آخر صورة تمّ التقاطها له.

بقدر ما كنتُ أتمنّى أن يكون نفس الفتى الّذي التقيتُه في الثانوية، فقد كنتُ أشعر برعشة لمجرّد التّفكير بأنّني أتعامل مع شخص ميّت، أو ربّما عالق في حلقة زمنية، أو...

-"تفضّلي يا ابنتي، أظنّها أجمل صورة لولدي الغالي"

خرجتُ من دوّامة أفكاري حين فأجأتني بوضع الصّورة بين يديّ، كلّ ما عليّ فعله الآن هو النّظر إليها.

-"إنّه هو"

أجل إنّه هو، نفس الفتى الّذي قابلتُه اليوم.

لم أنتبه إلى أنّني ارتكبتُ خطأ فادحا عندما تحدّثتُ بصوت عال، إلّا حين انتبهتُ لتحديق السيّدة بي.

-"أ...قصدتُ أن أستغرب، لا أصدّق أنّ صاحب هذه الملامح البريئة هو نفسه ذاك القاتل"

كان عليّ أن أبعد الشكّ عن ذهنها وإلّا وقعتُ في المشاكل. ولحسن الحظّ صدّقتني وراحت تسرد عليّ قصص ابنها، والسّعادة تغمر وجهها الّذي طغت عليه تجاعيد الحزن لتخفي قسماته الجميلة.

عدتُ للمنزل متأخّرة، وحين سألني والدي عن السّبب، قلتُ ساخرة بأنّني كنتُ ألعب مع أشباح الثانوية!

وبمجرّد أن لفظتُ كلمة أشباح، اقترب منّي أخي الصّغير المغفّل قائلا بحماسة " كيف تبدو؟"

هه! يقصد الأشباح!!

-" أممم، ملابسه أنيقة، له تسريحة شعر مميّزة وعينان خضراوان ساحرتان..."

خلال حديثي، انتبهتُ إلى نظرات أخي الّتي تتهمني بالكثير، فمنحتُه ابتسامة ساخرة وقلت "كذبوا علينا حين قالوا بأنّ الأشباح مخيفة!!"

في تلك اللّيلة لم أستطع النّوم لشدّة تلهّفي إلى الغد. عليّ أن أواجه نجم... أو شبحه أو أيّا يكن!

في اليوم التّالي وفي حصّة الفيزياء، وزّعت علينا الأستاذة مشاريع بحث. والأمرّ بأنّها قسّمتنا على هواها، ومع من وضعتني؟ آه يا إلهي، مع أمجد!!

لم تستطع رؤى أن تخفي غيرتها لأنّني سأعمل معه، أمّا أنا فكنتُ أشتاط غيضا من حظّي السيّء!!

في فترة الغداء تسلّلتُ كما العادة متّجهة نحو ذاك الممرّ، وإذ بأمجد يستوقفني قائلا "من الفتى الوسيم الّذي كنتِ تبحثين عنه؟"

آه أجل، عثر لي على زلّة!!

بالأمس وحين سألتُ الطلّاب عن نجم، وصفته بأنّه وسيم.

-"وما شأنك أنت؟"

بلهجة قاسية حاولتُ إبعاده عنّي، لكنّه فاجأني بابتسامة ماكرة أتبعها بقوله "لا تنسي بأنّنا معا في مشروع الفيزياء، لذا ستتعاملين معي رغما عنك"

يا لوقاحته! لم ينتظر منّي أيّ ردّ وغادر من فوره.

على أيّ حال، أنا مشغولة الآن وإلّا كنتُ رميتُه ببعض الكلمات اللّائقة!!

دخلت الممرّ، والغريب بأنّني في هذه المرّة لم أشعر بالخوف ولم يتغيّر تسارع نبضي، ربّما لأنّني أعرف من أواجه... حسب ما أعتقد!

ومرّة أخرى، رأيت تلك الغرفة وتقدّمتُ منها بثقة. وقبل لحظة من فتحي للباب، رأيت يدا تمسك بيدي و شعرت به واقفا خلفي.

كان نجم بنفس ملامحه ونفس ابتسامته.

-" أعلم من تكون، لذا لا داعي للاختفاء"

رأيتُ شيئا من الدّهشة على وجهه حين سمع عبارتي. واصل التّحديق بي ثمّ شعرتُ بأنّه سيختفي ثانية.

-"أستطيع مساعدتك... نجم!"

-"أنا لم أقتل بإرادتي"

ثمّ اختفى...

سمعتُ صوته أخيرا، نبرته هادئة وتدلّ على ثقة كبيرة. لا أدري لماذا لكنّني أصدّقه!! يستحيل لفتى مثله أن يقتل.

انتظرتُ بعضا من الوقت علّه يظهر ثانية، لكن دون جدوى. حتّى الغرفة قد اختفت، ولهذا عدتُ للمطعم قبل أن يلحظ أحدهم غيابي الطّويل.

ما يدور في رأسي الآن هو أنّني سأعود في الغد، عليّ أن أجبره على الكلام!


ثانوية الأشباححيث تعيش القصص. اكتشف الآن