شعرتُ بأنّ الجوّ قد توتّر بيننا أمّا أمجد فقد ظلّ صامتا، عليّ أن أتصرّف!
-"سأجعلكَ تخرج، أعدك"
لا أدري من أين لي كلّ هذه الثّقة بقدرتي على فعل ذلك، لكنّني سأبذل جهدي.
ابتسم نجم حين سمع عبارتي ثمّ قال "ليكن ليلا، إن كان ذلك لا يزعجك"
-"أستطيع تدبّر الأمر. لكن هل يمكنكَ الإنتقال إلى مكان لم تره من قبل؟ أقصد المزرعة..."
-"ومن قال أنّني لم أفعل، لا تنسي بأنّها أملاك والدي وقد دخلتُها من قبل"
وكأنّنا اتّفقنا على كلّ شيء. وبعد فترة من الصّمت قال أمجد "ماذا عنّي؟"
-"سنمرّ عليك ليلا لذا ترقّب حضورنا"
حدّدنا الموعد، ورغم أنّني أجازف بالخروج ليلا، إلّا أنّه الحلّ الوحيد.
عدنا أنا وأمجد إلى الصفّ، وقد صار الطلّاب يرمقوننا بنظرات مريبة بسبب رؤيتهم لنا معا أكثر من مرّة! وكأنّه تنقصني المزيد من الهموم!
في مساء ذاك اليوم وحين نام الجميع، أقفلتُ باب غرفتي وجلستُ أفكّر فيما عليّ فعله. في الثانوية كنتُ أحتاج للتحدّث معه فأجده أمامي. ما الّذي عليّ التّفكير فيه الآن ليتمكّن من سماعي؟!
جرّبتُ الكثير من العبارات داخلي دون فائدة، إلى أن بدأتُ أشكّ في قدرتي على ذلك!
لمَ أفعل كلّ هذا؟! لمَ أخاطر بنفسي بحماس؟! لمَ أشعر بالخوف من النّهاية؟ نجم... أنا لا أريدك أن تختفي، لو كان الأمر بيدي فبقاؤكَ على هذه الحال بقربي أفضل من اختفائك، لكنّني أعلم بأنّ تفكيرا كهذا سيكون أنانية منّي! ليتَ شيئا من هذا لم يحصل، ليتني لم ألتقك، ليت شيئا لم يحصل لك، لما كنتُ الآن... لما كنت... لما كنتُ متعلّقة بك!!
-"لن يفيدكِ التمنّي!"
صوت نجم! رفعتُ رأسي لأجده أمامي، لقد نجحت! لا أدري كيف لكنّني نجحتُ وأخرجته...!
وقفتُ وأنا غير قادرة على النّظر إليه. أعلم بأنّه سمع ما قلتُه، الأمر صار خارجا عن السّيطرة ولم يعد بإمكاني إنكاره!
اقترب هو من النّافذة ثمّ تقدّم منّي وقال "سنخرج من هنا بسهولة، لكن سيكون علينا الذّهاب لمنزل أمجد سيرا اتّفقنا"
لم أستطع أن أقول شيئا فقال هو مبتسما "من الطّبيعي أن نتعلّق بالأشخاص المتواجدين في حياتنا، و من السّهل نسيانهم حين يختفون، لا داعي لأن تخافي من مشاعرك"
مرّة أخرى يقوم بمواساتي، لكنّ كلامه صحيح رغم أنّه مؤلم. أمسكتُ بيده مباشرة وقلت "لنذهب"
أخرجني هو من المنزل ثمّ سرنا بحذر إلى أن وصلنا إلى منزل أمجد، وكان جيّدا بأنّنا وجدناه خارجا بانتظارنا.
أمسك نجم بكلينا وقال "أرجو أن أنجح"
وردّ عليه أمجد ساخرا "أرجو أن لا نضيع في الفراغ مثلا!"
وكما هي العادة، انتقلنا إلى مكان آخر دون أن نشعر بشيء. كانت أمامنا بوّابة ضخمة عليها الكثير من الحرس ولم يكن بيننا وبينهم إلّا الأشجار المحيطة بالمكان. أخذ نجم نظرة تفحّصية ثمّ قال "لم يتغيّر كثيرا"
كان واضحا بأنّ تلك الأسوار الضّخمة تحوي مساحة شاسعة، وهو ما جعل سؤالا يتبادر إلى ذهني "هل علينا نبش أرض المزرعة كلّها بحثا عن تلك الجثث؟"
-"لا فأنا أعرف أين دفنها، هناك منطقة ذات تربة ميتة غير صالحة للزّراعة، أي إنّها خالية من أيّ نباتات، لن يجد مكانا مثاليا أكثر منها"
يبدو بأنّ نجم واثق من كلامه. قام بعدها بنقلنا ثانية لنجد أنفسنا وسط الأرض الّتي تحدّث عنها ثمّ قال "سأتفقّد المكان وأعود، ابقيا هنا"
الغريب بأنّ المكان كان مضاءا بكواشف ضوئية، لكن مع ذلك لم يكن هناك أيّ نوع من الحراسة في الدّاخل، بدا المكان هادئا للغاية!
لم يمض الكثير من الوقت حتّى عاد نجم وهو يحمل معولين وقال "سنستخدم الطّريقة القديمة"
بعدها قدّم واحدا منهما لأمجد وقال بابتسامة "شمّر عن ساعديك"
ثمّ التفت إليّ وقال "أسيل راقبي المكان حولنا، لا يزال والدي لا يستخدم حرسا داخل أراضيه، لكن مع هذا علينا الحذر"
في الحقيقة هو لا يحتاج مراقبا حقّا، إنّما لا يريدني أن أشارك الحفر معهما!
بدأتُ بالتّحديق إليهما وهما يحفران ويتبادلان عبارات السّخرية، كانت مراقبتهما ممتعة بالنّسبة لي!
مضت أكثر من ساعة، ورغم أنّني حاولتُ المساعدة، إلّا أنّ كلاهما رفض وقال أنّه لم يتعب بعد، مع أنّ الإرهاق كان باد عليهما!
وبعد مضيّ المزيد من الوقت، سمعتُ أمجد قال "نجم تعال"
عرف كلانا بأنّه عثر على شيء ما، فاقتربنا منه لنرى ما يشبه رفات عظام. تقدّم نجم ووسّع الحفرة لنجد المزيد من الرّفات، جماجم و عظام!
هذا يدلّ على أنّه لم يدفنها في قبور متفرّقة، بل رماها وسط التّراب وحسب. ألا يملك ذاك الرّجل أيّ قلب؟!
لم يبق من الجثث إلّا العظام، لكنّها كافية لإثبات جريمة فاضل ذاك. قام بعدها كلّ من نجم وأمجد بتسوية التّربة كما كانت ثمّ قال نجم "لقد تأكّدنا من وجودها وهذا يكفي، علينا الذّهاب"
حين رتّبنا كلّ شيء عدنا من حيث جئنا، ثمّ أعادني نجم لغرفتي.
بدا المكان هادئا حين عدت، وهذا من حسن حظّي!
رأيتُ نجم يجول بنظراته في المكان ثمّ قال "غرفتك؟"
-"آه... أجل"
-"لم يزعجكِ المنظر الّذي رأيناه؟"
-"أ... ليس كثيرا"
وفجأة رأيتُه ابتسم ثمّ اقترب منّي وقال "جيّد فأنتِ تحتاجين للنوم، أنتِ ترهقين نفسكِ بالتّفكير أكثر من اللّازم"
لم أقل شيئا لأنّني لم أعرف ما أقول، فاستطرد قائلا وهو يحدّق بي "لن أنكر بأنّني تمنّيتُ ذلك أيضا، تمنّيتُ لو أعود للحياة الطّبيعية، لأجلك!"
لكن للأسف، يستحيل تحقيق أمانينا!
اختفى هو مباشرة بعد أن قال عبارته الأخيرة. ورغم سعادتي بما قاله وشعوري بأنّني شخص مؤثّر في حياة الآخرين، إلّا أنّ ألمي قد زاد أضعافا!
أنت تقرأ
ثانوية الأشباح
Misterio / Suspensoأسيل، طالبة في الثانوية، يقودها الفضول إلى إحدى الغرف الغامضة في ثانويتها الجديدة ، لتجد بأنّ الشائعات الّتي تدور حول كون الثانوية مسكونة هي شائعات حقيقية، حيث تجد نفسها أمام شبح لفتى غامض، إضافة إلى العديد من الألغاز.