الفصل 28: فكّ اللّغز

18 1 0
                                    

لم أتوقّع لقاءا بينهما بهذه السّرعة، يبدو الغضب جليّا في عينيّ نجم لكنّه مع هذا لا يزال يحتفظ بهدوئه، كما وأنّه يترك مسافة بينه وبين والده.

حدّق فاضل بنجم للحظات ثمّ همّ بالإقتراب، وفورا هتف أمجد قائلا "إيّاك أن تتقدّم أكثر"

توقّف السيّد في مكانه وقال بملامح ساخرة "لك دائما جماهيرك يا نجم! أكره أن أعترف بهذا، لكنّك تتفوّق عليّ في كلّ شيء"

-"إيّاك أن تقارنني بنفسك!"

قالها نجم بلهجة حادّة تحمل من الحقد ما هو أكثر بكثير من الغضب، وكأنّها الطّريقة المعتادة للتّعامل بينهما، أيّ حياة حظيت بها يا نجم؟!

حوّل فاضل نظراته إلى السيّدة لينا ثمّ عاد لينظر إلى نجم وقال "كن صادقا مع نفسك، كما استخدمتُ أنا التّعويذة لمصلحتي، فقد استخدمتَ أنت أيضا واحدة لمصلحتك، أنت تشبهني تماما"

همّ نجم بالردّ عليه لكنّ السيّدة قاطعته بأن قالت وهي تحدّق بفاضل "من الأفضل أن تسأل أيّ واحدة استخدم!"

وباستهزاء أكثر ردّ هو قائلا "لا يهمّ، فقد فشل وكنتُ أنا الفائز"

-"مخطئ!"

كانت هذه الكلمة كافية منها لتمسح تلك الإبتسامة من على وجه فاضل، ثمّ استطردت قائلة "التّعويذة العاكسة، وهي لم تفشل، بل إنّ الوقت قد حان ليبدأ مفعولها"

لم يستطع فاضل الذّهبي أن يخفي دهشته وخوفه ممّا قالته، ثمّ قال بتردّد "أنتِ تكذبين"

عندها اقتربت منّي السيّدة لينا وقالت "أسيل، ما رأيكِ بأن تفتحي تلك الغرفة ليتأكّد السيّد فاضل من كلامي؟"

أهي جادّة؟ تريدني أن أخرج تلك الأشياء؟ لم أكد أستوعب ما قالته، وإذ بي أسمع صوتا غريبا، وحين التفتّ، رأيتُ فاضل قد جثى على ركبتيه وهو يرتجف بشدّة.

اقتربت حنين من السيّدة لينا وقالت "هل أنتِ جادّة بشأن فتح الغرفة؟"

وفجأة ابتسمت السيّدة ثمّ قالت "فتح الغرفة الآن يعني أن يُسحب فاضل الذّهبي إليها ويعيش أبديته على شكل وحش لا يشعر بوجوده أحد"

لا أفهم، كنتُ أظنّني إن فتحتُ الغرفة فستتحرّر تلك الأشياء وتؤذي كلّ من حولها. التفتُّ إلى نجم وكأنّني أطلب منه تفسيرا فقال مباشرة "كنتُ أظنّ ذلك أيضا، لكن يبدو بأنّ تعويذتي قد نجحت بشكل ما وأنا الآن قادر على تحرير أرواح الأساتذة في أيّ وقت أريده"

-"سيّد فاضل"

انتبهنا جميعا حين نادت عليه السيّدة لينا، ثمّ استطردت قائلة "لديك خياران الآن، إمّا أن تسلّم نفسك للشّرطة وتعترف بأنّك القاتل وبأنّ نجم بريء من كلّ ما قيل عنه، أو أن تمضي بقيّة حياتك حبيس تلك الغرفة، ما قولك؟"

رفع فاضل الذّهبي رأسه ودموعه تسيل على خدّيه، ثمّ قال وهو ينظر إلى نجم "سامحني يا بنيّ، أرجوك، أعلم بأنّ قلبك مليء بالرّحمة"

انتفض نجم حين سمع كلمات والده ثمّ تقدّم منه، ومباشرة وقفنا أمامه أنا وحنين وأمجد لنمنع أيّ احتكاك بينهما، نظر إلينا نجم ثمّ حدّق بوالده للحظات قال بعدها "لولا أصدقائي الّذين تراهم هنا لما كان لديك خياران، لو عاد الأمر إليّ لاخترتُ لك العذاب الأبدي أيّها ال..."

صوت سيّارات الشّرطة! لا شكّ أنّ إياد قد نجح في تفتيش المزرعة.

انتبه فاضل إلى الصّوت وهو لا يكاد يصدّق كلّ ما يحدث حوله، عندها قال أمجد "لا داعي لأن تستغرب، فقد أتوا لأجلك"

لكن هناك شيء لا أفهمه، التفتُّ إلى السيّدة لينا وقلت "ما الّذي يضمن لنا بأنّه سيعترف بكلّ ما فعل؟"

-"لأنّ التّعويذة ستلازمه طوال حياته، وستكونين أنتِ القائمة عليها دائما، وحتّى إن حاول قتلك مثلا فلن ينجو، لأنّه بمجرّد أن تشعر الغرفة بغيابك فستفتح من تلقاء نفسها"

-"ماذا عن نجم؟ ما الّذي سيحدث له الآن؟"

حدّقت بي السيّدة دون أن تقول شيئا، ثمّ رأيتُ نجم اقترب منّا وهو ينظر إليّ بنظرة غريبة، كانت عيناه مليئتان بالدّموع، وقبل أن أسأله أمسك بيد السيّدة و اختفيا!

ما الّذي يقصده بحركته هذه؟ وما سرّ تلك النّظرة؟ وإلى أين ذهب الآن؟

دخل رجال الشّرطة الثانوية، ودبّت الفوضى في كلّ مكان، كان لاعتقال فاضل الذّهبي وقع مدويّ بين الطلّاب. الجيّد في الأمر أنّ أحدا لم يزعجنا أنا وصديقيّ، يبدو بأنّ إياد لم يذكر أسماءنا!

حين غادر رجال الشّرطة وهدأت الأحوال، سألتني حنين ونحن في ساحة الثانوية قائلة "أين نجم؟"

-"لا أعلم"

مجرّد التّفكير في الأمر يخيفني، أيُعقل أنّه...!

فاجأني أمجد حين قال "ألم تناده؟ ظننتُه أراد أن يجنّب السيّدة لينا العناء فأبعدها عن المكان، لمَ لم يظهر بعد؟!"

-"أخشى..."

كلاهما ينظران إليّ وينتظران ما سأقوله. بارتباك واصلتُ كلامي قائلة "أخشى بأنّه اختفى... إلى الأبد!!"

-"هل قال لكِ شيئا ما؟"

-"لا"

اكتفى فقط بتلك النّظرة الّتي مزّقت جوفي..!

الأمطار تتساقط. رفعتُ رأسي إلى السّماء لأراها ملبّدة بغيوم رمادية، وكأنّها تحكي ما بقلبي من حزن. ولأنّ قلبي لم يعد يتحمّل الكتمان، بدأت دموعي تنساب مع قطرات المطر. أين أنت يا نجم؟ أيُعقل أن ترحل دون أن تودّعني، لست قاسيا لتفعل بي هذا...!


ثانوية الأشباححيث تعيش القصص. اكتشف الآن