حين سقط نجم شعرتُ بخوف شديد عليه، وما كان منّي إلّا أن صرختُ باسمه ثمّ اندفعتُ إليه أنا وحنين.
هو مستيقظ وأمجد لا يزال يمسك به من خلفه، لكنّه يغطّي وجهه عنّا بذراعيه، إضافة إلى أنّ صوت أنفاسه مرعب، وكأنّه يتنفّس بصعوبة!
قرّب أمجد وجهه منه وقال بهدوء "نجم تمالك نفسك"
بعدها بدا نجم وكأنّه يستعيد توازنه، وبدأت أنفاسه تنتظم من جديد، وبعد لحظات قال وهو لا يزال يغطّي وجهه "لا تقلقوا أنا بخير، لستُ خائفا منه ولستُ أشعر حتّى بالغضب لأجل نفسي، إنّما... إنّما أخشى بأنّني إن رأيتُه فلن أستطيع منع نفسي من أذيّته...!"
هو الآن يحتاج لمساعدتي. تشجّعتُ ثمّ قرّبتُ يدي منه إلى أن أمسكتُ بذراعه، شعرتُ بأنّه انتبه ليدي، عندها أبعدتُ ذراعه عن وجهه، وحين تمكّنتُ من رؤيته ينظر إليّ ابتسمتُ وقلت "لا تقلق بهذا الشّأن، سأكون معك"
في تلك اللّحظة حدّق بي نجم مطوّلا بنظرات غريبة. لم أفهم ما الّذي يقصده، وعندما تغلّب عليّ الارتباك قلت "ما... مابك...؟"
-"لا شيء"
قالها بابتسامة ثمّ وقف وكأنّ شيئا لم يحدث. هل فقد اتّزانه مثلا؟.أو... هل يقوم بقراءة مشاعري مرّة أخرى؟ أو أفكاري؟ أو كلاهما!!
وقفنا جميعا واكتفينا بالتّحديق ببعضنا في جوّ غريب وصامت، ثمّ رأيتُ أمجد طوّق نجم بذراعه في حركة استفزازية وقال "لا تهتمّ، سأوقفك بالقوّة إن تطلّب الأمر"
هه! وكأنّه كان يبحث عن فرصة لذلك!
ابتسم له نجم ثمّ انفلت منه وقال بسخرية "جرّب فقط وانتظر النّتيجة"
اكتفينا أنا وحنين بمراقبتهما، ثمّ فاجاتني هي بأن اقتربت منّي وقالت "مزاجية ذاك الفتى مرعبة!"
في الواقع تلك ليست مزاجية، بل إخفاء للمشاعر وحسب!!
-"ليس لدينا الكثير من الوقت، لذا علينا أن نقرّر ما سنفعل"
التفتنا جميعا إلى حنين بعد عبارتها الجادّة، ثمّ استطردت هي قائلة "إن كنّا سندين فاضل ذاك، فلن نجد فرصة أفضل من فرصة تواجده في البلدة!"
-"معكِ حقّ، وبشأن إياد، أنا أرى بأنّ التّعاون معه سيكون لمصلحتنا"
حدّقتُ بنجم منتظرة تعليقا منه على فكرتي فحوّل هو نظراته إلى حنين وقال "أريد ان أعرف، هل يملك شقيقك القوة لفعل ذلك؟ وهل يرضيكِ أن نورّطه في هذا؟"
-"يمكنكَ أن تعتمد على إياد في هذا. فما دام يلاحق فاضل الذّهبي، فهو حتما لن يهدأ حتّى يوقعه. وعلى أيّ حال، حتّى أنا قد تورّطتُ في هذا لذا لا تقلق"
كلمات واثقة ومرتّبة من حنين كعادتها. ومن خلال ملامح نجم، يبدو بأنّه يشعر بالرّاحة بعد ما قالته.
في الأخير، اتّفقنا على أن نخبر إياد بما نعرفه وأن نطلب منه تفتيش القبور، لكنّنا لن نذكر أمامه أيّ شيء عن التّعويذة أو عن ظهور نجم!
كان علينا أن نعود للقسم، وحين قرّرنا المغادرة، سمعتُ نجم نادى باسمي وقال "أريدكِ قليلا"
طلبه هذا لم يفاجئني أنا فقط بل بدا غريبا لأمجد وحنين أيضا. حدّقتُ به وأنا لا أدري ما أقول، ثمّ نظرتُ إلى حنين وأنا أعرف بأنّها لن تسمح لي بالبقاء، عندها اقترب نجم ثمّ قال وهو ينظر إليها "لا تقلقي، أريد أن أتحدّث معها للحظات وحسب"
أومأَت هي برأسها ثمّ قرّرت الذّهاب وخلال ذلك انتبهتُ لتحديق أمجد بي، وحين نظرتُ إليه أشاح بوجهه عنّي ثمّ رحل بصمت، لا أحبّ نظراته هذه!
حين ابتعدا بما فيه الكفاية، التفتُّ إلى نجم منتظرة ما سيقوله فابتسم وقال "يبدو بأنّه لم يعد مسموحا لي بأن أتحدّث معك!"
-"آه عذرا، هكذا هي حنين دائما"
رأيتُه زاد اقترابا منّي ثمّ قال بهدوء وهو يحدّق بي "أشعر بأنّ نظراتكِ إليّ قد تغيّرت، هل من خطب؟"
-"لا أبدا، أنا فقط أركّز على المهمّة، وعدتُك بأنّني سأساعدك وها أنا أفعل"
لا يزال يحدّق بي لكن بارتباك مفاجئ، لوهلة شعرتٌ بأنّه يحاول أن يقول شيئا ما، وكأنّني أعرف ما سيقول!
حين همّ بالكلام قاطعته قائلة "لا داعي لذلك الآن، إن كان هناك ما تريد قوله فأجّله إلى يوم الوداع، على الأقلّ... اجعني أتألّم مرّة واحدة فقط"
استمع هو إلى كلماتي بارتباك أكثر ثمّ حوّل نظراته عنّي وقال "أنا آسف"
هذا... ليس حوارا من النّوع الّذي يفضّله نجم. لطالما كان يختفي من أمامي حين يشعر بأنّ حديثنا سيتخطّى بعض الخطوط. على أيّ حال، كانت أنانية منّي أن أفصح عن حزني لأجل ما يحدث له، لن أجعله يرى ذاك الجزء منّي الآن. عليّ أن أسعى بكلّ ما أستطيع لأجل الإيقاع بالمجرم، هذا هو سبب لقائي بنجم!
حين عدتُ إلى الصفّ، وجدتُ بأنّني متأخّرة عن حصّة الرّياضيات. ولحسن الحظّ بأنّ الأستاذ سمح لي بالدّخول، لكنّه اشترط أن أحلّ المسألة الّتي كان قد همّ بحلّها، يا إلهي!
دون الحاجة لأن أتاكّد، أنا أعلم بأنّ أمجد يراقبني الآن، وإن أخطأتُ فسينتهي أمري!
في الحقيقة، لقد درستُ بالأمس. أمضيتُ اللّيل بالدّراسة بسبب تهديد أمجد، وأرجو أن يثمر ذلك الآن!
بضع لحظات وانتهيتُ منها وأنا أشعر بأنّني اتصبّب عرقا، وحين التفتُّ إلى الأستاذ بصعوبة قال "أحسنتِ!"
هاه! لقد نجحت! لا أصدّق بأنّني فعلتُها. عادت إليّ حيويّتي ثمّ نظرتُ إلى أمجد فرأيتُه يبتسم لي. رغم أنّه مزعج، لكنّه يفعل ذلك لأجلي، وهذا يعطيني شعورا بالسّعادة!
خلال فترة الغداء وجدنا إياد بانتظارنا، حان الوقت!
دخلنا معه مكتب المدير واستدعيتُ نجم إليه أيضا. لم يفكّر إياد بالجلوس حتّى إنّما قال مباشرة بعد أن أغلق الباب "ما هو قراركم؟"
-"نحن نملك دليلا على تورّط فاضل الذّهبي في الجريمة، وموافقون على التّعاون معك"
بدأ العدّ التّنازلي، هذا ما أشعر به!
أنت تقرأ
ثانوية الأشباح
Bí ẩn / Giật gânأسيل، طالبة في الثانوية، يقودها الفضول إلى إحدى الغرف الغامضة في ثانويتها الجديدة ، لتجد بأنّ الشائعات الّتي تدور حول كون الثانوية مسكونة هي شائعات حقيقية، حيث تجد نفسها أمام شبح لفتى غامض، إضافة إلى العديد من الألغاز.