الفصل الثاني: باب الذكريات

163 11 25
                                    

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

وقف أمام باب تلك الشقة بأقدام مرتعشة، إنه هو المبنى السكني الذي سكن فيه مع والديه قبل إختفائهما، لم يعد يقول موتهما، فقد أتاه الأمل إذن عليه التشبث به. نظر حوله، له ذكريات مع كل سنتيمتر مربع في هذا المبنى، هنا كان يركض سعيدًا بعد عودته من المدرسة مع والده لتسقبلهما والدته بالعناق، هنا تعالت الضحكات، و كثُرت الهمسات صادقةً تنبض بالحب.

أدخل المفتاح في الباب ثم أدار المقبض و صوت أنفاسه يعلو، دفع الباب فرأى... رأى المكان كما هو مع بعض الغبار، و كأنه عاد بالزمن للوراء، له ذكرى يشتاق إليها في كل زاوية من زوايا البيت، كيف ينسى حين جلس مع والده على هذه الأريكة بعد شجار افتعله مع زميله ليعرّفه خطأه من صوابه؟ كيف ينسى حين كانت والدته تطهو له الطعام و تقدمه على تلك الطاولة ليأكلوه مع ضحكات المشاكسة؟ لم تكن والدته تجيد الطهو، لكنه لم يجد طعامًا أزكى من طعامها فقط لأنه كان من يديها، كيف ينسى حين كانت والدته تجلس على ذاك الكرسي، تقص عليه الحكايات؟ وجدت عبرةٌ سبيلها لتنزل من عينه اليُمنى حملت آلام الحنين وأنين الشوق شعر بانسحاق قلبه معها، بالله عليكم كيف ينسى؟

خطا نحو الداخل و قد ترك قدميه المتشوقة لدخول غرفة أبويه تقوده نحو الداخل، دلف إلى غرفته قديمًا، فراش واحد صغير مع خزانة صغيرة أيضًا، عادت إليه لحظة غدت في الماضي البعيد حدثت هنا، حين حمل شقيقته "إسراء" لأول مرة، قال حينها متحمسًا و هو يقفز للأعلى:
- عايز أشيلها، عايز أشيلها.
ردّت أمه ضاحكةً على ولدها البريء و هي تعدل من وضع الصغيرة حيث يكون من السهل حملها:
- استنى يا واد هتشيلها اهوه اصبر شوية.

جعلته يحملها و هي تضع يدها تحت يده كي لا تسقط الصغيرة. أحسّ "عمر" الصغير-حينها- برعشةٍ امتدّت حتى كامل جسده، ثمّ نظر لشقيقته نظرةً تحمل بين ثناياها أصدق أنواع الحب، إنه الحب الذي يمتدّ من الطفولة إلى الشيخوخة، حب الإخوة! وضعت الأم طفلتها على الفراش بعدما اكتفى "عمر"، و بقي يداعبها و يحاول إضحاكها، قالت الأم بنبرة محبة صادقة خرجت من سويداء قلبها:
- يارب حنن قلبه عليها وحببهم في بعض، يارب قويهم ببعض، يارب خليه سندها وظهرها الي عمره ما يتكسر.
سمعت صوت الأب "إبراهيم" الذي كان يشاهدهم من بعيد بنشوة يقول:
- هيستجيب يا حبيبتي، هيستجيب.
وقد صدق.

قال "عمر" عابسًا متعجبًا من عدم ضحك الصغيرة رغم مداعبته لها:
- هي مبتضحكش ليه؟ هي مبتحبنيش؟
ضحكت أمه ثم أخذت تشرح له أن الأطفال لا يضحكون في هذا السن.

وجد صورة فوتوغرافية مقلوبة ساقطة على الأرض، أثارت فضوله فجذبها ثم نفض التراب من عليها، نظر إليها وهو غارق في أنهار الحنين فوجدها صورة لوالديه، لكنهما أكبر سنًا.... أكبر بكثير! مازالت بوارق الأمل تتوالى عليه مثل سكبات الماء الباردة، تصدمه في البداية لكنها تُنزل عليه البرد و السكينة في يومٍ حارٍّ مشمس، نظر في ظهر الورقة فوجد عنوانًا آخر كان وحده هذه المرة، من هذا الذي يعبث معه حقًا؟!

هل بعد الفراق يا أمّي لقاء؟Where stories live. Discover now