السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
دخل الغرفة التي يحبس بها زوجته و عيناه تتقدان، فور أن دخل وجدها تنزل لتقبّل قدمه و هي تترجاه و تبكي بشكل هيستيري قائلة:
- أبوس رجلك خرجني من هنا... خرجني و صدقني مش هعمل الي عملته ثاني، و الله ما هعمل حاجة... خرجني و هفضل تحت رجليك.
لان "إسماعيل" بعض الشيء لكنه لم يظهر هذا بل قال متعمدًا إظهار البرود:
- ايه الي يضمن لي؟
نظرت له "شيرين" بتساؤل إذ لم تفهم قصده فقال:
- ايه الي يضمن لي إنك ما تعمليش كده ثاني و تفضلي تحت رجلي؟
بدأ بصيص من نور الأمل يتسرب إليها فعادت إلى توسلاتها بقولها:
- خد كل الضمانات الي أنت عايزها، الي تؤمر بيه بس سيبني أخرج.
- يعني ماعندكيش.
قال "إسماعيل" جملته ثم غادر الغرفة مغلقًا الباب خلفه.عادت "شيرين" تجلس في إحدى زوايا الغرفة بيأس،
من يرى "شيرين" زوجة "اسماعيل" التي تنفق جل مالها في التزين و تشتري كل ما أمامها من مساحيق تجميل و معطرات و أدوات، و قد بدت أصغر بكثير من عمرها، لن يتخيل أنها هي نفسها التي تجلس على الأرض منكمشة و قد أحاطها الشعث، أعرضت عنها كل مظاهر الجمال الذي كانت تتمتع به من قبل، بات شعرها الناعم مشعثًا، و عيناها المكحلتان المرسومتان بدقة متورمتين من كثرة البكاء.تشعر أن فناءها سيكون بين الأربع جدران، لم تغادر الغرفة منذ مدة طويلة، حتى باتت تُحس بأن الجدران تنغلق و أن الغرفة تضيق عليها، ليست غرفة بل هي زنزانة!
بجانب ضيقها و قهرها في زنزانتها، كانت تشتعل من الداخل غيرةً على "إسماعيل". تعلم أنه يحب "هدى" منذ زمن و أنها هي حبه الأول، لكنها ظنت أنه نسيها بحكم أن شقيقه تزوجها، حاولت كثيرًا تعويضه عن كل ما مرَّ به، لكنه لم يكن كافيًا لينسى، كانت تحاول أن تحدثه برقة كي يرى أنوثتها، تتزين دائمًا من أجل أن يراها في أبهى صورة، لم تكن تكثر من التزين في صغرها قبل أن تعرفه بل كانت بسيطة و لا تهتم بمظهرها، لكن الجميع الآن يعرفها بصورة المرأة التافهة التي لا تتقبل كونها كبرت في السن و هي فقط تحاول إرضاءه علّه يراها جميلة و ينسى "هدى".
لم يرَ كل هذا بل كان متيمًا بـ"هدى" حتى أنه فاتحها في أمر حبه لها قبل مدة قصيرة، و هي زوجة أخيه!
في الخارج كان "إسماعيل" شاردًا في الفراغ، قد يكون قاسيًا مع "شيرين"، "عمر" و "إسراء" لا يستحقان هذا من عمهما، هو يعلم أنه مخطئ في حق هؤلاء الثلاثة، لكنه لم و لن يسمح لأحد أن يخرب عليه انتقامه. ينتقم من أخيه... و من "هدى".... و من كل ما يقف في طريق انتقامه. على الأقل ترك له ابنيه أحياء، إن هذا أقل شيء يمكن فعله أمام من جرحته و اختارت أخاه... و أمام من قتل ابنه!
∆∆∆∆∆∆∆∆∆
- "عمر" هيبقى ايه رأيك لو أنا اتحجبت؟
كان سؤال "إسراء" مفاجئًا فالتفت لها "عمر" و قد احتلت وجهه علامات الاستغراب. قال:
- ايه السؤال ده؟
- ايه؟ بسألك لو أنا اتحجبت أنت هتكون حابب الموضوع ولا لا؟
- أشجعك على ده طبعًا، بس ايه الي خلاكِ تسألي السؤال ده فجأة؟ أنتِ ناوية تتحجبي؟
- مش عارفة، هو أنا بس جه في بالي الفكرة ديه الصبح قلت أسألك أنت ايه رأيك.
سكنت الحيرة عيني "إسراء"، فهي الآن كمن تكتشف شيئًا جديدًا. ليس الشيء الذي تكتشفه "إسراء" جديد، لكنه يظهر في طريقها هي للمرة الأولى، كانت تعلم بوجوده لكنها لم تلمسه، بل لم تفكر فيه من الأصل.
YOU ARE READING
هل بعد الفراق يا أمّي لقاء؟
No Ficciónنزل من وسيلة المواصلات التي ركبها و قد أصبح يفصله شارعان يعبرهما فقط ثم يصل إلى تلك الشقة مجددًا، يبدو ساكنًا من الخارج و بداخله امواج عاتية تكاد تُغرق كل شيء، و ذهنه يردد: هل بعد الفراق يا أمي لقاء؟ و قبل أن يخطو خطوته الأولى رآه....