الفصل الثاني والعشرون: سكّين

53 3 0
                                    

جلست "إسراء" على الأرض بجانب "عمر" المغمى عليه ودموعها تنهمر قلقًا على أخيها وشوقًا لرؤية والديها، وهي تنادي عليه وتهزّ جسده محاولةً إفاقته دون فائدة، وقد صارت تجلس بجانبه. لم تتعرض لموقفٍ مشابهٍ من قبل فلم تعرف كيف تتصرف. لبثت تنتحب لدقائق قبل أن تهاتف "إيناس"، أجابت "إيناس" فقالت "إسراء" مسرعة دون إعطاء "إيناس" الفرصة للسلّام:
- الحقيني يا "إيناس" "عمر" أغمى عليه ومش عارفة أعمل ايه
فُجِعت "إيناس" من نبرة "إسراء" فقالت مهدّئة:
- طب اهدي طيب حاجة بسيطة إن شاء الله، هو ايه الي حصل؟
ردّت "إسراء" بصوتٍ أعلى:
- مش عارفة يا "إيناس" مش عارفة، هو كان برة من نهار امبارح ورجع دلوقتي طبّ ساكت، حاولت أفوقه مااستجابش.
- طب قرّبي منه أي ريحة نفّاذة.

نفّذت ما قالته "إيناس" بأن تذكّرت وجود زجاجة عطرٍ في غرفة "عمر" فأحضرتها لتبخّ منها على يدها ثم تقرّبه من أنفه، لم يستجب كذلك فبخّت من زجاجة العطر على وجهه متذمرة، ليستفيق "عمر" متأوهًا بصوتٍ عالٍ ثم يطلق سبّةً غاضبًا إثر وصول العطر إلى عينه. لبث ساكنًا لمدّةٍ يستوعب ماهو فيه، تذكر كلَّ ما حدث فتنهد تنهيدةً طويلة. ليت التنهيدات تفلح في إخراج غيظنا وقهرنا. فرك عينيه وهو يسبّ "إسراء" لتردّ قائلة بعدائية:
- أعمل لك ايه يعني؟! ماأنت الي مش راضي تقوم، وبعدين ما كفاية الي أنت عملته والألغاز بتاعتك ديه.
قلّت العدائية في نبرتها وهي تردف:
- هسيبك بس ترتاح دلوقتي ونبقى نشوف الموضوع ده بعدين.
ثم قامت من على الأرض مادّةً يدها لشقيقها ليقوم مستندًا عليها.

ابتسم "عمر" نصف ابتسامة، رغم جنون "إسراء" وعصبيتها المفرطة، إنها تملك قلبًا نقيًّا، أسعده أنها خشيت عليه. استند على يدها ليقوم حتى وصلا إلى غرفته، تمدد على فراشه، أشفق على "إسراء" من هذه الليلة، التي لن تذوق فيها النوم في حين سيأكلها الشوق والترقب، الذي أكله لأشهر، لتُصدم بالصاعقة صباحًا. شعر بانسحاق قلبه وتصدع عقله حزنًا عليها، بالرغم من ذلك لم يقدر على إخبارها تلك اللحظة، لم يكن ليتحمل إنهيارها ولوعتها فوق كلّٓ ما قاساه ذاك اليوم، كان مرهقًا للدرجة التي تجعل التنفس أقوى فعلٍ يمكنه فعله.

                                 ∆∆∆∆∆∆∆∆∆∆

لم يكن صباحًا رائقًا بالنسبة لـ"إسراء"، بالكاد نامت لدقائق في ليلتها السابقة. غزاها الترقب وفتكت بها اللهفة، دخلت غرفة "عمر" فوجدته لايزال نائمًا. رغم سخطها عليه بسبب إخفائه عليها معلوماتٍ عن والديها، أشفقت عليه، لم تعرف أين كان لما يقرب من اليومين، ولا سبب إغمائه، لكنه بدا مرهقًا وكأنّ جبلًا سقط عليه.

قامت وحضّرت له شيئًا خفيفًا يأكله، فقد توقعت أن سبب الإغماء هو عدم الأكل لمدةٍ طويلة، لأنها تذكرت أنه لم يأكل حين نزل من البيت. أيقظته بصوتٍ حاولت جعله محايدًا ثم جلست على كرسيٍ وُجِد قريبًا من فراشه فيما أخذت تهزّ قدميها قائلة بصوتٍ عالٍ:
- أنا بقى لازم أعرف، ليه وازاي ماتقوليش حكاية إن أهلنا عايشين؟ وكنت فين من أول امبارح؟
قال بصوتٍ مبحوحٍ باهت:
- هحكيلك على كل حاجة بس قولي لي الأول، عرفتي منين إن أهلنا عايشين؟
أجابت سؤاله بأن روت عن زيارة "علي". اغتاظ "عمر" من صديقه الذي عرّفها كلّ شيء وستشعر بذات ألمه بسببه، لكن شعور الذنب سرعان ما تسلل إليه، ربما لو لم يتشاجر مع "علي" لكان توصل لأبويه أسرع ولكانا أحياء الآن، قبل أن يستعيذ بالله من الشيطان.

هل بعد الفراق يا أمّي لقاء؟Where stories live. Discover now