السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أعتذر جدًا على التأخير كنت منشغلة اليومجلست على أحد الكراسي الجلديّة في المطعم فأخذت تدق على حقيبة يدها ثم تشدها حتى كادت تهرسها من التوتر، تحاول توقع كيف سيكون اللقاء. دقائق قليلة ثم وجدت من طلبت لقاءها تجلس أمامها.
زاد توتر "جنة" و هي ترى "نسرين" - زميلتها في المرحلة الإعدادية و الثانوية - تنظر لها بعدائية أثناء قولها:
- اديني جيت اهو، عايزة مني ايه بقى؟كانت عين "جنة" تقطر حزنًا و ارتباكًا بينما كانت عين "نسرين" تقطر غلًّا. قالت "جنة":
- "نسرين" ممكن تسامحيني؟
نظرت لها "نسرين" مرتابة إذ لم تتوقع أن تطلب منها "جنة" طلبًا كهذا، فأسرعت "جنة" قبل أن تنطق الأخرى:
- أنا عارفة إنه طلب صعب، بس أنا بحاول أتغير.... بحاول أبقى أحسن، و نفسي تسامحيني.
داهمتها رغبة البكاء فجأة فنزلت دموعها قبل أن تستطرد:
- شوفي أنتِ محتاجة مني ايه عشان تسامحيني، اطلبي مني أي حاجة و هنفذها، إن شاء الله تاخدي سكينة و تطعنيني بيها،
ثم خفت صوتها و هي تقول بنبرةٍ غلبت عليها الرجاء:
- بس سامحيني.ظهر الارتباك في عيني "نسرين" لكنها ظلّت ثابتة، من الخارج فقط، عكفت على حالها لدقائق و هي تشاهد "جنة" التي دمّرت فترة مراهقتها بسبب تنمّرها تنتحب أمامها و ترجو عفوَها، و هي أقرب إلى عدم التصديق لما يحدث، لقد رسمت هذا المشهد كثيرًا في أحلامها، لكنه لم يكن بذات البهجة في الواقع، لم تشعر بالسعادة، بل بالقهر، و هي تراها أمامها مجددًا، هي عينها مصدر خوفها و قهرها لسنين من عمرها. نظرت لها "جنة" مستعطفةً مترقبةً لردها فقالت "نسرين" بعد وقتٍ حين فُكَّ لجام لسانها بازدراء ساخرة:
- عايزاني أسامحك؟!
ثم أطلقت ضحكةً مفتعلة قبل أن تقول:
- أنا بحاول أصدقك، أنتِ بتتكلمي جد؟! و جاية تطلبيها مني عادي كده؟! على أساس إنها حاجة سهلة بقى و عادي جدًا كأن السنين ديه كلها ولا حاجة.
زادت الحدّة في نبرتها و هي نقول:
- ثم أسامحك على ايه ولا ايه؟ على كمية التنمر الي هريتيني بيها؟ ولا على إنك خليتي الكل يكرهني بعدما كان الكل بيحبني؟ ولا على سنين المفروض إنها أسعد سنين في عمر ضاعت و أنا بفكر ازاي هعيش يوم كمان في وجودك؟ ولا على درجاتي الي نزلت الأرض بسببك؟
- أنا بحاول أتغير صدقيني، أنا آسفة
قالت "نسرين" ساخرة:
- خلاص كده أنا بعد الكلمتين دول ماعنديش أي مشكلة، خلاص بقى كل القهر الي حسيته ولا حاجة.
ثم علا صوتها و زادت عدائيتها و ترقرقت عيناها بالدمع:
- أنا بسببك كنت هنتحر!لم تنطق "جنة" إذ تنامى بداخلها الإدراك أنها لن تقدر على تغيير شيء، و أنها ستبقى مكروهةً طوال حياتها.
صدح صوت صراخ "نسرين" عاليًا في المكان و هي تخرج ما لديها من لوم ممّا جعل بعض السيدات يحاولن تهدئتها و فضّ الشجار.
رحلت "جنة" من أمامها مستسلمة و دموعها تنهمر صامتة في حين بقيت "نسرين" منهارة تتذكر الكثير من الأيام و السنين تعذبت فيها بسبب "جنة"، لقد كانت تتنمر عليها و على ندبةٍ في ذراعها دائمًا، حتى أنها أوقعت بينها و بين صديقاتها المقربات لتجعل الكثير في المدرسة و خارجها يكرهون "نسرين"، لطالما غارت من ارتفاع علاماتها الدراسية، فكانت تعبث بكل الطرق محاولةً الحد من نجاحها.
YOU ARE READING
هل بعد الفراق يا أمّي لقاء؟
Non-Fictionنزل من وسيلة المواصلات التي ركبها و قد أصبح يفصله شارعان يعبرهما فقط ثم يصل إلى تلك الشقة مجددًا، يبدو ساكنًا من الخارج و بداخله امواج عاتية تكاد تُغرق كل شيء، و ذهنه يردد: هل بعد الفراق يا أمي لقاء؟ و قبل أن يخطو خطوته الأولى رآه....