الفصل السادس عشر: اللقاء الأول

65 5 0
                                    

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

قصيرةٌ جدًا ممّا يجعل كل من يراها يسخر من قصرها، كانت عيناها دائريتين جميلتين، كانت على أي حال. بشرتها بيضاء نقية جمّلت وجهها الدائري الصغير.

لم تعُد تفكر بالأمر كثيرًا، لكنها كلما سمعت صوت "جنة" أو لمست يدها تجتاحها قشعريرةٌ داخلية و تقفز الكلمات القاسية إلى ذهنها. تعرف أن الجميع - و ليس "جنة" فقط - ينتظر منها المسامحة، لكنها مازالت غير قادرةٍ على المسامحة، صعُب عليها التعامل معها و كأن شيئًا لم يكن، و كأن ألمها لا يهمّ.

قبل أذان المغرب بساعة، و في يومٍ من أيام شهر رمضان، قاد الأب سيارته متجهًا نحو بيت أخي زوجته، و تجلس زوجته بجانبه، و في الخلف ابنيه المراهقَين، "مصطفى" الأكبر ثم "أروى" الصُغرى. لا تذكر "أروى" ما بعد صرخة والدتها الهلِعة، كانت آخر ما سمعته منها. مات أبوها، و أمّها، دخل أخوها في غيبوبة طالت لأشهر قبل أن يفصلوا الأجهزة في حين دخل بعض الزجاج إلى عينيها. كانوا يتوقعون سهرةً دافئةً جميلة مع العائلة، لكنها انتهت بكارثة. و هكذا خرجت "أروى" - ذات الثلاثة عشر عام- من الحادث بلا أهل... ولا بصر.

اهتمّت بها عائلة خالها، و خصصوا لها مكانًا في غرفة "جنة"، الابنة الصغرى لهم، و التي كانت الأقرب عمرًا لـ"أروى" إذ صغُرتها بأشهر فقط، المتوقع أن تصبحا صديقتين، لكنّ ذلك لم يحدث.

ملكت "مديحة" شخصيةً تنافسيّة زرعتها في ابنتها، و حاولت أن تنافس أخت زوجها و تريها أن ابنتها أفضل منها، فعاشت "جنة" في صراعٍ بينها و بين قريبتها لتثبت أنها أفضل منها لتنال رضا والدتها.

لم تكن "جنة" تجد اهتمامًا كبيرًا من عائلتها، و حبّ أمِّها مشروط بتفوقها على "أروى"، كانت فقيرة حب أمام غنيّته -"أروى"-، و الفقير دائمًا يسرق من الغنيّ، لذا رأت "جنة" أنّ ما تعرّضت له "أروى" فرصة يمكنها استغلالها لصالحها، شعرت بالشفقة تجاهها لمامًا، لكن إرادتها لإثبات كفاءتها و كسب الاهتمام كانت أقوى.

حملت كلمات "جنة" صداها في الآذان، حملت ندمًا شديدًا عند "جنة"، و جرحًا عميقًا عند "أروى"، كان ذلك عندما قالت "جنة":
- "أروى" هو أنتِ قاعدة معانا ليه؟ بتعملي ايه هنا؟
- قصدك ايه؟
- أصل احنا عيلة مع بعض، أم و أب و أبناءهم، أنتِ مين؟
أجابت "أروى" بارتباك:
- أنا بنت عمتكم.
علا صوت "جنة" و هي تقول:
- بنت عمتنا، مش أختنا، يعني مكانك مش هنا، بنت عمتي أشوفها مرة في الأسبوع ولا حاجة مش تشاركني اوضتي، ياريت يبقى في دم بقى.
تُذكّرها "جنة" و تؤكد عليها أنهم ليسوا أهلها، و أنها بلا أهل.

موقفٌ آخر حين كانوا يستعدون للنوم و قد وُضِع فراشٌ إضافي لـ"أروى" بالغرفة. تحسست "أروى" طريقها حتى وصلت للفراش و جلست عليه، قبل أن تقول "جنة" بصوتها النّفّاذ المزعج:
- روحي هناك يا هبلة ده سريري أنا.
تحرّكت "أروى" حتى وصلت لفراشٍ آخر و جلست عليه، قبل أن تكرّر "جنة" جملتها بتهكم، و هكذا ظلّت "أروى" تدور في الغرفة و "جنة" تزعجها بتهكمها، حتى بكت و نامت مكانها على الأرض

هل بعد الفراق يا أمّي لقاء؟Where stories live. Discover now