السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
كان الطبيب يلف ذراعه بالجبس و هو يقول:
- جت سليمة الحمدلله، لولا الكراتين و الأكياس الي وقعت عليها كان ممكن تكون مش عايش دلوقتي.متى كُسرت ذراعه؟ و متى امتلأ وجهه و ذراعه الآخر بالكدمات؟ هو لايذكر. آخر ما يذكره هو عيني ذاك الرجل، كان ينظر له نظرة تحدي ليست تفاجؤًا أو فزعًا.... هو يقصد صدمه إذن. لمَ؟ و ما غرضه؟ لقد سئم حقًّا من علامات الإستفهام التي كلما حاول الوصول إلى إجاباتها وجدها تزداد. رغم أن كل جزء من جسده يؤلمه تقريبًا، و رغم تأخر الوقت قرر العودة إلى ذاك العنوان الغريب، لن يقضي حياته يتساءل عما يقبع هناك، يود الخلاص من كل تلك الأسئلة.... و يود أن يجد والديه.
بخطى ثقيلة متكاسلة طرق باب الشقة... فلم يجد مجيب.
طرق مجددًا... فلم يجد مجيب.
ظلّ كذلك مدةً حتى تعب و ملّ فجلس مستندًا إلى الباب و الحمم تتراقص داخله، لقد أخذ منه التعب مبلغه. ماذا بعد؟ ألن يجيب أحد؟ حاول ألّا ييأس و رجّح أنه لم يجد مجيب لأن الوقت متأخر لا أكثر، فعاد لمنزله عازمًا على العودة لهنا صباحًا.∆∆∆∆∆∆∆∆∆∆∆∆∆
في ذات الوقت كانت "آية" تجلس على فراشها و قد أرهقها التفكير في كلمات والدتها- قبل ساعات- حين كانت تجلس مع خالتها في الصالة فخرجت لهما "آية" من غرفتها لتجدهما تنظران لصورة رداء يبدو جميلًا، نظرت في الهاتف في يد والدتها ثم قالت بإعجاب:
- حلو اوي، لونه جميل بجد!
ردت والدتها ساخرة:
- متسرحيش اوي أكيد مش هتلاقي مقاسك.
شعرت "آية" بالحرج و هي تقول بصوت خافت لائمة:
- يا ماما مش قدامها طيب.
- يا ختي اتلهي، على أساس إنك مش باظة من كل حتة يعني.
لحظات ثم فرّت "آية" من أمام سيوف والدتها الساخرة.حاولت كتم عبرة تنزل من عينيها، إلى متى ستظل حمقاء تبكي عند كل موقف تافه؟! تتمنى حقًّا لو تجد وسيلة سحرية تخسر بها وزنها الذب يسبب مشاكل لدى والدتها.
و أثناء جلوسها بين أحزانها لمحت والدتها تخرج من غرفة شقيقتها الكُبرى لتدخل غرفتها التي تتشاركها مع شقيقتها الصغرى النائمة، دخلت لتطمئن عليهما فلقيت "آية" مستيقظة و قد استطاعت تمييز بقايا الدموع من على محيّاها، سألتها بصوت خافت و نبرة فزعة:
- ايه الدموع ديه؟!
ثم هرعت أمها إليها تعانقها قائلة:
- مالك يا حبيبتي؟ احكيلي
ظلّتا على صمتهما مدةً حتى استطردت الأم لما رأته من صمت ابنتها:
- مالك يا "آية"؟ قولي بقى ما تقلقنيش عليكِ
- مفيش يا ماما موقف تافه حصل الصبح مش مهمعانقتها "آية" و هي تكتم دموعها مستغربة، أليست تلك من تتنمر عليها و تُسمعها كل يوم كم لا ترضى عنها؟! من أين لها بكل هذا الحنان؟! كيف تستطيع الأم أن تكون رغم كل شيء و كل صعب و كل إختلاف... أم؟! كيف تُغرقنا بحنانها دون طلب بعدما اختلفت معنا؟! كيف نهرب منكِ و إليكِ؟! كانت هي من أبكتها و الآن تمسح عبراتها! و تظل الأم رغم كل شيء و رغم كل مشكلة و كل صعب و كل إختلاف و أي خطأ أم.
YOU ARE READING
هل بعد الفراق يا أمّي لقاء؟
غير روائينزل من وسيلة المواصلات التي ركبها و قد أصبح يفصله شارعان يعبرهما فقط ثم يصل إلى تلك الشقة مجددًا، يبدو ساكنًا من الخارج و بداخله امواج عاتية تكاد تُغرق كل شيء، و ذهنه يردد: هل بعد الفراق يا أمي لقاء؟ و قبل أن يخطو خطوته الأولى رآه....