السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
تصرخ "شيرين" و تدبدب في كل ركن في الغرفة التي غدت زنزانةً كئيبة، تلوم نفسها أنها فكّرت بالزواج من المختلِّ "إسماعيل"، منذ تزوجته لم ترَ السعادة، ساذجةً كانت حين حَسِبت أنها ستعوِّضه عمّا صار له و تجعل منه إنسانًا أفضل، لم تعلم أنه سيصبح أسوء كل يوم، تقارن الآن بحسرة ما وعدها به قبل الزواج و ما تعيشه بسببه.
خارج الغرفة- أو الزنزانة على وجهٍ أدق- كانت "هناء" الخادمة و ضميرها يغالب خوفها، لا تملك الشجاعة لتفتح لها لكنها بالتأكيد يمكنها المساعدة، تخشى الانغماس في مشاكل العائلة التي لا تعلم عنها شيئًا سوى أنها كثيرة و معقدة، لا تضمن ردة فعل "إسماعيل" إن علم بأنها ساعدتها.غالبت مخاوفها و اقتربت حتى التصقت بالحائط و سألت كيف بإمكانها المساعدة.
فكّرت "شيرين" قليلًا، حتى لو لم تقدر على الهرب ستنتقم منه. تذكرت بعض الأرقام تظنُّها تكوّن رقم هاتف "عمر"، كانت تحفظ عنوانه و رقمه و أي تفاصيل عنه منذ اهتمَّت بأمر الأوراق و الانتقام من "إسماعيل"، لا تذكر منها الآن سوى بعض الأرقام قد يكوّنون رقم هاتفه، لكنها ناقصة و غير مرتبة، ظلَّت "هناء" تجرب مع الهاتف حتى توصلت لـ"عمر" المعنيّ، و أجرت المكالمة بما تمليه عليها "شيرين" من خلف الباب.∆∆∆∆∆∆∆∆∆∆
جلست "عالية" بجوار "إسراء" على فراشها و طفلاها يتبعانها، قالت متلطفة:
- ازيك؟
ردت "إسراء" بلهجةٍ متهكمة لكنها مشبعة بالأسى:
- أكيد مش هقولك كويسة.
صمتت "عالية" و قد شعرت بأن سؤالها كان غبيًا، فتاة فقدت بصرها كيف ستكون؟!
كانت "إسراء" غاضبةً من "عمر"، لماذا سمح لـ"عالية" بالمجيء؟ هي لا تريد أن يراها شخصٌ على تلك الحال، لا تريد لشخصٍ أن يرى "إسراء" المندفعة المشرقة و الحيوية و قد صارت منطفئةً كئيبة. لا تجمعها علاقة صداقة بـ"عالية"، لمَ جاءت؟! بالتأكيد لأنها صارت الآن مادةً للشفقة، لو كانت تُرِكت وحدها لكان أفضل.مرّت قرابة الساعة ثقيلة تحاول "عالية" استجماع الكلام لتقوله دون جدوى حتى قالت "منة" ابنتها الصغرى:
- ماما جعانة
ليوافقها "مصطفى" فقالت "عالية" لـ"إسراء":
- عايزة تاكلي حاجة؟
- بصراحة اه.
- ايه؟
- أي حاجة مش هتفرق.
- طيب أنا هقوم أشوف في ايه في المطبخ.
قامت "عالية" فتبعتها "إسراء" قائلة:
- استني أنا قايمة معاكِ
ثم قالت بلهجةٍ ظهر منها العدائية الطفولية:
- أنا بعرف أعمل كل حاجة لنفسي على فكرة، هو بس "عمر" بيقلق كثير فماحبش أبقى لوحدي.
كذبت "إسراء"، فمنذ إصابتها و هي لا تتحرك تقريبًا، لكنها لم ترِدْ أن تبدو أمامها كحالة تعيسة مثيرة للشفقة. قالت في نفسها: سأريها أنني أستطيع، و ما في ذلك؟
قامت و سبقتها إلى المطبخ لكنها في طريقها تعثرت بساق طاولةٍ صغيرة وُضعت في الصالة فسقطت أرضًا، غلبت عبرةً كادت تسقط من عينها اليُسرى و قالت بارتباكٍ حاولت إخفاءه:
- عادي على فكرة أي حد ممكن يتكعبل.
YOU ARE READING
هل بعد الفراق يا أمّي لقاء؟
Non-Fictionنزل من وسيلة المواصلات التي ركبها و قد أصبح يفصله شارعان يعبرهما فقط ثم يصل إلى تلك الشقة مجددًا، يبدو ساكنًا من الخارج و بداخله امواج عاتية تكاد تُغرق كل شيء، و ذهنه يردد: هل بعد الفراق يا أمي لقاء؟ و قبل أن يخطو خطوته الأولى رآه....