الفصل الأول: رحلة النبش في الماضي

486 21 31
                                    

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

تشرق الشمس كاشفةً عن نورها، لتمحو آثار ما خلفه الليل من فوضى، فيعود من كان يبكي همًا في الليل إلى عمله يبتسم في وجه الجميع، و تعود من كانت تهيم حبًا طوال الليل إلى الواقع حيث يكون من المستحيل اجتماعها بمن تحب، و تعود الأم التي كانت تدعو لولدها طوال الليل لتدعو عليه في الصباح بسبب شقاوته، و يعود من كان يسب صديقه طوال الليل ليقضي معه يومه و هو يخبره كم يحبه في النهار، هذا هو الليل.... يكشف ما بداخل الإنسان.

استيقظت "إسراء" ذات العينين البنيتين المائلتين إلى السواد، و شعرها المبعثر بغرة تغطي وجهها، قامت من فراشها و هندمت مظهرها و جلست تتأمل وجهها في المرآة، بشرتها القمحية، شعرها الأسود الذي ليس بناعم ولا بمجعد منفوش، أنفها المستقيم و فمها الدقيق، ارتدت ملابسها و خرجت لتجد أخاها "عمر" واقفًا عند الباب ينتظرها و هو يقول بسخط:
- ماتيلا يا سندريلا.... ولا ناوية تقضيها فرجة على شكلك في المراية النهارده؟
كان يشبهها لحد كبير، نفس البشرة القمحية، الأنف المستقيم، و الشعر الأسود الذي ليس بناعم ولا بمجعد. قالت و هي تسرع لتمر من أمامه لخارج الشقة و تزفر بسخط أيضًا:
- خلاص جاهزة اهوه، متزهقناش عالصبح بقى.

دخلا المصعد. فُتِح باب المصعد فقال "عمر" و هو يشير لها نحو الأمام:
- طب يلا يا اختي.
مشت أمامه و هو يتبعها إلى أن صار بجانبها، فقال و هو يتنهد:
- هو أنتِ لسة مصممة على موضوع الشغل ده؟ ما أنا بجيبلك كل حاجة.
ردت عليه "إسراء" بنبرة حاولت ألا تكون متأففة قدر المستطاع، فهو يفتح نفس الحوار منذ شهر:
- قلتلك الموضوع مش موضوع فلوس يا "عمر"، أنا ببقى زهقانة و قاعدة طول الأجازة مبعملش حاجة.
أردفت و قد ارتفع صوتها قليلًا ثم ضغطت على حروف كلمة 'مكتبة':
- و بعدين أنا بشتغل في مكتبة، يعني بروح أعمل أكثر حاجة بحبها.
لم يعقب "عمر" على حديثها و التزم الصمت، سارا حتى وصلا للمكتبة التي تعمل بها "إسراء" حديثًا، دخلت "إسراء" و هي تلوح لـ"عمر" تاركةً إياه يمضي إلى شأنه.

اطمأن "عمر" إلى دخول "إسراء" ثم ذهب لوُجهته، إلى حيث يسكن عمّه، ليسأله عمّا حدث بالأمس، فقد طُلِبت شهادة وفاة والده لأمر ما، يطلبون ورقة لإثبات أن والده قد مات، و غفلوا عن أن وفاته قد تركت بصمة لا تغادر قلبه أبلغ من كل الكلمات، فوجئ بالرجل يخبره بأن الشهادة مزوّرة ممّا جعله يتعجب، فقرر الذهاب إلى عمه "إسماعيل" الوحيد الذي قد يملك إجابة.

و بينما تسير السيارة، كانت الذكريات تسير أمام عينيه، ومضات، آخر مرة رأى فيها والده حين كان في الثامنة، آخر مرة احتضنه و اشتمّ رائحته، آخر مرة نظر إلى أمّه، ثمّ علم من عمّه أن أبويه توفيا، مشاهد أخرى في زمن آخر يراها كأنها الآن حين كان "عمر" الطفل الصغير ذو التاسعة يلعب في منزل عمه الواسع، يداعب أخته ذات الثلاثة سنوات، يحملها و يركض بها فتضحك، قبل أن يروا وجه "إسماعيل" العابس، الذي صرخ بهما بحدة ثم كسر تلك اللعبة التي يلعبان بها.

هل بعد الفراق يا أمّي لقاء؟Where stories live. Discover now