مرّت بضعة أشهرٍ تحسّنت بها "إسراء" كثيرًا، و قد أفسحت مكانًا لـ"أروى" و "إيناس" في حياتها، حتى أنهما تعرّفتا على "آية"، و كوّنت الأربع فتيات رباعيًا سُمّي بـ«رباعي الألف»، نظرًا لأن جميع أسمائهن تبدأ بحرف الألف.
أقنعتها "أروى" بطريقةٍ بدت سحريةً لجميع من عرف "إسراء" بالعودة للجامعة. بدأ الأمل ينمو داخلها على رجاء ألّا تجد الخيبة نصيبها مجددًا.
لم يكن - أمر عودتها للجامعة - هيّنًا أبدًا خصيصًا بعد أن فاتتها الكثير من المحاضرات، لكنها تتذكر نصائح "أروى":
النصيحة الأولى- لازم لازم لازم تتعلمي برايل، حقيقي هتفيدك جدًا مش بس في الدراسة لا ده في حياتك العملية كمان، ناس كثير بتحط لغة برايل مع اللغة الي بتتقرأ بالنظر عادي، بس المبصرين مابياخدوش بالهم، عندك مثال شائع أسانسيرات بعض المولات و الفنادق بيبقى مكتوب عليها ببرايل، و كذلك علب الأدويا.
النصيحة الثانية- مش كل الكتب في الكلية ممكن تتوفر بطريقة برايل، فهيبقى عندك إعتماد كبير على المحتوى المسموع.
النصيحة الثالثة- في امتحانات الكلية مش هيبقى في برايل - على عكس المدارس - هيبقى في مرافق بيقرأ عليكِ السؤال و تمليه الإجابة شفهيًا.
النصيحة الرابعة- من الطرق الي ممكن تساعد الكفيف يمشي في الشارع، الكلب، أو العصاية الخاصة بالمكفوفين، أو بمساعدة إنسان. أعتقد الكلب هيزود عليكِ مسؤولية روح و هتبقى صعبة و مش عملية، العصاية بتفيدني كثير جدًا ما أبقاش حمل على حد لكن مش منتشرة في مصر ومش هتفيدك اوي في الشارع، هتبقى مفيدة للأماكن المغلقة، وليكِ حرية الاختيار تجيبيها ولا لا، هي غالبًا غالية أصلا، وجود إنسان معاكِ هييسر كثير جدًا فحتى لو معاكِ عصاية لكن معاكِ شخص متوجه معاكِ لنفس المكان ماتتحرجيش أبدًا تخليه يساعدك.
النصيحة الخامسة- ما تتكسفيش أبدًا تطلبي مساعدة من أي حد، احنا بشر و طبيعي بنكمل بعض و مش عيب نطلب المساعدة.
النصيحة السادسة- كده كده صعب تبقي معتمدة على نفسك في كل حاجة، لازم نعترف إن العيشة بدون بصر صعبة و احنا بنحاول نبقى قد ابتلاء ربنا لكن مش لازم نبقى أبطال خارقين.
لم تلفظ "أروى" تلك النصائح مرةً واحدة بل قسّمتها كي يأتي ذكرها بطريقةٍ عفويةٍ أثناء الحديث الودي، لكن "إسراء" اهتمّت بكلامها -مؤخرًا- حتى أنها سجّلته بصوتها بعد ذلك لتجدها في وقت لاحق.
مطمئنٌ أن نجد من مرّ بنفس التجربة التي نمرّ بها الآن، و قد مرّ بسلام، و عرف الطريق ليدلنا عليه، هناك الكثيرون مثل "أروى" بالنسبة لـ"إسراء" في حيواتنا، هل نستمع لهم؟
لم تنسَ كذلك جهد "آية" التي بذلته من أجلها فقد سعت لتوفير لها بعض الكتب الدراسية بطريقة برايل، و البعض الآخر مسموعًا، حتى الملاحظات التي كتبتها في دفترها طوال الأشهر التي غابت فيها "إسراء" و لم تفلح في تحويلها لملفٍ صوتي قرأتها بصوتها و قد تجاوز بعضها العشر صفحات. مازالت تذكر حين تأبّطت ذراع "آية" لتدخل الجامعة لأول مرةٍ بعد انقطاع، حين كان كفّ "آية" باردًا يرتجف قلقًا أكثر منها خشية أن يضايقها أحدٌ فتُدفن عزيمتها المُكتَسبة حديثًا.
YOU ARE READING
هل بعد الفراق يا أمّي لقاء؟
No Ficciónنزل من وسيلة المواصلات التي ركبها و قد أصبح يفصله شارعان يعبرهما فقط ثم يصل إلى تلك الشقة مجددًا، يبدو ساكنًا من الخارج و بداخله امواج عاتية تكاد تُغرق كل شيء، و ذهنه يردد: هل بعد الفراق يا أمي لقاء؟ و قبل أن يخطو خطوته الأولى رآه....