الفصل العاشر

828 72 7
                                    

إن سألوني ذات يومًا عن المساواة، سأقول أن الفرق بيننا كان مجرد شارب كثيف.

                          *********
قد يتمثل لك الوهم في ثوب الحقيقة وتظن أنك على إدراك ووعي كافي بما يدور حولك، ولا تراودك الشكوك لحظة واحدة بحياتك، حتى تصدمك الحياة دفعة واحدة وتتيقن أنك عشت دهرًا كاملاً أعمى.

-اهدى ياعم محمود عيب اللي بتقوله ده، ما يمكن يكون له في السباكة بردو وبيشتغل برا منطقته متسبقش الشر ياجدع.

كان غالي يحاول بكل ما يملك أن يهدأ من غضب صديقه الذي ثار وكان على وشك إرتكاب جريمة منذ قليل لولا أنه منعه بصعوبة وصعد به لغرفتين السطوح برفقة رامي الذي أشعل نيران غضبه بكلمة واحدة بدون عمد.

ألقى غالي نظرة على رامي كي يتدخل ويحاول إقناعه معه ليقول بتوتر وكذب واضحين على ارتباك صوته.

-ايوا فعلاً فعلًا هو الواد محمد ده من زمان بيخبط في كذا شغلانة يعني وتقريبًا على ما اتذكر كان شغال سباك بس مكنتش أعرف أنه لسه يعني بيشتغل فيها.

ابتسم له غالي بجانب فمه علامة على موافقته إياه في كلامه وهو يضع يده على كتف محمود الذي توترت أعصابه وجلس على أريكة قديمة واضع يده على رأسه وهو يسترجع ذكريات منزله القاسية منذ طفولته ويتحدث بحزن مكتوم.

-انا خلاص تعبت.. والله تعبت

ذنبي إيه اطلع للدنيا ألاقي أبويا مقضيها شرب وغايب عن وعيه وأمي ست ملهاش كبير لا بتسمعلي ولا بتخاف على مشاعري

دانا مشوفتش فيهم حد بيركع لربنا في يوم، ولما كنت بعمل ده من نفسي وبحاول اكون احسن منهم كانوا بيضحكوا وكأني بعبد الأصنام

لا في راجل يحكم البيت ولا ست طيبة أعيش بدعواتها زي ما بسمع عن الأمهات

أنا عمري ما ارتحت بينهم ولا لقيت نفسي، ولا حتى ليا أخ يهون عليا وحدتي والظلام اللي عيشوني فيه طول عمري

أنا لو كنت استسلمت ليشطاني كان زماني مجرد ديلر واقف على أول الشارع مش حاسس بالدنيا وبيجري ورا الفلوس وبس من غير ما يحسب الحرام من الحلال.

ثم تنهد وقال بصوت يملؤه التعب:

-انا هلكان، والله هلكان.
لو كانوا صحابي كنت اعتزلتهم، بس دول أهلي!
إزاي أقدر اعتزلهم؟

حاوطاه رامي وغالي من الجهتين ملتمسين مدى حزنه وقهره، يحاولون تهدئته والتخفيف عنه بحديثهم بشتى الطرق، ليتملك الحزن والتأثر من رامي أيضًا ليستفيض بالحديث مثله ويلقي بما يحمله قائلاً:

ضد الرجالحيث تعيش القصص. اكتشف الآن