بدأ خالد في مساعدة لمار على تحقيق حلمها ، وجد لها مبنى جميل ، حتى يكون مقر العمل بحث لها عن جميع الموظفين الذين تحتاجهم ، ومرّ شهر كامل وهما يعملان معا حتى أنهيا جميع التحضيرات .
خالد :
لمار انا إتصلت بالناس المهمين وعزمتهم على حفل افتتاح مقر المجلة وإتصلت بالصحفيين كمان.
لمار :
اخيرا ، تخيل معايا كدة يا خالد وانت ماسك المجلة وبتقرأ فيها ، ياااه (مجلة الحرية ) حلمي .
خالد:
وان شاء الله تحققي باقي احلامك.
لمار :
انا مش عارفة من غيرك كنت عملت اي ، انا لو كان عندي أخ مكنش عمل معايا كدة .
خالد :
وانا لو كان عندي اخت غير مريم مكانتش هتبقى طموحة كدة.
لمار :
شكرا ،ربنا يخليك .
خالد :
العفو .
لمار :
انا جعانة انت مش جعان ؟
خالد :
لا جعان أوي كمان .
لمار :
طب إيه ، جبنة بالطماطم زي كل يوم ؟
ضحك خالد ثم قال :
لا ، إي رأيك نتعشى في مطعم النهردة ؟
لمار :
موافقة طبعا .
خالد :
خلاص قومي إلبسي .
صعدت لمار إلى غرفتها وإرتدت فستانا أسوداً قصيرا ، ورفعت شعرها للأعلى .
عندما رآها خالد قال :
فين الأخ لمار إللي كان هنا من شوية ؟
لمار :
انا أخ ماشي .
ضحك خالد ثم قال :
معلش يا لمار مش هنقدر نتعشى النهار دة في مطعم .
لمار بغضب :
لي ؟
خالد :
عشان مريم اتصلت دلوقتي وأصرت إن إحنا نتعشى معاها الليلة .
لمار :
مش مشكلة المهم إني هخرج .
سار الإثنين بجوار بعضهما متجهين للسيارة أسرع خالد وفتح الباب الأمامي للمار قائلا :
اتفضلي .
ابتسمت لمار وإتخذت مقعدها بينما إتجه خالد لمقعده وبدأ يقود ، كانت ليلة جميلة تزين فيها النجوم بساط السماء الأسود ، كانت لمار تنظر عبر النافذة تتأمل الشوارع تارة وتتأمل النجوم تارة حتى فاقت من تآملاتها هذه على صوت الأغنية التي قام خالد بتشغيلها
(وإن راح منك يا عيني
هيروح من قلبي فين
دة القلب يحب مرة
ميحبش مرتين
ميحبش مرتين )
إمتلأت عيناها بالدموع وأخذ صوت شهيقها وزفيرها يتعالى ، لاحظ خالد ذلك فأوقف السيارة وفتح لها الباب فخرجت منها مهرولة نحو الكورنيش ، وقفت مستندة على الصور تنظر إلى النيل ، أطلقت في ألم صوت (آاااااااااه ) ، ثم أجهشت بالبكاء ، وقف خالد متصلبا مكانه لا يعرف ماذا يفعل ، كاد يبكي لبكائها ولكنه تماسك لا يريد ان يظهر ضعيفا امامها ، اقترب منها وأمسك بيدها فإلتفت هي إليه ونظرت في عينيه قليلا ثم إرتمت بين ذراعيه ، وضمته بكل ما أوتيت من قوة وكأنها تخشى أن يذهب ، فما كان منه إلا ان يضمها بين ذراعيه ويستند على كتفها ويبكي هو الأخر ، بعد بضع دقائق فتحت عينيها الحمراوتين وإبتعدت عنه قليلا ثم قالت بصوت بائس :
عايزة أروح الساحل الشمالي دلوقتي.
رد خالد وهو يمحو آثار الدموع التي تعلو وجنتيه:
حاضر .
أسرع الإثنين إلى السيارة ، قاد خالد بسرعة كبيرة حتى عاد للمنزل صعدت هي لغرفتها و أحضرت حقيبة صغيرة وضعت بها دفترا وقلما وبضع أوراق صغيرة وسلسلة مفاتيح وأسرعت لتجد خالد في غرفته فقالت :
انا خلصت .
خالد :
حاضر هشوف مفتاح الشاليه وننزل .
لمار :
احنا هنروح الشاليه بتاعي .
نظر إليها خالد بدهشة ولكنه لم يعقب ونزل الإثنين متجهين للسيارة إستغرقت الرحلة ساعتين من الصمت التام ، عقل لمار كان شبه فاقد للوعي ، أما خالد فظل طوال الطريق يفكر فيما حدث لقد كانت أول مرة يبكي فيها منذ فترة طويلة لم يعتاد ان تنزل دموعه أمام أحد ، ولا حتى أمام نفسه.
وصفت لمار مكان الشاليه لخالد ، وعند وصولهما أسرعت لمار نحو الباب وأخرجت مفاتيحها وفتحت الباب.
كان الجو مظلم وأشبه بالمغارة ، سار خالد خلفها يتحسس الجدران بحثا عن أزرار المصابيح حتى وجدها وأضاءها ، كانت تعم المكان فوضى أنثوية الكثير من الفساتين ، والأحذية والحقائب ، والكثير الكثير من الكتب ، والأوراق المبعثرة .
سارت لمار بخُطاً مستقيمة حتى وصلت لإحدى الأبواب اقتربت منه وفتحته فتدفق نسيم البحر يملأ المكان ، لم يفصلها عن البحر سوى بضع خطوات من الرمال ، خلعت حذائها وسارت حافية على الرمل حتى وصلت للشاطئ ، جلست وفتحت حقيبتها وتناولت ورقة وقلما ، كتبت بعض الكلمات التي لم يستطع خالد تمييزها لأنه ليس قريبا منها ، طوت الورقة بعدما انتهت من الكتابة ثم قامت من مكانها وسارت بضع خطوات نحو كومة من الزجاجات ، أخذت زجاجة واحدة ثم وضعت فيها الورقة التي كتبتها وألقتها في الماء .
كان خالد مستغربا منها ولكنه عاد للداخل وتركها نائمة على الشاطئ تتأمل النجوم .
عندما عاد خالد للداخل بدأ يتأمل المكان إلتقط إحدى الدفاتر الحمراء الموجودة على الطاولة وفتح عشوائيا إحدى صفحاته ليجد ورقة بعنوان :
٥ فبراير عيد ميلادي الثامن عشر .
لم يقرأ خالد بيقية الورقة وأخذ يقلب الصفحات بحثا عن شيء معين ، حتى وجد ضالته وجد ورقة تحت عنوان :
٥ فبراير عيد ميلادي الرابع والعشرين .
تأمل خالد الورقة ثم بدأ يقرأ :
٥\٢\٢٠١٥ في هذا اليوم أكون قد بلغت من العمر أربعة وعشرون عاما لم يتذكر أحدا هذا التاريخ سوى آية صديقتي التي فاجأتني بحفل صغير قامت بتحضيره ، وفاجأتني أكثر هديتها ، لقد احضرت لي باقة من ورد الجوري الأبيض بالإضافة لإحدى الكتب التي أحبها ، كان يوما جميلا رغم انني حزنت كثيرا لأن والداي لم يتذكرا هذا اليوم .
انتهى خالد من القراءة ثم تمتم :
عيد ميلادها بعد بكرة .
وضع خالد الدفتر مكانه وإستلقى على إحدى المقاعد وبدأ يفكر حتى غلب عليه النوم .
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
إستيقظ خالد من نومه ليجد خيوط الشمس قد غزت المكان ، بدأ يتلفت حوله حتى وجد لمار قد نامت على مقعد بجانبه ، نظر إلى ساعته فوجدها السابعة صباحا ، ووجد خمسة اتصالات من أخته مريم ، أخذ هاتفه وخرج يتمشى على الرمال ، اتصل بأخته مريم .
خالد:
ألو .
مريم :
خالد انت فين قلقتني عليك .
خالد :
معلش يا مريم كان عندي ظروف مقدرتش آجيلك إمبارح .
مريم :
ظروف إي ؟
خالد :
هقولك بعدين ، المهم أنا كنت عايزك في حاجة مهمة .
مريم :
إي خير ؟
بدأ خالد بسرد تفاصيل طلبه لمريم ثم أنهى المكالمة وعاد للداخل ، و أيقظ لمار .
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
غادر خالد ولمار المكان عائدين للقاهرة ، بدأت لمار تحضر نفسها لحفل الإفتتاح .
سار الوضع بشكل جيد في الحفل تعرفت لمار في هذه الحفل على كبار رجال الأعمال الذين دعاهم خالد ، وتعرفت على إحدى دور النشر المهمة وإتفقت معهم على طباعة و نشر روايتها الأولى .
لم يعكر صفوها سوى رؤيتها لوجه محمد زميلها في العمل فقد كان حاضرا هو وكل زملائها في عملها القديم ، تجنبته لمار طوال الحفل حتى مر اليوم بشكل أكثر من رائع .