لم يختلف الوضع كثيرا في فيلا عماد مكّاوي فقد ثار والدي خالد في البداية ولكن وجود مريم أخته سهل الوضع كثيراً فإقتنع والداه بصحة ما فعله ، تناولت لمار وكذلك خالد وجبتي الغداء والعشاء في منزل العائلة ، أحس خالد بالراحة النفسية وبالدف العائلي ، أوصل لمار لشقتها في الساعة السابعة مساءً وإطمئن عليها ثم عاد لمنزل العائلة وقضى معهم أمسية جميلة.
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
الواحد والعشرين من فبراير .
طرقت والدة خالد الباب بضع طرقات ثم دخلت لتجد خالد مازال نائما ، تأملته قليلا ثم فتحت نوافذ الغرفة ليتسلل منها ضوء الشمس ، إستيقظ خالد عندها وإبتسم في وجه والدته قائلاً :
صباح الخير .
والدته :
صباح النور يا حبيبي ، يلا عشان تفطر .
خالد :
حاضر هاخد shower وانزل علطول .
والدته :
بسرعة .
غادرت والدته الغرفة وتركته يستعيد باقي وعيه تحت شلالات الماء في الحمام ، أنهى حمامه وإرتدى ملابسه وذهب لتناول الإفطار مع والديه .
أثناء الإفطار قالت والدته :
جهزتوا للحفلة ولا لسة .
قال خالد وهو منهمك في إفراغ طبقه في معدته :
حفلة إي !
ضحك والده ثم قال :
دة ناسي إنه هيتجوز بعد أربعة أيام .
ضحك الجميع ثم عقب خالد :
يا بابا بهزر ، إحنا لسة محضرناش لحاجة .
والدته :
كويس أنا النهاردة هعدي على مدام سميرة والدتها ونجهز كل حاجة .
خالد :
ماشي إتصرفوا مع بعض انا ورايا شغل ، سلام .
غادر خالد متجهاً لعمله ، تاركاً والدته لترتدي ملابسها وتذهب مع والدة لمار لمقر عملها .
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
دخلت السكرتيرة على لمار وهي منهمكة في عملها ، لتتحدث لمار :
في حاجة يا هبة .
السكرتيرة :
مدام سميرة والدة حضرتك ومدام سعاد برة .
رفعت لمار عينيها عن الورق التي كانت تقرأه ونظرت للسكرتيرة بدهشة قائلة :
برة !! خليهم يدخلوا .
أذعنت السكرتيرة لطلبها وسمحت لهن بالدخول .
قامت لمار من مكانها وإستقبلتهن ، قالت والدتها :
مبروك يا لمار أول مرة أشوف مقر المجلة ، أنا فخورة بيكي .
لمار :
الله يبارك فيكي يا ماما ، إي سر الزيارة السعيدة دي .
والدة خالد :
كنّا خارجين ، قلنا نعدي عليكي نشوف أخبار الشغل معاكي إي.
هنا تدخلت والدة لمار قائلة بمرح :
وبالمرة نستلف عربيتك عاش عربيتي عطلت ، ولا وراكي مشاوير .
لمار :
لا لا طبعاً مفيش ورايا حاجة العربية تحت أمركم .
توجهت لمار نحو المكتب وأخرجت مفتاح السيارة من الحقيبة وأعطته لوالدتها .
قالت والدة لمار :
شكراً ، نمشي إحنا عشان نلحق مشاويرنا .
لمار :
طب إشربوا حاجة الأول .
والدة خالد :
مرة تانية إحنا مستعجلين ، مع السلامة .
غادرت السيدتان وتوجهت لمار نحو مكتبها ونظرت للعدد الجديد من مجلة الحرية الأسبوعية وتصفحتها بسعادة .
تلقت إتصالاً من ذلك الرقم الغريب الذي إتصل بها سابقاً ، ردت لمار وإبتسامة النصر تعلو شفتيها :
يا رب المقالة تكون عجبتكم .
الصوت الغريب :
إحنا مش حذرناكي قبل كدة .
لمار :
التحذير دة مش ليا ، إنتظروا العدد الجاي هيعجبكم أكتر .
الصوت الغريب :
دة لو فضلتي عايشة للأسبوع الجاي .
اغلقت لمار الهاتف إنتابها بعض القلق ولكنها تجاهلت الموضوع وإتصلت بخالد :
ألو ، السلام عليكم .
خالد :
وعليكم السلام .
لمار :
أنت فاضي يا خالد .
خالد :
إعتبريني فاضي ، بس لي ؟
لمار :
عايزة أتغدى برة النهاردة .
خالد :
حاضر ، انا جاي حالاً .
أنهت لمار المكالمة وبدأت تفكر في ذلك الرقم الغريب وتلك التهديدات ، ليست أول مرة تتعرض لمثل هذا ولكن هذه المرة ليست كسابقها ، لأن القضية التي تتابعها هذه المرة كبيرة وإصرارها على كشف الحقيقة من خلال مقالاتها أكبر ، ترى هل سينفذون تهديداتهم هذه أم أنه مجرد حديث سينتهي مع إنتهاء القضية .
قطع خالد حبل أفكارها بعد أن طرق باب مكتبها ودخل ليجدها شاردة ولم تنتبه له ، فتقدم نحوها وخاطبها قائلاً :
إللي واخد عقلك يتهنى بي .
لمار بتوتر :
الشغل هو إللي واخد عقلي ، يلا بينا .
خالد :
ماشي هعمل نفسي مش واخد بالي .
ذهب خالد ولمار لإحدى المطاعم ، طلبا الطعام وأثناء إنتظارهما بادر خالد بالحديث قائلاً :
لمار أنت سرحانة طول الطريق مالك ؟!
لمار :
مفيش ، شوية تعب في الشغل بس .
خالد :
ماشي ، هعمل نفسي مصدق إللي بتقوليه ، وهعرف بطريقتي.
لمار :
خالد أنت ممكن تعمل أي حاجة عشان شغلك ؟
خالد :
دة على حسب الحاجة ، في حجات تتعمل وحجات متتعملش، بس إنت بتسألي لي ؟
وقبل أن تبدأ بشرح الأزمة التي تواجهها في العمل باغتها والدها بإتصال مفاجئ ،لترد هي :
أيوة يا بابا في إي ، مال صوتك ؟
سمعت لمار رد والدها ، فأسقطت الهاتف من يديها وبدأت تصرخ بشكل هستيري وهي تحدث خالد :
خالد ...... ماما وطنط ......مستشفى ......ماما .
فهم خالد منها بصعوبة أن والدتها في المستشفى فغادرا سريعاً وتوجها نحو المستشفى .
أمام غرفة العمليات وغرفة العناية المركزة كانت تجلس مريم أخت خالد وزوجها ووالدها .
توجه نحوهما ليستفسر فعلم أن والدته ووالدة لمار تعرضا لحادث سيارة وتم نقلهما إلى هنا ، والدته في غرفة العمليات ووالدة لمار في غرفة العناية المركزة .
بعد فترة وجيزة خرج والد لمار من غرفة العناية المركزة وهو يمنع دموعه بجهد ليجد لمار مقبلة نحوه وتقول :
بابا ، ماما كويسة صح !
ببرود مصطنع رد والدها :
الله يرحمها .
صممت لمار فترة وجيزة محاولة إستيعاب جملة والدها الأخيرة ، ثم تحول صمتها لصراخ مفاجئ :
لأ يا بابا إنت بتهزر ماما عايشة ، أنا هدخل أشوفها بنفسي .
همت بالدخول ولكن إستوقفها والدها وحاول تهدئتها :
لمار إمسكي نفسك ، دة قضاء وقدر .
لمار :
أمسك نفسي إزاي بتقولي أمك ماتت وعايزني أمسك نفسي إنت نفسك مش قادر تمسك نفسك .
بدأ والدها يبكي بعد جملتها الأخيرة ، أقبلت لمار على والدها وإحتضنته وشاركته البكاء .
وقف خالد متسمراً في مكانه تضاربت مشاعره وأفكاره ، لا يعرف ماذا يفعل هل يحزن على والدة لمار أم يذهب للمار نفسها ويواسيها ، أم يهدئ أخته ووالده أم يقف مكانه ويدعو ربه بأن تنجو والدته من الموت .
ظل واقفاً مكانه أسند جسده على الحائط وأغمض عينيه هروباً من الواقع ، بعد فترة وجيزة سمع صوت صراخ لمار مرة أخرى بالإضافة لصوت إصتدام جسدها بالأرض ، فتح عينيه ونظر بإتجاهها ليجدها فاقدة الوعي ووالدتها على سرير متحرك مغطاة بغطاء أبيض ، هم بالذهاب إليها ولكن فاجأه خروج الطبيب من غرفة العمليات بوجه متصلب ولسانٍ قاسٍ يقول :
البقاء لله .
تردد صوت الطبيب مراراً وتكراراً كالصدى في أذنيه تلاه صوت أخته التي شرعت بالبكاء ، نظر من حوله محاولاً الإستيعاب أكثر ، بكاء نحيب ، بكاء نحيب ، هذا كل ما سمعه وشاهده ، خانته قواه فخرّ جالساً على الأرض ، بدأ يضرب رأسه بالجدار لعله يفوق من هذا الكابوس ، ولكن بلا جدوى .
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
وقف خالد أمام قبريهما يدعوا تارة ويبكي أخرى غادر الجميع وظل هو واقفاً مكانه شارداً يتذكر كل لحظة جمعته بأمه ، أقبل عليه والده ووضع يديه على كتفه وقال :
يلا يا إبني ، وقفتك هنا ملهاش لزمة .
نظر خالد بإتجاه والده وسار معه دون أن ينطق بكلمة واحدة .
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
اليوم العشرين من شهر مارس .
مرّ شهر تقريباً على الحادث قضتهما العائلتين في حداد مستمر ، قرر الجميع إيقاف الحداد والخروج للحياة والعمل .
توجه خالد لعمله بفتور ، قضى نصف يومه جالساً مع مدير الحسابات يطلع على الخسائر التي وقعت بها الشركة خلال الأيام الماضية .
أما لمار فرغم حزنها قررت إنهاء تلك القضية التي تلقت من أجلها تهديدات وتحملت متاعب كثيرة ، قضت يومها كله في العمل دون الراحة إتصلت بأناس كثيرون تصفحت مواقع التواصل الإجتماعي وإطلعت على الجرائد والمجلات أجرت مقابلات كثيرة ، في نهاية اليوم جمعت كل المعلومات التي حصلت عليها وحفظتها في مكان آمن .
بعد أن أنهى خالد عمله عاد للمنزل ، غير ملابسه وتناول العشاء مع والده ، حاول والده أن يخرجه من حالة الصمت قائلاً :
أخبار الشغل إي ؟
خالد :
الحمدلله ، في خساير مالية كتير بس هتتعوض ان شاء الله .
والده :
طب أخبار لمار إي ؟
خالد :
لمار !! معرفش .
والده :
إنت عارف بكرة التاريخ كام ؟
خالد :
واحد وعشرين مارس .
والده :
يعني عيد الأم بكرة .
خالد :
إي مناسبة الكلام دة يا بابا .
والده :
عايزك تقدم هدية لمامتك الله يرحمها بكرة .
خالد :
هدية إي يا بابا ، إدخل في الموضوع .
والده :
أنا النهاردة روحت لسيد الجيزاوي ، وكلمت في موضوعك إنت ولمار ، وبكرة هتتجوزوا .
خالد :
لي يا بابا عملت كدة من غير ما تقولي ، هو دة وقت جواز .
والده :
أيوة يا إبني وقت جواز ، محدش هيطلعك من الحالة دي غير لمار إنتوا الإتنين زي بعض وحاسين بنفس المشاعر وهو دة الوقت المناسب ، يا إبني بص على نفسك في المرايا صحتك كل يوم بتسوء وعينك شايلة كتير وأنا مش عارف أعملك حاجة ، يا إبني لما جدتك الله يرحمها ماتت أنا وقتها كنت متجوز مامتك ، هي إللي وقفت جنبي وطلعتني من الحالة دي .
لم يعقب خالد على كلام والده ولكنه بدأ يفكر في صحة ما قاله .
في هذه الأثناء طرق والد لمار باب غرفتها فسمحت له بالدخول ، إطمئن عليها وعلى أحوالها ثم فاتحها في موضوع الزواج عارضت في البداية ولكنها إقتنعت عندما قال والدها :
يا لمار أنا مش ضامن عمري وعايز أطمن عليكي قبل ما أموت أنا عارف إنك متعلقة بوالدتك الله يرحمها ، بس أنا كمان كنت متعلق بيها أنا مش أنساها وهعيش الكام يوم إللي فاضلين دول فاكرها وهدعيلها و عمري ما هنساها ، بس إنت لسة صغيرة ولا م تكملي متخليش العجز والضعف يكسرك ، خليكي زي والدتك الله يرحمها كانت قوية وعمري ما شفتها مكسورة ، خليكي زيها يا لما ر .
بدأت لمار تبكي بحرقة حاول والدها تهدئتها ثم خرج من غرفتها وتركها تنام .