الْفَصْلُ الثَامِن| طَرِيقَةٌ حِيَادِيَّةٌ

8.7K 558 274
                                    

يُقال إنَّ الطَّريقةَ المثلى لِتَحضَى بثِقةٍ مُلتهبةٍ هي أن تَمتلكَ عينينِ مُضيئتينِ، رُوحًا غامضةً وكلماتٍ تُصاغ بطريقةٍ مُخادعة.

طَريقةٌ تُمكِّنُكَ من خِلالها إخضاعَ الآخرينَ لكَ دون أدنى شَكٍّ قد يَراودهم عن مِصداقيَّتك. ولم يَكن هناكَ شيءٌ قد يُماثل تِلك الحقيقة، عدا رَجلٍ واحد.

لقد اعتقدَت أن بإمكانها اكتشافَ الآخرينِ، وأن تَصغي بِحرصٍ لكلماتهم المُنمَّقةِ لتَدرِكَ مدى حَقيقتهم.

كان ذلكَ شيئًا يُغَلِّفُها بِكمٍّ هائلٍ من الفِتنةِ والجاذبيةِ إلى الحَدِّ الذي يَصعب على الآخرينَ تجاهُله.

تلتقِطُ أنفاسَها آنذاك وهي تتأمل مَحياه الفاتن، وتُشبع مظَهره بالمياه على نحوٍ يَستدعي الشُّعورَ بالقلق.

-المعذِرة، آنِسة روستشِيلد.

صوته الهادئُ بهالةٍ أفيونيةٍ بالغةِ الإغواء داهمت مساحةَ المفاجأة في وَعيها. تتسارعُ عيناها لتَشهَدَ جَميع زواياه، مُخمِّنةً دون شكٍّ أمرَ بَقائه لوقتٍ أطول مما ينبغي تحت هذهِ الأمطار.

-هل أنتَ بخيرٍ، سيِّد فيرتهايمر؟.

كلماتُها حملت ثباتًا لا يفقهه فؤادُها، بصوتِها الهادئ العَذب. وفي حين تَفتح بابَها، تُمكِّنه من التماسِ الدفء في الداخل.

-نعم، لقد كان هناك عُطلٌ في سيَّارة الشَّركة، ولا يوجد ما هوَ أقرب من موقع العمل عدا منزلكِ. أعتذر لمقاطعتكِ في هذا المساء.

تَحدَّثَ وهو يقفُ طويلًا في مَوضعه، حينما تأملت عينَاها تِلك المياه المتراقصة حول خَصلاته الداكنة، وهي تتسارعُ لتَعبثَ في رُؤيته.

-لا بأس، تفضل.

تَجد شعورًا غريبًا يُحيطُ حواسَّها، حالَما جابهت قامتَه الشاهقةَ وهالتَه الداكنةَ التي تُعلنُ لها عن سوءِ وضعه.

تُغلِقُ بابَها آنذاك وتستندُ إليهِ في مراقبةٍ حَذِرةٍ لِيَدِه التي حملت ذاتَها؛ لبَعثرةِ خَصلاته، وهو ينتزعُ عنها تِلك المياهَ المُنسابةَ بنعومةٍ حول محيَّاه.

-هل كانت تِلك مُكالمةً مُهمَّة؟.

سألها وهو يُدير جسدَه نحوها، فتلتقط عيناها ملابسه المبتلةَ حدَّ التِصاقها بجسدهِ كأنها جزءٌ منه.

تَجد عقلَها آنذاك يضع تحذيرًا همجيًّا بشأن ما قد تؤولُ إليه الأمورُ إن بَقِيت ساكنةً في موضعها دونما ردٍّ واضح.

مكيدة عشقحيث تعيش القصص. اكتشف الآن