مقدمة للقارئ
تخلص من كل المعرقلات ..من كل المفسدات ..ومن كل المعتقدات السلبية ألتي تروي عقلك بها وتُتعس حياتك.تقدم نحو الامام ولا تنظر للخلف فهناك أيادي خبيثة تنتظر فرصة لسحبك ورميك في حفرة عميقة معتمة لا مفر منها أبداً سوى عقلك المنفتح ..إفتحه وغذه وأرويه بما يُسعد به حياتك ..علك تجد مفراً من تلك الحفرة العميقة المعتمة.
لا مفر مني
لا مفر مني فأنا موجود بكل مكان
لا مفر مني حتى في الاحلام
لا مفر مني فأنا سيدك الذي لا ينام
الفصل الأول
نيويورك 2012
غرفةٌ مظلمة لا يُسمع فيها صوت سوى نبضاتِ قلب كأنه يحاول شقَّ صدر صاحبه والنفاذ، وأنفاسٌ عاصفة لم تهدأ ثورتها إلا بعد حين. جسد لا يتضح منه شئ, يحملقُ في الفراغ بأعينٍ دامية, يجبر نفسه على الإتيان بأدنى حركة, تريدُ حنجرته الصراخ فلا تقدر..فاقدٌ هو لقواه, لا من جسد يعين على الحراك ولا صوتٌ علَّه يأتيه بالنجاة.استشعر صوت خطوات مقتربة..تكاثفت عليه كأنها زلزال ..نبأته بقدومه المشؤوم..فعرف أن نهايته وشيكة ..توقف الصوت!!..لم يعد يستشعر شيئاً؟..كل ما تراه العينان الداميتان ظلام ..فأين هو ؟ ثم تحسس الجسد المسجى لمسات حارقة على وجهه و أنفاسٌ كريهة تشبّع بها أُنفه المسكين وشيئاً فشيئاً بانت ملامحه الوسيمة ..إبتسامته الساحرة ..نظراته الحالمة وصوته العذب وهو يهمس له "لا مفر مني"عندها فقط تبدلت ملامحه إلى شيطان وأنقض عليه يخنقه ليطلق ضحيته صرخةٌ هدمت العوالم من حوله لينبثق شعاع ألامل ..وجد الجسد نفسه هذه المرة بين أحضان امرأة ..تمسح على رأسه ..تقبله وتهدأه ..وتهمس له بحنان وتعاطف:
"مجرد كابوس حبيبتي إهدأي ..إنسيه.. ولن يتكرر "
"ليس سهلاً كما تظنين أمي ..مهما حاولت فلا أظنني سأتحرر منه"عند قولها كلماتها اليائسة,أنسحبت من بين أحضان والدتها بتؤدة ولجأت إلى مرآتها مربعة الشكل التي تحتفظ بها بالقرب من مخدعها.أخذتها إلى وجهها و لامست بأصابعها الطويلة النحيلة ذاك الشق الطويل المنحوت بدقة فنان في جانب وجهها الأيسر.تمعنت فيه جيداً لمرة لا تعرف رقمها متأسفة على جمالها الذي ضاع لحظة تهور وجنون.ندبٌ آخر من ندوب عميقة ما تزيدها سوى مرارةً وتعاسة تنبأ الناظر إليها أنّ صاحبتها قد ذاقت من ويلات الحياة ما سبب لها حالها المرثي له رثاءً مؤسفا.تخبرها أنها لم تعد تلك الفتاة الفوضوية،العفوية،من كانت تضج بالحياة،وتعيش حياتها لحظة بلحظة..من كانت معرضة للحسد من طرف زميلاتها و من كانت تثق و تأخذ بأي كلام معسول يقال لها..نعم هو ذا ما أسقطها في شركه وليتها تريثت.
بعادتها المستمرة مع مرآتها،سئمت منها والدتها فخاطبتها بلهجة حادة على أمل أن تستعيد إبنتها الصغرى رشدها
"دعي عنكِ هذه المرآة اللعينة ..إنها سبب شقاؤك سأزيل كل المرايا من المنزل لعلها تنسيكِ بعضاً من آلامك "
و بشئٍ من فتور يشوبه ألم،أجابت الابنة
"ندوبي متأصلة بداخلي لن تزول مهما أزلتيها كلها"
خطفت والدتها المرآة من بين يديها دون إعتراض من الفتاة مكتفية من عنادها و قالت بلهجة آمرة وهي تتجه صوب الباب
"سأعد الفطور..إنزلي بسرعة ..وإلا فسيناريو الصباح سيتكرر مع والدك"
ثم صفقته خلفها بقوة.
جعلت توزع نظراتها الذابلة على كل ركن من أركان غرفتها الكئيبة بلا هدف لتغزو مقلتيها فجأة صورةٌ بشعة لتلك الغرفة المظلمة التي تأبى التحرر منها.أغلقت عينيها و تنفست بعمق ثم أخذت تتمتم عبارة تعلمتها من طبيبها النفسي كوسيلة إستمرار في الحياة "إنه يوم جديد..إنه يوم جديد ..".وعلى أمل زائف خرجت تشارك والديها مائدة الصباح.
2011
الجامعة..
الساعة العاشرة صباحاً
كان صباحاً بارداً منذراً بسقوط الثلج كما أعلنت الارصاد الجوية فها هو الشتاء قد حل و لا مفر منه،و ترى بعض الطلاب ممن لا يحتملون زيارته الثقيلة على نفوسهم ملتحفين بملابس تقيهم شره والبعض الآخر كأنهم في منتصف الصيف لا يعنيهم قدومه بشئ،و من داخل الرواق البراق لقسم إدارة الأعمال،وتحديداً قرب خزانات الطلبة..تواجدت فتاتين إحداهما ذات شعر أسود طويل منسدل على كتفيها و الأخرى ذات شعر ذهبي مموج قصير و قد كانت تخاطب صديقتها بكلمات لا تخلو من قلق و إهتمام
"أليس ..هل تعين ماتقومين به..أعني مواعدتك لذاك الشاب فأنتِ لا تعرفين عنه شيئاً"
و ترقبت ردها،فأجابت الأخيرة مستهجنة وهي تدخل كتبها في خزانتها
"لقد سئمت هذا الكلام ..إنه شاب رائع لا أعلم لِمَ تكرهينه إلى هذا الحد يا جوان"
واصلت "جوان"تلك الصديقة الوفية النصوح معربة عن موقفها
"لقد خرجتي معه مرتين فقط فماذا عرفتي عنه..ها؟إنهم يكذبون دوماً ويتلاعبون بالفتيات ..هذا هو حال معظم الشباب"
"عرفت عنه مايكفيني..ثم إن ما تقولينه لغريب حقاً ويفتقر إلى المنطق..إنهم ليسوا جميعاً سيئين كما تعتقدين..تخلي عن هذه الفكرة رجاءً لهذا أنتِ ما تزالين وحيدة"
"لستُ بوحيدة لدي أنت.."
قاطعتها "أليس" قائلة على وجه السرعة بعد أن إستدارت إليها
"لن أستمر معك طويلاً عزيزتي.. هذه هي الحياة ..فكري بمستقبلكِ ..وداعاً ألآن إنه ينتظرني"
"أتمنى أن تكوني على حق بشأن حبيبكِ هذا ..رؤيته تشعرني بالخطر ..إحساسي لا يخيب"
لم تستمع "أليس" لتحذير صديقتها الأخير؛فرؤية حبيبها وهو يلوح لها من بعيد،أنساها وجودها ومضت إليه مهرولة كطفلة صغيرة تاركة "جوان" تشيعهما بعينيها الخضراوين حتى تواريا عن ناظريها إلى المجهول.ثم بكل وعيد وإصرار قررت
"سأتحرى عنه وإن وجدت فيه ما يوحي بالخطر فسأبعدكِ عنه..لأنكِ صديقتي و أخشى عليكِ سوءاً قد يصيبك"
ودارت على عقبيها عازمة على تنفيذ مخططها مؤمنة بقدرتها على تصنيف أنواع البشر و قد صنفت حبيب صديقتها الجديد بأنه خطر يستوجب إبعاده بعد التحري عنه حتماً و لن يردعها أحد.
أنت تقرأ
لا مفر مني
ChickLitقرارٌ طائش أودى بها إلى التهلكة ليجعلها حبيسة ماضيها وأوهامها اللامفر منها. تحكم بها ونثر في عقلها بذور الخوف والندم عاشت ظلمةٌ لا تُحتمل فهل من مفر يعصمها المرارة والألم ؟ ملاكي سأحطم أجنحتكِ وأبث فيكِ الرعب سأنسيكِ النعيم وأسحبكِ إلى الجحيم وكلم...