الفصل الثاني
2012
مبنى حكومي
الساعة العاشرة صباحاً
هل هو يومٌ جديد حقاً؟أم حالهُ حال الأيام الماضيات حيث الرتابة والكآبة و التعاسة تنخر جسدها النحيل و تحيله خواءً كما يفعل بها البرد الآن؟.
تساءلت وهي تتأمل مبنى شاهق تقف أمامه..وحده القادر على جعل يومها جديداً كما تتمنى؛فقد إستعادت شيئاً من صحتها بعد عناء و أستمعت لمشورة والدتها وشقيقتها إزاء بناء حياة جديدة سعيدة.و ها هي هنا سحبت أقدامها بعد مراجعة طويلة لنفسها خرجت منها بقرار صائب.فأي منفعة سيأتيه لها إنطواءها و تذكرها لأشياء ما تزيدها إلا تعاسة و حزناً، وقد فكرت بأن أول الطريق نحوهدفها, إيجاد عمل يلائم خبراتها المنسية في مجال ألاعمال وعن طريقه تتمنى إستعادة قدراتها وإكتساب خبرات ترتقي بها نحو القمة.هذا ما ترجوه بشدة.أحكمت لف معطفها الفرائي الأسود حول جسدها و ولجت داخل المبنى متأملة خيراً.
تم قبولها في الوظيفة خلافاً لما توقعت،و وُضعت تحت التدريب وعليها العمل بجد الآن لتظفر به، وهذا ما حصل بأعجوبة خلال أيام قليلة رغم أن الوظيفة ذات أجرٍ ضئيل مقارنةً بكمية الملفات الهائلة التي عليها السهر لتدقيقهافقد اقتنعت طالما ستشغلها عن ماضيها وبدأت تستعيدُ بعضاً من رونقها وشخصيتها القديمة متناسية ندوبها الأليمة.وكم فرحت عائلتها بهذا التقدم المبهر؛ فحادثتها قد أفقدتهم كل أمل في علاجها وأخضعتهم لليأس والإستسلام ودعواتهم لها الآن أن تتقدم أكثر فأكثر وتحظى بالسعادة.لكن هل حالتها العقلية والنفسية سيثبتان أمام التحديات التي ستواجهها ربما في أيامها الجديدة القادمة؟أم أن طبيبها النفسي سيحضى بشرف زيارتها مجدداً و سيخيم اليأس على رؤوس عائلتها من جديد؟.
2011
نادي الجامعة
الساعة الثانية عشرة مساءً
إستوت جالسة على مقعدها وراحت تحدج صديقتها "أليس" بصمت مخيف غير مكترثة بما يدور حولها من ضجيج الغادين والعادين على نادي الجامعة الكبير، ولا بأمر صديقاتها وهن يُلقين النكات ويمدحن مآثر عشاقهنّ.ما يهمها ويعرقل تفكيرها, كيفية إعلام صديقتها بما أكتشفته عن حبيبها الغامض.تريدُ إقتناص مكان وزمان ملائم للخوض في نقاش ستخرج به اما رابحة أو خاسرة، و أكثر ماتخشاه من أن يهدم هذا السر أو أن تنقلب نواياها الحسنة ضدها وتفقدها أعز صديقاتها..لكن مالضير من المجازفة لربما تتقبل "أليس" مساعدتها ألتي ماهي إلا نتاجاً عن خوفٍ وحرص منها.سارا بعدئذ معاً إلى القاعة وفي الطريق نحوها توقفت "جوان"..لم تعد تحتمل زخم الأفكار التي تنهش عقلها وتبعدها عن واقعها..فتطلعت إليها صديقتها بقلق و سألتها:
"مابكِ توقفتي هل أنتِ متعبة؟"
أجابت "جوان" بنبرة يشوبها الحزن وعيناها مطرقتان للأسفل:
"نعم متعبة من أفكاري .."
إجابةٌ هزئت منها"أليس" وتبسمت قائلة قبل أن تدفعها بلطف و تقول:
"قولي شيئاً منطقياً ..أعتقدتكِ مريضة..هيا لنذهب سنتأخر عن المحاضرة"
تحركت و إذ بها تحس بيد تطبق بقوة على عضدها.إلتفتت إليها يسايرها القلق مجدداً فأحتجت بحدة
"جوان كفي عن آلاعيبكِ ..هل تكتمين دوني شيئاً؟"
"أأنتِ مستعدة لقبول ما ستسمعينه؟"
"هذا يعتمد على ما سأسمعه"
إرتجفت شفتاها تُحاولان منعها عن الكلام لتصد ترددهما وجعلت كلماتها تنساب بسيل من الإهانات والاتهامات التي أدهشت "أليس"
"حبيبكِ وغدٌ مختلٌ عقلياً يخفي عنكِ حقيقة نفسه السادية.. لا تتورطي معه أرجوكِ أُتركيه سيضركِ"
صاحت بها "آليس"بحدة تدافع عن حبها المقدس:
"ماهذا الترهات التي أسمعها هل جننتِ يا جوان..لا أسمح لكِ أن تتحدثي عنه بهذا الشكل.. إن إتهمته مجدداً فلن أقف مكتوفة الأيدي ..هل فهمتِ"
بينما استرسلت صديقتها في الكلام ترجوها التصديق:
"أرجوكِ صدقيني ..لقد..لقد ..إقتحمتُ شقته قبل يومين وأكتشفت حقيقته..صدقيني إنه يعمل مع..مع مروجي المخدرات..ليس هذا فقط بل لديه غرفة سرية سمعت فيها أصوات تطلب النجدة .."
جاءتها صفعةٌ قويةٌ على خدِها الأيمن ..صفعة أرادت بها "آليس" إنتشال صديقتها من وهمٍ سيدمرها كما تظن هي و هاجت بها:
"عودي لرشدكِ ..لقد أسرفتي في قراءة الروايات ومشاهدة الأفلام ..ثم كيف تقتحمين شقة الآخرين؟!..يا إلهي ..لم أعهدكِ هكذا ..هل تريدين تخريب علاقتي به ..أتريدين تخريب علاقتي بكِ أيضاً؟"
هدأت من روعها قليلاً و أضافت ما أتسعت له عينا صديقتها المرتعشة:
"طلبني"سِيد" للزواج وسنتزوج بعد تخرجنا نحن نحب بعضنا بشغف ..فأرجوكِ إمسكي نفسك"
هتفت "جوان "غير مستوعبة
"ماذا تتزوجان..كيف!! بهذه السرعة وقد تقابلتما للتو!!"
بإختصار تلقت أجابتها إجابة صريحة مشددة مغلفة بمشاعر قوية:
"لأننا كما قلت نحب بعضنا"
"أنتما مجنونان ياإلهي..هذا لا يصح..إن هذا غير منطقي"
"الحب جنون عزيزتي..الحب لا يعرف المنطق.. أراكِ لاحقاً"
و مضت في طريقها كعادتها مخلفة وراءها صديقة متألمة لتلك الصفعة التي ما توقعتها أبداً منها و لأجل من لأجل رجل خطير مختل.كلا هذا لن يردعها عن قرارها..استجمعت رباطة جأشها وتحركت وهي تقول بحزم وإصرار:
"هذا جنون..سأمنع زواجكِ به.. سأريكِ الدليل فقط إنتظري و سترين..نعم..ستندمين"
أنت تقرأ
لا مفر مني
Chick-Litقرارٌ طائش أودى بها إلى التهلكة ليجعلها حبيسة ماضيها وأوهامها اللامفر منها. تحكم بها ونثر في عقلها بذور الخوف والندم عاشت ظلمةٌ لا تُحتمل فهل من مفر يعصمها المرارة والألم ؟ ملاكي سأحطم أجنحتكِ وأبث فيكِ الرعب سأنسيكِ النعيم وأسحبكِ إلى الجحيم وكلم...