2012
الساعة الخامسة مساءً
إرتدت معطفها الأسود.أخذت حقيبتها وغادرت المبنى متوجهة للبيت،و شرعت تعد الخطط ليوم الغد الذي سيتمم يومها العاشر في العمل..هذا إنجاز يستحق الإحتفال به بلا شك من كان يتوقع أنها ستستمر, حتى هي تعجبت لأمرها, الثقة بالنفس والإرادة هما من حملاها نحو هذه الحياة الجديدة الجيدة.ويا لها من ثقة علّت من مقامها كثيراً.وبينما هي تسير فرحة بإنجازها، صدرت عن جوالها رنة معلنة عن قدوم رسالة.توقفت على الرصيف..أخرجت هاتفها من جيبها و قَرأت المكتوب ..
"لا مفر مني ..أينما ذهبتي فستجدينني أمامك..إحذري ربما أظهر في أحلامكِ الليلة"
قبضت على هاتفها قبضة بانت منها عروقها..صورٌ متناثرة من ماضيها قفزت إلى حاضرها..تلئلئت عيناها البنيتان اللتان استعادتا بريقهما المثير مؤخراً..تخبطت في سيرها و تعثرت وراحت تحركُ رأسها تنفضُ عنها كلماتهُ الرنانةَ في أُذنيها ..تذكرت صوته..تصورته وهو يهمس لها هذه الكلمات بطريقته السامجة المقززة وفي هذه اللحظة المشؤومة صفيرُ شرطي مرور نبهها بالخطر الموشوك وقوعه ..تصلبت في مكانها متمنية أن تغادر روحها هذا العالم البائس..سادَ الظلام في مقلتيها وأنتهى كل شئ.
صرخاتها وإندفاعاتها الهستيرية جذبت أنظار المارة فمنهم من أشفق حالها ومنهم من ذمها..نوبةٌ جنونيةٌ هيمنت عليها بالكامل أنستها ما تفعلهُ من رفسٍ وشتمٍ وصفعٍ بحق الذي يحاول تهدأتها وسحبِها حيث الأمان.أعلن جسدها الضعيف إستسلامهُ أخيراً وخارت قواه وهو بين ذراعي الرجل الغريب.رفعت رأسها ببطئ و بحلقت بوجه مثير للفتيات أعادَ لها حواسها الطبيعية كالبلهاء.في أي حال هي لتفتن بهذا الذي ظهر لها من اللامكان..فطنت لتصرفاتها الطائشة وأُحرجت فبادرت تسأل بصوت متهدج:
"هل أنت بخير ..أعذر تصرفي"
"أنا من يجدر بي سؤالك هل تريدين الموت بهذه الشاكلة أنت حقاً مجنونة"
تعليقهُ الأخير جعلها تعيد النظرَ في حالتها..عليها التأكد من حقيقة ما قرأته وإلا فالجنون سيسيطر عليها مرة أخرى وربما أبدياً!.مدَّ يدهُ لتسلِميها جوالها فتناولته منه وهي تهم بالنهوض.أخذتها قدماها مسرعة لوجهتها التالية تاركةً مُنقذها شهلُ العينينِ خلفها في حيرة من أمره يتساءل عن وجهتها و هي في هذا الحال قلقاً ومحتاراً.اقتحمت مركز الشرطة بثورتها المشتعلة..تبحث بين الوجوه عن وجه تعرفه جيداً، وحين لم تجده سألت عنه مكتب الإستعلامات ليطلبوا منها الإنتظار حتى يتفرغ من تسأل عنه من إجتماعه مع رئيسه.نفذَ صبرُها ورغبت في إقتحام غرفة الإجتماع وجره للخارج فأعاقها عن مقصدها خروجه وهو يبتسم ويتمتم مع نفسه كلمات لم تفهمها.فأخيراً وبعد جهد مضن ظفرَ صاحب البشرة السمراء بالترقية كنائب لمدير مركز الشرطة.وما إن رآها أمامه حتى تلاشت ابتسامتهُ.تنهدَ وتقدم صوبها بقلب مضطرب؛فهي لا تأتي إليه إلا لأمرٍ جلل.تنحنحَ معلناً عن وجوده فرفعت رأسها إليه و طالعته بعينينِ مستنجدتين رق قلبهُ لهما..نظرةٌ لا يمكنه صدها أبداً.مال نحوها وسأل سؤاله المعتاد:
"كيف أنتِ ..خطر جديد؟..وجهكِ شاحب جداً"
بلهجة حادة و نبرة عالية، قالت
"قلت لي بأنه مات ..هل كذبت علي؟..هل كذبتم علي جميعاً..تكلم "
سكتت تحري منه إجابةً تُسكن آلامها و لم يملك إلا أن زفرَ بملل وجلس قربها..ها قد عادت للإسطوانة ذاتها.أدار برأسه تجاهها وقال بلهجة لا تخلو من السخرية:
"هل فقدتِ ذاكرتكِ أيضاً؟ ..يا للأسف ..هل أذكركِ بأنها المرة الألف التي تسألينني فيها هذا السؤال ..ماذا تتوقعين مني..تعرفين جيداً بم سأجيب"
تهجمت عليه وهي تريه هاتفها:
"لو فقدتُ ذاكرتي لما جئتك وتعرفت عليك..لذا إسمعني مجدداً "
"كلا أنصحكِ بالعودة لرشدكِ .."
"أنت كاذب خدعتني طوال هذا الوقت..إن كان ميتاً كما تقول فكيف تفسر رسالته هذه"
"أخفضي صوتكِ ولا تتهميني بتهم باطلة..أرني الرسالة اللعينة"
أعادَ هاتفها إليها وقام من مجلسهِ قبل أن يقول مستنكراً:
"لا وجودَ للرسالة في هاتفك..أظنكِ إختلقتها"
تصفحت جوالها بحثاً عنها ولا أثر كأنها وهمٌ نسجته لفرط تفكيرها به!.كيف هذا؟..دافعت مصرة على موقفها:
"كلا لم أختلقها..يا إلهي ..أُقسم بذلك ..قرأتها ..كيف ..كيف تختفي بهذ الشكل ..قل إنك تصدقني"
"أنتِ متعبة ..دعيني أوصلك للمنزل..مؤكد إنها من وحي خيالك ..لآخر مرة..آليس..صدقي كلامي رأيتهم وهم ينقلون جثته فحصته بيدي هاتين"
ورفع يديه تأكيداً.سائماً،إختتمَ الموقفُ بأن مد لها يده فأخذتهما مهزومة وسارت معه بجسد فقد كل قوة تعينه على الحركة...لم تعد هذه اللحظة تبصر شيئاً سوى الظلام.
صفقت بابَ غرفتها وأتكأت عليه بينما راحت أُذناها تتجسس كلام الشرطي من أنقذها يوم مُصيبتها و هو يعرض مشكلتها على والديها
"على مايبدو أنها لم تتحسن ..كررت علي الأسئلة ذاتها بشأنه زاعمةً هذه المرة تلقيها رسالة منه"
بخيبة أملٍ ويأس قال والدها:
"سأرسلها لطبيبها النفسي مجدداً ..فرحتنا بشفاءها لن تدوم طويلاً طالماً عادت لحالتها"
شهقت والدتها و سمحت للدموع بغزو عينيها..لقد تحقق ما خشياه المرض لن يفارق ابنتهما وحري بهما معاودة علاجها قبل فقدانها. بينما وقفت هي أمامَ مرآة تسريحتها التي لم تفلح والدتها بإزالتها..أمعنت النظرَ في وجهها ..أو بالأحرى ندوبها و تذكرتهُ وهو يخط بسكينهِ المدببة على وجهها، وضحكاتهِ الجنونية رفيقة لياليها القاسية.ضيقت عيناها وأخذتا ترتجفان..موجةُ عنيفة كسابقتها هجمت على جسدها وراحت ضحيتها المرآة بلكمة نثرت الزجاج في الهواء.ثم واصلت نوبتها بتحطيم ما في الغرفة بهستيرية و الباب يكاد أن يُخلع من مكانه لفرط ضربات الشرطي المتوالية حتى تمكن منه بالنهاية وأقتحم غرفتها مع والديها ليجدوها مغمى عليها.
أنت تقرأ
لا مفر مني
ChickLitقرارٌ طائش أودى بها إلى التهلكة ليجعلها حبيسة ماضيها وأوهامها اللامفر منها. تحكم بها ونثر في عقلها بذور الخوف والندم عاشت ظلمةٌ لا تُحتمل فهل من مفر يعصمها المرارة والألم ؟ ملاكي سأحطم أجنحتكِ وأبث فيكِ الرعب سأنسيكِ النعيم وأسحبكِ إلى الجحيم وكلم...