تدق،تدق وتدق

968 86 4
                                    

  السّاعة الثانية عشرة بعد منتصف الليل ..
تستلقي في سريرها .. تراقب الساعة وهي تدق..تدق وتدق..الثواني والدقائق والساعات تهرب منها...الوقت لا ينتظرها بل يمضي مسرعاً أمام عينيها دون أن تشعر به..
أسبوعان !..أسبوعان ولم تحصل على أي نتيجة
ترى أي قضية صعبة تكفلت ؟!..جميع العوامل تحاول أحباطها و ردعها ..لمَ مازالت تملك الإرادة ؟ لمَ مازالت مصرة على حل قضية حصلت منذ اثنين وعشرين عاماً، فهذا لن يقدم ولن يؤخر .. لن يغير شيء .. من مات قد مات و لن تستطيع أعادته إلى الحياة ..
تدق ، تدق و تدق ..صوتها مزعج ..يرن داخل أذنيها .. يجبرها على التفكير رغم أنها تريد النوم..
لمَ لا تذهب وتطفأ تلك الساعة اللعينة التي تمنعها من النوم ؟..لا فهي متعبة او تتظاهر بذلك..ليس لديها القوة والإرادة الكافية لتنهض من على سريرها ..
تدق ، تدق وتدق...الريح في الخارج باردة و قوية ..

تنظر من النافذة..تلمح خيالاً لشيء ما...تُرى من الأحمق الذي يخرج في جوٍ كهذا ؟

أحضرت مصباح وسلطته على ذلك الشيء المتحرك...هذا شاب على ما يبدو..يتحرك يميناً و شمالاً دون توقف...أيبحث عن شيء؟..فتحت النافذة ثم صرخت عبرها

- هيي أنت هناك ..ما الذي تفعله ؟

نظر إليها ثم أكمل السير يميناً و شمالاً..

- يا سيد أنا أكلمك ..

التفت نحوها دون أن يجيب

- أنت حر...كنتُ أود مساعدتك ... إذا أردت يمكنك الصعود سأحضّر لك شيئاً دافئاً تشربه في هذا البرد القارص

نظر إليها مستغرباً كلامها..أي فتاة حمقاء تُدخلُ شاباً غريباً إلى منزلها ؟ .. لمَ يتداول النّاس قصصاً سيئة عنها ؟ .. تبدو فتاة ساذجة بريئة .
ترك الأسئلة تدور في رأسه ثم صعد ودخل المنزل .. ابتسمت ثم قالت بينما كانت تحضر له كُرسياً

- يمكنك  الجلوس
لكنه أكتفى بالنظر إلى عينيها دون أن ينطق بكلمة ..اتجهت نحو المطبخ ثم عادت بعد برهة و وضعت كوبين من الشوكلا الساخنة على الطاولة .. أخذ الكوب من يدها وأكتفى بالابتسام دون الكلام..
- لست من النّوع الذي يتكلم كثيراً

- ربما...

- هناك سؤال يحوم فوق رأسي..أجب عنه وأرحني منه ، لمَ تلاحقني ؟.. ما الّذي كُنتَ تفعله تحت منزلي ؟..

- ليس منزلك
- أتظن أنني لصة ؟

- أسمعي..أعرف جيداً إلى من ينتمي هذا المنزل القديم...

- وألى من ينتمي ؟

- أسرة باوند .

- أحمق !..حاولت أخبارك المرة الماضية..أنا من أسرة باوند

-  لا تبدين مثلهم ..

السّاعة مازالت تدق، و الريح مازالت تعصف .. وهو مازال ينظر إلى عينيها .،لكن هذا لا يروق لها

- أرجوك توقف ..هذا مزعج

قالت بينما كانت تحاول إبعاد نظره عنها ، أقترب منها وأمسك بكتفها بقوة ثم همس داخل أذنها

- لم أرَ فتاةً بهذا الجهل ، كيف تُدخلين شاباً غريباً وأنتِ وحدك هنا ؟
ماريمينت قوية كفاية لتبعده..لم تسمح لأي شاب أن يقترب منها من قبل..لا تعلم لمَ استسلمت وتركت جسدها بين يديه

- غداً صباحاً تجمعين أمتعتك و ترحلين ..

نظرت له نظرةً بريئة خائفة دون أن تنطق

- ألم يكن كلامي واضح يا فتاة ؟

أقترب منها أكثر..حتى أصبح جسديهما متلاصقان تقريباً..لا يفصل بينهما إلا خمسة سانتيمترات

- لست من يعطيني الأوامر يا سيد .. هذا منزل عائلتي و لا يحق لك أن تطردني منه

أبعدت عينيها نحو السّاعة الّتي ماتزال تدق ، تدق وتدق وهو مازال ينظر و يتأمل ويراقب.. كم كانت حمقاء عندما أدخلته .. أعتقدت أن الجميع طيبون مثلها...من يدري ما يخفيه ذلك الشاب من نوايا ..سواءً كانت جيدة أو سيئة .

أبتعدت عنها وجلس على الكرسي ..أمسك الكوب و بدأ يشرب..ثم أبتعد وأتجه نحو المدفاءة

- ألا تشعرين بالبرد ؟
سألها بينما كان يحاول إشعال المدفاءة

- للتذكير فقط..هذا منزلي

- وأنا أحببت أن نضفي جواً دافئاً..ربما تصبح علاقتنا أفضل
ابتسمتْ له.. لا تعلم لماذا مع أنها تحمل بعض الغضب داخلها أتجاهه.. كانت قوية كفاية لتواجه الجميع إلا أنها ضعيفةٌ أمامه ..

ما وراء عينيكِ | H.Sحيث تعيش القصص. اكتشف الآن