عرابي

36.1K 683 63
                                    

في ليلة ماطرة تبذخ بها غيوم السماء بأمطارغزيرة تتعانق بها أغصان الأشجار بطريقة عشوائية لتعصفها العاصفة وتتشابك أطرافها بخشونة وقساوة كقساوة تلك الأيام ووحشتها التي يتعايش معها ذاك الطفل كل ليلة بين تلك الجدران ، يتكأ على الحائط الرطب والمتغلغل بمياه الأمطار ، يتكور بجلسته ويتوه بنظرته أليتيمة مجدداً  كعادته ، ينظر بهم متثاقل ويطلق أهاته البريئة التي حان وقتها قبل ميعادها المعهود، يرتجف جسده برعشة مستميتة ، تلك الرعشة التي سكنته منذ رحيل والدته ، أغمض عينيه فيضع رأسه  بين كفوف يديه الناعمتين ، تغلغل الشر إلى داخله مجدداً واستباد له مرشداً ، رفع رأسه ينظر لذاك الباب المثقل بالأفكاروالتدابير ، ينظر بترقب وحيطة وعيناه تحاوطان المكان كالذئب الذي ينتظر ولادة اللحظة ليوقع بها الغنيمة لغاياته المجهولة، عاد برأسه مسرعاً وتلحف بغطاءه متستراً كباقي الأطفال المستنجدين ، أغمض عينه بتمثيل متقن ليتسرب إليه بصيص ضوء بسيط يتسلل لأنظاره من فتحة الباب العتيق ، يقف ذاك الرجل جثيث القامة ككل يوم وفي الوقت ذاته  ليحاوطه ظله المريع وينادي بصوته الغليظ .

- هيا، هيا أيها العجوز قم بلم المهملات قبل أن تأتي تلك الشمطاء ولن يحل علينا صباح إذا رأت تلك القمامة .

يسرع العجوز بالدخول ليمسح القاعة بنظرة متفحصة منه من ثم قال بصوت مطيع .

- نعم سيدي .

التفت ذاك العجوز ليرى خلفه من ثم قال متداعياً .

- أووه سيدي ،هناك مايجب عليه بضبه هنا بقرب باب القاعة قبل دخولي لقاعة الأطفال .

التفت ذاك الحارس لينظر له بجبين مقتضب من ثم قال .

- وماذا هناك ؟ دعني أرى مالذي وجدته .

أنتهزالطفل تلك البرهة التي التفتا بها بظهريهما من ثم ركض نحو الصندوق وأختبئ بداخله ، عاد الحمال المسكين ليقول للحارس الغليظ ببسمة .

- حسناً الأن سأحمل هذا الصندوق .

رفع الصندوق على ظهره ليكتم آهاته فيلاحظ ذاك الحارس معاناته على التحمل فقال له بأشارة من يده أمراً .

- لما تطلق آهاتك هكذا ،مابداخل ذاك الصندوق لكي يكون بهذا الثقل .

من ثم تقدم نحوه بخطوات مستتبة والرجل يهز برأسه مرتبكاً ،لملم الأمر بدهاء فقال .

- أووه سيدي صوت خطوات مديرة الدار ، هيا دعنا ننجزعملنا قبل أن توبخنا سيدة هذا الدار .

حمل ذاك الرجل المسكين بكل مايحمل من قوة ليخرج من الدار والصندوق على ظهره ، حمله كدهر من السنين الملغمة بالهموم والأنين ، أبتعد عن الدار بخطوات ثابتة ومن ثم بدأ يخطي بخطوات أسرع فأسرع ، التف حوله ليلتقط أنفاسه بصعوبة بائنة ، بلع ريقه الناشف من ثم قال .

عرابي حيث تعيش القصص. اكتشف الآن