عرابي

الأسود أجمل

نظر لها بعيناً باسمة ليأخذ شهيقاً مسموعاً وكأنه يحدثها ببسمته تلك عن التجارب التي رافقت مسيرته وعلى الرغم من شباب قلبه ولكنه بتجاربه قد شاب .

جلس بجانبها مصغياً ليكمل بقوله مواسياً .

- ولكن الذين نحبهم لايجعلوننا نحزن هكذا، اذا شعرتي بالحزن برؤية هذا الشخص فهذا يدل بأن ليس هناك حب من الأساس  ،الذي يحب يجعلك تبتسمين برؤيته و بمجلسه وبذكراه ولا يدعك بهذا الحزن وتلك الدموع والسبب في تحطيم مشاعركِ هو انتِ .

تجمعت دموعها لتتجمد داخل عينها وهي على أضطرابها الذي بان على أفكارها ،ألتقط من بين يدها تلك السيكارة ورمها بعيداً ليهز رأسه مؤكدا على كلامه فقال بصوت رزين .

- نعم السبب أنت ،أنت إذ لم تبتسمي بذاكراه فهذا يعني بأنك قد ظلمتي نفسك كثيراً معه وأنت الأن تشتاقين لحسنا قبل رؤياه لو أنكِ أحببتيه لفضحتك عيناكِ فعينك جامدة وخالية من تلك اللمعة حين لقياه.

خرست بالكامل وهي تستمع إليه ، ظل يناظرها بعينه المصرة على انتشالها من ضياعها ، خفضت رأسها وتدلى حزنها بعد أن حاوطتها حيرتها نتيجة كلامه ، كلامه الذي قلب لها مواجع من مشاعر متضاربة لابد من أن تنهض وتجتثها من تلك الحقبة التي أضاعت لها الكثير من أيامها ، رفعت عينها وظلت تناظره مستنجدة إلى أن أكد لها شكوكها بمواعظه .

- والأنسان الذي يجعلك تشتاقين إلى نفسك وذاتك وأنت بهذا الحزن ، هذا إنسان لم يحبك بتاتاً بل ساعد على ضياعك وضياع أيامك وجعلك في مكان آخر وبعيد كل البعد عن ذاتك .

أطلقت العنان لدموعها بوفرة ، ظل ينظر لها بنظرات صامدة وكأنما يحاكيها بتلك النظرة ويقول لها أبكي وأبكي  وقولي ، ظلت على تلك الجلسة مع مجموعة من الذكريات تمر على خاطرها بألم مزق لها ذاكرتها ،  تناست من هو ومن هي ولما هي باكية أو جالسة لتسترسل بقولها وبكلام غير مفهوم وبصوت مهموم.

- لم أكن إلا فتاة أحبت بنية صادقة ، أحبت وأعطت من قلبها  ووفيت بحبي وإخلاصي ، والتمست الأعذار بتقصيره معي وبحقي وكم من مرة داويت جروحي بأخطاءهم وتغاضيهم عني ، أقنعت حيرتي وربت على شكي بغيابهم ، مع أني أعلم وكلي يقين بأنه حطم فؤادي بخيانته لي وباع حبي لشراء غيري وغدري من دون حسبان  هذه أنا وهذا هو حظي  ، أنا والحظ مثل الزيت والماء يستحيل ان نتساكن ونمتزج سوياً .

ينصت يحيى بتمعن إلى أن ثارت بملامح وجهها واستنكرت بقولها .
- ومن بعده كرهت كل الرجال أجمعهم ، كرهت الذي أحببته كرهت أبي وكرهت رجال أمي، كرهت رجال هذا الكون كلهم .

تبسم يحيى ببسمة خفيفة لينظر إلى الأفق البعيدة من ثم عاود النظر إلى عينها الدامعة فيقول بمزاح .