✒ قبل فترةٍ توفي شخصٌ لا أعرفه ، و لكنّني بكيتُ عليه ، دعوتُ له بصِدق ، و شعرتُ بحُزنٍ داخلي سيطر عليّ ليومين متتاليين.
لم أعرفه ، و لكن الكثير مِن أصدقائي عرفوه ، ترحّموا على روحِه ، دعوا له ، كتبوا عنه أجمل كلماتِ الرّثاء ، حتّى امتلأت صفحاته على مواقِع التواصل الاجتماعي بكثيرٍ مِن مشاعر اللّوعة و الأسى. اندرج بعدها بيني و بينَ نفسي كمُّ أسئلة ، هل علم هذا الشخص كم أحَبّه أصدِقائه ؟ هل علم أنّه غيّر حياة فلانٍ في ذلك الموقف ؟ هل علم بأنّ فلانةً لم تنسى مساعدته لها في تِلك المُشكلة ؟ هل علم بأنّ ضِحكته في الصّباح كانَت تجعل المكتَب يُشرق كما كتبَ له زميله في العمل ؟ و أنّ فُنجان الشّاي الّذي كان يحضّره كان مِن ألذّ ما شربه أخوه في حياتِه ؟
لماذا علينا أن ننتظر إلى أن يرحلوا لنخبرهم ماذا كانوا يعنونَ لنا! أو ماذا تعلّمنا منهم! كيفَ أثّروا بِنا ، أو حتّى لنُخبرهم كم نُحبّهم!
"شعوب عربيّة" ، نعم "كشعوبٍ عربيّةٍ" نحن ، نميل للخجلِ العاطفيّ ، نميل لإخفاءِ المشاعر ، تربّينا على ذلك ، على أنّ "الرّجال ما بتبكي" ، و "ما تدلعيه ، بينجلق" ، و على "ما تحكيها حكي حلو بيكبر راسها".
بالرّغم مِن أنّنا لسنا شعوبًا باردة أو جافّة عاطفيًّا ، بل على العكسِ تمامًا ، نكاد أن نكون الأكثر عاطفيّة فنحنُ نفيض بالمشاعر ، إلّا أنّنا نخبّأها و نخجل مِن أن نعبّر عنها لمن نُحبّهم ، و لا نُخبرهم.
لم لا تُرسلي لأخيكِ رسالةً تُخبرينه كم تُحبّينَ كلمة "إختي" مِنه ؟ لم لا تُقبّل يد والدتكَ قبل ذهابكَ للجامِعة و تخبرها بأنّ "طبخها" هو الألذّ في العالم ؟ لم لا تتّصل بزوجتِك عندما تخطر ببالِك أثناء عملك و تقول لها ببساطةٍ "اشتقتلّك" ؟ لم لا تُخبري زوجكِ بأنّكِ فرحتي بالأمس عندما مدح بكِ أمام أهلكِ ؟ لم لا تُعانِقي صغيركِ قبل ذهابه للمدرسة و تُخبريه بأنّه مُشاكِس و لكنّكِ مشتاقةٌ لعودتِه ؟ لم لا تُخبِر أستاذكَ بأنّك تعلّمتَ مِنه الكثير ؟ لم لا تُخبري جدّتكِ بأنّ هذا العيد هو الأجمل لأنّها بينكم ؟ لم لا تُخبِر بائِع الحلوى أنّ ابتسامته هي الّتي تجذبكَ لشراء حلوياته ؟
لم لا تُخبِرهم و أنتَ اليوم واحِدٌ منهم ، ربّما ترحل قبل أن يُخبِروك هم أنفسهم! هل فكّرت يومًا أنّكَ بإخبارهم هذه التّفاصيل الصّغيرة ستجعَل قلبهم الغارِق في متاعِب الحياة ينبِض فرحًا قبل رحيلِهم أو حتّى رحيلِك ؟
لم أجِد تعريفًا مُناسِبًا لكلمة الحياة ، فاترُك أثرًا طيّبًا لك أينما حللت فيها ، و قبل أن تُفكّر كثيرًا ، أخبِرهم قبل أن يرحلوا.
اوووه! هذه الصورة لا تتبع إرشادات المحتوى الخاصة بنا. لمتابعة النشر، يرجى إزالتها أو تحميل صورة أخرى.